4- تسخير كل الإمكانات
وتسخير الإمكانات "من نفس ومال، وولد وأهل.. وكل ما يملك المرء"
نجده بارزًا في سيرة خير القرون، فإن حياتهم كلها كانت جهادًا وتضحيةً
في سبيل نصرة هذا الدين..
فهذا الصديق- رضي الله عنه- يأتي بماله كلِّه، ويقول: تركت لهم الله ورسوله.
وهذا عثمان- رضي الله عنه- يجهِّز جيشًا كاملاً في غزوة
العسرة (تبوك)، وهذا مصعب- رضي الله عنه- يترك حياة الترف كلها،
ويرضى بالقليل، وإن شئت فقل: بأقل القليل، ويهاجر، ويكون سفير
الدعوة، ويجاهد، وأخيرًا يلقى الله شهيدًا في حالٍ تأثَّر بها رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- تأثُّرًا شديدًا حتى
البكاء.
وهذه المرأة الصالحة التي لم تجد ما تقدمه لنصرة دينها، فتدفع بصبيِّها
الصغير إلى ساحة القتال وتعطيه سيفًا، وتقول له: ادفع به الأذى عن
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يقوَى على حمله فتربطه في
ساعده، ثم تقف تراقبه، وقد امتلأت فخرًا فإذا به يتلقَّى إصابةً تتفجَّر
على أثرِها دماؤه، فينظر إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
قائلاً: "لعلَّكِ جزعْتِ"، فتردُّ: لا والله يا رسول الله.. كلُّ مصيبةٍ دونَك جَلَل
(أي تهون).
5- مغالبة الأعذار
نراها في الأخذ بالعزائم، والحرص على أداء الواجب، والمشاركة فيه
مهما كانت الظروف..
فهذا عمرو بن الجموح- رضي الله عنه- يريد أن يخرج للجهاد، فيمنعه
أبناؤه؛ لأنه أعرج قيصر.. فيخبره رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
بالرخصة، فيقول الصحابي: لعلي أطأُ بعرجتي هذه الجنة، وقد كان.
وهؤلاء أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستجيبون لندائه-
صلى الله عليه وسلم- غداةَ يوم أُحد بالخروج إلى حمراء الأسد، فيلبُّون
النداء على ما بهم من جراحات شديدة.. حتى كان يحمل الأقل جرحًا
أخاه الأشدَّ جرحًا، بعد فقْد الظهر الذي كان يحمله.
وهذا الكهل- أبو أيوب الأنصاري- الذي التحق بكتائب الجهاد، وقد تدلَّى
حاجباه، وانحنَى صلبه، فقال له شاب: يا عمَّاه، قد وضع الله عنك وعن
أضرابك الجهاد، فردَّ الصحابي الجليل باكيًا: يا بنيَّ، لم أجد اللهَ أعفَى
أحدًا حين قال: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً) (التوبة: 41).