يحترم المسلمون رسولهم الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعظمونه ويبجلونه ويتبركون بآثاره الشريفة، وقد وردت في ذلك عدة أحاديث صحيحة للتبرك بعرقه وريقه وماء وضوئه وملابسه وشعره (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك ما روي عن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أنه جعل في قلنسوته "عمامته" من شعر النبي (صلى الله عليه وآله سلم)، فكان يدخل بها في الحرب، فسقطت له يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة انكر عليه أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقتله من قتل فيها من المسلمين، فقال: إني لم أفعل ذلك لقيمتها، لكني كرهت أن تقع بأيدي المشركين، وفيها من شعر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم). وقد بلغ من حب الصحابة والتابعين أنهم كانوا يرون اقتناء شعرة واحدة من شعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أحب إليهم من الدنيا وما فيها، فقد ورد في شمائل الرسول لأحمد عبدالفتاح زواوي قوله: (عن ابن سيرين: قال: قلت لعبيدة: عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس: فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها)، أي ان أحدهم لو خير بين الدنيا بما فيها من الأولاد والمال والحلائل من النساء، وبين شعرة واحدة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ما تردد ولاختار الشعرة، فهي أرجح عنده في الميزان من الدنيا وما فيها، فأي حب كان هذا الحب. وتنبه أخي القارئ أن ابن سيرين لم يكن من الصحابة، ولكن من التابعين، أي أن الشعر كانوا يحتفظون به مدداً طويلة، وكانوا إما يتوارثونه أو يتهادونه فيما بينهم، لقول ابن سيرين عن شعر النبي صلى الله عليه وسلم (أصبناه من قبل أنس) هكذا كان ولعهم وحبهم في تتبع كل ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا أنه مما يؤسف له أن أكثر مقتنيات النبي صلى الله عليه وسلم تمتلكها اليوم تركيا وخصصت متحفاً لذلك وكثير من الناس يحرصون على زيارته والتمتع برؤية تلك المقتنيات، وقد تهدي تركيا إلى بعض الدول شيئاً من تلك المقتنيات، فقد أهدى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى الشيشان ثلاث خصلات من شعرات الرسول صلى الله عليه وسلم في 26 كانون الثاني 2012م، وجرى لها استقبال كبير في غروزني عاصمة الشيشان، واشترك في هذا الاحتفال المهيب رئيس وأركان الدولة والعلماء، وتم حفظ تلك الشعرات النبوية الشريفة في إحد مساجد العاصمة غروزني، ويمكن رؤية هذا الاستقبال الكبير على اليوتيوب. وفي العراق أهدى السلطان عبدالحميد الثاني في سنة 1891م قارورة صغيرة تضم"الشعرات النبوية الشريفة" إلى مرقد الإمام ابي حنيفة، وهي ملفوفة بقطع من الديباج موضوعة في داخل صندوق صغير من الذهب يحمله جمل مكلل بالستائر الخضراء، وقد فرح أهل بغداد لهذا النبأ وقاموا باحتفال رسمي عظيم لاستقبال هذه الشعرات المباركات، إذ امتدت صفوف العساكر من باب المعظم إلى جامع الإمام أبي حنيفة، وجاء والي بغداد ماشيا وبيده زمام البعير يحف به الاعيان وكبار الموظفين، وسار الموكب بالدفوف والاعلام والتكبير والتهليل والصلوات والادعية يصحبه العلماء وخطباء المساجد والائمة والوعاظ وفرقة من الجيش العثماني وجموع غفيرة من الناس يحملون المباخر ويرشون ماء الورد على الجموع، وهم يتدافعون على لثم الصندوق، وكان يوماً لا مثيل له في تاريخ الاعظمية، وكان مع الشعرات النبوية الشريفة، قطعتان من ستارة الكعبة المشرفة، وقد خصصت لها أيام محددة تخرج لتتبرك بها الناس، وكان والي بغداد الحاج حسن باشا يخرجها بنفسه تبركا بها، وقد عينت الحكومة العثمانية موظفاً يتولى اخراج هذه الشعرات النبوية الشريفة في الجمعة الأخيرة من رمضان. وصدر الفرمان بتعيين السيد عبدالعزيز المتولي بن السيد عبداللطيف بن محمد بن احمد العبيدي في سنة 1891م وبقي في هذه الوظيفة الشريفة إلى وفاته سنة 1908م، ثم عين بعده ولده السيد نوري المتولي، وبعد حين ألغي هذا الأمر ولم يصبح هناك موظف خاص بالشعرات النبوية المباركة، ثم عين السيد نوري سادنا للحضرة سنة1962 م إلى وفاته سنة1976م، وما زال جامع الإمام أبي حنيفة يحتفظ بهذه الشعرات النبوية الشريفة، ويتولى إخراجها للناس إمام الجامع قرب ضريح الإمام أبي حنيفة في ليلة المولد النبوي الشريف والجمعة الأخيرة من رمضان وليلة القدر، وفي بعض الأحيان بعد صلاة العيد، ويتزاحم الناس على تقبيلها والتبرك بها، كما تعرض للوفود الرسمية من رؤساء ووزراء الدول الإسلامية عند زيارتهم للجامع لمشاهدتها. وهناك بعض البيوتات والعوائل العريقة تدعي أنها تمتلك شيئاً من شعرات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها تتوارثه من اجدادها، والله وحده أعلم بصحة ذلك.