بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
السؤال :
هل يؤثر عدم استحضار نية التقرب إلى الله على صحة العمل ، أم ينقص من الأجر فقط ، فإن نوى شخصٌ الغسلَ بنية الدخول في الإسلام ، أو رفع الحدث الأكبر ، وغفل عن نية التقرب إلى الله فهل يصح غُسلُه ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا شك أن تصحيح النية ، واستحضارها في بداية العمل ، من أعظم ما ينبغي أن يشتغل به العابد ، فإن عليها مدار قبول العمل أو رده ، وعليها مدار صلاح القلب أو فساده ؛ فإن القلب لا يصلح إلا بأن يكون عمله وسعيه لله خالصا مما سواه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله :
النية التي عليها مدار الصحة والفساد ، والتي يذكرها الفقهاء : هي نية تمييز العمل عما سواه ، وأما النية التي عليها مدار قبول العمل أو رده : فهي قصد تمييز " المعمول له " ، المعبود ، عمن سواه ، وهي التي يعبَّر عنها بالإخلاص .
قال ابن رجب رحمه الله :
أن النية التي يتوقف عليها صحة العمل : هي تمييز هذا العمل الذي يريده المكلف ؛ فيميز غسل الجنابة ، من غسل التنظف أو التبرد ، ونحو ذلك .
وهذا هو المطلوب في تصحيح العمل .
وأما نية التقرب ، فهي مما يتفاوت فيه الناس تفاوتا عظيما ، وبحسب تحقيقها وإخلاصها يكون قدر العامل وعمله عند الله .
ولا يلزم في ذلك أن يستحضر العامل نية " التقرب " ، بخصوص ذلك اللفظ ، بل لو نوى " العبادة " ، أو " التعبد لله " أو طاعته ، أو التزام أمره ، ونحو ذلك من المقاصد الشرعية الصحيحة : فهي كافية .
ينظر : " الموسوعة الفقهية " (33/92) وما بعدها ، " مقاصد المكلفين " للأشقر (50-56) .
ولعله لذلك ذهب من ذهب من الفقهاء إلى أنه لا يشترط نية " التقرب " في العمل ، بخصوصها ؛ بل يكفي أن ينوي العمل المعين ، أو العبادة المعينة ، مع تمييزها عن غيرها .
ينظر : " التلخيص في أصول الفقه " للجويني (1/486) ، " المستصفى من علم الأصول " للغزالي (1/62) .
وهذه النية المطلوبة في تصحيح العمل : عادة ما تكون حاصلة في قلب العبد عند عمله ؛ وإلا فما الذي يدفع من أراد الدخول في الإسلام : إلى الغسل ، وما الذي يدفع الحائض إذا طهرت إلى الغسل ، لا سيما في البرد الشديد ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النية قصد فعل الشيء ، فكل عازم على فعل فهو ناويه ، لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها ، فلا يمكن عدمها في حال وجودها ، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء ، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة ، ولا يكاد العاقل يفعل شيئاً من العبادات ولا غيرها بغير نية ، فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة ، لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل . ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيته لعجز عن ذلك . ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق ، ولا يدخل تحت وسعه " انتهى من " إغاثة اللهفان " (1/137) .
والله أعلم .