بسم الله الرحمن الرحيم ( وقالوا كونوا هودا أو نصاري تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
وقال تعالي ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين)
وقال أيضا ( قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)
ثم يبين حقيقة هذا الإسلام وتمام هذا الإمتحان في قوله(قال رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين)
إن الله قد ابتلي إبراهيم في نفسه بالحرق وفي بلده بالهجر وفي ولده الذي آتاه الله علي كبر سنه وكافة انواع الابتلاءات فكان منه تمام الإخلاص والاخبات والتوكل والطاعة واليقين فاختصه الله بإمامة الناس واتخذه خليلا (وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)
( ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)
ثم لم يجعل الله تعالي هذا الإسلام إلا لأمة محمد ولذلك دعا إبراهيم ربه حين بناء الكعبة يبعث من ذريته التي تسكن هذا البلد أمة تحمل هذه الشريعة التي هي حقيقة الإسلام وكذلك دعا أن يبعث منهم رسولا منهم ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فقد سمي ابراهيم واسماعيل تلك الذرية منهم بالمسلمين (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس)
ولكي نبين الحق لأهل الكتاب في ملة إبراهيم لابد أن نخاطبهم بما لديهم فبالرغم من مخالفتهم وأهوائهم وتحريفاتهم في أمر إسماعيل والكعبة إلا أن النقد والتدقيق يظهر لهم بجلاء كذبهم في قصة الذبيح واقحامهم اسم اسحاق عليه السلام وكذلك محوهم لكل ما يتعلق بالحج ومناسك إبراهيم وعدم ذكر أهمية بكة كمتوجه لهم في ذبحهم وعبادتهم وكل ذلك يظهر بينا عند معالجتنا اقصة الذبح كما وردت في كتبهم
في الاصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين يذكر مسكن إبراهيم الذي رحل منه مع ابنه ليقربه وفيه أنه تغرب في بئر سبع وجاء إليه ملك هذه الديار وعاهد إبراهيم عليه السلام ثم رجع إلي مستقره في فلسطين وفي آخر قصة الذبح اشارة الي مسكنهالذي ذهب منه إلي المكان الذي قرب فيه
انظر إلي القصة كما جاء في سفر التكوين(22: 1-18):"وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم عليه السلام فقال له : يا إبراهيم ها أنا ذا خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحاق واذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي أحد الجبال الذي أقول لك فبكر إبراهيم صباحا وشد علي حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه و اسحاق ابنه وشق حطبا لمحرقة وقام وذهب إلي الموضع الذي قال له الله وفي اليوم الثالث رفع ابراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد" ثم ذكر مجيئه وتقديمه القربان حتي ناداه الرب"فقال لا تمد يدك إلي الغلام ولا تفعل به شيئا لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني فرفع ابراهيم عينيه ونظر وإذا كبش ممسكا في الغابة بقرنيه فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه فدعا ابرهيم اسم ذلك الموضع يهوه يراه حتي أنه يقال اليوم في جبل الرب يري ونادي ملاك الرب ابرهيم ثانية من السماء وقال بذاتي أقسمت يقول الرب : إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي علي شاطئ البحر ويرث نسلك باب أعدائه ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض من أجل أنك سمعت لقولي ثم قام إبراهيم إلي غلاميه فقاموا وذهبوا معا إلي بئر سبع وسكن إبراهيم في بئر سبع"
الأمور التي يستدل بها علي حقيقة الواقعة:
1-كان ابراهيم عليه السلام قد اتخذ برية بئر سبع سكنا قبل التضحية وبعدها
2-أرض المريا علي مسيرة ثلاثة ايام من بئر سبع
3- أرض المريا هي التي قرب فيها
4-ذلك الموضع كان يري من بعيد
5-إنما قرب ابراهيم عليه السلام ابنه الوحيد
6-كان هذا الإبن محبوبا له
7-كان بقرب ذلك المذبح غابة
8-بارك الله ابراهيم لأجل أنه قرب ابنه الوحيد
9- وعده أن يبارك في نسله جميع أمم الأرض
10-يرث نسله باب أعدائه
لم يتفطن المحرف بوحه الإستدلال بهذه الأمور فبقيت ولله الحمد وأما التصريح باسم إسحاق عليه السلام فلا يعتمد عليه لأنه موافق لأهواء اليهود فأدخلوه
وإليك الأدلة من كتبهم أن الذبيح اسماعيل وأن بيت الله بمكة وأنها القبلة وأن الإسلام هو الذي حافظ علي نسك إبراهيم في أساس بني عليه الإسلام ألا وهو الحج الإستدلال الأول
مسكن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام جاء في سفر التكوين (21: 14):"فبكر إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا اياهما علي كتفها والولد فمضت وتاهت في برية بئر سبع"
ثم ذكر نفاد الماء ومجيء البشارة من الله تعالي وظهور الماء حتي قال "وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية" انما قال البرية (برية بئر سبع) لأن بئر سبع لم تكن قرية حفر فيها إبراهيم عليه السلام سبع آبار وغرس فيها أشجار وفي التكوين 21/28-31: ان المراد بالسع هنا سبع نعاج من الغنم
المقصود هنا: 1- أن بئر سبع كانت مسكن إسماعيل عليه السلام وأمه
2-أنها كانت بعيدة عن إسحاق عليه السلام وأمه
3-أنها كانت مسكن إبراهيم الذي ذهب منه للثضحية ورجع إليه بعدها
ومما يدل أيضا أن مسكن سارة عليها السلام كان بعيدا عن مسكن إبراهيم أنها لما مرضت لم يكن معها حتي إذا سمع بموتها ذهب إليها ما جاء في سفر التكوين (23: 2)"وماتت سارة في قرية أربع التي هي حبرون في أرض كنعان فأتي إبراهيم ليندب سارة ويبكي عليه"
فتبين مما ذكر أن ابراهيم عليه السلام لما بكر صباحا لتقديم ابنه قربانا إنما أخذ اسماعيل عليه السلام الذي كان ساكنا في بئر سبع لا من كان بعيدا عنه مع سارة في كنعان
ثم يلمع من القصة أن إبراهيم عليه السلام ترك ابنه المقرب عند المذبح
وحين جاءته البشارة بإسحاق يقول ابراهيم عليه السلام (ليت إسماعيل يعيش أمامك) أي في خدمة بيتك وتعبير أمام الرب يستعمل في كتبهم فيمن جعل نذرا للرب وخادما للمعبد وهذا العبارة(أمام الرب كثرت جدا في سفر اللاويين)
والقرآن يصدق ذلك (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة)
فهذا الإبن الساكن عند بيت الله هو اسماعيل فإن اسحاق لم يزل ساكنا مع أمه في كنعان باتفاق الفريقين وإن ابراهيم اتخذ مسكنا ليكون قريبا من بيت الله الإستدلال الثاني
اسماعيل عليه السلام كان هو وحيد أبيه لا شك أن اسماعيل ولد قبل اسحاق بأربع عشرة سنة جاء في سفر التكوين(16: 16)"وكان ابرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر اسماعيل" وفيه أيضا(21: 5)"وكان إبراهيم ابن مائة سنة لما ولد له ابنه اسحاق"
فثبت من ذلك امران:1- لم يكن لإبراهيم عليه السلام وحيد إلا إسماعيل حتي ولد له إسحاق
2-قرب هذا الإبن الوحيد قبل ولادة اسحاق فإنه لم يبق وحيدا بعد ولادة إسحاق
وإطلاق الوحيد علي إسحاق لا يصح فإن ابنك وحيدك إنما يقال لمن لا ابن له إلا واحد الإستدلال الثالث
اسماعيل علبه السلام كان أحب إلي أبيه في صحفهم ما يبين ذلك من وجوه:1- أبراهيم عليه السلام قد دعا للولد كما جاء في سفر التكوين(15: 2-4)"فقال أبرام : أيها السيد الرب ماذا تعطيني وأنا ماض عقيما ومالك بيتي هو العاذر الدمشقي وقال أبرام أيضا : إنك لم تعطني نسلا وهو ذا ابن بيتي وارث لي فإذا كلام الرب قائلا لا يرثك بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك" فلما رزقه الله الولد سماه إسماعيل أي سمع الله دعاءه
والآن فتصور شيخا كبيرا أواها صبوره قد خشي انقطاع عقبه وأفول ذكره فدعا ربه فأجابه الله تعالي حتي إذا رزق الولد جعل تلك الإجابة اسما يدعوه به ولا يفارقه حتي أنه يبلغ 13 سنة وحيدا لأبيه الكبير الذي لا رجاء له لابن آخرما يدل علي شدة محبته له
2- لما جاءت إبراهيم البشري بإسحاق تمني ببقاء اسماعيل أمام الرب "وقال إبراهيم لله ليت اسماعيل يعيش أمامك" يكشف عن مدي شفقته بإسماعيل ومحبته له الإستدلال الرابع
موضع الذبح هو المروة التي عند الكعبة تقول كتبهم عن ذلك الموضع"في اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد"
واسم ذلك الموضع أرض المريا كما سموه وقد ذكر كولنزو وهو أحد مشايخهم اختلافاتهم في اسم ذلك الموضع واستدل علي تحريفهم وتمسك بحجتين الأولي أن زعمهم أنه موضع هيكل سليمان باطل لأن هذا الإسم لمكان الهيكل لايوجد في صحفهم ويقول لا يوجد ذكر لهذا الإسم في أحد من الكتب بعد سليمان الذي بني الهيكل وجميع الكتب تذكر الجبل الذي بني عليه الهيكل باسم صهيون
الثانية مطابقة وصفه أنه يري من بعيد لا تنطبق علي جبل الهيكل والذي لا يري إلا بعد أن يبلغه المسافر
وليتبين حقيقة الاسم ومسماه فإن الإسم هو المروة :
عند ترجمة بعض النسخ من كتبهم ترجمت تلك الكلمة الأرض المستعلنة أو أرض الرؤيا لأن المترجم ظنها ليست اسم علم وبما أنها غير موجودة في لغتهم فظن المترجمون ان مادة هذه اللفظة ( مراة ) لكثرة تبدل الواو إلي ألف في العبرية وأيضا لتقارب الحرفين في الشكل ومعني هذه اللفظة بالعبرية الأرض المستعلنة أو الرؤيا وهذا الخطأ الذي وقع فيه المترجمون والذين يجب عليهم ألا يترجموا أسماء الأعلام دلت دلالة قاطعة أن الكلمة المترجمة مأخوذة من المروة وبما أن لفظة المروة غير موجودة في لغتهم فقد ظنوا الواو ألفا وترجموا اللفظة علي أنها أرض مراه وهي الأرض المستعلنة
والدليل الأخر أن الذي ابقي الكلمة علي حالتها باعتبارها اسم علم ترجمها إلي مورياه وموره بعضهم إلي مرياه والإختلاف ذلك ناشئ من أن الحركات لم تكن في الأصل العبري وإنما أحدثها المتأخرون ولم يكن فيهم الحفاظ فيحافظوا علي الحركات الأصلية
الدليل الأهم هو ما جاء في سفر القضاة (7: 1)"وكان جيش المديانيين شماليهم عند تل مورة" أي أن معسكر المديانيين عند تل مورة ولا شك أن المديانيين هم العرب من أبناء اسماعيل ففي سفر القضاة (8: 22-24)" وقال اسرائيل لجدعون تسلط علينا أنت وابن ابنك لأنك خلصتنا من يد مديان فقال لهم جدعون لا أتسلط عليكم ولا يتسلط ابني عليكم بل الرب يتسلط عليكم ثم قال لهم جدعون أطلب منكم طلبا أن تعطوني كل واحد منكم أقراط غنيمته لأنه كان لهم أقراط ذهب لأنهم إسماعيليون) فاتضح أن مورة هي مساكن مديان وأنهم بنو اسماعيل وأن موره هو تحريف مروة كما مر سابقا
وقد جاء حديث صحيح في موطأ مالك أن النبي أشار إلي المروة حين رأي البدن واقفة عندها فقال (هذا المنحر وفجاج مكة كلها منحر) وانظر كيف سمي النبي مكة كله منحرا أما المروة فسماها المنحر أي المنحر الحقيقي وهناك حديث آخر عن مني ثم علي ذلك دلالة القرآن حيث قال تعالي في أمر البدن ( ثم محلها إلي البيت العتيق) وأيضا (هديا بالغ الكعبة) أي لابد للبدن أن تبلغ الكعبة فإن محله إلي جانب الكعبة التي هي البيت القديم الذي وضع لذلك والمروة هي بجانب الكعبة وهي المنحر الأول ولكن لما توسع نطاق الأمة جعل للمنحر سعة
ولا خلاف بيننا وبين أهل الكتاب أن المنخر الإبراهيمي عند بيت الله كما جاء في سفر التكوين (12: 6-9)
فتلك هي المذبح الذي عند بيت الله الذي بناه إبراهيم فتطابق الأمور يدل علي أن إبراهيم عليه السلام جاء من جهة الشرق وترك غلاميه علي جبل قريب وكان مسكن إبراهيم عليه السلام إلي جانب الصفا كما جاء في سفر التكوين (12: 1-8) حيث جاء ذكر رحلته إلي أرض مورة في رواية أخري لقصة الذبح لكنهم أسقطوا ذكر الذبح منها
فلم تزل الصفا والمروة في بني إسماعيل قائمتين من لدن إبراهيم إلي يومنا مع المناسك الدالة علي تلبية إبراهيم وسعيه لإتمام أمر ربه وليس لليهود والنصاري شيء من هذه المناسك الاستدلال الخامس
اسماعيل هو الأولي بأن يقرب اسماعيل هو البكر والشريعة من لدن آدم إلي موسي عليه السلام تؤكد أن البكر هو الذي يقرب والتوراة تؤكد أن هابيل قرب أبكار غنمه وسمانها وهكذا كانت شريعة موسي مؤكدة علي فضل البكورية وإبراهيم علبه السلام موصوف بكمال العبودية ولن يأتي بما هو دون قربين الناس الاستدلال السادس
البشارة باسحاق تمنع كونه قربانا وتؤكد وقوع التضحية قبل ولادة اسحاق عليه السلام بشر الله ابراهيم عليه السلام ببركة نسل اسحاق حين بشره بولادته كما جاء في سفر التكوين (17: 19-20) "فقال الله بل سارة امراتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحاق وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا"
فأي ابتلاء فيه لابراهيم عليه السلام بعد ما علم ان ولده الذي يقربه لا يموت بل يحيى ويكثر نسله
الأمر الثاني أن تلك البركة لإسماعيل وإسحاق وتكثير نسليهما يؤكد وقوع التضحية قبل ذلك ويبين ذلك ما قد صرح به في قصة التضحية أن الله باركه لأجل أنه لم يمسك ابنه الوحيد ما يؤكد أن البركات العظيمة والبشري باسحاق كلها من بركات التضحية باسماعيل عليه السلام الاستدلال السابع
عدم اعطائه نصيبا من الميراث كونه نذرا لله أو قربانا "قد أعطي ابراهيم اسحاق كل ما كان له واعطي أبناء السراري عطايا وصرفهم عن اسحاق الذي أورثه وأرسلهم إلي أرض المشرق فأبعدهم عن إسحاق" التكوين (25: 1-6) وأما اسماعيل واسحاق فلم يبعدهما حتي دفناه "ودفنه اسماعيل واسحاق ابناه" فظهر أمران الأول أن اسماعيل لم يبعد كل البعد لا عن نفسه ولا عن اسحاق فكانا يجتمعان معه ويأتيان لزيارته ولم يكن ذلك لأحد من أبناء السراري
الثاني أنه لم يجعل لاسماعسل نصيبا في الميراث مع اسحاق ولا في العطايا مع أبناء السراري وبعيد من رجل كامل مثل ابراهيم أن يحرم بكره الذي لم يفترق عنه حتي آخر عمره فلا ينحل هذا الإشكال إلا بأنه كان نذرا لله ومن كان نذرا لله لا يكون له نصيب من الميراث إنما الرب نصيبه كما ورد في سفر اللاويين بأن كل سبط لاوي لا يكون له نصيب ولا قسم مع أخوته وإنما الرب نصيبه لأن هذا السبط نذر أن يكون لله ولخدمة المعبد الاستدلال الثامن
عدم وجود أثر لهذه التضحية في شريعة اليهود وهو الأساس في ملتنا في الحج فاليهود لا ينسبون شيئا من نذورهم أو قرابينهم إلي هذا الذبح الإبراهيمي وأما ذرية اسماعيل فلم يزالوا متمسكين بنسك إبراهيم كما يدل عليه مناسكهم إلي عهد الإسلام كالإهلال ب لبيك لبيك إشارة إلي ما جاء في قصة القربان أن الله امتحن أبراهيم فقال(ها أنا ذا) سبع مرات وكتسبيع الطواف لأن النذر يردد أمام الرب أي بيت الله كما ورد في سفر لاوي (8: 27) وكحلق الرأس بعد ذلك فإن ذلك سنة النذر وكالسعي حين أتي ابراهيم من الصفا ألي المرة تنفيذا لأمر ربه
لم يبق لليهود في سنة النذر إلا الترديد والحلق والنذر عندهم تطوع ولا ينسب إلي الذبح الإبراهيمي بل إلي ذكريات ومناسبات أخري
أما القرآن فأكد علي فريضة الحج التي كانت من لدن ابراهيم عليه السلام وبين أن هذه المناسك من سنته وأن ملتنا مبنية علي اسلام ابراهيم واسماعيل لربهما وأنه قد دعا لبعثة نبي من ذريته وسمي أمته بالمسلمين
وبالجملة فان اليهود محت كل ما كان عندهم من حجهم إلي الكعبة إلا اشارات ضعيفةفجاء فيها" طوبي للساكنين في بيتك أيضا يسبحونكَ. سِلاَهْ. 5طُوبَى لِأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. 6عَابِرِينَ فِي وادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً. أَيْضاً بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. ]
والمدقق في المقطع التالي: [6عَابِرِينَ فِي وادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً.]. يجد أن النص في الترجمة الإنجليزية هكذا: "throughthevalleyofBa'camakeitawell" فذكر أن اسمها بكة، والبداية بحرف كابيتل علم (حرف B ) وترجمته إلى وادي البكاء صورة من صور التحريف لأن الاسم العلم لا يترجم كما يعرف ذلك الجميع حتى المبتدئين في تعلم اللغة الإنجليزية. وقد سماها النص العبري أيضاً بكة، فقال: [בְּעֵמֶקהַבָּכָא]، وتقرأ : (بعيمق هبكا)، أي وادي بكة الاستدلال التاسع
بما أمروا من توجيه قرابينهم إلي الكعبة وتوجه قبلتهم إلي مساكن إسماعيل في شريعة اليهود كان للقرابين جانب خاص من المذبح وأعلي القرابين يسمس قدس الأقداس وكان قدس الأقداس يقرب بالخصوص متوجها إلي الجنوب وكان يلزم من يدخل به أن يدخل من الباب الشمالي كما في سفر الخروج (40: 22-29):"وجعل المائدة في خيمة الإجتماع في جانب المسكن نحو الشمال خارج الباب ورتب عليه ترتيبا الخبز أمام الرب كما أمر الرب موسي ووضع المنارة في خيمة الإجتماع مقابل المائدة في المسكن نحو الجنوب وأصعد السرج إلي الرب كما أمر الرب موسي ووضع مذبح الذهب في خيمة الإجتماع قدام الحجاب وبخر عليه ببخور عطر كما أمر الرب موسي ووضع سجف الباب للمسكن ووضع مذبح المحرقة عند باب مسكن خيمة الإجتماع وأصعد عليه المحرقة والتقدمة كما أمر الرب موسي"
يدل ذلك النص أن باب المسكن كان في الشمال وقبلته وموضع المنارة فيه كان في الجنوب وكذلك الضحية السنوية التي هي أكبر الأضاحي عندهم كانت توجه نحو الجنوب وكذلك فإن من يأتي إلي الرب يدخل من باب المسكن في الشمال متوجها نحو الجنوب أي إلي مكة المكرمة أو المنحر الإبراهيمي " وتضع دار المسكن إلي جهة الجنوب نحو التيمن " كما جاء في سفر الخروج (27: 9) ولذلك كان المقرب بقدس الأقداس يقوم علي شمال المذبح متوجها إلي المسكن في الجنوب فيكون متوجها إلي الكعبة
ومما يؤكد أن الله قد جعل مسكن إسماعيل قبلتهم انه جاء في سفر التكوين (25: 18)"وسكنوا من حويلة إلي اشور التي أمام مصر حينما تجيء إلي اشور أمام جميع إخوته نزل)
والتكوين(16: 12)" وإنه يكون إنسانا وحشيا يده علي كل واحد ويد كل واحد عليه وأمام جميع إخوته يسكن" وأولاد إبراهيم عليه السلام سكنوا في الشمال والشرق فكيف يكون أمام جميعهم إلا أن يكون في جهة قبلتهم فلم يجعل مسكن اسماعيل قبلة لقرابينهم إلا لكون المنحر الإبراهيمي عنده
إذ لا خلاف أن منحر إبراهيم كان أمام بيت إيل فأي بيت الله كان عند منحره ؟ أهذا الذي بناه سليمان بعد إبراهيم بقرون كثيرة ؟ أم هذا البيت العتيق الذي شهد القدماء بأنه بيت معظم في أرض العرب ومسكن إسماعيل وذريته ؟
فرد الله عليهم ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)
وبعد هذا كله فإن الحق الذي تجد في التوراة أن الذبيح هو وحيد إبراهيم وأنه بني مذبحا واتخذ مسكنا شرقي بيت إيل وأنه قرب ابنه علي مقام مقدس أراه الله اياه وهداه إليه ولكنك لا تجد فيها بيانا لمقامه ولا لمقام بيت إيل ولا لحجه واسكان بعض ذريته عنده لخدمة الحاجين اليه وأما القرآن فقد بين تلك الأمور بغاية الوضوح تري في ذلك اسماعيل عليه السلام يصاحب ابراهيم ويشاركه في بناء البيت وفضل البيت ومناسك ابراهيم (وعهدنا إلي إبراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)
(( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قدجاءكم من الله نور وكتاب مبين))