نظــارة طبيــة
جلس حيث أجبر على المقام، تباعدت به المسافات عن المقدمة، تقترت عليه الرؤية بوضوحها، يحاول الوقوف للحصول على أفضل السيئ من تلاشي الحروف، تتعالى عليه الصيحات خلفه بأن يجلس، قامته الطويلة هي التي قادته إلى المؤخرة، تمنى لو أبدله الله قصر القامة بقوة النظر، نظارته الطبية باتت عديمة الفائدة، لم تسهم ولو بقدر ضئيل في تبديد الغشاوة من أمامه، لم تضف عدساتها شكلاً جديداً لعينيه المتخاصمتين، تقفز عن وجهه.. تنكسر تحت الأقدام كلما تزاحم عليه زملاؤه بأزواج الأصابع ( دول كااام؟) سلم أمره لله، اعتمد على حاسة السمع، كان يستمتع بما تبقى له من النظر بطابور من النمل على الجدار جواره، تلتحفه السعادة لتمكنه من رؤية أصغر المخلوقات، لكن انشغاله بمتابعة هذه الطوابير يجلب له زجرات المدرسين لعدم الانتباه، يقسم بأنه يستمع لكل كلمة تقال، يسألونه عن آخر كلمات نطقوا بها، يجيبهم بثقة فائقة، تلثم وجوههم الدهشة، يربتون على كتفه كنوع من تغليف الاعتذار، يطلبون منه الجلوس في الأمام، يلبي طلبهم، تتعالى عليه الصيحات بأن يعود للخلف، تذكر طابور النمل هناك، عاد حيث يرغبون.. خلع نظارته، ألصق رأسه بالجدار.. أجهش بالبكاء.
للقاص .. محمد سامي البوهي
k/JJhvm 'fdJJm>>! kùüüçRé ~èdüüé