الشفاعة
قَالَ الله تَعَالَى : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا } [ النساء : 85 ] .
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَينِ صَدَقَةٌ ، وَتُعينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ ، وَبِكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ ، وَتُميطُ الأَذى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعنى (( تَعدِلُ بينهما )) : تُصْلِحُ بينهما بالعدل .
وعن أمِّ كُلْثُوم بنت عُقْبَة بن أَبي مُعَيط رضي الله عنها ، قَالَتْ : سمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : (( لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيراً ، أَوْ يقُولُ خَيْراً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية مسلم زيادة ، قَالَتْ : وَلَمْ أسْمَعْهُ يُرْخِّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ إلاَّ في ثَلاثٍ ، تَعْنِي : الحَرْبَ ، وَالإِصْلاَحَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَحَدِيثَ المَرْأةِ زَوْجَهَا)) .
قال المصنف في شرح صحيح مسلم 8/331 ( 5605 ) : (( معناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس ، بل هذا محسن ، ولا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور )) .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : سَمِعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَ خُصُومٍ بِالبَابِ عَاليةً أصْوَاتُهُمَا ، وَإِذَا أحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَر وَيَسْتَرْفِقُهُ في شَيءٍ ، وَهُوَ يَقُولُ : والله لا أفْعَلُ ، فَخَرجَ عَلَيْهِمَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : (( أيْنَ المُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لاَ يَفْعَلُ المَعْرُوفَ ؟ )) ، فَقَالَ : أَنَا يَا رسولَ اللهِ ، فَلَهُ أيُّ ذلِكَ أحَبَّ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
معنى (( يَسْتَوضِعُهُ )) : يَسْأَلهُ أنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعضَ دَيْنِهِ . (( وَيَسْتَرفِقُهُ )) : يَسأَلُهُ الرِّفْقَ . (( وَالمُتَأَلِّي )) : الحَالِفُ .
وعن أَبي العباس سهل بن سَعد الساعِدِيّ - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بَلَغَهُ أنَّ بَني عَمرو بن عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ ، فَخَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصْلِحُ بَينَهُمْ في أُنَاس مَعَهُ ، فَحُبِسَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتِ الصَّلاة ، فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبي بكر رضي الله عنهما ، فَقَالَ : يَا أَبا بَكْر ، إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ وَحَانَتِ الصَّلاةُ فَهَلْ لَكَ أنْ تَؤُمَّ النَّاس ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إنْ شِئْتَ ، فَأقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ ، وتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ ، وَجَاءَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَمشي في الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ ، وَكَانَ أَبُو بكرٍ - رضي الله عنه - لاَ يَلْتَفِتُ في الصَّلاةِ ، فَلَمَّا أكْثَرَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ الْتَفَتَ ، فإِذَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَشَارَ إِلَيْه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَ أَبُو بَكْر - رضي الله عنه - يَدَهُ فَحَمِدَ اللهَ ، وَرَجَعَ القَهْقَرَى((2)) وَرَاءهُ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ ، فَتَقَدَّمَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى للنَّاسِ ، فَلَمَّا فَرَغَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : (( أيُّهَا النَّاسُ ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلاةِ أخَذْتُمْ في التَّصفيق ؟! إِنَّمَا التَّصفيق للنِّساء . مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ : سُبْحَانَ الله ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أحدٌ حِينَ يقُولُ : سُبْحَانَ الله ، إلاَّ الْتَفَتَ . يَا أَبَا بَكْر : مَا مَنَعَكَ أنْ تُصَلِّي بالنَّاسِ حِينَ أشَرْتُ إلَيْكَ ؟ )) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا كَانَ يَنْبَغي لابْنِ أَبي قُحَافَةَ أنْ يُصَلِّي بالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
معنى (( حُبِسَ )) : أمْسَكُوهُ لِيُضِيفُوهُ .