إذا كان تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من عاقبة الظلم وخطورة دعوة المظلوم , نظرا لكونها دعوة مستجابة تستوجب إنزال العقوبة من الله تعالى على الظالم عاجلا أم آجلا , فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال : ( اتق دعوة الملظوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) 2316 .
فإن آثار أفعال وسلوك المظلوم غير المتوقعة , وردة فعله على تكرار وقوع الظلم عليه من غير حجة أو دليل أو برهان , اللهم إلا الرغبة في الانتقام منه وتجريعه مزيدا من الذل والهوان , لا تقل خطورة على المجتمع – فضلا عن الظالم - من دعاء المظلوم واستغاثته والتجائه إلى الله .
فليس كل المظلومين في العلم وقوة الإيمان واليقين باستجابة الله لدعائهم وإنصافهم ممن ظلمهم سواء , وبالتالي فإنه يمكن أن يقال للظالم : "اتق ردة فعل المظلوم فإنها قد لا تكون متوقعة أومنتظرة , كما أن آثارها لا تقتصر على من الظالم فحسب , بل تطال المجتمع بأسره" .
لقد تفوق الغرب – رغم كونهم غير مسلمين - على المسلمين في الدول العربية والإسلامية بكثير من الأمور , لعل أهمها تحقيق نوع من العدالة لجميع المواطنين أمام القضاء وغيره , بينما غابت العدالة القضائية عن كثير من محاكم الدول العربية , ليتمن العربي والمسلم - بسبب ذلك - أن يحاكم أمام القضاء الغربي ولا يقف أمام المحاكم العربية في أي تهمة توجه له.
ولا يستغربن أحد بعد ذلك أو يتعجب من انتصار وتفوق الدول الغربية على الدول العربية والإسلامية "فإن الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة" كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الفتاوى" .
لقد كان الظلم – وما زال - سببا رئيسيا في حالة التردي التي تعيشها بعض الدول العربية والإسلامية , وعاملا من أهم عوامل ما تشهده كثير من دولها في السنوات الثلاث السابقة بما سمي "بالربيع العربي" , فهل ستعود تلك الدول إلى سالف عهدها الذي كانت عليه ؟؟ وهل يمكن ذلك بعد أن تنسمت شعوب هذه الدول نسمة من نسمات الحرية , واسشرفت معها شيئا من العدالة والمساواة ؟؟
إذا كانت الحكمة تقول : " لا تلجأ خصمك لأصعب الخيارات وأضيقها ، فلن يكون لديه شيء ليخسره أو يبكي عليه " صحيحة ولا بد أن تأخذ بعين الاعتبار في أي مواجهة أو خصومة , فكيف إذا كان هذا الشخص – الأشخاص - ليس خصما في الحقيقة والواقع ؟!