الحديث الثالث :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه , فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج , فاستوصوا بالنساء ). [رواه البخاري ومسلم]
· عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك علي طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرُها طلاقها ). [رواه مسلم]
والحديث يتضمن عدة أمور :
1. توصية عامة بالنساء في قوله صلي الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء " وقيل معناه : تواصوا بهن , والباء للتعدية والاستفعال بمعني الإفعال , كالاستجابة بمعني الإجابة.
2. تعليل هذه الوصية بأمر يتصل بخلقة المرأة وذلك في قوله صلي الله عليه وسلم: " فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه " فهي أولا متميزة عن خلقة الرجل , ثم إن بها بعض عوج. والرسول لم يبين مجال هذا العوج ولا مداه , وإنما أشار إلي أثر العوج الخِلْقي في بعض سلوك المرأة مما يضيق به الرجل. فهل يمكن بناء علي الواقع المشاهد أن نفسر العوج بسرعة الانفعال وشدته أو بفرط الحساسية أو بتقلب المزاج؟ والعوج أصلا يقابل الاستقامة , فإذا كان اتزان الانفعال وضبطه استقامة فإن سرعة الانفعال وشدته عوج , وإذا كان ضبط الإنسان لعواطفه استقامة فغلبة العاطفة عليه عوج. والمرأة بخاصة قد تغلبها العاطفة فتفوتها الحكمة في اتخاذ قرار أو يكون منها مالا يَجْمُل من قول أو فعل. وقد ينتج من سرعة انفعالها تقلب في المزاج. وصدق رسول الله : " لن تستقيم لك علي طريقة " وهذا التقلب مما يكدر خاطر الرجل ويثير غضبه.
ويرجح هذا التفسير ما قاله الرسول في عظته للنساء : " تكثرن اللعن وتكفرن العشير" , فهذا سلوك عادة ما يكون ساعة غضب أي نتيجة سرعة الانفعال وشدته. أما إذا أراد البعض أن يفسر ( العوج ) بأن المرأة ذات طبيعة ملتوية والالتواء هنا يعني المكر والخديعة فإنا نعتقد أن في هذا القول بعدا وغلوَّا وتجريحا لعموم النساء يعارض النصوص المتكاثرة عن حياة الصحابيات التي تدل علي براءتهن من المكر والخديعة والالتواء ويخالف الواقع المشاهد بين أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا. وهل يعقل أن نوكل الإشراف علي تربية أولادنا إلي إنسان ذي طبيعة ملتوية ؟
3. وفي الحديث توجيه الرجل إلي الصبر علي ما يصدر من المرأة من سلوك مبعثه ذاك العوج , وذلك قوله صلي الله عليه وسلم :" وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرُها طلاقها ". وعلي الرجل أن يتذكر أنها لاتتعمد هذا السلوك لمضايقته وإحراجه فإنما هو نتيجة ما قدره الله علي المرأة من طبيعة خاصة تتميز بسرعة الانفعال وشدته , فليصبر وليكن سمحا كريما وليعلم أن هذه الخاصية من خصائص المرأة يمكن أن يكون لها أثر طيب في إقدارها علي أداء مهمتها الأساسية من حمل وإرضاع وحضانة إذ تحتاج إلي عاطفة بالغة وحساسية مرهفة. ثم ليعلم الرجل أيضا أنه إذا حاول الوقوف عند كل خطأ من زوجه نتيجة انفعالها البالغ مؤاحذا ومعاتبا فإن هذا لن يسفر عن شيء سوي مزيد من التباعد والشقاق , ثم يقع الفراق والطلاق. وأخيرا ليذكر الرجل أن لزوجته من الفضائل والمحاسن ما قد يعوض هذا العيب , وصدق رسول الله في قوله الحكيم الذي فيه علاج عندما يبدر من المرأة ما يبدر : " لايَفرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلافا رضي منها آخر".[رواه مسلم]
لايَفرَك مؤمن مؤمنة : أي لا يبغضها بغضا يؤدي إلي تركها.
4. ولتأكيد الرفق بالنساء ينهي الرسول حديثه بقوله : " فاستوصوا بالنساء " تماما كما بدأه صلي الله عليه وسلموفي شرح هذا القول قال الطيبي : ( السين في قوله " فاستوصوا " للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن ... وقيل معناه : اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن ) . قال الحافظ ابن حجر : ( و هذا [القول الأخير] أوْجَهُ الأوجه في نظري وليس مخالفا لما قال الطيبي ).
وأخيرا فكما قلنا في التعقيب علي حديث ناقصات عقل ودين بوجوب بذل الجهد العلمي الميداني لتحري نواحي النقص ومداه , نقول هنا ينبغي البحث العلمي لتحري مجال العوج عند المرأة ومداه.
*****