{ أَنزَلْنَاهُ }
( 1 ) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى إِنَّهُ أَنْزَلَ القُرْآنَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ القُرْآنَ جُمْلَةً مِنَ اللَّوْحِ المَمْحُوظِ إِلَى بَيْتِ العِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ مُفَصَّلاً بِحَسَبِ الوَقَائِعِ فِي ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .
( وَقَالَ مُفَسِّرُونَ آخَرُونَ : إِنَّ اللهَ بَدَأَ تَنْزِيلَ القُرْآنِ فِي لِيْلَةِ القَدْرِ ، ثُمَّ أَنْْزَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ،حسب الحَوَادِثِ التِي كَانَتْ تَدْعُو إِلَى نُزُولِ شَيءٍ مِنْهُ ، تَثْبِيتاً لِمَا أَشْكَلَ مِنَ الفَتْوَى فِيهَا ، أَوْ عِبْرَةً بِمَا يَقَصُّ مِنْ قَصَصٍ وَزَوَاجِرَ ) .لَيْلَةِ القَدْرِ - لَيْلَةِ الشَّرَفِ العَظِيمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) { أَدْرَاكَ } ( 2 ) - وَمَا الذِي تَعْلَمُهُ أَنْتَ عَنْ فَضْلِهَا ، وَعُلُوِّ قَدْرِهَا ، فَذَلِكَ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) يْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) ومنها : أنها في الوتر من العشر الأواخر ، وهذا أخص من الذي قبله .ومنها : أنها في آحاد الوتر من العشر الأواخر .فقيل : في إحدى وعشرين .وقيل : ثلاث وعشرين .
وقيل : خمس وعشرين .وقيل : سبع وعشرين .وقيل : تسع وعشرين .
زقيل : آخر ليلة من رمضان على التعيين ، وفي كل ليلة من ذلك نصوص
ولكن أشهرها وأكثرها وأصحها ، ما جاء في سبع وعشرين ، وإحدى وعشرين ، ولا حاجة إلى سرد النصوص الواردة في كل ذلك ، فم يبق كتاب من كتب التفسير إلا ذكرها ، ولا سيما ابن كثير والقرطبي .
أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : « كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُرغِّبُ في قيام رمضان ، من غيرِ أن يأمرَهم فيه بعزيمة ، فيقول : مَنْ قام رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ، فَتُوفِّيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر ».
وفي روايه قال : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لرمضان : « من قامَهُ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ».
وفي رواية قال : « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ » أخرجه البخاري ومسلم.
وللبخاري : « مَنْ يَقُمْ ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ».
ولمسلم قال : « مَنْ يَقُمْ ليلةَ القدر فيوافقها - أُراه [قال] : إيمانا واحتسابا - غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ».
وأخرج « الموطأ » وأبو داود والترمذي والنسائي الرواية الأولى.
وأخرج أبو داود والنسائي الرواية الثانية.
وللنسائي : « من قامَ رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ومن قام ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه
وعن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " التمسوها يعني ليلة القدر في تسع بقين أو في سبع بقين أو في خمس بقين أو ثلاث أو آخر ليلة " . رواه الترمذي
وعن ابن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال : " هي في كل رمضان " . رواه أبو داود وقال : رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحق موقوفا على ابن عمر
وعن عبد الله بن أنيس قال : قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال : " انزل ليلة ثلاث وعشرين " . قيل لابنه : كيف كان أبوك يصنع ؟ قال : كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها ولحق بباديته . رواه أبو داود
تنبيه
إذا كانت كل النصوص التي وردت في الوتر من العشر الأواخر صحيحه ، فإنه لا يبعد أن تكون ليلة القدر دائرة بينها ، وليست بلازمة في ليلة منها ولا تخرج عنها ، فقد تكون في سنة هي ليلة إحدى وعشرين ، بينما في سنة أخرى ليلة خمس أو سبع وعشرين ، وفي أخرى ليلة ثلاث أو تسع وعشرين ، وهكذا . والله تعالى أعلم .وقد حكى هذا الوجه ابن كثير عن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ، وقال : وهو الأشبه ، والله تعالى أعلم .
وقد قيل : إنه صلى الله عليه وسلم قد أنسيها ، لتجتهد الأمة في الشهر كله أو في العشر كلها ، ومما يؤكد أنها في العشر الأواخر اعتكافه صلى الله عليه وسلم ، التماساً لليلة القدر .وقد جاء في فضلها ما استفاضت به كتب الحديث والتفسير ، ويكفي فيها نص القرآن الكريم .
وفي هذه الليلة مباحث عديدة يطول تتبعها ، منها ما يذكر من أماراتها .
ومنها : محاولة البعض استخراجها من القرآن .ومنها : عرقتهم بحكم بني أمية ، وليس على شيء من ذلك نص يمكن التعويل عليه ، لذا لا حاجة إلى إيراده ، اللَّهم إلا ما جاء في بعض أمارات نهارها صبيحتها ، حيث جاء التنويه عن شيء منه في الحديث « ورأيتني أسجد صبيحتها في ماء وطين » .فذكروا من علامات يومها أن تطلع الشمس بيضاء ، وقالوا : لأن أنوار الملائكة عند صعودها ، تتلاقى مع أشعة الشمس فتحدث فيها بياض الضوء ، وهذا مروي عن أُّبي في صحيح مسلم .
ومنها : اعتدال هوائها وجوّها ونحو ذلك ، ومما يمكن أن يكون له صلة بالسورة ذاتها ، ما حكاه ابن كثير أن بعض السلف ، أراد استخراجها من كتاب الله في نفس السورة ، فقال : إن كلمة هي في قوله : { سَلاَمٌ هِيَ } [ القدر : 5 ] ، تقع السابعة والعشرين من عد كلماتها ، فتكون ليلة سبع وعشرين .وقيل أيضا : إن حروف كلمة ليلة القدر تسعة أحرف ، وقد تكررت ثلاث مرات ، فيكون مجموعها سبعة وعشرين حرفاً ، فتكون ليلة سبع وعشرين .ولعل أصوب ما يقال : هو ما قدمنا من أنها تتصل في ليالي الوتر من العشر الأواخر ، ولا تخرج عنها . والله تعالى أعلم .( 3 ) - فَلَيْلَةُ القَدْرِ مُبَارَكَةٌ بَدَأَ فِيهَا بِإِنْزَالِ القُرْآنِ الكَرِيمِ لِيَبْدَأَ عَهْدُ النُّبُوَّةِ وَالنُّورِ وَالهُدَى ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الجَاهِلِيَّةِ ، التِي كَانَ النَّاسُ يَتَخَبَّطُونَ فِيهَا فِي ظَلاَمِ الشِّرْكِ وَالوَثَنِيَّةِ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) { الملائكة }
( 4 ) - تَنَزَّلَتِ المَلاَئِكَةُ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، مُبَلِّغاً لِلْوَحْيِ ، وَكَانَ هَذَا التَّجَلِّي بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى . ( وَقِيلُ إِنَّ المَعْنَى هُوَ : أَنَّ المَلاَئِكَةَ يَكْثُرُ تَنَزُّلُهُمْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ لِعِظَمِ بَرَكَتِهَا ) .الرُّوحُ - جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
مِنْ كُلِّ أَمْرٍ - بِكُلِّ أَمْرٍ مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) { سَلاَمٌ } ( 5 ) - وَهِيَ لَيْلَةٌ كُلُّهَا سَلاَمٌ وَأَمْنٌ وَخَيْرٌ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللهِ ، وَأَهْلِ طَاعَتِهِ ، مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى نِهَايَتِهَا فِي مَطْلَعِ الفَجْرِ .
(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )(29)
قوله تعالى : كتاب خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب ، وقد ذكر جل وعلا ، في هذه الآية الكريمة ، أنه أنزل هذا الكتاب ، معظماً نفسه جل وعلا ، بصيغة الجمع ، وأنه كتاب مبارك وأن من حكم إنزاله ، أن يتدبر الناس آياته ، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها ، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى ، وأن يتذكر أولوا الألباب ، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة ، من شوائب الاختلال .
وكل ما ذكره في هذه الآية الكريمة جاء واضحاً في آيات أخر .
أما كونه جل وعلا ، هو الذي أنزل هذا القرآن ، فقد ذكره في آيات كثيرة كقوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر } [ القدر : 1 ] وقوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] وقوله تعالى : { هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [ آل عمران : 7 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وأما كون هذا الكتاب مباركاً ، فقد ذكره في آيات من كتابه كقوله تعالى : { وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } الآية . وقوله تعالى : { وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فاتبعوه واتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأنعام : 155 ]
YAk~Qh HQk.QgXkQhiE tAd gQdXgQmA hgr]v gQdXgQéA lQkSQgXkQçiE çgïR Ad iAk~Qç