والتاء في المتكبر ,ليست تاء التعاطي والتكلف وإنما هي تاء التفرد والإختصاص
ورود الاسمين في القرآن الكريم:
سمى الله تعالى نفسه بالمتكبر في آية واحدة في سورة الحشر( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
أماالكبير فقد ورد في ستة مواضع منها( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)وفي الرعد (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحج وقد جاء مقترنا باسمه العلي والمتعال
4-الذي له الكبرياء في السموات والأرض أي السلطان والعظمة
آثار الإيمان بهذين الإسمين :
1-إن الله أكبر منكل شيء ,وأكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته وأكبر من أن نحيط به علما , قال تعالى يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
فمن أراد معرفة ربه وصفاته فعليه يطريق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أعلم الخلق بالله وصفاته
2-أن التكبر لايليق إلا به سبحانه وتعالى فصفة السيد التكبر والترفع ,وأما العبد فصفته التذلل والخشوع والخضوع
وقد توعد الله المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة , واستكبارهم هذا : هو رفضهم الإنقياد لأوامر الله ورفضهم عبادة ربهم , رفضوا الإذعان لكلمة التوحيد , رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل ,بل احتقروا أتباع الرسل لكونهم من ضعفة الناس وفقرائهم فلم يدخلوا في جماعتهم ولم يشاركوهم الإيمان , وكان الكبر سببا للطبع على قلوبهم فلم تعد تعرف معروفا ولاتنكر منكرا
فالحاصل أن الكبر كان سببا في هلاك الأمم السابقة قال تعالى ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)الأحقاف , بل كان السبب في هلاك أبليس عليه لعنة الله وطرده من رحمته لأنه أبى أن يسجد لآدم واستكبر على أمر ربه قال تعالى ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة34)
3-ولايكاد يخلو طاغية في الأرض من هذا المرض العضال , الذي كثرت الآيات فيه والأحاديث المحذرة منه والآمرة بالتواضع
ودواؤه أن يتذكر العبد دوما أنه لاحول ولاقوة إلا بربه وأن الله هو الكبير المتعال على الخلق أجمعين , القادر على الإنتقام من الأقوياء للضعفاء والمساكين كما جاء في قوله تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
النساء
أي النساء اللاتي تخافون أن يعصين أزواجهن فذكروهن بالله فإن هي رجعت وإلا هجرها , فإن أقبلت وإلا ضربها ضربا غير مبرح , فإن أطاعت المرأة زوجها في جميع مايريده مما أباحه الله فلا سبيل له عليها قوله ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهومنتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن
فذكر الرجال بأنه هو العلي الكبير ليحذرهم من الظلم والتكبر
4-والكبريمنع أيضا من طلب العلم والسؤال عنه لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العلم للتعلم ويرى أن في ذلك مهانة له فيؤثر البقاء على الجهل فيجمع بين الكبر والجهل , بل قد يجادل ويناقش ويخوض في المسائل بدون علم حتى يقال أنه لايعلم فيصغر عند الناس قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
أي ومن الناس من يجادل في الله بغير علم صحيح ولانقل صريح بل بمجرد الرأي والهوى وإذا دعي للحق ثنى عطفه أي : لوى رقبته مستكبرا عما يدعى إليه من الحق كقوله تعالى ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (لقمان18)
فأخبر تعالى أن له في الدنيا الخزي وهو الإهانة والذل لأنه استكبر عن آيات الله فجوزي بنقيض قصده
وقد ذم السلف الكبر في العلم فمن أقوالهم :
قال سعيد بن جبير : لايزال الرجل عالما ماتعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون .
ولم يزل علماء السلف يستفيدون من طلبتهم ماليس عندهم , قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي رحمه الله : صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت استفيد منه في المسائل وكان يستفيد مني في الحديث.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله : قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث مني فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى آخذ به
وما أحسن قول القائل :
ليس العمى طول السؤال وإنما
تمام العمى طول السكوت على الجهل
نعوذ بالله من الضلال , ونسأله سبحانه أن يرزقنا الذل لجنابه , وأن يعيذنا من سبيل المستكبرين , فهو سبحانه المانّ والمعين .