2- القوة والعزم
رأيناها بجلاء في سيرة الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- وهم ينهضون
بتكاليف هذا الدين، فهذا عمر- رضي الله عنه- عند هجرته يقف متحديًا
قريشًا، قائلاً: "إني مهاجرٌ، فمن أراد أن تثكله أمه، أو تتأيَّم امرأته، أو
يُيَتَّم ولده فليتبعني، فلم يجرؤْ أن يراجعه أحد"، وهؤلاء الأبطال المغاوير
من الصحابة- رضي الله عنهم- الذين خرجوا لغزو حمراء الأسد، وقد
أثخنتهم الجراح، وفقدوا الظهر في "أُحد" منذ سويعات، فما وهنوا لما
أصابهم في سبيل الله، بل قاموا بقوة الأبطال وعزم الرجال لملاحقة
المشركين، حتى كان الأخفُّ جرحًا يحمل أخاه الأثقل إصابةً..
وهذا "سلمة بن الأكوع"- رضي الله عنه- يتصدَّى بمفرده للقوم في عزوة
(ذي قرد)، حتى اضطَّرهم إلى الفرار، تاركين ما استلبوا من عِيْر رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- وظلَّ يناوشُهم، وقد نزلوا على ماءٍ ليطفِئوا
ظمأ حلوقهم، فما استطاع أحدهم أن يهنَأ بقطرة منه.
وهذا العملاق الفذُّ "جعفر بن أبي طالب"- رضي الله عنه- في عزوة مؤتة
تُقطع يُمناه التي تَحمل الراية فيرفعها بيُسراه، فتلحق هي الأخرى
بأختها، فيحتضنها بعضدية حتى تظل خفاقة مرفرفة ما بقيت فيه عين
تطرف- رضي الله عنهم أجمعين.
3- المثابرة والدأب
العمل المتصل بجدٍّ وتعب نراه على أكمل وجه في تبليغ رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- لهذه الدعوة في السر والعلن، والعُسر واليُسر
بلا كَلَلٍ ولا مَلَل، ولما أراد قومه أن يُثنوه بالترغيب والترهيب.. قال كلمة
أولي العزائم الماضية، والهِمم العالية: "والله لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره
الله أو أهلك دونه".
وظل صحابته- رضوان الله عليهم- ماضين على درب الحق في دأَبٍ
ومثابرةٍ وجدٍّ، فتركوا الأوطان والديار والأهل والولد والمال، وجاهَدوا
بالنفس والمال، وواجَهوا مكائدَ المشركين والمنافقين واليهود والفرس
والروم، وركِبوا الصعاب، وخاضوا المعامع، حتى مكَّن الله بهم لهذا الدين،
فخفقت راياته في كل الأرجاء وعزَّ سلطانُه، وعمَّ نفوذُه ممالِكَ ذلك
الزمان.
مازال للموضوع بقية ...