تحرير المذهب في هذه المسألة مهم للغاية ونحب أن نبدأ الموضوع بما يلي:
1-يتفق معنا موجبو النقاب على وجوب إبداء الوجه والكفين في الصلاة وفي الإحرام حال الحجة أو العمرة ويختلفون معنا في وجوب التغطية وجوازها إذا مر الرجال.
2-يتفقون معنا على جواز إبداء الوجه والكفين في حال الخطبة وفي حال القضاء والشهادة وفي بعض حالات البيع والشراء.
3-يتفق معنا هؤلاء أيضا على أن الوجه ليس بعورة عند جمهور العلماء بسبب الحالات السابقة.
4-يختلفون معنا في حكم تغطية الوجه وإظهاره.
5- نختلف معهم حول تعريف "عصر الفتنة".
وبناء على هذه النقاط لن نضيع وقتنا ووقتهم ووقتكم جميعا في ذكر أقوال العلماء في النقاط المتفق عليها فلن نذكر ما كان منها في الحالات السابقة بل سنتكلم عن الحكم الأصلي.
ونرجو مراعاة هذه الشروط فنحن لا نريد الحديث عن شئ إلا عن عورة النظر لا عورة الصلاة -على فرض وجود فرق-.
أخوكم:الأزهري الأصلي.
كنا نود أن نلقي إطلالة على أهم كتب المذهب ومتونه ولكن وجدنا أن الموضوع سيطول فأجلناها لموضوع جديد إن شاء الله.
1- الإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت:189 هـ):
قال في المبسوط (ج3/ص56 - 58 ):
"وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها وهذا قول أبي حنيفة وقال الله تبارك وتعإلى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ففسر المفسرون أن ما ظهر منها الكحل والخاتم والكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف فرخص في هاتين الزينتين ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها فإن كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليها ".
2-الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت:322 هـ):
قال في " شرح معاني الآثار" (2/392- 393):
" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرَّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".
وغير هذا كثير في مصنفه هذا خاصة.
3-قال الإمام أبو بكر الجصاص (ت:370هـ) في ( أحكام القرآن ) ( 3/316 ) :
(( وقول ابن مسعود في أن ( مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) هو الثياب؛ لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة ، والمراد العضو الذي عليه الزينة ، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقُلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها ، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة ، كما قال في نسق الآية بعد هذا: ( ولا يُبْدِيْنَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) ، والمراد موضع الزينة ، فتأويلها على الثياب لا معنى له ، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها )) .
4-قال الإمام أبو الليث السمرقندي (ت:375هـ) في تفسيره "بحر العلوم":
((والنظر إلى النساء على أربع مراتب:
في وجه يجوز النظر إلى جميع أعضائها وهي النظر إلى زوجته وأمته
وفي وجه يجوز النظر إلى الوجه والكفين وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرما لها ويأمن كل واحد منهما على نفسه فلا بأس بالنظر عند الحاجة
وفي وجه يجوز النظر إلى الصدر والساق والرأس والساعد وهو النظر إلى إمرأة ذي رحم أو ذات رحم محرم مثل الأخت والأم والعمة والخالة وأولاد الأخ والأخت وإمرأة الأب وإمرأة الإبن وأم المرأة سواء كان من قبل الرضاع أو من قبل النسب
وفي وجه لا يجوز النظر إلى شيء وهو أن يخاف أن يقع في الإثم إذا نظر)).
انتهى كلامه .
5-الإمام القدوري (ت:428 هـ):
قال في متنه الشهير ب"الكتاب":
(ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، وإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجةٍ).
وقد شرح هذا المتن لأهميته شروحا عديدة انتخبنا منها شرحين هامين:
أ- شرح العبادي الحدادي (ت:800 هـ) وسماه ب" الجوهرة النيرة" يقول في شرح الفقرة السابقة:
((قوله ( ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها ) لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وقد يضطر إلى كشف وجهها للشهادة لها وعليها عند الحاكم فرخص لها فيه وفي كلام الشيخ دلالة على أنه لا يباح له النظر إلى قدمها وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يباح ذلك لأن المرأة تضطر إلى المشي فيبدو قدمها فصار كالكف ولأن الوجه يشتهى والقدم لا يشتهى فإذا جاز النظر إلى وجهها فقدمها أولى قلنا الضرورة لا تتحقق في كشف القدم إذ المرأة تمشي في الجوربين والخفين فتستغني عن إظهار القدمين فلا يجوز النظر إليهما ( قوله فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ) لقوله عليه السلام { من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية بشهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة } الآنك هو الرصاص وقوله إلا لحاجة هو أن يريد الشهادة عليها فيجوز له النظر إلى وجهها وإن خاف الشهوة ؛ لأنه مضطر إليه في إقامة الشهادة أصله شهود الزنا الذين لا بد من نظرهم إلى العورة إذا أرادوا إقامة الشهادة)) .
ب-شرح عبد الغني الدمشقي الميداني (ت:1289 هـ) وسماه ب" اللباب في شرح الكتاب" يقول في شرح الفقرة السابقة:
(((ولا يجوز) للرجل (أن ينظر من الأجنبية) الحرة (إلا إلى وجهها وكفيها) ضرورة احتياجها إلى المعاملة مع الرجال أخذاً وإعطاء وغير ذلك، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة أنه يباح، لأن فيه بعض الضرورة.
وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضاً؛ لأنه قد يبدو منها عادة؛ (هداية)، وهذا إذا كان يأمن الشهوة.
(فإن كان لا يأمن) على نفسه (الشهوة لم ينظر إلى وجهها إلا لحاجة) ضرورية، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة")).
6-الإمام السرخسي (ت:483 هـ):
قال في كتابه "المبسوط" وهو شرح لكتاب "الكافي" للصدر الشهيد الحاكم (ت:334 هـ) بعد ذكر الخلاف قال:
((ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة، ولما قال عمر - رضي الله عنه - في خطبته: ألا لا تغالوا في أصدقة النساء فقالت امرأة سفعاء الخدين أنت تقوله برأيك أم سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنا نجد في كتاب الله تعالى بخلاف ما تقول قال الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} فبقي عمر - رضي الله عنه - باهتاً وقال: كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت، فذكر الراوي أنها كانت سفعاء الخدين وفي هذا بيان أنها كانت مسفرة عن وجهها، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كف امرأة غير مخضوب فقال: أكف رجل هذا؟ ولما ناولت فاطمة - رضي الله عنها - أحد ولديها بلالاً أو أنساً - رضي الله عنهما - قال أنس: رأيت كفها كأنه فلقة قمر فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف فالوجه موضع الفتنة والكف موضع الخاتم والخضاب وهو معنى قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} وخوف الفتنة قد يكون بالنظر إلى ثيابها أيضاً قال القائل:
وما غرني الإخضاب بكفها * وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفها
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يباح النظر إلى قدمها أيضاً وهكذا ذكر الطحاوي لأنها كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال وبإبداء كها في الأخذ والإعطاء تبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو متنعلة وربما لا تجد الخف في كل وقت.....إلخ)).
7- العلامة الزمخشري المعتزلي الحنفي فروعا (ت:538هـ) في "الكشاف":
((الزينة: ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين.
وذكر الزينة دون مواقعها: للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن إبداء الزين نفسها. ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع - بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله - كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها. فإن قلت: ما تقول في القراميل هل يحل نظر هؤلاء إليها؟
قلت: نعم.
فإن قلت: أليس موقعها الظهر ولا يحل لهم النظر إلى ظهرها وبطنها وربما ورد الشعر فوقعت القراميل على ما يحاذي ما تحت السرة
قلت: الأمر كما قلت ولكن أمر القراميل خلاف أمر سائر الحلي لأنه لا يقع إلا فوق اللباس ويجوز النظر إلى الثوب الواقع على الظهر والبطن للأجانب فضلاً عن هؤلاء. إلا إذا كان يصف لرقته فلا يحل النظر إليه فلا يحل النظر إلى القراميل واقعة عليه. فإن قلت: ما المراد بموقع الزينة ذلك العضو كله أم المقدار الذي تلبسه الزينة منه قلت: الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية وكذلك مواقع الزينة الظاهرة: الوجه موقع الكحل في عينيه والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه والغمرة في خديه والكف والقدم موقعا الخاتم والفتحة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة قلت: لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بداً من مزواولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهرو قدميها وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله:
( إلا ما ظهر منها ) يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور))انتهى كلامه.
8-الإمام الكرابيسي (ت:539هـ):
يقول في كتابه الفروق (1/347):
((ما يجوز للأجنبي أن ينظر إلى موضع الزينة الظاهرة من الحرة وهو الوجه والكف لا يجوز مسه)) ثم أوضح الفارق بين النظر والمس.
9-أبو بكر علاء الدين السمرقندي (ت:552هـ):
قال في كتابه "تحفة الفقهاء" (3/333):
(((وأما النوع الرابع وهو الأجنبيات وذوات الرحم بلا محرم: فإنه يحرم النظر إليها أصلاً من رأسها إلى قدمها سوى الوجه والكفين فإنه لا بأس بالنظر إليهما من غير شهوة، فإن كان غالب رأيه أنه يشتهي يحرم أصلا)).
ومن أهم شروحه شرح الكاساني (ت:587هـ) المسمى ب" بدائع الصنائع" يقول في شرح الفقرة السابقة بعد إعادة التقسيم:
((حكم الأجنبيات الحرائر
و أما النوع السادس : و هو الأجنبيات الحرائر فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه و الكفين لقوله تعالى : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة و هي الوجه و الكفان ، رخص بقوله تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " و المراد من الزينة الظاهرة الوجه و الكفان فالكحل زينة الوجه و الخاتم زينة الكف ، و لأنها تحتاج إلى البيع و الشراء و الأخذ و العطاء و لا يمكنها ذلك عادة إلا بكشف الوجه و الكفين فيحل لها الكشف ، و هذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يحل النظر إلى القدمين أيضاً .
وجه هذه الرواية : ما روي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها في قوله تبارك و تعالى : " إلا ما ظهر منها " القلب و الفتخة و هي خاتم إصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين ، و لأن الله تعالى نهى عن إبداء الزينة و استثنى ما ظهر منها و القدمان ظاهرتان ، ألا ترى أنهما يظهران عند المشي فكانا من جملة المستثنى من الحظر فيباح إبداؤهما .
وجه ظاهر الرواية : ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله عز شأنه : " إلا ما ظهر منها " إنه الكحل و الخاتم ، و روي عنه في رواية أخرى أنه قال : الكف و الوجه فيبقى ما وراء المستثنى على ظاهر النهي ، و لأن إباحة النظر إلى وجه الأجنبية و كفيها للحاجة إلى كشفها في الأخذ و العطاء و لا حاجة إلى كشف القدمين فلا يباح النظر إليهما ثم إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة ، فأما عن شهوة فلا يحل لقوله عليه الصلاة و السلام : " العينان تزنيان " وليس زنا العينين إلا النظر عن شهوة و لأن النظر عن شهوة سبب الوقوع في الحرام فيكون حراماً إلا في حالة الضرورة بأن دعى إلى شهادة أو كان حاكماً فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها و إن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة .
ألا ترى أنه خص النظر إلى عين الفرج لمن قصد إقامة حسبة الشهادة على الزنا ، و معلوم أن النظر إلى الفرج في الحرمة فوق النظر إلى الوجه ، و مع ذلك سقطت حرمته لمكان الضرورة فهذا أولى ، و كذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها ، و إن كان عن شهوة ، لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة و الموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد ، على " ما قال النبي عليه الصلاة و السلام للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج امرأة : اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما " دعاه عليه الصلاة و السلام إلى النظر مطلقاً ، و علل عليه الصلاة و السلام بكونه وسيلة إلى الألفة و الموافقة)) .
10-الإمام المرغيناني (ت:593هـ):
صاحب أهم متون المذهب الشهير ب"الهداية" وهو شرح لكتابه "بداية المبتدي" يقول في هذا المتن:
((( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة))
ومن أهم شروحه:
أ- الإمام البابرتي (ت:786هـ) في شرح سماه "العناية شرح الهداية" يقول شارحا الفقرة السابقة:
((قال ( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها ) لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال علي وابن عباس رضي الله عنهما ؛ ما ظهر منها الكحل والخاتم ، والمراد موضعهما وهو الوجه والكف ، كما أن المراد بالزينة المذكورة موضعها ، ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك ، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها . وعن أبي حنيفة أنه يباح ؛ لأن فيه بعض الضرورة . وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا ؛ لأنه قد يبدو منها عادة قال ( فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة } فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم)).
ب- العلامة ابن الهمام (ت:861هـ) في شرح سماه "فتح القدير" وهو مشهور:
((مسائل النظر أربعة أقسام : نظر الرجل إلى المرأة ، ونظر المرأة إلى الرجل ، ونظر الرجل إلى الرجل ، ونظر المرأة إلى المرأة : والقسم الأول منها على أربعة أقسام أيضا : نظر الرجل إلى الأجنبية الحرة ، ونظره إلى من يحل له من الزوجة والأمة ، ونظره إلى ذوات محارمه ، ونظره إلى أمة الغير . فبدأ في الكتاب بأول الأقسام من القسم الأول كما ترى ( قوله قال علي وابن عباس رضي الله عنهما : ما ظهر منها الكحل والخاتم ، والمراد موضعهما وهو الوجه والكف ) أقول : الظاهر أن المقصود من نقل قول علي وابن عباس هاهنا إنما هو الاستدلال على جواز أن ينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها بقولهما في تفسير قوله تعالى { إلا ما ظهر منها } فإن في تفسيره أقوالا من الصحابة لا يدل على المدعى هاهنا شيء منها سوى قولهما ، لكن دلالة قولهما على ذلك غير واضح أيضا ، إذ الظاهر أن موضع الكحل هو العين لا الوجه كله ، وكذا موضع الخاتم هو الأصبع لا الكف كله ، والمدعى جواز النظر إلى وجه الأجنبية كله وإلى كفيها بالكلية ، فالأولى في الاستدلال على ذلك هو المصير إلى ما جاء من الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفيها : منها ما روي { أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى وجهها ولم ير فيها رغبة } . ومنها ما روي { أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه } ومنها ما روي " أن فاطمة رضي الله عنها لما ناولت أحد ابنيها بلالا أو أنسا قال : رأيت كفها كأنها فلقة قمر " : أي قطعته ، فدل على أن لا بأس بالنظر إلى وجه المرأة وكفها)).
11- الإمام يوسف السجستاني (ت:638هـ):
قال في كتابه "منية المفتي":
((العبد يدخل على مولاته بغير إذنها بالإجماع وهو في النظر إليها كالأجنبي ينظر إلى وجهها وكفيها ولا ينظر إلى مواضع زينتها الباطنة))
نقلا عن كتاب "غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم" للإمام شهاب الدين الحسيني (ت:1098هـ).
12- الإمام ابن مودود الموصلي (ت:683هـ):
يقول في كتابه "الاختيار لتعليل المختار" (والمتن والشرح له) (4/156):
(ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية، إلا إلى الوجه والكفين، إن لم يخف الشهوة.. وعن أبي حنيفة: أنه زاد القدم، لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء، ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب، لإقامة معاشها ومعادها، لعدم من يقوم بأسباب معاشها.
قال: والأصل فيه قوله تعالى: (ولا يُبْدِين زِيَنَتَهُنَّ إلا ما ظَهَـر منها) قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما، كما بينا أن النظر إلى نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب، فكان المراد موضع الزينة، بطريق حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
قال: وأما القدم، فروي أنه ليس بعورة مطلقًا لأنها تحتاج إلى المشي فيبدو، ولأن الشهوة في الوجه واليد أكثر، فلأن يحل النظر إلى القدم كان أولى.
وفي رواية: القدم عورة في حق النظر دون الصلاة).
13- الإمام زين الدين الرازي (عاش في أواسط القرن السابع ولم أجد له تاريخ وفاة):
يقول في كتابه "تحفة الملوك":
((ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية وفي القدم روايتان فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة وكذا لو شك)).
14- الإمام النسفي (ت:701هـ أو 710هـ):
ومتنه "كنز الدقائق" من أشهر متون المذهب ولأهل المذهب عناية خاصة به.
يقول ((فصل في النظر والمس :لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها)).
ومن أهم شروحه:
أ- شرح الإمام الزيلعي (ت:743هـ) (وهو شيخ الإمام الزيلعي صاحب نصب الراية) ويسمى ب" تبيين الحقائق" يقول شارحا الفقرة السابقة:
((وهذا كلام فيه خلل ؛ لأنه يؤدي إلى أنه لا ينظر إلى شيء من الأشياء إلا إلى وجه الحرة ، وكفيها فيكون تحريضا على النظر إلى هذين العضوين ، وإلى ترك النظر إلى كل شيء سواهما ، وليس هذا بمقصود في هذه المسألة ، وإنما المقصود فيها أنه يجوز له النظر إلى هذين العضوين لا أنه لا يكفهما ، وإنما جاز النظر إليهما لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال علي وابن عباس رضي الله عنهم ما ظهر منها الكحل والخاتم والمراد به موضعهما ، وهو الوجه والكف كما أن المراد بالصلاة في قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } مواضعها ؛ ولأن في إبدائهما ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال والإعطاء وغير ذلك من المخالطة فيها ضرورة كالمشي في الطريق ونحو ذلك والأصل أن لا يجوز النظر إلى المرأة لما فيه من خوف الفتنة ولهذا قال عليه السلام { المرأة عورة مستورة } إلا ما استثناه الشرع ، وهما العضوان ، وهذا يفيد أن القدم لا يجوز له النظر إليه ، وعن أبي حنيفة أنه يجوز ؛ لأن في تغطيته بعض الحرج ، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا ؛ لأنه يبدو منها عادة ، وما عدا ما استثنى من الأعضاء لا يجوز له أن ينظر إليه لقوله عليه الصلاة والسلام { من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينه الآنك يوم القيامة } قالوا ، ولا بأس بالتأمل في جسدها ، وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها فيه فلا ينظر إليه حينئذ لقوله عليه الصلاة والسلام { من تأمل خلق امرأة وراء ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم يرح رائحة الجنة } ؛ ولأنه متى لم تصف ثيابها ما تحتها من جسدها يكون ناظرا إلى ثيابها ، وقامتها دون أعضائها فصار كما إذا نظر إلى خيمة فيها امرأة ، ومتى كان يصف يكون ناظرا إلى أعضائها)).
ب- شرح الإمام ابن نجيم (ت:970هـ) المسمى ب"البحر الرائق" يقول معلقا على كلام الزيلعي وشارحا للمتن معا (8/351):
((ولا يخفى على متأمل عدم هذا الخلل لأن حرف " إلى " بدل عن " من " الابتدائية التي إلى غايتها فهو في قوة المنطوق فالتقدير لا يجوز له النظر من المرأة إلى غير الوجه وكفيها فقد أفاد منع النظر منها غير الوجه وكفيها لا التحريض فتدبره واستدل الشارح على جواز النظر إلى ما ذكر بقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال علي وابن عباس ما ظهر منها الكحل والخاتم لا الوجه كله والكف فلا يفيد المدعى فتأمل والأصل في هذا أن { المرأة عورة مستورة } لقوله عليه الصلاة والسلام { المرأة عورة مستورة إلا ما استثناه الشرع وهما عضوان } ولأن المرأة لا بد لها من الخروج للمعاملة مع الأجانب فلا بد لها من إبداء الوجه لتعرف فتطالب بالثمن ويرد عليها بالعيب ولا بد من إبداء الكف للأخذ والعطاء وهذا يفيد أن القدم لا يجوز النظر إليه وعن الإمام أنه يجوز ولا ضرورة في إبداء القدم فهو عورة في حق النظر وليس بعورة في حق الصلاة كذا في المحيط وعن الثاني يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا ; لأنه يبدو منها عادة وما عدا هذه الأعضاء لا يجوز النظر إليها لقوله عليه الصلاة والسلام { من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة } الحديث وهو الرصاص المذاب , وقالوا : ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب بيان حجمها فلا ينظر إليه حينئذ لقوله عليه الصلاة والسلام { من تأمل خلف امرأة من وراء ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم يرح رائحة الجنة } وإذا كان الثوب لا يصف عظامها فالنظر إلى الثوب دون عظامها فصار كما لو نظر إلى خيمة فيها فلا بأس به قيدنا بالنظر لأنه يكره له أن يمس الوجه والكف من الأجنبية كذا في قاضي خان وشمل كلامه الحر المسلم البالغ والرقيق البالغ والصبي المراهق والكافر كذا في الغياثية وفيها ولا بأس بالنظر إلى شعر الكافرة ا هـ )).
**قال الإمام النسفي (ت:701هـ) في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" وقد قدمنا رأيه من كتابه الفقهي:
في تفسيره لآية "إلا ما ظهر منها" قال:
((( إلا ما ظهر منها ) إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا فى الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى فى الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن)) .
15- العلامة ملا خسرو (ت:885هـ):
له كتاب "درر الحكام شرح غرر الأحكام" (والمتن والشرح له) يقول فيه:
(((وينظر ) الرجل ( إلى وجه الأجنبية وكفيها فقط ) لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء ونحوهما)).
16- العلامة إبراهيم الحلبي (ت:956هـ):
له كتاب شهير في المذهب اسمه "ملتقى الأبحر" يقول فيه في محظورات النظر:
((ولا إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن وإلا لا يجوز لغير الشاهد عند الأداء والحاكم عند الحكم)).
وأهم شروحه شرح العلامة الشهير بشيخي زاده (ت:1078هـ) واسم الشرح "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" يقول شارحا:
((( ولا ) ينظر الرجل ( إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن ) الشهوة ؛ لأن إبداء الوجه والكف يلزمها بالضرورة للأخذ والإعطاء ولا ينظر إلى قدميها لعدم الضرورة في إبدائهما في ظاهر الرواية وعن الإمام يحل النظر إلى قدميها إذا ظهرتا في حال المشي وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا ؛ لأنها قدر يبدو منها عادة ( وإلا ) أي وإن لم يأمن الشهوة ( ولا يجوز ) النظر إلى الوجه والكفين لقوله عليه الصلاة والسلام { من نظر إلى محاسن امرأة بشهوة صبت في عينيه الآنك يوم القيامة } قالوا ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها فيه فلا ينظر إليه حينئذ كما في التبيين ( لغير الشاهد عند الأداء ) فلا يجوز عند التحمل أن ينظر مع عدم أمن الشهوة في الأصح ؛ لأن وجود من لا يشتهي في التحمل ليس بمعدوم بخلاف من يؤديها وقيل يباح كما في النظر عند الأداء ( والحاكم عند الحكم ) وإن لم يأمنا ؛ لأنهما مضطران إليه في إقامة الشهادة والحكم عليها كما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا)).
17- الإمام محمد بن بير علي الشهير بالبركلي (ت:981هـ):
في كتابه "الطريقة المحمدية والشريعة النبوية":
((فإن كانت المنظورة حرة أجنبية غير محرم للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها مطلقا)).
وقد شرح الكتاب العلامة أبو سعيد الخادمي (من علماء القرن الثاني عشر) في كتابه "البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية" وقال شارحا الفقرة السابقة:
((( فإن كانت المنظورة ) إليها ( حرة أجنبية غير محرم ) والكافرة كالمسلمة وعن الخانية لا بأس في شعرها ( للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها ) وفي القدم روايتان والأصح كونها عورة وأما ظهر الكف فعورة وفي التتارخانية نظر وجه الأجنبية ليس بحرام لكن يكره بغير حاجة وعن أبي يوسف يجوز النظر إلى ذراعيها لا سيما عند استئجارها للخبز وكذا النظر إلى ثيابها مباح ولا بأس بمصافحة العجائز ولا بأس في معانقتها من وراء الثياب إن غليظة ولا بالنظر في صغيرة غير مشتهاة والمس كذلك ( مطلقا ) بشهوة أو بغيرها كذا فسر لكن مخالف لصريح ما في المنتقى من قوله ولا إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة وأيضا في التتارخانية فإن علم الشهوة أو شك فليجتنب بجهد لكن في النصاب عن الخصاف أن أبا بكر الأعمش خرج إلى الرستاق وكان النساء في شط نهر كاشفات الذراع والرءوس فذهب إلى أن خالطهن ولم يتحام عن النظر إليهن فقيل له كيف هذا فقال لا حرمة لهن لهتكهن حرمة أنفسهن ، ومثل ما روي عن عمر رضي الله عنه أتى النائحة حتى هجم عليها في منزلها فضربها بالدرة حتى سقط خمارها فسئل عن ذلك فقال لا حرمة لها في الشريعة ولذلك جوز نظر المحتسب عند تعزيرهن سيما عند كشف رءوسهن أو ذراعهن أو قدمهن فيندفع ما يورد أن نظرهن منكر آخر)).
18- قال الإمام أبو السعود (ت:982هـ) في تفسيره "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم":
((( ولا يبدين زينتهن ) كالحلى وغيرها مما يتزين به وفيه من المبالغة في النهي عن إبداء مواضعها ما لا يخفى ( إلا ما ظهر منها ) عند مزوالة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها فإن في سترها حرجا بيننا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينة والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة)) انتهى كلامه .
19- الإمام ابن تمرتاش الغزي (ت:1004هـ):
له متن شهير اسمه "تنوير الأبصار وجامع البحار" يقول في فصل في النظر والمس:
((ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط وعبدها كالأجنبي معها فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة ويشهد عليها)).
وأهم شروحه على الإطلاق شرح العلامة الحصفكي (ت:1088هـ) المسمى ب" الدر المختار" يقول شارحا الفقرة السابقة:
((( و ) ينظر ( من الأجنبية ) ولو كافرة مجتبى ( إلى وجهها وكفيها فقط ) للضرورة قيل والقدم والذراع إذا أجرت نفسها للخبز تتارخانية . ( وعبدها كالأجنبي معها ) فينظر لوجهها وكفيها فقط . نعم يدخل عليها بلا إذنها إجماعا ، ولا يسافر بها إجماعا خلاصة وعند الشافعي ومالك ينظر كمحرمه ( فإن خاف الشهوة ) أو شك ( امتنع نظره إلى وجهها ) فحل النظر مقيد بعدم الشهوة وإلا فحرام وهذا في زمانهم ، وأما في زماننا فمنع من الشابة قهستاني وغيره ( إلا ) النظر لا المس ( لحاجة ) كقاض وشاهد يحكم ( ويشهد عليها ) لف ونشر مرتب لا لتتحمل الشهادة في الأصح)).
ونحن الآن لا نتكلم عن مفهوم الفتنة وعصره فليتنبه.
ومن أهم الحواشي عليهما حاشية خاتمة المحققين العلامة ابن عابدين (ت:1252هـ) واسمها "حاشية رد المحتار على الدر المختار" يقول:
((( قوله وكفيها ) تقدم في شروط الصلاة أن ظهر الكف عورة على المذهب ا هـ ولم أر من تعرض له هنا ( قوله قيل والقدم ) تقدم أيضا في شروط الصلاة أن القدمين ليسا عورة على المعتمد ا هـ وفيه اختلاف الرواية ، والتصحيح ، وصحح في الاختيار أنه عورة خارج الصلاة لا فيها ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا بأحاديث كما في البحر ( قوله إذا أجرت نفسها للخبز ) أي ونحوه من الطبخ وغسل الثياب قال الأتقاني ، وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ساعدها ومرفقها للحاجة إلى إبدائهما إذا أجرت نفسها للطبخ والخبز ا هـ والمتبادر من هذه العبارة : أن جواز النظر ليس خاصا بوقت الاشتغال بهذه الأشياء بالإجارة بخلاف العبارة الأولى ، وعبارة الزيلعي أوفى بالمراد ، وهي وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا لأنه يبدو منها عادة ا هـ فافهم ( قوله وعبدها كالأجنبي معها ) لأن خوف الفتنة منه كالأجنبي بل أكثر لكثرة الاجتماع والنصوص المحرمة مطلقة ، والمراد من قوله تعالى - { أو ما ملكت أيمانهن } - الإماء دون العبيد قاله الحسن وابن جبير ا هـ اختيار وتمامه في المطولات . ( قوله خلاصة ) عزو للمسألتين وذكرهما في الخانية أيضا ( قوله فإن خاف الشهوة ) قدمنا حدها أول الفصل ( قوله مقيد بعدم الشهوة ) قال في التتارخانية ، وفي شرح الكرخي النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام ، ولكنه يكره لغير حاجة ا هـ وظاهره الكراهة ولو بلا شهوة ( قوله وإلا فحرام ) أي إن كان عن شهوة حرم)).
20- الإمام إسماعيل حقي (ت:1127هـ):
في تفسيره المشهور ب"روح البيان" قال في أحكام النظر:
((ومن الحرة الأجنبية إلى وجهها وكفيها وقدميها في رواية....)).
21- الإمام محمود الألوسي (ت:1270هـ):
في تفسيره المشهور ب"روح المعاني" (22/89):
((وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة فلا يجب ستره ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهورة مطلقا وإلا فيحرم)).
22- العلامة خليل بن عبد القادر الشيباني النحلاوي (ت:1350هـ تقريبا)
يقول في كتابه الدرر المباحة:
((ينظر الرجل من الأجنبية الحرّة - ولو كافرةً - إلى وجهها وكفيها، فقط للضرورة، قيل: والقدم، والذراع، والمِرفقِ إذا آجرت نفسها للخَبْزِ ونحوه من الطبخ، وغسل الثياب، لأنه يبدو منها عادة، وتمنع الشابة من كشف وجهها، لا لنه عورة، بل لخوف الفتنة، وعبدُها كالأجنبي معها، إلا انه يدخل عليها بلا إذنها إجماعاً. ولا يسافر بها إجماعاً.
فإن خاف الشهوة، امتنع نظره إلى وجهها، إلا لحاجة - كقاضٍ، وشاهدٍ، يحكم ويشهد عليها، وكذا مريدُ نكاحها ولو عن شهوةٍ، بنية السُّنة، لإقضاء الشهوة)).
23- جاء في الفتاوى الهندية (5/329) (قام بتأليفها جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البلخي بأمر من سلطان الهند أبي المظفر محيى الدين محمد أورنك زيب):
((وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول : يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية ، كذا في الذخيرة .
وإن غلب على ظنه أنه يشتهي فهو حرام ، كذا في الينابيع .
النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام لكنه مكروه ، كذا في السراجية)).
والله تعالى أعلم.
24- وجاء في فتح العناية لملا علي القاري (ت:1114هـ) وهو شرح للنقاية لصدر الشريعة الأصغر عبيد الله بن مسعود المحبوبي (ت: 747هـ) وهو تلخيص للوقاية لجده تاج الشريعة محمود المحبوبي (ت: 673هـ) وهي بدروها اختصار لهداية المرغيناني (ت: 593هـ):
(والحرُّةُ) أي وعورة الحرةِ (بَدَنُهَا) أي جميع أعضائها لقوله عليه الصلاة والسلام: «المرأةُ عورةٌ». رواه الترمذيّ وصحّحه، وفي رواية النَّسائي: «الحُرَّة».
(إلاّ الوَجْهَ والكفَّ والقَدَمَ) لقوله تعالى: {ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها} أي إلاَّ ما جَرَتْ به العادة على ظهورها للأجانب من الوجه والكف والقدم، إذ من ضرورة إبداء الزينة إبداءُ مواضعها، والكحلُ زينةُ الوجه، والخَاتَم زينة الكف، ولأنَّ المرأة لا تجد بُدّاً من مزاولة الأشياء بيديها. ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً: الشهادةُ والمحاكمةُ.
ويقول:
(وَ) ينظر (الرَّجل مِنَ الأَجْنَبِيَّةِ و) من (السَّيِّدَةِ إِلَى الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ) لأنها محتاجة إلى إبداء ذلك لحاجتهما إلى الإشهاد وإلى الأخذ والإعطاء، ومواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع.
ملحوظة هامة: متن الوقاية أحد أهم المتون في المذهب الحنفي وللعلماء به عناية بالغة.
25- وفي المحيط البرهاني للعلامة محمود بن أحمد بن مازه (ت:616هـ):
((وأما النظر إلى الأجنبيات: فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية، والأصل فيه قوله تعالى: {ولا يبديين زينتهن إلا ما ظهر منها} (النور:31) قال علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما ظهر منها الكف والخاتم)).