يُعدّ هذا الكتاب الجزء الأول من سلسلة كيمياء الصلاة المكونة من خمسة أجزاء, تركز السلسلة على الصلاة بصفتها عملية لازمة لمساعدة الإنسان على أداء ما خُلق من أجله (إعمار الأرض), يمهد المؤلف لموضوع الكتاب بمقدمتين يتحدث في الأولى التي اختار "نولد, إحدى ولادتنا" عنوانًا لها عن الصلاة باعتبارها ولادة جديدة للإنسان قائلًا: (لكني آمل, هذه المرة, أن تكون هي "الولادة الأهم" التي تحدث فرقًا في حياتنا, أفرادًا, ومجتمعًا) وتبعًا لذلك على المرء أن يستشعر أهميتها بمعزل عن الأداء الروتيني الذي يفقدها لذتها، ويذكر الهدف من هذه السلسلة بقوله: (إنها محاولة لاسترداد الضوء من قلب العتمة ولبعث الرسالة في حياة كل منا). وفي المقدمة الثانية "رؤوس أقلام لما يجب أن يكتب لك بغير القلم" يشدد المؤلف على كون هذا الإصدار مختلف فهو لا يحتوي على وصفة جاهزة للخشوع بل يهدف للتنقيب بحثًا عن معاني مطمورة تحت مفاهيم تكونت مع الوقت ونسبت إلى الدين لا يلزم كونها أمورًا سلبية لكنها فقدت إيجابياتها مع مرور الوقت, وانطلاقًا من إيمانه بثبات الشكل وتمدد المعنى يتحدث عن أفق جديد لمعاني الصلاة لا يلغي الآفاق الأخرى إنما يزيدها سطوعًا ووضوحًا, يعوّل كثيرًا على الصلاة باعتبارها الحلقة المفقودة التي يمكن لها لو وظفت في سياقها الأصلي أن تجسر الهوة بين الفكر والسلوك ومن شأنها أن تقدح زناد النهضة. الفصل الأول: نصلي ولكن..! يقارن المؤلف بين أداء المصلين وأحوالهم خارجها فالصلاة لا يمكن أن تكون مثمرة في حال خلق البعض حاجزًا وهميًا بين صلاتهم وممارساتهم فكأنما يعيشون في عالمين منفصلين, يسوق مثال التفاعلات الكيمائية التي تتطلب تحضير عناصرها مع الاهتمام بمراقبة نتائجها ليصل إلى نتيجة مفادها: (لو أننا بحثنا عن نتائج تفاعل معادلة الصلاة، لأعدنا النظر فيما نفعل). كما يربط بين مقاصد الصلاة الدنيوية / الأخروية ويذكر السبب بقوله: (لا يمكن الحديث عن هدف أخروي دون ارتباطه بعمل دنيوي, بإنجاز يحصل في الدنيا ويؤدي إلى هذا الهدف الأخروي), ينادي بالاهتمام بالكيف بالتزامن مع الفكرة السائدة بالإعجاب بالكثرة في عدد المصلين . ويذكر خمسة أسباب لتأدية الصلاة بالشكل الاعتيادي معللًا من خلالها عدم الوصول إلى أثر ملموس فحين تؤدى الصلاة ككفارة فقط فإن هذا الفهم قد يجعل من الصلاة عكازة للاستمرار في الذنوب, وحين تؤدى من أجل إسقاط الفرض فالصلاة تختزل في كونها أداء (جسماني / حرفي) وكأنما هو المطلب النهائي لها, أما كون أداء الصلاة قد شُرعت من أجل الراحة النفسية فهي قد تكون نتيجة لا سبب, وحينما تؤدى الصلاة من أجل التواصل معه عز وجل فمن المفترض أن تكون" الصلاة ركنًا لا كوة ننسحب إليها لننعم بقليل من السكينة ", أما السبب الأكثر شيوعًا " فرض وكفى " فهو يعكس فهمًا يجعل أوامر الشريعة بلا أسباب والنتيجة حينئذ أن الصلاة قد تكون عامل طرد بدلًا من أن تكون عنصر جذب, ويبقى الهدف المنشود "رؤية صلواتنا مجسمة في خارج أوقاتها". الفصل الثاني: الأعرابي المجهول في هذا الفصل يستشهد المؤلف بحديث الأعرابي الذي قدم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليسأله عن الإسلام، واكتفى حينها بعدم الزيادة على ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام له من واجبات, يتفحص الواقعة بمجملها قبل جعلها رؤية ثابتة للعبادات, ويذكر بأن هذا الأعرابي كان له وضع معين ربما لا يناسب تعميمه أو اتخاذه قدوة بقوله: (لو أن ذلك الجيل الذي قاد العالم قد فهم ما فهمه الأعرابي وقرر ما قرره الأعرابي لما كان قاد العالم أصلًا, لأنه كان رضي, منذ البداية, بأقل القليل, بالحد الأدنى من الأمور, بالحد الذي بالكاد يجعلك تنجح بصعوبة). يتحدث عن تأثير اتخاذ مثل هذه النماذج قدوات حقيقية من خلال مثال يطرحه: (عندما تعيش طوال عمرك تحت سقف واطئ لدرجة أنك تضطر لحني ظهرك حتى تسير فإن هذا السقف الواطئ سيصير مع الوقت هو حدود طولك، سيتكيف ظهرك مع هذا السقف، سيحدودب، ستنحني (كلك).. وستصير، مع الوقت، على مقاس ذلك السقف الواطئ.. حتى لو أزيح السقف، حتى لو تفجر، وصارت السماء هي الحدود المفترضة.. فإنك ستظل محني الظهر، على مقاس ذلك السقف الواطئ.. لقد تشكلت على أساسه، تقولبت بحدوده.. ولن يكون من السهل أن تتطاول لتتجاوزه). الفصل الثالث: علم اجتماع الصلاة يتحدث في هذا الفصل عن الشعائر عبر تاريخ الإنسانية والصلاة كمثال, وعن الفئات التي ترفض أداءها ودوافع الرفض, فئة تعتبر الصلاة أمرًا ثانويًا يخص عامة الناس وبسطاءهم, وأخرى لا تؤمن بالدين من الأساس وقد تدّعي الإيمان بروح الدين وليس تفاصيله, وهناك من يعتبر الصلاة والشعائر بشكل عام هدفها تقويمي في جانب الأخلاق ولما كانوا يدّعون جانب الكمال فلا غرابة إذن في إسقاط الفرض عنهم, وردًا على من ينكر أهمية الشعائر يبحث المؤلف في تاريخها باعتبارها ثابت في تاريخ متغير ولم تقتصر يومًا على الدين ومهما اختلفت في طبيعتها إلا أنها تشترك في كونها(حركات ضمن نسق معين متكرر ومرتكزة حول رمز ما) . وعن سر الميل إلى الشعائر وحقيقته ودوافعه يذكر المؤلف أن هذه الأسئلة شغلت الباحثين في علم الاجتماع وكان الانحياز دومًا للسبب الاجتماعي وفي اعتبارها سبيل لإظهار الهوية المستقلة, ومع أن معظم المخلوقات تشترك غريزيًا في أداء الطقوس إلا أن الإنسان وحده من يستطيع الانتقال بالطقوس إلى أفق الشعائر. الفصل الرابع: مخلوق شعائري، رغمًا عن أنفه يجزم المؤلف باستحالة الاستغناء عن الشعائر في أي مجتمع إنساني مهما كان علمانيًا ومتطورًا ويلخص السبب بقوله: (لا يوجد مجتمع إنساني، بلا شعائر لأن هذا مناقض لحقيقة ثابتة من حقائق الإنسان: وهي أنه مخلوق شعائري). يتحدث عن أوجه أخرى من الطقوس, منها على سبيل المثال تجربة بناء المجتمع الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق حين تبدلت الشعائر عبر صور متعددة ابتداءً من عيد الفصح وعيد الميلاد لتحل العقيدة البلشفية بشعائرها مكانها مما يؤكد على الإنسان مخلوق شعائري بطبعه, كما ذكر أمثلة على استمرار الشعائر حتى في المجتمعات التي تتصور أنها أنجزت طلاقها من الدين وشكلياته. أما شعائر الحياة الحديثة " شعائر المادة, والأكل, والجنس, والصحة" فيمكن تصنيفها تحت شعائر الحاجات البيولوجية(الدُنيا), ويصفها المؤلف بعملية تنازل الإنسان عن استحقاقاته ويعبر عن ذلك قائلًا: (لكني الآن أفهم الردة بمعنى أوسع وأكثر تجريدًا إنها ارتداد عن القمة العالية التي وصلها الإنسان بصفته الأرقى بين المخلوقات). الفصل الخامس: شعائر الدين الخاتم .. شعائر خاتمة؟ انطلاقًا من كون ديننا هو الدين الخاتم لابد أن تكون لشعائره وظيفة خاتمة, وعلى ضوء ذلك يعتقد المؤلف (إذا كانت الصلاة, كشعيرة بشكل عام, تحافظ على مكانتنا بوصفنا نوعًا إنسانيًا فإن الصلاة التي هي ركن من أركان الدين الخاتم, لابد أن تتجاوز المكانة إلى المساعدة في تحقيق الهدف من وجود النوع الإنساني على قمته العالية). وعن الهدف الأسمى إعمار الأرض وكون الإنسان هو الخليفة يستعرض المؤلف عدة سور قرآنية ويستنبط منها معاني تربط بين هذا الهدف وبين الصلاة, وباعتبار الصلاة وسيلة للنماء الإنساني يتأمل المؤلف الفرق بين معاني سورتي الكوثر والتكاثر بقوله: (فمقابل ذلك النهر العظيم الذي يرتبط بمعاني كثرة الخير والنماء الإنساني, هناك " المقبرة": رمز رهيب لتكاثر هو في حقيقته-وعلى مقياس القيم-هباء محض). الفصل السادس: الصلاة عبر المجهر. الصلاة عبر التلسكوب يبدأ هذا الفصل بمبحث لغوي لمعاني مجهرية مختلفة للصلاة ومدى ارتباط هذه المعاني بحقيقة الصلاة, منها على سبيل المثال: "الدعاء" الذي يمثل في جوهره أعمق من مجرد طلب أنما يترتب عليه وجود قضية تتطلب الإعانة, ومن المعاني أيضًا " لزوم ما يلزم" وقد يكون التفسير الأمثل لهذا المعنى ما يقرّه المؤلف: (اللزوم يعني أنك لن تكون حقًا, لن تكتمل, إلا عندما تحوز هذا الذي يلزمك). ومن المعاني المجهرية للفظ صلّى " النضوج المضيء" لأن (الصلاة في جوهرها احتراق حقيقي وصولًا إلى النضوج إلى التغيير بفارق أنها احتراق مضيء, يضيء الدرب نحو ما يجب أن نكون), ومن مشتقات اللفظ صلى ما يعني "نبتة قوية الجذور" ويربط المؤلف بين هذا المعنى وحقيقة الصلاة بقوله: (تثمرنا الصلاة, تقودنا في ذلك الدرب"الوعر أحيانًا"نحو الإثمار.. نحو أن نطرح ثمارًا, أو أن نكون أنفسنا شجرة تؤتي أكلها كل حين). ثم ينتقل للحديث عن معاني الإقامة, ومعناها المجمل هو: (تنزيل القيم المجردة إلى أرض الواقع, أو جعل الواقع مؤهلًا لاستلام القيم والتفاعل معها من أجل واقع أكثر توازنًا, وقيم أكثر فاعلية). الخاتمة: أقزام وعماليق يعود المؤلف للحديث مجددًا عن نموذج الأعرابي الذي خصص الفصل الثاني عنه لا ليحلل النموذج إنما ليقارنه مع نموذج آخر, مع الفاروق عمر بن الخطاب ومدى تفاعله مع القرآن حتى صار جزءًا من النهوض الشامل للأمة. الحديث عن عمر بن الخطاب من زاوية صلاته والتي تطابقت كشعيرة مع رؤيته القرآنية للحياة, ومع دوره كخليفة في هذه الأرض, بيد أن ارتقاءه في الصلاة لم يأخذه بعيدًا عن واقعه والدليل كما ذكر المؤلف: (قال عمر عن صلاته شيئًا هائلًا قال: " إني لأجهز الجيوش في صلاتي" ومعنى هذه الجملة الآن: إني لأغير العالم في صلاتي "). ولمن يتحجج بكون المهمة صعبة جدًا يقول المؤلف: (المسافة بين ذلك الأعرابي وبين عمر شاسعة والوصل بين النقطتين مهمة صعبة .. المهم ألّا تكون مستحيلة .. وبين الصعوبة والاستحالة خيط رفيع جدًا يقطعه وعينا وإرادتنا ورغبتنا بالخروج مما لم يعد ممكنًا البقاء فيه).