حديث الصيام
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه )
في شهر رمضان المبارك يكثر المسلم من تلاوة القرآن وتدبره ، ففي مثل هذا الشهر الفضيل نزل القرآن العظيم ، وكان فرقانا بين الحق والباطل ، بين الكفر والإيمان . بعد أن تجلت فيه بينات الهدى وبدا الفرق واضحا بين الظلمات والنور .
والمتدبر لكتاب الله يرى عرضه للصراع بين الكفر والإيمان منذ عهد آدم عليه السلام حتى ظهور الإسلام وأخبر عن استمراره إلى يوم القيامة . وقد كان الصراع ماثلا بشقيه الفكري والمادي حتى وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
ولم يكن الأذى الشديد الذي ناله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه البررة ليثنيهم عن العمل لتحقيق الغاية التي عملوا من أجلها وهي إظهار الإسلام { ليظهره على الدين كله } وبعد أن ظهر بإقامة أول دولة إسلامية استمر الصراع مع الكفر وأهله حتى عصرنا الحالي حيث هدمت دولة الخلافة الإسلامية ، وغاب الإسلام عن الحياة _ العلاقات _ وحلت أفكار الكفر وقوانينه ، وتقلبت على الأمة عهود من الذل ، وفقدت العزة والكرامة ، وتكالبت دول الكفر على إذلال المسلمين والدوس على كرامتهم ونهب مقدرات بلادهم .
وبعد أن تفردت أمريكا بقيادة العالم ، ازدادت الهجمة شراسة على الإسلام والمسلمين ، وظهر ما عندهم من حقد موروث ، وبدت العداوة والبغضاء من أفواههم وقد سبق لأجدادهم الصليبيين أن استحبوا العمى على الهدى بعد أن نظروا لنور الإسلام بأعين مغمضة .
وقد يظن بعض المسلمين أن هجمة أمريكا والكفر على بلادهم هو بدافع نهب ثرواتها فحسب ، لذلك غزت أمريكا الخليج في المرة الأولى وهي تحضر لغزوه مجددا .
والحقيقة أن المسألة تتعدى نهب الثروات وأخذ الخيرات إلى تغيير بنية المجتمعات وإعادة صياغتها ، فهي قد ثبتت أقدامها في الخليج ، وخدمها في ذلك حكامه وعلى رأسهم صدام حسين . أما المسألة الآن فمختلفة ، فهي تريد لهذه الأمة أن تتحلل من إسلامها بعد انتباهها من غفلتها ، حيث كان الكفر قد صال وجال عقودا طويلة بعد هدم الخلافة ، ولما بدا لأمريكا والغرب عامة أن هذه الأمة باتت تشحذ إرادتها للانطلاق وكسر كل قيود الكفر أخذوا يختلقون الذرائع لتركيز الهجمة عليها تارة لتجفيف " منابع الإرهاب " وأخرى للتخلص من " حواضن الإرهاب " ويقصدون بذلك المدارس الشرعية ودروس المساجد وبقايا ما يدرس في المناهج مما له علاقة بالجهاد والعداء للكفر والكفار ، وهم لا يكفون عن مهاجمة مفاهيم الإسلام عن الحكم وإمكانية تطبيق الإسلام بعد أن استيقنوا أن المسلمين لا يرون حلا لقضاياهم إلا بإيصال الإسلام إلى الحكم وتطبيقه في واقع الحياة ، وقد سبق أن ركزوا على إيهام الناس بفشل الإٍسلام إذا وصل إلى الحكم ، واصطنعوا لذلك نماذج صنعوها على أعينهم ، كل ذلك لإيجاد النفور من وجود الإسلام في سدة الحكم ، وقد أخذوا مؤخرا بالترويج لما يسمى بـ " الإسلام المعتدل " الذي سيكون السلاح الجديد الذي يشهرونه على مفاهيم الإسلام الصادقة ، وسيتولى كبر السير في هذه الهجمة من جندوهم ويجندوهم من فقهاء السلاطين ، وسيركزون من خلال هذا " الإسلام المعتدل " على محاولة إزالة كل مفهوم عند المسلمين يظهر أمريكا والغرب الكافر كأعداء لهذه الأمة أي انتزاع كل ما يدفع الأمة للانفجار في وجه الكفر والكفار ، وإظهارها أنها لا تقابلهم بمواجهتهم وصدامهم بل بالخنوع والذل المغلفين تضليلا وزورا وبهتانا بما يذكرونه عن تسامح الإسلام ووسطيته .
بل إن مسألة نهب الثروات يختلف فيها قصد أمريكا ودول الغرب الكافر إذا ما كانت المسألة تخص بلاد المسلمين ، فهي بالنسبة لبلاد المسلمين فإنها تسعى لتجريدهم من قوتهم المادية قبل تشكل إرادة المسلمين وتصلبها للانطلاق من جديد بإيجاد كيان لهم ، بل وكانت بعض الاتفاقيات التي عقدها الكفار مع بلاد المسلمين ذرائع جاهزة للتدخل ، يضاف إلى ذلك إثارة مسألة خرق حقوق الإنسان وغيرها ، أما هذه السنوات الأخيرة فقد باتت ترسي عرفا دوليا يمكنها من التدخل الفوري وذلك ما صار يعرف بسياسة " مكافحة الإرهاب " ، حيث غدت الدول منقوصة السيادة رسميا ، وقد أصبح الاتهام لدولة ما بأنها تحتضن " الإرهاب " أو تؤويه أو حتى لا تسير مع أمريكا في محاربته " إما معنا أو مع الإرهاب " كافيا للتدخل المباشر واعتبار سيادة الدول أو الدولة المقصودة أمرا لا قيمة له ، وليس ما حصل بالأمس في اليمن قرب مأرب من قتل لبعض أبناء المسلمين بصاروخ من طائرة أمريكية ، وبذريعة الاشتباه بعلاقتهم بـ "الإرهاب " إلا مثالا صارخا على عدم اعتبار سيادة الدول أمام تأمين مصالحها وتحقيق سياساتها .
لقد كانت الدول الاستعمارية تعمد إلى تقسيم الدول المستعمرة إلى أجزاء ليسهل عليها التدخل والاحتفاظ والسيطرة عليها ، ولكن أمريكا اليوم جعلت هذا الأسلوب ليس بكل تلك الأهمية بعد تمكنها من إرساء أعراف تؤدي إلى كسر سيادة الدول وتحطيمها حتى تغدو سيادة الدولة سخرية وبلا قيمة في ظل العولمة ( الوجه الآخر للاستعمار ) والتفرد .
وبعد هذا كله قد يظن ظان عدم إمكانية وقدرة المسلمين على الوقوف في وجه أمريكا وغزوها للعالم وبقية بلاد المسلمين خاصة ، ولكننا نذكر المسلمين بأن الأساس العقائدي الذي قامت عليه أمريكا باعتبارها رأس الكفر وكذلك بقية المعسكر الغربي إنما هو أساس باطل، والباطل لا بد زاهق أمام الحق وهو الإسلام( إن الباطل كان زهوقا ) .
ونذكر المسلمين بأن حضارة أمريكا ودول الغرب الكافرة قد بنيت على أساس مادي أهملت فيه كل القيم من روحية وإنسانية وأخلاقية وأعلت من شأن القيمة المادية النفعية والتي تورث من يسعى لها الشقاء والصراع على المنافع ، ولم تخلف حضارة في تاريخ البشر حربين عالميتين مدمرتين أزهقت فيهما عشرات الملايين من الأنفس كما خلفت مثل تلك الحضارة المادية التي لا تعرف إلا مقياس المنفعة ، وتؤدي بذلك إلى نهب الخيرات وسلب إرادة الشعوب وسيادة الدول ، فهي حضارة غير إنسانية ، لا تورث السعادة للناس وتحفز بوجهها البشع الأمم والشعوب للفظها والتخلص منها ، ومن كانت هذه حضارته وهذا وصفها فإنها حضارة قصيرة النفس ، ذلك أنها تحمل بذور فنائها معها وأن بقاءها ناتج عن خلو الساحة من الحضارة الإسلامية التي تجسد مفاهيمها دولة الخلافة الإسلامية .
ونذكِّر المسلمين بأن الله تكفل بالنصر لمن ينصره ، فبعد أن انتبه المسلمون إلى الإسلام وأخذت أنظارهم تتجه إلى أنه هو الحل لكافة قضاياهم كان لا بد من أن ينطلقوا انطلاقة ( المارد من القمقم ) فتتصلب إرادتهم ويوطنوا أنفسهم على التضحية لإعادة الإسلام إلى واقع الحياة ، فهم بعقيدتهم وتمسكهم بها أشد سطوة من المارد في عيون عدوهم ، بل وكأنهم لا يستشعرون قوتهم وإمكانياتهم وضرورة الخروج من القمقم الذي يحشرون أنفسهم فيه .
إن عصابات الكفر التي تحكم بلاد المسلمين لو كانت تعقل ما سارت مع أمريكا خطوة واحدة بعد أن شاهدوها كيف تجازيهم على عبوديتهم لها ، ولو كانت الأمة بجيوشها والمتنفذين من أبنائها أكثر انتباها لعلموا مدى سهولة تخليص العباد والبلاد الآن من يد أمريكا قبل أن تذبحهم وتذبح أبناءهم بسيفها الذي تخوفهم بوهجه . ولو كان أبناء الأمة أكثر انتباها لأخذوا على أيدي المؤثرين بينهم كي لا يغرقوا جميعا وهم ما زالوا يملكون أطواق نجاتهم بأيديهم ويملكون كسر عصا أمريكا حيث تشكل عصابات الحكم في بلادنا أجزاء من تلك العصا التي تلوح لنا بها .
إن شهر الصوم كان على مر تاريخ المسلمين شهرا فاصلا لمعارك حاسمة وصراع دام بين الإسلام والكفر ، فبه تتجدد عزيمة الأمة فتقبل على التضحية والبذل والعطاء رجاء نيل ما وعدهم الله به من أجر ومثوبة ، وخير ما كانوا يجودون به في هذا الشهر العظيم وما يتقربون به إلى الله هو أرواحهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام وحمله إلى العالمين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، فكيف بنا اليوم وقد ضاع سلطاننا وتمزقت أمتنا واحتلت مقدساتنا وسفكت دماؤنا وانتهكت أعراضنا وهدمت بيوتنا وضيق علينا أيما تضييق في شؤون حياتنا ، وعلت أحكام الكفر وقوانينه في ديارنا بل وحورب الإسلام من قبل الحكام وأدواتهم وأسيادهم ، كلهم اجتمعوا لطمسه ودك معالمه بعد أن غدت تخيفهم حركة المسلمين على أساسه ، ليسهل إبقاء المسلمين تحت ذل أولئك العتاة المجرمين وجبروتهم .
فهل يكون هذا الشهر الفضيل قبسا للمسلمين ينهلون منه العزيمة والمضاء ويسعون فيه إلى تحطيم الكفر وأنظمته وإزالتها من بلادهم ويعملون مع العاملين لإيجاد الإسلام في واقع الحياة والدولة والمجتمع بإقامة دولة الخلافة الإسلامية ؟؟.
الله نسأل أن يمن على هذه الأمة بأمر رشد يعز فيه أولياؤه ويذل فيه أعداؤه ويطبق فيه كتابه وسنة نبيه ويعود الإسلام عزيزا وينال المسلمين عزة دينهم فيعزوا بين الناس .
(هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين).
ــــــــــــــــــ
بتصرف عن :
مكتبة الأمة { أرشيف } .