كان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج، وكان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير، وما أحد على الدنيا من المسلمين، إلا وهو بحاجة إلى علمه.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج : لأوردنك حياض الموت
قال سعيد : أصابت اذن أمى
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج : فما تقول فى الخلفاء ؟
قال سعيد : لست عليهم بوكيل ، إنما استحفظت أمر دينى
قال الحجاج : فأيهم أحب إليك ؟
قال سعيد : أحسنهم خلقا ، وأرضاهم لخالقه ، وأشدهم فرقا منه - أى خوفا منه - .
قال الحجاج : فما تقول فى على وعثمان ؟ أفى الجنة هما ام فى النار ؟
قال سعيد : لو دخلتهما فرأيت أهلهما ، اذن لأخبرتك ، فما سؤالك عن امر غيب عنك ؟
قال الحجاج : فما تقول فى عبد الملك بن مروان ؟
قال سعيد : تسألنى عن امرئ انت واحد من ذنوبه
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
(فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.)
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من جرأتك على الله وحلم الله عليك
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير ..
فلما قتله لم يزل دمه يجرى حتى علا وفاض فلما رأى الحجاج ذلك هاله وافزعه فبعث الى صادوق المتطبب فسأله عن ذلك فقال له : لأنك قتلته ولم يهله ذلك ففاض دمه ولم يجمد فى جسده ولم يخلق الله عز وجل اكثر دما من الانسان
ولم يزل ذلك الفزع بالحجاج حتى منع من النوم وجعل يقول مالى ولك يا سعيد بن جبير ؟وكان فى جملة مرضه كلما نام رآه آخذا بمجامع ثوبه يقول له : يا عدو الله فيم قتلتنى ؟ فيستيقظ مذعورا ويقول مالى ولابن جبير ..
قال الحسن البصرى يوم قتل سعيد : اللهم أعن على فاسق ثقيف( الحجاج ) ، والله لو أن أهل الارض اشتركوا فى قتله لكبهم الله فى النار .
مستخلص إحدى حلقات ( دموع العارفين ) د/ مازن السرساوى
Yojv rjgm Hrjg; fih lêg; èiç iîêR êgê
توقيع : حنان
ماعنك يشغلنى مالٌ ولاولدُ ... نسيتُ باسمك ذكْرَ المال والوَلَدِ
فلو أريق دمى فى التُرْب لانكتبت ... به حروفك لم تنقُصْ ولم تَزدِ