روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ، ومن هذا المحروم فنعزيه.
وعن ابن مسعود أنه كان يقول : من هذا المقبول منا فنهنيه ، ومن هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك...
ماذا فات من فاته خير رمضان ، وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان ؟
كم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران ؟
رب قائم حظه من قيامه السهر ، وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش...
شهر رمضان تكثر فيه أسباب الغفران ، فمن أسباب المغفرة فيه صيامه وقيامه ، وقيام ليلة القدر فيه.
ومنها الذكر ...
ومنها الاستغفار ، والاستغفار طلب المغفرة ، ودعا الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره ، ولهذا كان ابن عمر إذا أفطر يقول : اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي.
ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروماً غاية الحرمان ، في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : "آمين آمين آمين. قيل يا رسول الله : إنك صعدت المنبر فقلت : آمين آمين آمين ؟ قال : إن جبريل أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات دخل النار فأبعده الله قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل : آمين ، فقلت : آمين"...
من يقبل من رد في ليلة القدر ؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان ؟ متى يصلح من كان به فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان...
لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتباً على صيام رمضان وقيامه أمر الله سبحانه وتعالى عند إكمال العدة بتكبيرة وشكره فقال : (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هدكم ولعلكم تشكرون) فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم به وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته ، وقد فسر ابن مسعود رضي الله عنه تقواه حق تقاته بأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر.
فيا أرباب الذنوب العظيمة : الغنيمة الغنيمة في هذه الأيام الكريمة ، فما منها عوض ولا لها قيمة ، فمن يعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العظيمة ، والمنحة الجسمية ، يا من أعتقه مولاه من النار إياك أن تعود بعد أن صرت حراً إلى رق الأوزار ، أيبعدك مولاك من النار وتتقرب منها ؟ وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها ؟...
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر ، فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث ، ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين : إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة...
وفي وداع رمضان، واستقبال العيد قال الأستاذ الإمام محمد عبدالعظيم الزرقاني مبيناً كيفية الاستفادة من رمضان وحسن استقبال العيد :
هل هلال العيد السعيد يشع على العالم الإسلامي إشعاع السرور والغبطة ، ويبعث فيه روح البشر والبهجة ، ويحمل إليه رسالة التهنئة ، مكتوبة على جبين السماء بحروف من نور ، فيها إمتاع للنفوس وشفاء لما في الصدور ، وإنها لتهنئة كريمة من وافد كريم لشعب كريم ، ولكن ... ولكن على أمل أن يكون هذا الشعب الكريم قد خرج من مستشفى رمضان سليماً معافى ، وصحيحاً قوياً ، يواجه الحياة بنفوس غير الأولى ، ويحل مشاكلها بعزائم سوى الغابرة : بعزائم جديدة فتية قد صهرها الصيام ، وصقلها القيام ، وصنعها على عينه رمضان ، فإذا هي من سلالة تلك العزمات الإسلامية الصادقة ، وعلى غرار تلك الهمم الوثابة ، التي أنجبها الإسلام في عصوره الأولى لحماية عرين الإنسانية ، ولحراسة محراب الفضيلة.
فينا اليوم أمراض متشابهة : من رخاوة وانحلال ، وبخل وشح ، وجبن ووهن ، وذلة وخنوع ، وكان حظ الصيام منا أو كان حظنا منه أن تتبدل رخاوتنا صلابة ، وانحلالنا تماسكاً ، وبخلنا بذلاً ، وشحنا تضحية ، وجبننا شجاعة ، ووهننا قوة ، وذلتنا عزة ، وخنوعنا طموحاً ، فهل ظفرنا بما أردنا أو بما أراد الصوم منا ؟ إذا كان ذلك فقل : يا بهجة العيد ، ويا سعادة الحظ ، ويا أمنية النفس وإذاً يجب أن نحافظ على هذا الانتصار فلا نتقهقر إلى الوراء ، ولا نتردى مرة ثانية في هاوية ذلك الداء ، إن عاد كان أوجع ، والمريض إن انتكس صار في خطر.
أما إن كنا قد خرجنا من رمضان بخفي حنين نشعر بتعذيب الجوع ولم نصل إلى تهذيبه إذا فقل : يا خيبة الأمل ، ويا ضيعة العمر ، ويا فجيعة الرجاء !