اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم..
أقدم لكم أخواني كتاب مهم جدا لكل مسلم يتحدث عن أمور في صميم الاسلام والتوحيد ونحن في غفلة عنها..وكما تعلمون ان التوحيد هو الاساس في الاسلام,, لذلك اي جهل ولو كان بسيطا في امر من امور العقيدة والتوحيد يكون مصيبة بل كارثة قد تؤدي احياناً كثيرة الى الضلال والخروج عن الاسلام والعياذ بالله.
لذلك أقدم لكم مقتطفات من الكتاب الرائع المصطلحات الاربعة في القراّن لأبو الاعلى المودودي وأسال الله أن يعينني على توصيله وأن يعينكم على قراءته وفهمه..
المقدمة
من الظاهر البيّن أنه لابد لمن أراد أن يدرس القرآن ويسبر غور معانيه، أن يتفهم المعاني الصحيحة لكل من هذه الكلمات الأربع ويتلقى مفهومها الكامل الشامل، فإذا كان الإنسان لا يعرف ما الإله، وما معنى الرب، وما العبادة، وما تطلق عليه كلمة الدين فلا جرم، أن القرآن كله سيعود في نظره كلاماً مهملاً لا يفهم من معانيه شيء. فلا يقدر أن يعرف حقيقة التوحيد، أو يتفطن إلى ماهية الشرك، ولا يستطيع ان يخص عبادته بالله سبحانه أو يخلص دينه له. وكذلك إذا كان مفهوم تلك المصطلحات غامضاً متشابهاً في ذهن الرجل وكانت معرفته بمعانيها ناقصة فلا شك أنه يلتبس عليه كل ما جاء به القرآن من الهدى والإرشاد، وتبقى عقيدته وأعماله كلها ناقصة مع كونه مؤمناً بالقرآن. والمسكين لا يشعر أصلاً أنه قد أشرك بالله آلهة وأرباباً أخرى وغذ نبّهته إلى أنه عابد لغير الله ومقترفٌ للشرك في الدين، لانقض عليك يخمش وجهك، إلا أنه يكون عابداً لغير الله حقاً وداخلاً في غير دينه.
السبب الحقيقي لهذا الفهم الخاطئ:
يدلنا النظر في عصر الجاهلية وما تبعه من عصور الإسلام أنه لما نزل القرآن في العرب وعرض على الناطقين بالضاد كان حينئذ يعرف كل امرئٍ منهم ما معنى (الإله) وما المراد بـ (الربْ)، لأن كلمتي (الإله) و (الرب) كانتا مستعملتين في كلامهم منذ قبل، وكانوا يحيطون علماً بجميع المعاني التي تطلقان عليها. ومن ثم إذا قيل لهم: لا غله إلا الله ولا رب سواه ولا شريك له في ألوهيته وربوبيته، أدركوا ما دُعوا إليه تماماً وتبين لهم من غير ما لبس ولا إبهام أي شيء هو الذي قد نفاه القائل ومنع غير الله أن يوصف به؛ وأي شيء قد خصه وأخلصه لله تعالى، فالذين كفروا إنما كفروا عن بينة ومعرفة بكل ما يبطله وينعي عليه كفره بألوهية غير الله وربوبيته، وكذلك من آمن فقد آمن عن بينة وبصيرة بكل ما يوجب قبول تلك العقيدة الأخذ به أو الانسلاخ عنه.
ولكنه في القرون التي تلت ذلك العصر الزاهر جعلت تتبدل المعاني الأصلية الصحيحة لجميع تلك الكلمات، تلك المعاني التي كانت شائعة بين القوم عصر نزول القرآن، حتى أخذت تضيق كل كلمة من تلكم الكلمات الأربع عما كانت تتسع له وتحيط به من قبل، وعادت منحصرة في معان ضيقة محدودة؛ بمدلولات غامضة مستبهمة. وذلك لسببين اثنين:
الأول: قلة الذوق العربي السليم ونضوب معين العربية الخالصة في العصور المتأخرة.
والثاني: أن الذين ولدوا في المجتمع الإسلامي ونشؤوا فيه، لم يكن قد بقي لهم من معاني كلمات (الإله) و (الرب) و (العبادة) و (الدين) ما كان شائعاً في المجتمع الجاهلي وقت نزول القرآن.
وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (انما تنقض عرى الاسلام عروة عروة أذ نشأ فيه من لم يعرف الجاهلية)
ولأجل هذين السببين أصبح اللغويون والمفسرون في العصور المتأخرة يشرحون أكثر كلمات القرآن في معاجم اللغة وكتب التفسير بالمعاني التي فهمها المتأخرون من المسلمين بدلاً من معانيها اللغوية الأصلية. ودونك من ذلك أمثلة:
إن كلمة (الإله) جعلوها كأنها مترادفة مع كلمة الأصنام والأوثان.
وكلمة (الرب) جعلوها مترادفة مع الذي يربي وينشئ وللذات القائمة بأمر تربية الخلق وتنشئتهم.
وكلمة (العبادة) حددوها في معاني التأله والتنسك والخضوع والصلاة بين يدي الله.
وكلمة (الدين) جعلوها نظيراً لكلمة النحلة (Religion).
وكلمة (الطاغوت) فسروها بالصنم أو الشيطان.
فكانت النتيجة أن تعذر على الناس أن يدركوا حتى الغرض الحقيقي والمقصد الجوهري من دعوة القرآن فإذا دعاهم القرآن ألا يتخذوا من دون الله إلهاً، ظنوا أنهم وفّوا مطالبة القرآن حقها لما تركوا الأصنام واعتزلوا الأوثان؛ والحال أنهم لا يزالون متشبثين بكل ما يسعه ويحيط به مفهوم (الإله) ما عدا الأوثان والأصنام، وهم لا يشعرون أنهم بعملهم ذلك قد اتخذوا غير الله إلهاً. وإذا ناداهم القرآن أن الله تعالى هو الرب فلا تتخذوا من دونه رباً، قالوا ها نحن أولاء لا نعتقد أحداً من دون الله مربياً لنا ومتعهداً لمرنا، وبذلك قد كملت عقيدتنا في باب التوحيد، والواقع أنه قد أذعن أكثرهم لربوبية غير الله من حيث المعاني الأخرى التي تطلق عليها كلمة (الرب) غير هذا المعنى –المربي-. وإذا خاطبهم القرآن أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، قالوا: لا نعبد الأوثان، ونبغض الشيطان ونلعنه ولا نخشع إلا لله، فقد امتثلنا هذا الأمر القرآني أيضاً امتثالاً، والحال أنهم لا يزالون متمسكين بأذيال الطواغيت الأخرى غير الأصنام المنحوتة من الأحجار، وقد خصوا سائر ضروب العبادة –اللهم إلا التأله- لغير الله، وقل مثل ذلك في (الدين)، فإنه لا يفهم الناس من معنى إخلاص الدين لله تعالى غير أن ينتحل المرء ما يسمونه (الديانة الإسلامية) وألا يبقى في ملة الهنادك أو اليهود أو النصارى. ومن هنا يزعم كل من هو معدود من أهل الديانة الإسلامية أنه قد أخلص دينه لله، والحق أن أغلبيتهم ممن لم يخلصوا دينهم لله تعالى من حيث المعاني الواسعة التي تشتمل عليها كلمة (الدين).
نتائج هذا الفهم الخاطئ:
من الحق الذي لا مراء فيه أنه قد خفي على الناس معظم تعاليم القرآن، بل قد غابت عنهم روحه السامية وفكرته المركزية لمجرد ما غشي هذه المصطلحات الأربعة الأساسية من حجب الجهل. وذلك من أكبر الأسباب التي قد تطرق لأجلها الوهن والضعف إلى عقائدهم وأعمالهم على رغم قبولهم دين الإسلام وكونهم في عداد المسلمين. ومن أجل ذلك كله يجدر بنا أن نفصل معاني تلك المصطلحات الأربعة ونشرحها شرحاً كاملاً، ليتبين غرض القرآن الحقيقي وتعاليمه الأساسية. يتبع أن شاء الله