منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=83)
-   -   أدب التعامل الاسلامي مع العامة من الناس (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=78218)

eslamforever12 20-01-2015 07:12 AM

أدب التعامل الاسلامي مع العامة من الناس
 













أدب التعامل الاسلامي مع العامة من الناس
(كتبته عبير يس)
(العوام- المعارف- الخدم- الجهلاء- اليتامى والمساكين)











(أ) منهج التعامل مع العامة عند الغزالي
عند الدخول في مجلس جماعة يرى الغزالي أنه إذا دخل الإنسان مجلسًا أو جماعة فليسلِّم وليجلس موضعه ويترك التخطي ويخص بالسلام من قرب منه إذا جلس .
(1) مجالس العامة لها شروط عند الغزالي وهي: النهي عن كثرة الكلام أو الإصغاء لحديثهم والتغاضي عن سوء ألفاظهم حيث يقول الغزالي:" إن بلي مجالسة العامة ترك الخوض معهم ولا يصغي إلى أراجيفهم ويتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم ويقل اللقاء لهم إلاّ عند الحاجة "وهذا ما أشار إليه ابن قدامة كما سيتضح لاحقا .
(2) التواضع لهم ويكون معيار تقديره لأي شخص منهم هو حسن خلقه وتدينه لا لغناه وفقره فيقول: " ولا يستصغر أحدًا من الناس فيهلك ولا يدري لعله خير منه وأطوع لله منه ولا ينظر إليهم بعين التعظيم في دنياهم لأن الدنيا صغيرة عند الله صغير ما فيها ولا يعظم قدر الدنيا في نفسه فيعظم أهلها لأجلها فيسقط من عين الله"
(3) النهي عن معاداتهم إلاّ ما كان فيه معصية لله من أفعالهم فيقول" ولا يعاديهم فتظهر لهم العداوة ولا يطيق ذلك ولا يصبر عليه إلاّ أن تكون معاداة في الله عز وجل فيعادي أفعالهم القبيحة وينظر إليهم بعين الشفقة و الرحمة"
كما نهى عن معاداتهم حتى عند رفضهم المساعدة له قائلاً: " إذا سأل أحدًا منهم حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد و إن لم يقضها فلا يذمه فيكتسب عداوته"
(4) النهي عن الطمع فيهم فيصغر الإنسان في أعينهم قائلاً: " ولا يبذل لهم دينه لينال من دنياهم فيصغر في أعينهم ولا يطمع فيما في أيديهم فيذل لهم ويذهب دينه معهم "
(5) عدم تقوية الصلة بهم أو الاعتماد على موقفهم ورأيهم فيه قائلاً: " ولا يستكثر إليهم في مودتهم له و إكرامهم إياه وحسن بشاشتهم في وجهه وثنائهم عليه فإنه من طلب حقيقة ذلك لم يجدها إلاّ في الأقل وإن سكن إليهم وكله الحق إليهم فهلك ولا يطمع أن يكونوا له في الغيب كما له في العلانية فإنه لا يجد ذلك أبدًا "
(6) النهي عن وعظهم إلاّ إذا كان فيهم من يقبل الموعظة فيقول: " ولا يعظ أحدًا منهم إلاّ أن يرى فيه أثر القبول و إلا عاداه ولم يسمع منه"
(7) النهي عن معاتبتهم لأنه لا يجدي معهم و إنما اللجوء إلى الله في الشكوى منهم إذا مسَّك ضرهم فيقول: "وإذا رأى منهم خيرًا أو كرامة أو ثناء فليرجع بذلك إلى الله عز وجل وبحمده ويسأله أنه لا يكله إليهم و إذا رأى منهم شرًا أو كلامًا قبيحًا أو غيبة أو شيئًا يكرهه فيكل الأمر إلى الله تعالى و يستعيذ به من شرهم و يستعينه عليهم ولا يعاتبهم فإنه لا يجد عندهم للعتاب موضعًا ويصيرون له أعداء ولا يشفي غيظه بل يتوب إلى الله تعالى من الذنب الذي به سلطهم عليه ويستغفر الله منه"
ويلخص الغزالي طريقة التعامل معهم بإجمال في نهاية كلامه بقوله: " ليكن سميعًا لحقهم أصم عن باطلهم" ([1]) أي يراعي حقوقهم التي ندب إليها الشرع ويتغافل الإنسان عن مساوئهم التي تكون بسبب جهل الدين وسوء النشأة وتوجد قاعدة فقهيه اسمها " العذر بالجهل " أي يلتمس الإنسان العذر على ما قد يقع الآخرون فيه من قبح الفعل بسبب جهلهم، وما سبق يمثل أساليب التعامل مع العوام من تعرفهم ومن لا تعرفهم .
ب- منهج التعامل مع العامة عند ابن المقفع
وابن المقفع يرشدنا إلى الطريقة التي نستطيع بها أن نكسب الود و التقدير و الاحترام لدى العامة بالآتي:
1- بالاقتراب من أفهامهم ومخاطبتهم على قدر عقولهم فيقول: " إن أردت أن تلبس ثوب الوقار و الجمال وتتحلى بحلية المودة عند العامة وتسلك الجَدَد ( الأرض المستوية) الذي لا خَبَار ( ما استرخى من الأرض) فيه ولا عثار فكن عالمًا كجاهل وناطقًا كعيي فأما العلم فيزينك ويرشدك و أما قلة إدعائه فتنفي عنك الحسد و أما المنطق ( إذا احتجت إليه) فيبلغك حاجتك و أما الصمت فيكسبك المحبة و الوقار"
(2) عدم المشاركة و التعقب لحديثهم حتى إذا كان لك معرفة سابقة بهذا الحديث ومخالفتك لهذه التعاليم علامة على السخف وعدم الترصن والخفة قائلاً: " وإذا رأيت رجلاً قد علّمته أو يُخبر خبرًا قد سمعته فلا تشاركه فيه ولا تتعقبه عليه حرصًا على أن يعلم الناس أنك قد علّمته فإن في ذلك خفة و شحا وسوء أدب و سخفًا"
(3) ليعرف العامة منك الوفاء بالوعد و أن فعلك أكثر من قولك.
فيقول ابن المقفع: " ليعرف إخوانك و العامة أنك إن استطعت إلى أن تفعل مالا تقول أقرب منك إلى أن تقول مالا تفعل فإن فضل القول على الفعل عار وهجنة( أي زيادة القول على الفعل من القبح والعيب)، وفضل الفعل على القول زينة "
ثم هو يؤكد على هذه الفكرة أيضًا حين يوضح أن الإنسان قد يقول أشياء كثيرة يعجز عن تنفيذها أو تحول الظروف دون ذلك وهنا قد لا يُلتمس له العذر و يتهم بالتقصير فالأفضل له أن يسبق فعله قوله قائلاً:" و أنت حقيق فيما وعدت من نفسك أو أخبرت به صاحبك أن تحتجن (تدخر) بعض ما في نفسك إعدادًا لفضل الفعل على القول وتحرزًا بذلك عن تقصير فعل إن قصّر وقلما يكون إلاّ مقصرًا "([2])
ويتفق مع ابن المقفع في هذا المعنى صاحب كتاب ( 201 طريقة للتعامل ) بقوله : " بتقليلك للتوقعات المرجوة منك ولو بقدر ضئيل فلسوف يبدو ما تمنحه إياه مرضيًا إلى حد بعيد أما أسوأ شئ تفعله هو الإفراط في الوعود وعدم الوفاء بها وحتى لو كان أداؤك جيدًا فلن يرضيه هذا إذ أنك حددت محيطًا للتوقعات قد يؤدي النزول عنه إلى الشعور بالإحباط" ([3])
(4) النهي عن إطلاعهم على أسرارك و التشدد معهم في الحق دون مشاركتهم منكراتهم وهنا ينصح ابن المقفع بالحذر الشديد في التعامل مع العامة وفي المقابل البساطة و السهولة في التعامل مع أهل الثقة من الأصدقاء قائلاً " البس للناس لباسين ليس للعاقل بُّد منهما ولا عيش ولا مروءة إلاّ بهما:لباس انقباض و احتجاز من الناس تلبسه للعامة فلا يلقونك إلا متحفظًا متشددًا متحرزًا مستعدًا وليس هذا من باب الكبر و إنما التحرز من الوقوع في مشاكل معهم حين إفضاء الإنسان بخصوصياته لهم ولباس انبساط واستئناس تلبسه للخاصة الثقات من أصدقائك فتلقاهم بذات صدرك وتُفضي إليهم بمصون حديثك وتضع عنك مئونة الحذر والتحفظ فيما بينك وبينهم " ثم يذكر أن أهل هؤلاء الخاصة قليل جدًا لأن الإنسان لا يعثر عليها إلا بعد اختبار يعكس صدقهم و إخلاصهم قائلاً: " وأهل هذه الطبقة الذين هم أهلها قليل من قليل حقًا لأن ذا الرأي لا يدخل أحدًا من نفسه هذا المدخل إلاّ بعد الاختبار والتكشف ([4]) والثقة بصدق النصيحة ووفاء العهد "([5])
ج- التعامل مع العامة عن العلامّة "البستي "*
يحذر " البستي " من الثقة في عوام الناس فأحاديثهم تفتقد إلى التخاطب الجيد الذي يتسم بعدد من الصفات تكسبه مصداقية كالنزاهة و الموضوعية و الخبرة وغير ذلك" وقد خصص بابين في كتابه "العزلة " لهذا الشأن الأول بعنوان " في التحذير من عوام الناس والتحرز منهم بسوء الظن وقلة الثقة بهم وترك الاستنامة إليهم"
وفيه ينصح بأنه عند معاملة عوام الناس بأن نسئ الظن بهم ولا نثق بهم تمام الثقة سواء في معاملتهم أو في كلامهم فقد قال عمر بن الخطاب t : " احترسوا من الناس بسوء الظن " أي لا تغتروا أو تنخدعوا بهم إلا من سبق أن جربته وتعاملت معه فاكتسب ثقتك.
وجعل الباب الثالث عشر لهذا الغرض أيضًا وهو بعنوان: " في ترك الاعتداد بعوام الناس وقلة الاكتراث بهم والتحاشي لهم" قائلاً: "فيجب عدم الاهتمام بما يقوله الناس عنك و ألا تغتر بكلام العوام وثنائهم ومدحهم وألا تثق بعهودهم وإخائهم" ([6]) وفي ذلك راحة للإنسان لما عساه قد يقع فيه من أثر الاتصال بهم فيكون على علم بنفسيتهم فيتعامل معهم بحذر لأن أكثرهم ليس عندهم وفاء لعهد أو احترام لأخوة. وهذا قد أكده ابن قدامة بقوله: " واحذر مجالسة العوام فإن فعلت فعليك بالتغافل عما يجري من سوء أخلاقهم وترك الخوض في حديثهم واحذر كثرة المزاح فإن اللبيب يحقد عليك في المزاح و السفيه يجترئ عليك " ([7])
ثم هو يكشف عن الدافع وراء موقفه هذا من العامة قائلاً: " لأن لكل إنسان بابًا من المعارف وفنًا من الصناعات قد سمحت له به طباعه و أفادته إياه غريزته فصارت لديه كالسجية التي لا حيلة في تركها و الضريبة التي لا سبيل إلى مفارقتها فمتى نقل الإنسان الخادم مما قد أحسنه و أتقنه ومارسه ولابسه و ألفه و اعتاده إلى ما يختاره له برأيه وينتخبه له بإرادته مما ينافر طباعه و يضاد جوهره أفسد عليه نظام خدمته، وجبره في طريق مهنته فعاد كالرَّيض ([8]) ثم لا يفيد مما نقله إليه بابًا إلاّ بنسيان أبواب مما نقله عنه ومتى عاد به إلى الأمر الأول وجده فيه أسوأ حالاً منه فيما نقله إليه" ([9])
* التعامل مع المعارف
يتشابهون في طريقة التعامل معهم مع الأسلوب الذي نتعامل به مع العامة من الناس " والمعاريف أو المعارف هم الأشخاص الذين يتوفر عنهم قدر من المعرفة وتربطنا بهم علاقة سابقة ولكن لا تصل لدرجة الصداقة "([10])
- طريقة التعامل معهم عند الغزالي :
1- الحذر والإقلال منهم لأنهم مصدر الشر
وهذا ما يؤكده الغزالي بقوله : " المعارف احذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت "([11])
2- الأدب في التعامل معهم ويشمل التواضع والتحمل وعدم الاطمئنان إليهم
حتى وإن أظهروا المودة مع التماس الأعذار لهم والتزام الهدوء في مجلسهم وحسن الحديث وعدم الإلحاح في الحاجات والاعتدال في اللبس وفي التزين وعدم الإكثار من الالتفات والإشارة باليد أو البصق أو التثاؤب"([12])
3- عدم الاحتقار أو التعظيم لهم وإنما الاعتدال في التعامل
يقول الغزالي: "إذا بُليت بهم في مدرسة أو مسجد أو جامع أو سوق أو بلد فيجب أن لا تستصغر منهم أحدا فإنه لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم فتهلك لأن الدنيا صغيرة عند الله صغير ما فيها ومهما عظم أهل الدنيا في قلبك فقد سقطت من عين الله تعالى "
4- عدم اللجوء إليهم طلبا للمساعدة أي لا تذل نفسك لهم
يقول الغزالي: " إياك أن تبذل دينك لتنال به من دنياهم فلا يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم ثم حرم ما عندهم ، فاقطع طمعك عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع في الأكثر خائب في المآل وهو ذليل لا محالة في الحال "
5- النهي عن عداوتهم إن أساءوا إليك لأنك أنت الخاسر الأكبر
وهو يكشف عن طبيعة هذه الخسارة التي يجنيها الإنسان بعداوتهم فيقول : " وإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنك لا تطيق الصبر على مكافأتهم فيذهب دينك في عداوتهم ويطول عناؤك معهم "
6- لا توطد علاقتك بهم أو تضع ثقتك فيهم مغترا بمودتهم أو ثنائهم الظاهر لك
يقول الغزالي:"ولا تسكن إليهم في حال إكرامهم إياك وثنائهم عليك في وجهك وإظهارهم المودة لك فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة واحداً ولا تطمع أن يكون لك في السر والعلن واحد"
7- لا تغضب أو تندهش إن ظهر منهم الغيبة لك فإنك أنت نفسك تغتابهم
يقول الغزالي: "ولا تتعجب إن ثلبوك في غيبتك ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك مثل ذلك حتى في أصدقائك وأقاربك بل في أستاذك ووالديك فإنك تذكرهم في الغيبة بما لا تشافههم به "
8- التماس الأعذار لهم إن خذلوك وفي هذا يقول الغزالي : " وإذا سألت واحداً حاجة فقضاها فاشكر الله تعالى واشكره وإن قصر فلا
تعاتبه ولا تشتكه فيصير عداوة له وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق يطلب العيوب وقل
لعله قصر لعذر له لم أطلع عليه "
9- عدم إثارة عداوتهم بوعظك لهم إلا أن يكون منهم القبول لذلك أو يرتكبون معصية فهنا يجب الوعظ بلطف وفي هذا يقول الغزالي : " ولا تعظن أحداً منهم ما لم تتوسم فيه مخايل القبول وإلا لم يستمع منك وصار خصما عليك فإذا أخطئوا في مسالة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداءً إلا إذا تعلق ذلك بمعصية يقارفونها عن جهل منهم فاذكر الحق بلطف من غير عنف "
10- النهي عن معاتبتهم وإن أساءوا إليك مع علو قدرك ومكانتك
وفي هذا يقول الغزالي : " إذا رأيت منهم كرامة وخيرا فاشكر الله الذي حببك إليهم وإذا رأيت منهم شرا فكلهم إلى الله تعالى واستعذ بالله من شرهم ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لما لم تعرفوا حقي فأنا فلان ابن فلان وأنا الفاضل في العلوم ؟ فإن ذلك من كلام الحمقى وأشد الناس حماقة من يزكي نفسه ويثني عليها واعلم أن الله تعالى لا يسلطهم عليك إلا لذنب سبق منك واستغفر الله من ذنبك واعلم أن ذلك عقوبة من الله تعالى وكن فيما بينهم سمعا لحقهم أصم عند باطلهم صموتا عن مساوئهم"([13])
* آداب التعامل مع المجاهيل: وهم الأشخاص الذين لا تتوفر عنهم أي معرفة ولا تربطنا بهم علاقة سابقة وتجمعنا الظروف بهم فيذكر الغزالي : " قلة الإصغاء إلى أحاديثهم والتغاضي عن سوء ألفاظهم وتجنب كثرة لقائهم والحاجة إليهم مع التنبيه على ألفاظهم السيئة باللطف والنصح عند توقع القبول منهم "([14])
*التعامل مع الخادم في السنة النبوية
1- احترام كرامته وإنسانيته
عن أنس بن مالك قال: " خدمت رسول الله r و أنا ابن ثماني سنين وخدمته عشر سنين فما لامني لائم من أهله إلاّ قال: " دعوه فإنه لو قضى شئ كان" ([15]) وكان أنس t يقول خدمت الرسول r عشر سنين فما قال لي لشئ فعلته لما فعلته ولا لشئ لم أفعله لما لا تفعله" " وكان مجاهد يقول صحبت ابن عمر و أنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني أكثر " ([16])
2- مجالسته في الطعام أو تناوله بعضا منه
عن أبي هريرة t عن النبي r: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو
لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه وليَ علاجه" ([17])
3- عامل خادمك كما تحب أن يعاملك الناس
نستنتج هذا من أرجوزة ابن مكانس: " وأما ما ينبغي لك أن تفعله فالأول أن تجعل معاملتك مع الله تعالى بحيث لو عمل بها عبدك ترضى بها منه ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب و مالا ترضى لنفسك من عبدك المجازي فلا ترضى به لله تعالى وهو سيدك الحقيقي " ([18])
4- النهي عن شتمهم أو ضربهم حتى مع عصيانهم
عن عائشة t قالت:"جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله r فقال:إن لي مملوكين يكذبونني ويخونني ويعصونني وأشتمهم و أضربهم فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله r إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعاصوك وكذبوك وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك فإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اُقتص لهم منك الفضل فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي فقال رسول اللهr أما تقرأ قول الله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47 فقال الرجل يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيرًا من مفارقتهم أشهدك أنهم كلهم أحرار ([19])
5- الحذر من دخول الخادم إذا كان شابًا وسيمًا البيت و العكس
فهنا يجب المنع أو المراقبة الشديدة وهذا ما نلمحه من موقف ابن الجوزي حيث يقول في مقام حديثه عن المملوك: " إن من أعظم الغلط دخول المملوك المراهق إلى البيت، خصوصًا إن كان حسن الصورة وفي البيت نسوة فإن الشر لا يؤمن كذلك من المخاطرات ترك الولد البالغ بين الجواري" ([20])
- منهج علماء الإسلام في التعامل مع الخادم
- التعامل مع الخدم عند ابن سينا
يشير ابن سينا إلى أثر وجود الخدم في حياة الإنسان فهم يعدون نعمة وفضل من الله حيث إنهم يعملون على راحة الإنسان ولولاهم لصار الإنسان في تعب دائم ويؤكد ذلك بقوله: " ....ولولاهم لارتج دونك باب من الراحة كبير ولانسد عنك طريق من النعمة مهيع ( واسع سهل ) ولاضطررت إلى مواصلة القيام و القعود و إلى مواترة الإقبال والإدبار وفي ذلك إتعاب الجسد ..وفيه سقوط الهيبة وذهاب الرزانة وبطلان الأهبة وطرح السمت و الوقار فمن كفاك السعي برجلك فقد ناب عنك منابها ومن كفاك التعاطي بيدك فقد ناب عنك منابها فعناء الخدم فيك أيها الإنسان كثير وينبغي لك أن تحمد الله على ما سخر لك منهم وما كفاك" ([21])
- منهج ابن سينا في التعامل مع الخدم
1- يحث على ضرورة حسن التعامل معهم والتقرب منهم وملامسة شعورهم واحترامهم و الرحمة بهم لأنهم بشر مثلنا.وفي هذا يقول: " ينبغي لك أن تحوطهم ولا تقصيهم ولا تتفقدهم ولا تهملهم وترفق بهم ولا تحرجهم فإنهم بشر يمسهم من الكلال و اللغوب ومن السآمة و الفتور ما يمس البشر وتدعوهم دواعي حاجاتهم و إرادات أجسامهم إلى ما في طباع البشر إرادته و الحاجة إليه"
2- ينبغي أن لا يسارع الإنسان بطرد الخادم إذا أنكر عليه أمرا قام به وفعله فيقول: " ولا ينبغي أن يكون نكير الإنسان على الخادم إذا أراد الإنكار عليه صرفه عنه فإن ذلك من دلائل ضيق الصدر وقلة الصبر وخفَّة الحلم ولأنه إذا صرفه احتاج إلى غيره بدلاً منه وخلفًا عنه وغيره مثله أو قريب منه و إذا استمرت به هذه العادة أو شك أن يبقى بلا خادم "
3- يدعو ابن سينا إلى إدخال الإطمئنان في قلب الخادم وإشعاره أنه لا يريد أن يفارقه فذلك أجدى أن يستفيد بخادمه كما أن الخادم سوف يبذل قصارى جهده لكسب رضا وثقة سيده فيقول ابن سينا: " بل ينبغي له أن يقرر في قلوب خدمه أن أحدًا منهم لا يجد إلى مفارقة رحله و الخروج عن داره وكنفه سبيلاً فإن ذلك أتم للمروءة وأدل على الوقار و الكرم "
وعن أثر شعور الاطمئنان وانتفاء الخوف من فقدان العمل في نفوس الخدم يقول ابن سينا: " فإن الخادم لا يتوالى ولا يناصح ولا يشفق ولا ينظر ولا يحتاط ولا يحامي ولا يذب حتى يتحقق عنده ويصح لديه أنه شريك صاحبه في نعمته وقسيمه في ملكه وجدته حتى يأمن العزل ولا يحذر الصرف"
أما إذ شعر الخادم بأنه عند أي خطأ يُرتكب منه دون قصد سيكون جزاؤه العزل السريع فسيكون همه العمل على جمع ذخيرة من المال لهذا اليوم إضافة إلى أنه لن يعمل مع سيده بإخلاص وكما يقول ابن سينا: " ومتى ظن الخادم أن أساس حرمته غير واطدة ووشائج ذمامه غير راسخة و أن مكانه نابٍ به عن الذنب يوافقه و الحزم يفارقه كان مقامه على صاحبه كعابر سبيل فلا يعني بما عناه ولا يهتم بما عراه ولم يكن همه إلاّ ذخيرة يعدها ليوم جفوة صاحبه وظهرة ( سندًا وذخيرة ) يرجع إليها عند نَبْوته وازورار جانبه " ([22])
*كيف يتم اختيار الخادم عند ابن سينا؟ وأدب التعامل معه
1- ينصح ابن سينا هنا بأن لا يتخذ الإنسان خادمًا له إلا بعد السؤال عنه واختباره فإن لم يتيسر ذلك فبالفراسة والحدس ويعوّل كثيرًا على المظهر الخارجي للخادم بأن لا يكون به أي عاهة أو مرض جلدي ويحذر من الخادم الكيِّس ذو الدهاء لأن الإنسان لن يسلم من خداعه ومكره وإن أبدى شهامة وخفة بل ينبغي أن يفضل عليه خادم آخر لا يتصف بتلك الصفات ولو كان حظه من الحياء و العقل قليل.وفي هذا يقول ابن سينا:"وطريق اتخاذ الخدم أن لا يتخذ الإنسان خادمًا إلاّ بعد المعرفة والاختبار له وإلا بعد سبره وامتحانه فإن لم تستطع ذلك فينبغي أن تعمل فيه التقدير، و الفراسة، و الحدس، و التوسم و أن تُضرب عن الصور المتفاوتة و الخلق المضطربة فإن الأخلاق تابعة للخلق ومن أمثال الفُرس: " أحسن ما في الذميم وجهه" و أن تجانب ذوي العاهات كالعوران، و العرجان، والبرصان، ونحوهم و أن لا تثق منهم بذي الكيس الكثير والدهاء البين فإنه لا يعري من الخبِّ ( الخداع ) ولا يسلم من المكر ويؤثر اليسير من العقل و الحياء على كثير من الشهامة و الخِّفة " ([23])
2- ينبغي توجيه الخادم بعد اختياره إلى المهنة التي يحسن أداؤها ولا يطلب منه عمل لا يحسن إجادته، أو يكلف بهذا العمل الذي لا يحسنه عقابًا له وفي هذا يقول: " فإذا فرغ من اختباره فلينظر لأي أمر يصلح الخادم الذي يتخذه و أي صناعة ينتحل و ما الذي يظهر رجحانه فيه من الأعمال فليسنده إليه وليستكفه إياه ولا ينقلن الخادم من عمل إلى عمل ولا يحولنه من صناعة إلى صناعة فإن ذلك من أمتن أسباب الدمار وأقوى دواعي الفساد وما يشبه من يفعل ذلك إلا بمن يكلف الخيل الكراب ([24]) و البقر الإحضار ([25])"
*كيف يتم التعامل مع الخادم عند خطأه ؟
هنا يشير ابن سينا إلى أنه ليس هناك طريقة واحدة للتعامل مع الخادم إذا ارتكب خطأً وإنما طرق حصرها في ثلاث حسب طبيعة الخادم نفسه وهي كما يقول:
1- العفو والرحمة عند الخطأ فيقول:"من استقام له بالتأديب عوجه واعتدل بالثقاف ([26]) أوده فليشدده يدًا ويوسعه عند الزلة عفوًا"
2- أما من يصر على خطأه مكررًا له فليظهر له العقوبة الخفيفة ولا ييأس من صلاحه ما دام لا
يتعمد قائلاً: " ومن راجع الذنب بعد التوبة و نقض العهد بعد الإثابة فليذقه طرفًا من العقوبة وليمسه ببعض الطرة لا ييأسن من رشده ما لم تنحل عقدة حياته ويكاشف بإصراره أي ما لم يجاهر بخطأه أو يتفاخر به.
3- أما الذي ارتكب خطأً كبيرا وكما يقال لا يغتفر فينصح ابن سينا بعزله حتى لا يؤثر على باقي الخدم و ليتقي شره قائلاً : " ومن عصاه معصية صلعاء ( بارزة واضحة ) لا يلتف دونها أو جنى جناية شنعاء لا بقيا معها ولا في شرط السياسة اغتفارها فالرأي للصاحب المبادرة إلى الخلاص منه وإلاّ أفسد عليه سائر الخدم " ([27])
التعامل مع الخادم عند ابن حزم
يرى ابن حزم أن حسن معاملة الخدم خاصة و الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم لهي دليل على علو نفس صاحب العمل وأنه لا يُقبل على الإساءة إليهم إلاّ كل خسيس قليل العقل وفي هذا يقول: " و اعلم أن التعسف وسوء الملكة لمن خولك الله تعالى أمره من رقيق أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة و أما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس والخلق وعجز ومهانة ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ ([28]) أو بقتل برغوث ...وحسبك بهذا ضعة وخساسة ([29])
* التعامل مع الخادم عند الغزالي
يذكر الغزالي مجموعة من الآداب التي ينبغي لصاحب العمل أن يتعامل بها مع عامله أو خادمه التي بدونها يتعرض الإنسان لهتك ستره وهي كما يقول: " لا يكلفه مالا يطيق من خدمته ويرفق به عند ضجره ولا يكثر ضربه ولا يديم سبه فيجرؤ عليه ويفصح عن زلته ويقبل معذرته و إذا أصلح له طعامًا أجلسه معه على مائدته أو أعطاه لقمًا من طعامه " ([30])
* الاستغناء عن خادم أولى عند أبي الدرداء t
فإذا لم يتمكن الإنسان الذي يتخذ خادمًا من حسن معاملته بالآداب التي حث عليها ديننا وسنة نبينا وصحابته وما دعا إليه علماء الإسلام فالأولى له أن يرفع عن نفسه جريرة ما يتحمله من عقاب الله في الآخرة إذا ظلم إنسانا ساقته المقادير للعمل تحت إمرته وذلك بأن يمتنع عن استعمال خادم مطلقا وهذا ما أشار إليه أبو الدرداء قائلا: سمعت رسول الله r يقول: " لا يزال العبد من الله وهو منه مالم يُخدم فإذا خُدم وجب عليه الحساب و إن أم الدرداء سألتني خادمًا و أنا يومئذ موسر فكرهت ذلك لما سمعت من الحساب و يا أخي من لي ولك بأن نوافي يوم القيامة ولا نخاف حسابًا؟ ([31])
* التعامل مع الجهلاء
- معنى الجاهل
الجهل ليس فقط قرين انعدام العلم و المعرفة وإنما هو مرتبط أيضا بالعصيان و البعد عن طاعة الله ومما يشير إلى هذا المعنى منصور بن عمار وهو من الأولياء فقد روى أن هارون الرشيد قال له : أسألك مسألة و أمهلك ثلاثة أيام لتجيبها قال: قل ، قال : من أعلم الخلق ومن أجهلهم ؟ فنهض منصور وخرج ثم عاد من الطريق وقال: يا أمير المؤمنين اسمع الإجابة أعلم الخلق مطيع خائف و أجهلهم عاص آمن " ([32])
* أسس التعامل مع الجهَّال
يرى ابن حزم أنه ينبغي في التعامل مع الجهّال عند ارتكابهم لخطأ ما الوعظ باللين و التبسم وفي الخلاء ولا يذكر اسمه في ملأ من الناس عند ذنبه و الثناء في حضوره على من فعل خلاف فعله وإن لم يلتزم بهذه الآداب في التعامل معه فسوف يصر على فعله السيء دون تغيير حيث يقول: " الاتساء بالنبي r في وعظ أهل الجهل و المعاصي و الرذائل واجب فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته r وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجًا وحردًا (غضبًا و غيظًا ) و مغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسيئًا لا محسنًا هذا هو أسلوب الوعظ الذي ينبغي أن يكون ثم يتحدث عن مراحل الوعظ منها:
1- الوعظ غير المباشر وكأن الموعوظ إنسان آخر غير المقصود فإن لم تنجح هذه الوسيلة ؟
2- فليتحدث معه إنفراداً فإن لم يُجدِ ذلك ؟
3- فتكون الموعظة له في حضرة إنسان يحترمه الموعوظ ويبجله ففي ذلك ردع له عن فعله وفي هذا يقول: " ومن وعظ ببشر وتبسم ولين و كأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ فذلك أبلغ و أنجح في الموعظة فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم و في الخلاء فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ فهذا أدب الله في أمره بالقول و اللين وكان r لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وقد أثنى عليه الصلاة و السلام على الرفق و أمر بالتيسير ونهى عن التنفير وكان يتخول بالموعظة خوف الملل وقال تعالى: { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران159
4- الغلظة والشدة في الوعظ تكون فقط إذا ارتكب الإنسان ما ينتهك به حدًا من حدود الله فيقول: " و أما الغلظة و الشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة "
5- مدح الإنسان الذي يفعل الفضيلة هو خير وسيلة يقتدي بها من يرتكب الإثم وفي هذا يقول: " ومما ينجح الوعظ أيضًا الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير وما أعلم لحب المدح فضلا إلا هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل و الرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف " ([33])
6- التعامل مع الجهال بالرحمة
" قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهال " وقال أبو الدرداء t لرجل أسمعه كلامًا: يا هذا لا تُغْرقن في سبنا ودع للصلح موضعًا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه" وقسم معاوية t قُطُفًا فأعطى شيخًا من أهل دمشق قطيفة فلم تعجبه فحلف أن يضرب بها رأس معاوية فأتاه فأخبره فقال له معاوية أوفِ بنذرك وليرفق الشيخ بالشيخ " ([34])
7- التعامل مع الجهال باللطف
" فالجاهل قد يقدم على الشيء لا يظنه منكرا فإذا عرف أقلع عنه فيجب تعريفه باللطف فيقال له: إن الإنسان لا يولد عالمًا ولقد كنا جاهلين بأمور الشرع حتى علمنا العلماء ...فكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء" ([35])
* التعامل مع المساكين وهم (الضعفاء،والأرامل، واليتامى، والفقراء)
- من هو المسكين؟
هو الذي يتعفف عن سؤال الناس رغم فاقته الشديدة وعوزه و احتياجه وهذا ما تشير إليه أحاديث الرسول r فعن أبي هريرة t قال رسول الله r: ليس المسكين الذي ترده التمرة و التمرتان ولا
اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف" ([36])
وفي رواية في الصحيحين : "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة و اللقمتان والتمرة و التمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنيا يغنيه ولا يُفطَن به فيصّدق عليه و لا يقوم فيسأل الناس" ([37])
* كيف نتعامل مع المساكين؟
1- بالشفقة و الرحمة والإحسان و التواضع لهم:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}الماعون 3:1وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }الإنسان8
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r " الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله " وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر و كالصائم الذي لا يفطر ([38])
وحذّر الرسولr من يتهاون في حق المساكين مضيعًا له " فعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي t قال: قال النبي r : "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم و المرأة" ([39]) ومعنى أحرّج: أُلحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقها وأحذّر من ذلك تحذيرًا بليغًا و أزجر عنه زجرًا أكيدًا .
2- النصر والرزق وسيلتهما العطف على المساكين و الضعفاء
" عن مصعب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال: رأى سعد أن له فضلاً على من دونه فقال النبي r هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم" ([40])
وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله r يقول: " ابغوني الضعفاء فإنما تنصرون و ترزقون بضعفائكم" ([41]) وقال داود u : إلهي ما جزاء من أسند يتيمًا أو أرملة ( لا يريد به إلا وجهك ) قال: جزاؤه أن أظله في ظل عرشي يوم لا ظل إلاّ ظله " ([42])
وكان على بن الحسين t يبخل فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة... وأنه حين مات وجدوا بظهره آثارًا مما كان يحمل الجرب بالليل للمساكين " ([43])
ومما روي من صور عملية لرزق الله لمن يعطف على المساكين: " عن أبي هريرة t عن النبي r قال: بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان فتنخى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا اشرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كلَّه فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يُحوَّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له: يا عبد الله لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال أني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثًا و أرد فيه ثلثه" ([44])
3- الفوز برضا الله يتحقق برضا المساكين عنكم
يقول الله تعالى:"يا بني آدم:{اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}البقرة:40كما لا تهتدي السبيل إلا بدليل كذلك لا طريق إلى الجنة إلاّ بعمل وكما لا يُجمع المال إلا بنصب كذلك لا تدخلون الجنة إلاّ بالصبر على عبادتي فتقربوا إلى الله بالنوافل واطلبوا رضائي برضا المساكين عنكم وارغبوا إلى رحمتي بمجالس العلماء فإن رحمتي لا تفارقهم طرفة عين قال الله تعالى: يا موسى اسمع ما أقول فالحق أنه من تكبر على مسكين حشرته يوم القيامة على صورة الذَّرَّ ومن تواضع له رفعته في الدنيا والآخرة ومن تعرض لهتك سر مسكين حشرته يوم القيامة غير مستور سره ومن اهان فقيرًا فقد بارزني بالمحاربة ومن يؤمن بي صافحته الملائكة في الدنيا والآخرة" ([45])
4- حب المساكين أحب الأعمال إلى الله
" عن وهب بن منبه قال: أوحي الله عز وجل إلى عيسى u يا عيسى إني قد وهبت لك حب المساكين ورحمتهم تحبهم ويحبونك ويرضون بك إمامًا وقائدًا وترضى بهم صحابة وتبعًا اعلم أنه من لقيني بهما لقيني بأزكى الأعمال وأحبها إلىّ " ([46])
5-ومن مظاهر حب المساكين
مجالستهم و الحديث معهم " فعن أبي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول اللهr يكنيه أبا المساكين" ([47])
وقال موسى ابن عمران: أي رب أين أبغيك ( اطلبك) ؟ قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم إني أدنو منهم كل يوم باعًا ولولا ذلك لانهدموا " ([48])
وكان ابن عباس t يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرًا أو جمعة أحب إلىّ من حجة بعد حجة ولطبق بدانق أهديه إلى أخ لي في الله عز وجل أحب إلىّ من دينار أنفقه في سبيل الله عز وجل([49])
6- النهي عن إغضابهم
ومما ورد في النهي عن إغضاب الضعفاء والمساكين " عن أبي هبيرة - وهو من أهل بيعة الرضوان- أن أبا سفيان أتى علي سلمان وصهيب و بلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها فقال أبو بكر t: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبيr فأخبره فقال: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أُخيَّ" ([50])
ومن وصايا الإمام علي في الحث على حسن التعامل مع الضعفاء و المساكين ومشاركتهم معاناتهم و التخفيف عنهم دون إذلالهم قوله في إحدى خطبة لواليه: " الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين و أهل البؤس و الزمني ( المصاب بعاهة) فإن في هذه الطبقة قانعًا ومُعْترًا([51]) واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكلُّ قد استرعيت حقه"
وبعد أن يوصي بتوفير حاجاتهم المادية يسوق لنا الإمام علي جملة من الأخلاقيات التي ينبغي التحلي بها معهم مثل التواضع واستمرار السؤال عن حالهم و أوضاعهم وعدم التحقير لهم قائلاً: " فلا يشغلنك عنهم بطر ( طغيان بالنعمة) فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم فلا تشخص ([52]) همك عنهم ولا تصعر خدك لهم وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون أتكره أن تنظر إليه إحتقارًا وتحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك ([53]) من أهل الخشية و التواضع.....فإن هؤلاء من بيت الرعية أحوج للإنصاف من غيرهم وكلَّ فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه وتعهد أهل اليتيم وذوي الرقة في السن ( المتقدمون فيه) ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه.
وعن آداب مجالستهم وضرورة توفير الوقت لذلك يوصي الإمام علىَّ واليه على أحد الأمصار باحتمال ما يصدر منهم دون غضب أو استكبار عليهم، وإنما الرحمة واجبة عليه لهم فالعطاء لهم دون من و المنع يكون بلطف وتقديم عذر أي مراعاة شعورهم وفي هذا يقول: " واجعل لذوي الحاجات منك قسمًا تُفرِّغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسًا عامًا فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك...... حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع (التردد أي خائف) فإني سمعت رسول الله r يقول في غير موطن (أي مواطن كثيرة) " لن تُقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع ثم احتمل الخرق منهم و العيّ ونح عنهم الضيق والأنف (سوء خلقك) يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته و يوجب لك ثواب طاعته و أعط ما أعطيت هنيئًا وامنع في إجمال و إعذار" ([54])
وعن ضرورة توفير الطعام لهم باستمرار دون انقطاع يقول في موضع آخر من خطبه "" الله الله في الأيتام فلا تغبوا ([55]) أفواههم ولا يُضيعوا بحضرتكم ([56])



([1]) مجموعة الرسائل للغزالي: ص 443 و ما بعدها

([2]) الأدب الصغير و الأدب الكبير: لابن المقفع ص 103

* أبو سليمان أحمد بن محمد كان ثقة ثبتا صاحب تصانيف عديدة روى عنه الكثير مثل الإسفرايني والغزنوي
ت 388 هـ ببغداد.
([3]) 201 طريقة للتعامل مع ذوي الطباع الصعبة : د.ألان اكسيلرود وجيم هولتج ، ص 35

([4]) إظهار ما في النفس

([5]) الأدب الصغير والأدب الكبير، لابن المقفع،ص105-106

([6]) علم النفس في التراث الإسلامي ج1/ص371 نقلاً عن كتاب "العزلة"للبستي عرض د.عبد اللطيف محمد خليفة

([7]) مختصر منهاج القاصدين، ص 105

([8]) المبتدئ الذي يروض الأمر أي يدرب نفسه عليه .

([9]) السياسة: ص 44

([10])علم النفس في التراث الإسلامي، د.أسامة سعد عرض لكتاب بداية الهداية للغزالي ج2 ص200

([11])مجموعة رسائل الغزالي : كتاب آداب الصحبة ص427

([12]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج2ص200 كتاب بداية الهداية، للغزالي


([13])مجموعة رسائل الغزالي: من كتاب بداية الهداية ص427

([14]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج2/200عرض د.أسامة سعد لكتاب بداية الهداية للغزالي

([15]) حسن صحيح أخرجه أحمد 3 / 231 كتاب الرضا لابن ابي الدنيا ص 41

([16]) الزهد، للإمام أحمد ص 241

([17]) الحديث رواه البخاري علم النفس في الحديث الشريف: د. سعد رياض ص 71

([18]) مجاني الأدب، ج2 / ص 61

([19]) الترغيب والترهيب، ج1 / 499 أخرجه أحمد والترمذي

([20]) الطب الروحاني: ص 49 وما بعدها

([21]) السياسة لابن سينا، ص 43

([22]) المرجع السابق، ص 45

([23]) السياسة، ص 44

([24]) الكراب: حرث الأرض وتهيئتها للزراعة وليس من عمل الخيل .

([25]) الإحضار: أي إسراعها في العدو.

([26]) أداة تثقف بها القسي ويقوم عودها .

([27]) السياسة، لابن سينا ص 45

([28]) الكبير من الفئران

([29]) الأخلاق والسير مداواة النفوس: ابن حزم ص 217 وما بعدها

([30]) مجموعة الرسائل للغزالي، ص 444 من كتاب الأدب في الدين

([31]) حياة الصحابة، عبد الرحمن الباشا المجلد الثاني ص 529 نقلاً عن الكنز ج8 / 224

([32]) تذكرة الأولياء: فريد الدين العطار ، ص 623 الهيئة العامة للكتاب

([33]) الأخلاق و السير في مداواة النفوس، ص 193 ، 195

([34]) أدب الدنيا والدين : ص 184

([35]) مختصر منهاج القاصدين: ص 127

([36]) رواه البخاري، 4539 ومسلم في الزكاة 2/ 718

([37]) رياض الصالحين: للنووي ، ص 89

([38]) متفق عليه رواه البخاري ومسلم رياض الصالحين، ص 89

([39]) رواه النسائي بإسناد جيد وابن ماجة في السنن 3678، ورياض الصالحين ص 90

([40]) رواه البخاري في الجهاد رقم 2896 ولم يرد فيه ترزقون رياض الصالحين ص 91

([41]) رواه أبو داود بإسناد جيد رقم 2594 ومعنى ابغوني: اطلبوني

([42]) الزهد، ص 89

([43]) المرجع السابق، ص 208

([44]) الحرة:الأرض الملبسة حجارة سوداء رياض الصالحين ص 163 والحديث رواه مسلم في الزهد والرقائق 4/ 2288

([45]) مجموعة رسائل الغزالي من كتاب " المواعظ في الأحاديث القدسية" ص 612

([46]) الزهد: للإمام أحمد، ص 75

([47]) المرجع السابق: ص 233

([48]) الزهد: ص 95

([49]) حلية الأولياء: لأبي نعيم ج1/ ص 328

([50]) رواه مسلم، ج4/ 1947، رياض الصالحين ص 89 وأُخَّي: تصغير تحبب وترقيق وملاطفة .

([51]) القانع: السائل، المعتر: الذي لا يسأل مع حاجته وفاقته .

([52]) أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شئونهم .

([53]) أي اجعل للبحث عنهم أشخاصًا يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم يخافون الله ويتواضعون لعظمته لا يأنفون من تعرف حال الفقراء ليرفعوها إليك .

([54]) نهج البلاغة، ص 639 وما بعدها

([55]) أغب القوم : جاءهم يومًا وترك يومًا

([56]) نهج البلاغة، ص 614


الساعة الآن 07:26 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام