حدثني شيخ جليل فاضل وهو الذي أخبرني بقصة (أصغر داعية)(4) قال:-
كنت في رحلة دعوية إلى منطقة تبوك في شمال المملكة العربية السعودية فذهبت من الدمام في شرق البلاد بالطائرة ، ولما قضي أمري هناك اتجهت إلى المطار ولم أجد (حجزاً)لا مؤكداً ولا انتظاراً ؛ لكثرة الزحام هذه الأيام على الرحلات ككل صيف . كنت أحمل شفاعة من أخٍ فاضل لي آخر يعمل بالخطوط السعودية بالمطار .. فلما وصلت بحثت عنه بكل ما أوتيت من قوة فلم أجده .. وعُمل له نداءات كثيرة ؛ عبر مكبرات الصوت بصالات المطار فلم يجب، وكنت أجزم أنه متواجد في المطار ولكنه محرجُ لا يستطيع الظهور لكثرة من يرغب السفر ممن يعرف أو لا يعرف من أمثالي .
اقتربت لحظة دخول الطائرة والناس فيها ملتفون حول موظف استلام التذاكر ؛ هذا يرجوه .. وذاك يقبّل رأسه .. وهذا يخبره بظروفه القاسية .. وأنا أنظر إليهم فقلت في نفسي بعد أن سجلت اسمي مع ركاب الانتظار : من سابع المستحيلات أن أركب من بين هؤلاء كلهم .. تذكرت أصحاب الغار وحديثهم .. فقلت:. سأبحث في ذاكرتي عن عملٍ لي صالح أدعو الله تعالى به كي يفرّج عني هذه الكربة .. فوالله لقد كددت ذاكرتي طويلاً فلم أجد ! ؛ فاستحييت من ربي .. فقلت:. بدلاً من أن أضيع الوقت في تذكر عملٍ صالح لا جدوى من تذكره .. سأشتغل بالدعاء ؛ عسى الله أن يفرج كربتي ..
فمددت يدي إلى الذي ( يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء)(النمل: من الآية62) وألححت على الله تعالى إلحاحاً شديداً .. وفتح الله على من أبواب الدعاء ما جعل لساني ينهمر به كالسيل الدفاق .. فوالله ما هي إلاَّ ثوان معدودة حتى وقف أمامي موظف الخطوط السعودية وأنا لا أعرفه أبداً ولا يعرفني .. والناس محيطونه به من كل جانب يرجونه مساعدتهم ؛ بل حتى زملاؤه يحاولون استعطافه فلم ينجحوا ؛ فإذا به يشير إليّ أنا ؛ وأنا جالسٌ ؛ ويقول : أنا أريد أن أركب هذا ! . قم يا أخي ؛ تفضل ؛ خذ هذه ( بطاقة صعود الطائرة ) ..
فالتفتُّ أنا خلفي فقد ظننته يعني شخصاً آخر فإذا به يشير إليَّ أنا ويردد :- أنت ؛ نعم ؛ قم بارك الله فيك ! فقمت ؛ ولم يفاجئني الأمر كثيراً رغم فرحي ؛ لأني شعرت بانشراح صدري عندما ألححت على الله في الدعاء .. وقد كان عمر رضي الله عنه يقول "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء" .. فإذا وفقك الله للدعاء فسيوفقك للإجابة.. لكنني لم أستطع إخفاء دموعي من شدة فرحي بقبول دعائي .. حمدت الله تعالى و شكرته طويلاً ولا أحصي ثناءً عليه .. ثم شكرت ذلك الموظف الذي اختارني من بين جمعٍ غفير من الناس ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ..