هذه القصيدة لاحد شعراء الاندلس ويدعى ابو البقاء الرندي وهو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رندة) قرب الجزيرة الخضراء وإليها نسبته. من حفاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره, مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد ولكن شهرته ترجع إلى هذ القصيدة التي نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية.ويدعوا فيها العرب والمسلمين في المغرب لنصرة اخوانهم ويصور لهم ماحدث لاخوانهم ببكائية تدمي القلوب .
وتظل القصيدة تضم افضل تصوير لحال الزمان وتغيره ومن افضل قصائد الحكمة
لكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصـانُ
فلا يُغرُّ بطيـب العيـش إنسـانُ
هي الأمـورُ كمـا شاهدتهـا دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمـنٌ ساءَتـهُ أزمـانُ
وهذه الدار لا تُبقـي علـى أحـد
ولا يدوم على حـالٍ لهـا شـان
يُمزق الدهر حتمًـا كـل سابغـةٍ
إذا نبـت مشْرفيّـاتٌ وخُرصـانُ
وينتضي كلّ سيـف للفنـاء ولـوْ
كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمـدان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمـنٍ
وأيـن منهـم أكاليـلٌ وتيجـانُ ؟
وأين مـا شـاده شـدَّادُ فـي إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسان؟
وأين ما حازه قارون مـن ذهـب
وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطـان؟
أتى على الكُل أمر لا مَـرد لـه
حتى قَضَوا فكأن القوم مـا كانـوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِـك
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ علـى (دارا) وقاتِلِـه
وأمَّ كسـرى فمـا آواه إيــوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سبـبُ
يومًـا ولا مَلـكَ الدُنيـا سُليمـانُ
فجائـعُ الدهـر أنـواعٌ مُنوَّعـة
وللزمـان مـسـرّات وأحــزانُ
وللحـوادث سُـلـوان يسهلـهـا
وما لما حـلّ بالإسـلام سُلـوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عـزاء لـه
هوى لـه أُحـدٌ وانهـدْ ثهـلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حتى خَلت منـه أقطـار وبُلـدانُ
فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيـةً)
وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّـانُ)
وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلـوم فكـم
من عالمٍ قد سما فيهـا لـه شـانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونهرهُا العَـذبُ فيـاضٌ ومـلآنُ
قواعدٌ كـنَّ أركـانَ البـلاد فمـا
عسى البقاءُ إذا لـم تبـقَ أركـانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسـفٍ
كما بكى لفـراق الإلـفِ هيمـانُ
على ديار مـن الإسـلام خاليـة
قد أقفرت ولهـا بالكفـر عُمـرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما
فيهـنَّ إلا نواقـيـسٌ وصُلـبـانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
حتى المنابرُ ترثي وهـي عيـدانُ
يا غافلاً وله في الدهـرِ موعظـةٌ
إن كنت في سِنَةٍ فالدهـرُ يقظـانُ
وماشيًـا مرحًـا يلهيـه موطنـهُ
أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطـانُ ؟
تلك المصيبةُ أنستْ مـا تقدمهـا
وما لها مع طولَ الدهـرِ نسيـانُ
يا راكبين عتاق الخيـلِ ضامـرةً
كأنها في مجـال السبـقِ عقبـانُ
وحاملين سيُـوفَ الهنـدِ مرهفـةُ
كأنها فـي ظـلام النقـع نيـرانُ
وراتعين وراء البحر فـي دعـةٍ
لهـم بأوطانهـم عـزٌّ وسلطـانُ
أعندكم نبـأ مـن أهـل أندلـسٍ
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبـانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتـز إنسـان ؟
ماذا التقاُطع في الإسـلام بينكـمُ
وأنتـمْ يـا عبـادَ الله إخـوانُ ؟
ألا نفـوسٌ أبَّـاتٌ لـهـا هـمـمٌ
أما على الخيرِ أنصـارٌ وأعـوانُ
يا من لذلـةِ قـومٍ بعـدَ عزِّهـمُأ
حـال حالهـمْ جـورُ وطُغيـانُ
بالأمس كانوا ملوكًا فـي منازلهـم
واليومَ هم في بلاد الكفـرِّ عُبـدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليـل لهـمْ
عليهمُ مـن ثيـابِ الـذلِ ألـوانُ
ولو رأيـتَ بكاهُـم عنـدَ بيعهـمُ
لهالكَ الأمرُ واستهوتـكَ أحـزانُ
يا ربَّ أمّ وطفـلٍ حيـلَ بينهمـا
كمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبــدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت
كأنـمـا يـاقـوتٌ ومـرجــانُ
يقودُها العلـجُ للمكـروه مكرهـةً
والعينُ باكيـةُ والقلـبُ حيـرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ مـن كمـدٍ
إن كان في القلبِ إسـلامٌ وإيمـانُ