منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   منتدى التنمية البشرية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=130)
-   -   لاتستخف بخصمك......! (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=55666)

صفا الروح 21-10-2013 06:35 AM

لاتستخف بخصمك......!
 
لماذا ننسى دائمًا قصة الأرنب والسلحفاة؟
تلك التي درسناها في سنين حياتنا الأولى، وحاول مدرسونا أن يعلمونا حينها أن الأرنب السريع عندما استهان بالسلحفاة البطيئة وتخاذل وتكاسل في السباق الذي كان بينهما، خسر وندم وتعلَّم الدرس المهم وهو أن الاستخفاف بالخصم مهما كان ضعفه يمكن أن يصنع لنا الكثير من الأمور السيئة.

لماذا ننسى، ونحن نمضي في الحياة، أن نكون أكثر حكمةً وتواضُعًا ونحن نتعامل مع الخصوم والشركاء، بل والمواقف والأحداث، ونصغي أكثر لنتعلَّم ونفهم ونتدبر؟

في كل شيء في الحياة، في الألعاب كما في الحروب، في السياسة كما في الاقتصاد، تقديرك لخصمك حجر زاوية مهم في سبيل تفوقك عليه.
مع تحيات كريم الساذلي

في الحقيقة أن نشوة الانتصار، وغطرسة القوة، وغرور السيطرة يفعل بنا ما هو أكثر من الاستخفاف، إنه يُعمي أبصارنا عن رؤية الحقيقة المهمة وهي أن من أعطى يقدر أن يسلب، في أي وقت، ودون سبب!

في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي استطاع محمد شاه خوارزم ملك سمرقند، أن يملأ الدنيا بسيرته كملك مهيب، امتدت امبراطوريته غربًا حتى تركيا، وجنوبًا إلى أفغانستان وفرض سيطرته على كثير من بلاد الهند وأفغانساتان وباكستان وإيران، بيد أن هذا الملك والذي حكم لما يزيد على العقدين من الزمان كان لديه من الغطرسة ما جعله يقطع علاقته بجميع الممالك المجاورة، كانت جيوشه دائمًا في مهمة زيادة رقعة المملكة، وفي عام 1219 استقبل محمد شاه رُسُل ملك من ملوك الشرق وهو "جنكيز خان" بها من الهدايا الثمينة الشيء الكثير، وطلب من السلطان محمد شاه أن يفتح الطريق المار في مملكته إلى أوروبا حتى يتسنَّى لهم تصدير الحرير، وأرفق جنكيز خان مع رسالته كثيرًا من عبارات التودد والرغبة في السلام بين الإمبراطوريتين، لم يكن جنكيز خان قد اكتسب شهرته الدموية الكبيرة بعد، لذا لم يعبأ برسالته محمد شاه، وسخر من هذا المُدعي الذي يود أن يضع رأسه برأس ملك عظيم مثله، حاول جنكيز خان ثانيةً، فأرسل لمحمد شاه قافلةً مليئةً بالمقتنيات النادرة، لكن القافلة تم توقيفها وسرقتها من قِبل حاكم نالتشيك وهي المنطقة المجاورة لسمرقند، فغضب جنكيز خان لكنه ضبط أعصابه وأرسل لمحمد شاه رسالة أخرى يؤكد فيها عرضه مرة ثالثة، ويطالب بمعاقبة حاكم نالتشيك، لكن محمد شاه والذي ضاق برسائل جنكيز خان قرر أن يرد بطريقته، فأمر بقطع رأس أحد السفراء، وأعاد السفيرين الباقيين بعد حلق رأسيهما، وهي إهانة مُرعبة حسب قانون الشرف المنغولي، فاهتز جنكيز خان وأرسل رسالة إلى الشاه قال فيها: "لقد اخترتَ الحرب، وما سيحدثُ سيحدثُ، أما ما هو فلا نعلمه، لكن الله يعلمه"، ثم جهَّز جنكيز جيشه وقام بمهاجمة مقاطعة نالتشيك حيث استولى على عاصمتها وأعدم حاكمها بصبِّ الفضَّة المصهورة في عينيه وأذنيه!
وبعدها مباشرةً قاد جنكيز خان غارات في سلسلة من الهجمات غير النظامية - حرب الشوارع - على جيش الشاه والذي كان كبيرًا جدًّا مقارنةً بجيش جنكيز خان، لكن جنكيز خان كان مقاتلًا حقًّا، فقد استغل القدرات العالية في جيشه ومنها السرعة العالية والبأس الشديد، والقدرة المذهلة على إطلاق السهام وهم على ظهر الخيول الراكضة، وفي فترة وجيزة استطاع جنكيز أن يصل إلى قلب سمرقند ويجلس على كرسي الشاه، الذي فر إلى مدينة "أورجندة" والتي اختارها لوقوعها على الشاطئ الغربي من نهر جيحون (نهر أموداريا)، والذي سيعصمه من جنود جنكيز خان وغضبته!

لكن جنكيز خان لم يهدأ، فأرسل إليه جيشًا صغيرًا قوامه عشرون ألف جندي فقط، وهو عدد قليل مقارنةً بالمسافة التي سيمضيها مخترقًا مملكة الشاه الكبيرة حتى يصل إليه، لكنها بدت وكأنها رسالة استخفاف بالشاه، ولم ينس جنكيز خان أن يقول لقائد جيشه: "أبلغ جنودك أن يطلبوا خوارزم شاه أينما كان، ولو تعلق بالسماء!"

وبالفعل وصل الجنود إلى شاطئ النهر الذي يحتمي به شاه محمد وجيشه، والذي كان مطمئنًّا لعدم وجود سفن مع جيش التتار توصلهم إليه، فأمن هو وجنوده وقلَّ حِرصهم وانتباههم، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن الناعسة، فقد فوجئ جيش الشاه محمد بالتتار بينهم بعدما عبروا النهر في سواد الليل بحيلة مذهلة، حيث صنعوا صناديق خشبية وبطنوها بجلود البقر حتى لا ينفذ الماء إليها، وجعلوا خيولهم أمامهم - والخيول تجيد السباحة - حتى وصلوا إلى الشاطئ الآخر، وكان أن انهزم الجيش تمامًا، وواصل شاه محمد فراره إلى أن وصل لجزيرة في وسط بحر قزوين، فاتخذ من قلعة بداخلها سكنًا له، لكن الرجل لم يستطع أن يحيا في همِّه وكمده كثيرًا فمات بعد عام واحد من فراره داخل القلعة وحيدًا طريدًا شريدًا فقيرًا، حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنوه به، فكفنوه في قطعة قماش كان ينام عليها!

إن الغرور يفعل الكثير، لذا من الخطر أن تفترض أن الشخص الذي تتعامل معه أقل أو أضعف منك، فكثير ممن نظنهم بسطاء عاديين يطوون أفئدتهم على تصميم راسخ إن استفززته ظهر وبان، لكننا للأسف في غمرة تسرعنا وغرورنا لا ندرك هذا الأمر إلا بعدما نخطئ في حساب قدرتهم على التحمُّل، فنُفاجَأ بردهم المؤلم، وتدبيرهم المذهل.

ولأننا لا نستطيع أن نسبر الأغوار لنكشف طبائع الشخصية التي نتعامل معها، صار لزامًا علينا أن ننتهج التأدب والاحترام والتواضع كأسلوب مستمر في التعامل مع الآخرين، ففوق أن هذا الاسلوب سيفتح لك القلوب والأفئدة فإنه أيضًا سيكفيك عداوة من يبطن الشر.

كذلك هناك بُعد آخر مهم أحب أن ألفت نظرك إليه وهو أن احترامك للآخرين وتقديرك لهم، سيخفض إلى حد كبير من أعداد أعدائك، وسيجنبك مناوشات كثيرة، فبذور الخصومة والمنافسة تنتعش عند التجاهل أو الاستهتار أو الإساءة، ولقد رأيت في الحياة من يمتلك موهبة "جمع الأعداء"، حيث يدخل في عداوات مجانية من خلال أسلوبه وطريقته في التعامل مع الآخرين، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على حياته، ويعرقله كثيرًا من بلوغ هدفه وغايته.

أتمنى ألا ننسى قصة الأرنب الذي استهتر بمنافسه فخسر السباق، ولا بالشاه محمد الذي اغتر بقوته فخسر حياته ومن قبلها شرفه الملكي والعسكري.
واحترم دائمًا خصومك في الحياة.


الساعة الآن 08:35 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام