يحتضن الأب طفلته المرتجفة بينما تذهب الأم كالعادة وهي تردد سمفونية أخطاء زوجها التي تبدأها منذ أن عرفته، وتضيف إليها في كل مرة قائمة جديدة، يختبئ الطفل تحت طاولة الطعام، وتجلس بكرهما التي بدأت تدخل طور المراهقة في غرفتها منتحبة، التوتر سيد الموقف في هذا البيت.
يندر أن لا تشهد أسرة خلاقاً بين زوجيها؛ إذ يستحيل أن تجد زوجين على قدر تام من التطابق في الآراء والأفكار والرؤى، وكذلك فلن تجد معصومين في هذه الحياة، لذلك فإن مشهد الخلاف والصراخ والضرب -في بعض الأحيان- يتكرر في غالبية البيوت.
إن خلاف الأبوين يخلق جواً بائساً لدى الأطفال، فبمجرد صراخ أحد الأبوين يبدأ الاضطراب بالتسلل إلى تلك القلوب الصغيرة، ويترك ذلك في نفوسهم صوراً مشوهة، قد لا تنمحي مع مرور السنين، وقد يؤثر ذلك في دراستهم وصحتهم النفسية والجسدية.
يقول عبد الله: «لم أحد احتمل الشجار الذي يدور بصورة شبه يومية بين أحد جيراننا وزوجته، أحياناً أستيقظ في عتمة الليل على صوت الأواني التي تنال حظها من التكسير، وعلى وقع الشتائم الفاضحة، أصبحت أخاف من الإقبال على الزواج؛ خشية الوقوع في المشاكل بهذه الطريقة، هذا وأنا جارهم، فما حال أبنائهم! علماً أني أسمع صوت أبنائهم يبكون عند كل شجار».
أما ريما فقد عبرت عن شدة ما تشعر به عندما يكيل والدها الإهانة لأمها أمامها، أو على مسمع منها، تقول: «للحظات أشعر بأني أكره والدي، وكثيراً ما أرجو أمي أن لا تثير غضبه، وينتابني الخوف كلما تقدم إلي خاطب من أن أعاني من الإهانة وقلة التفاهم مع شريك الحياة».
«زوجتي تتقن استفزازي» هذا ما قاله عامر؛ ما لا يمكنه من السيطرة على انفعالاته رغم محاولاته الشديدة. ويضيف: «نتبادل الصراخ، وأحيانا يقوم كلانا بتكسير بعض محتويات المنزل. زوجتي دائما تنهي الخلاف بجمع ثيابها تهديداً بالذهاب إلى بيت أهلها؛ ما يخيف الأطفال كثيراً، فلدي طفل يبلغ الخامسة من عمره تكررت إصابته بالذعر الشديد؛ بسبب مشكلاتنا، وأصيب بالتبول اللاإرادي والنكدية! اعترف بأن المسؤولية تقع على كلانا، إلا أني لم اتوصل إلى طريقة تنهي الخلافات بيننا حتى الآن!».
يفتتح الاستشاري الأسري أحمد عبد الله حديثه بأن من الطبيعي وقوع خلافات أسرية بين أي زوجين، ما دام أنها تقع في نطاق الحد الطبيعي، إلا أنها قد تنحني منحاً مضراً في حال حملها للإساءة والشتم والتجريح والإهانة للطرف الآخر.
ويشير الاستشاري عبد الله إلى أن تفكير الزوجين يجب أن ينصب في كيفية التعامل مع الخلاف بصورة حضارية؛ من خلال احترام كل منهما للاختلافات الفكرية للطرف الآخر، والسعي للقيام بالواجبات قبل اللهاث وراء جني الحقوق، والابتعاد عن الغضب المفرط، والإهانة والتجريح قدر الإمكان.
ويضيف عبد الله: «في الغالب يكون الأطفال هم الأكثر تضرراً؛ بسبب الصراعات بين الأبوين، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن الطفل الذي يعيش في أجواء أسرية مشحونة يكون عرضة لتقليد النموذج الذي عاش على وقعه عندما يكبر، كما أن بعض الأطفال يصابون بحالة من الصدمة الشعورية عندما يرون النموذج الأعلى في حياتهم (الأب والأم) يقومون بشتم وإهانة والإساءة بأشكالها كافة لبعضهما البعض، كما يميل الأطفال الذين يعيشون في أُسر مضطربة إلى العزلة والبعد والعنف مع أقرانهم في بعض الأحيان».
ويضيف عبد الله: «كنت قد أجريت استطلاعاً على 60 أسرة تحت عنوان «أين تحدث المشكلة الأسرية في البيت؟» فكانت الإجابات تشير إلى أن الخلاف يحدث غالباً في المطبخ أو في غرفة المعيشة، وكلاهما منطقة مفتوحة أمام الأبناء، إلا أن المكان الأمثل أن يكون ينزوي الطرفان في مكان مغلق كغرفة النوم مثلاً».
وحول سبل الوقاية، يشير أحمد عبد الله إلى أن من واجب الأبوين تجنيب أطفالهم تلك الخلافات؛ من خلال السعي الحثيث لعدم الخوض في ما يثير الخلاف بينهما أمام الأبناء، وفي حال وقوع ذلك، فإن على الأبوين أن يقوما بالتصالح أمام الأبناء وعدم إشعارهم بوجود أي خلاف بينهما، كما يجب على الطرفين عدم القيام باستخدام الأطفال كورقة ضغط على الآخر، واستقطاب الأطفال ليكونوا في صف أحد الأبوين ضد الطرف الثاني، وذلك تطبيقاً لبعض الأمثال المجتمعية السائدة «ارميله اولاده ليتعلم»، أو «احرمها من أولادها بتتعلم»، ويعتبر هذا من أشد أشكال الضغط والأذى على الزوجين والأطفال أيضاً.
ويضيف بأن مقدرة الزوجين على التحكم بوقت ومكان وقوع الخلاف يكون أدعى للتعامل السليم مع المشكلات، والمقدرة على تفصيلها وحلها بعيداً عن الانفعال.
ويختتم عبد الله قوله بأن الأسر تُقدم نماذج لكيفية صنع المشكلة، لذلك ينشأ أبناؤنا على ذلك، ويجهلون كيفية التعامل مع الإشكال وحله، ويصبح ذلك للأسف السلوك السائد لديهم.