في السياق نفسه يروي الطبري القصة التالية ضمن حديثه عن سير عمر. يقول: "عن سلمان (الفارسي) أن عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر، ثم وضعته في غير حقه، فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر" (نفسه، ص211). واضح أن عمر هنا كان يدرك الفرق بين الملك وبين الخلافة. وواضح أيضاً أنه كان خائف من أن يكون قد انزلق في حكمه نحو الملك وابتعد بالقدر نفسه عن منهج الخلافة. ما هو الفرق بين الاثنين؟ حسب هذه الرواية يتمثل الفرق في كيفية تعامل ولي الأمر مع مال المسلمين. هذا المال هو مال المسلمين لأنه مأخوذ منهم على شكل جباية، أو ضرائب. وبما هو كذلك، يجب أن لا يصرف أو يوضع في غير حقه. والمقصود بغير حقه في هذه الرواية، أن لا يأخذ ولي الأمر من بيت مال المسلمين، ولا يعطي منه إلا كلا حسب حقه. لاحظ أنه لم يستخدم "كلمة نصيبه"، بل كلمة "حقه". والحق في هذه الحالة مقرر حسب ما جاء في القرآن والسنة. عدم الالتزام بذلك يجعل من ولي الأمر ملكاً وليس خليفة للمسلمين. عندما قال سلمان ذلك، يقول الطبري، إن عمر "استعبر"، أي بكى من شدة الخوف. هذا رغم أنه، وكما قال في الاستشهاد السابق، "قد حرم أهله".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية،إذا نسبت أيامه إلى من بعده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واتفق العلماء أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك،كان ملكه ملكاً ورحمة (الفتاوى (4/47).
قال الذهبي: أمير المؤمنين ملك الإسلام.
وقال: معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم.
قال ابن كثير في ترجمة معاوية (البداية والنهاية 8/122): وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين.. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو.
قال ابن أبي العز الحنفي في (شرح العقيدة الطحاوية (722): وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين.
وروى الإمام الهيثمي: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن معاوية: " أول هذا الأمر نبوةً ورحمة، ثم يكون خلافةً ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة ". فمعاوية أول الملوك مباشرةً بعد حقبة الخلافة المباركة.
كان معاوية أول من أوصى بالملك لولده من الخلفاء
وفي مسند بن أبي شيبة ورد أن معاوية رضي الله عنه كان يعلم أنه أول ملوك هذه الأمة ولكنها ملك ورحمة
حدثنا الفضل عن ابن أبي غنية عن شيخ من أهل المدينة قال : قال معاوية : أنا أول الملوك .
قال ابن كثير:
وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له :
هل تنازع علياً أم أنت مثله ؟
فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل وأحق بالأمر مني ..
ونقل ابن كثير أيضاً عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال :
لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته ؟
فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم
و أخرج الإمام أحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم علّم معاوية االكتاب وقه العذاب "
وثبت في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث عبدالرحمن بن عميره
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: ( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به )
قال ابن عساكر :
وأصح ما روى في فضل معاوية حديث أبي جمرة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبي عليه الصلاة والسلام منذ أسلم نقله ابن كثير في البداية والنهاية
وكان محمود السيرة في الأمة أثنى عليه بعض الصحابة وامتدحه خيار التابعين ...
وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير
فعن عمر بن الخطاب قال لما ولاّه الشام : ( لا تذكروا معاوية إلا بخير )
وعن علي أنه قال بعد رجوعه من صفين :
( أيها الناس لاتكرهوا إمارة معاوية فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل )
وعن ابن عمر أنه قال:
ما رأيت بعد رسول الله أسود * من معاوية فقيل ولا أبوك ؟ قال:
أبي عمر - رحمه الله - خير من معاوية وكان معاوية أسود منه
* أسود _ من السيادة وسمى السيد سيداً لأنه يسود سواد الناس
~
وعن ابن عباس قال : ( ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من معاويـــة )
~
وفي صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس :
هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال : إنه فقيه
~
وعن عبدالله بن الزبير أنه قال: لله در ابن هند ( يعني معاوية ) إنا كنا لنفرقه _نخافه _
وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه
فيتخادع لنا والله لوددت أنا مُتّعنا به مادام في هذا الجبل حجر وأشار إلى أبي قبيــس
~
و قد سئل عبد الله بن المبارك أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال :
و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة
صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمع الله لمن حمده فقال معاوية : ربنا ولك الحمد
فما بعد هذا ؟
~
وعن قتادة قال: ( لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي )
~
وعن مجاهد أنه قال : ( لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي )
~
وعن الزهري قال : ( عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً )
~
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبدالعزيز وعدله فقال :
( فكيف لو أدركتم معاويه ؟ قالوا : يا أبا محمد يعني في حلمه ؟ قال : لا والله ألا بل في عدله )
~
وسئل المعافى معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال :
( كان معاوية أفضل من ستمائه مثل عمر بن عبدالعزيز )
~
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره : سئل المعافى بن عمار :
أيهما أفضل معاوية أم عمر بن عبد العزيز؟
فغضب وقال للسائل : أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين ؟
معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(دعوا لي أصحابي وأصهاري فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
وكذا قال الفضيل بن عتيبة
~
وقال سعيد بن يعقوب الطالقاني : سمعت عبد الله بن المبارك يقول :
تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز
~
عن الزهري قال : سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي :
اسمع يا زهري من مات محباً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة
وترحم على معاوية كان حقاً على الله أن لا يناقشه الحساب
~
وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي :
معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه
~
وقال بعض السلف : بينما أنا على جبل الشام إذ سمعت هاتفا يقول: من أبغض الصديق فذاك زنديق
ومن أبغض عمر فإلى جهنم زمر ومن أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن ومن أبغض عليا فذاك خصمه النبي
ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنم الحامية يرمى به في الحامية الهاوية
~
قال الذهبي:
وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه
إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء وإما قد ولدوا في الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك
~
يقول ابن قدامة المقدسي:
« ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي الله، وأحد خلفاء المسلمين رضي الله تعالى عنهم »
~
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة
وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة
~
وقال:
فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية
ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية
~
وقال ابن كثير في ترجمة معاوية :
وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين ..
فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته
والجهاد في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض
والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو
~
وقال ابن أبي العز الحنفي:
« وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين »
~
وقال الذهبي في ترجمته: « أمير المؤمنين ملك الإسلام ».
~
وقال: « ومعاوية من خيار الملوك، الذين غلب عدلهم على ظلمهــم »
~
حدث معاوية - رضي الله عنه- عن النبي وكتب له مرات يسيرة وحدث أيضاً
عن أخته أم حبيبة وعن أبي بكر وعمر
روى عنه: ابن عباس وسعيد بن المسيب وأبو صالح السمان وأبو إدريس الخولاني
وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير وسعيد المقبري وخالد بن معدان وهمام بن منبه
وعبد الله بن عامر المقرئ والقاسم أبو عبد الرحمن وعمير بن هانئ وعبادة بن نُسَي
وسالم بن عبد الله ومحمد بن سيرين ووالد عمرو بن شعيب وخلق سواهم .
وحدث عنه من الصحابة أيضاً: جرير بن عبد الله وأبو سعيد والنعمان بن بشير وابن الزبير
~
أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي - قال :
رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق
~
يصر ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال :
إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم
فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة
~
اعتبر معاوية رمزًا للدهاء والسياسة وكانت العرب تضرب به المثل في ذلك
و لعلّ أشهرها مصطلح شعرة معاوية وهو كناية عن حسن السياسة أو الدبلوماسية
في المصطلحات الحديثة ولذلك كان يقول:
( لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما أنقطعت كانوا إذا مدّوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها )
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير) وهذا يدل على أن الملك خاصية يختص بها الله من يشاء وزيادة في الابتلاء والامتحان وليجري من أحسن ويأخذ من أساء بجريرة ... وكذلك كلمة خليفة وملك وأمير وقيم كلها مترادفات لايفضلها إلا من كان خليفة على منهاج النبوة وهم الخلفاء الراشدين الذين تجتمع عليهم الأمة وكلهم من قريش
ولاحظ أن ألفاظ الحديث تدل على أن هؤلاء الاثني عشر يحكمون الناس ويتأمرون عليهم وهذا ظاهر ,ولاحظ كذلك من هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن هذا الدين يبقى عزيزا منيعا حتى ينتهي حكم الاثني عشر خليفة ، كلهم من قريش وكلهم تجتمع عليه الأمة
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : فهؤلاء المبشر بهم في الحديثين ليسوا الاثني عشر الذين زعم فيهم الروافض ما يزعمون من الكذب والبهتان ، و أنهم معصومون ، لأن أكثر أولئك لم يل أحد منهم شيئاً من أعمال هذه الأمة في خلافة ، بل ولا في قطر من الأقطار ، ولا بلد من البلدان ، وإنما ولي منهم علي وابنه الحسن رضي الله عنهما . نهاية الفتن ( 1/ 17-18 ) و انظر أيضاً : البداية والنهاية (6/198 ) .
انظر : في فتح الباري ( 13/211- 215 ) .فقد ذهب أن أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، أن مراده من ذلك : الخلفاء الأربعة ، و معاوية رضي الله عنه ، وابنه يزيد ، ثم عبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة و عمر بن عبد العزيز – قلت : و أولاد عبد الملك هم : الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ، و تخلل بين سليمان و يزيد عمر بن عبد العزيز - ، هؤلاء اثنا عشر خليفة ، والمقصود أن الأئمة الاثني عشر في الأقرب و الأصوب ينتهي عددهم بهشام بن عبد الملك ، فإن الدين في زمانهم قائم ، و الإسلام منتشر ، و الحق ظاهر والجهاد قائم ، وما وقع بعد موت يزيد من الاختلاف والانشقاق في الخلافة وتولي مروان في الشام وابن الزبير في الحجاز ، لم يضر المسلمين في ظهور دينهم ، فدينهم ظاهر ، وأمرهم قائم ، و عدوهم مقهور ، مع وجود هذا الخلاف الذي جرى ثم زال بحمد الله بتمام البيعة لعبد الملك ، واجتماع الناس بعد ما جرى من الخطوب على يد الحجاج وغيره ، و بهذا يتبين أن هذا الأمر الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم قد وقع ، و مضى وانتهى
حيث قال السيوطي : " وقد وجد من الاثني عشر ، الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه
في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين ، والطاهر العباسي أيضا لما أوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت " تاريخ السيوطي ص 12
قال النووي : هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة قال القاضي اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة قال وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد قال القاضي وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار قال ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش ولا بسخافة ضرار بن عمرو في قوله أن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهو أن خلعه إن عرض منه أمر وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ماهو عليه من مخالفة اجماع المسلمين والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في الخير والشر فمعناه في الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به في الرواية الأولى لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنظر إسلامهم فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس وجاءت وفود العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجا وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض استدل أصحاب الشافعي بهذا الحديث على فضيلة الشافعي قال ولا دلالة فيه لهم لأن المراد تقديم قريش في الخلافة فقط قلت هو حجة في مزية قريش على غيرهم والشافعي قرشي قوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنان عشر خليفة كلهم من قريش وفي رواية لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثنا عشر رجلا كلهم من قريش وفي رواية لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش قال القاضي قد توجه هنا سؤالان أحدهما أنه قد جاء في الحديث الآخر الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وهذا مخالف لحديث اثنى عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي قال والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاءمفسرا في بعض الروايات خلافة النبوة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ولم يشترط هذا في الاثنى عشر السؤال الثاني أنه قد ولى أكثر من هذا العدد قال وهذا اعتراض باطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لا يلي إلا اثنى عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولي هذا العدد ولا يضركونه وجد بعدهم غيرهم هذا إن جعل المراد باللفظ كل وال ويحتمل أن يكون المراد مستحق الخلافة العادلين وقد مضى منهم من علم ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة قال وقيل إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد يتبع كل واحد منهم طائفة قال القاضي ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد إذا تتبعت التواريخ فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يدعيها ويلقب بها وكان حينئذ في مصر آخر وكان خليفة الجماعة العباسية ببغداد سوى من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار الأرض قال ويعضد هذا التأويل قوله في كتاب مسلم بعد هذا ستكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا بيعة الأول فالأول قال ويحتمل أن المراد من يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه كما جاء في سنن أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة وهذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد وخرج عليه بنو العباس ويحتمل أوجها أخر والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم قوله فقال كلمة صمنيها الناس هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة أي أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام ووقع في بعض النسخ صمتنيها الناس أي سكتوني عن السؤال عنها .
شرح النووي على صحيح مسلم ج12/ص200- 203 .
وقال ابن كثير : ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولايلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل وقد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولاتقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لامحالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره فذكر أنه يواطئ إسمه إسم النبي صلى الله عليه وسلم وإسم أبيه إسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الإثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الإثنا عشر من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليه السلام وأن الله يقيم من صلبه اثني عشر عظما وهم هؤلاء الخلفاء الإثنا عشر المذكورون في حديث بن مسعود وجابر بن سمرة وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
تفسير ابن كثير ج2/ص33 – 34 .