منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   معًـا نبني خير أمة (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=100)
-   -   الــتـعــامــل مــع الــصديــق في الاسلام (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=78235)

eslamforever12 20-01-2015 09:31 AM

الــتـعــامــل مــع الــصديــق في الاسلام
 









* شروط الصداقة والصحبة
- أن يكون الصديق حسنا فما صفات الصديق الحسن ؟
هو الذي يعينك على طاعة الله ويكون معك في الشدة ويكون حسن الخلق موفور العقل هذا إجمال لشروط الصديق والتي اتفق عليها الحكماء المسلمين وما أكدته سنة نبينا r . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" ([1])
وعن أبي سعيد الخدري عن النبيrقال: " لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي "([2]) وسئل رسول الله r" أي الأصحاب خير؟ قال : صاحب إذا ذكرت الله تبارك وتعالى أعانك وإذا نسيته ذكّرك، قالوا : يا رسول الله دلنا على خيارنا نتخذهم أصحابًا وجلساء قال : نعم الذين إذا رؤوا ذُكر الله " وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ما أُعطي عبد بعد الإسلام خيرا من رجل صالح "
وعن أسلوب التعامل يقول : آخِ الإخوان على قدر التقوى ولا تجعل حديثك بذلة إلا عند من يشتهيه ولا تضع حاجتك إلا عند من يحب قضاءها ولا تغبط الأحياء إلا بما تغبط الأموات وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل ([3])
وسُئل أبو حمزة الشيباني عن الإخوان في الله عز وجل من هم ؟ قال : هم العاملون بطاعة الله عز وجل المتعاونون على أمر الله عز وجل وإن تفرقت دورهم وأبدانهم فقال أبو سليمان الداراني : قد يعملون بطاعة الله عز وجل ويتعاونون على أمره ولا يكونون إخوانًا حتى يتزاوروا ويتباذلوا " ([4])
"وعن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول : أخ لك كلما لقيَّك ذكَّرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارًا " ([5])
وقال عثمان بن حكيم :" اصحب من هو فوقك في الدين ودونك في الدنيا " ([6])
يقول ابن عطاء في حكمه : " لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله "
ورُوي عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي : " لا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئيم ولا من يؤثرك على نفسه فإنه قلِّ ما يدوم واصحب من إذا ذكر ذكر الله فالله يغني به إذا شهد ويتوب عنه إذا فقد، ذكره نور القلوب ومشاهدته مفاتيح الغيوب " ويقول أيضًا : " .. ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينًا وقليل ما هم " ويروى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام : " يا ابن عمران كن يقظان وارتد لنفسك إخوانًا وكل أخ أو صديق لا يؤازرك على مسرتي فهو لك عدو ويقسي قلبك ويباعدك منى " ([7]) ثم إن ابن عطاء يشير إلى الفائدة من صحبة الإنسان الصالح دون السيئ لأن ذلك الأخير يجعل الإنسان معجبًا باليسير من أعماله الصالحة غافلاً عن عيوب نفسه الكثيرة وحين يقارن نفسه بهذا الصديق السيئ يزداد إعجابه ورضاه عن نفسه وبذلك يغلق على نفسه باب إصلاحها وفي هذا يقول ابن عطاء : " ربما كنت مسيئًا فأراك الإحسان منك صحبتك إلى من هو أسوأ حالاً منك " وفي شرح الشيخ زروق يقول إنك إذا أصبحت من هو أسوأ حالاً منك ربما رأيت بذلك الإحسان من نفسك لما جبلت عليه النفوس من استشعار فضيلتها عند مشاهدة من هو دونها " ([8]) وفي رسالة المسترشدين " ولا تواخ إلا أمينًا " ([9])
وعن الفائدة التي يجنيها المرء من صحبة أو صداقة الإنسان الصالح يذكرها الماوردي في الخصال التي ينبغي أن يتحراها الإنسان في اختيار صديقه قائلاً :" الدين الواقف بصاحبه على الخيرات فإن تارك الدين عدو لنفسه فكيف يرجى منه مودة غيره" وقال بعض الحكماء: "اصطف من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك ويد عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عاقبتك وكما قال الشاعر :
مـن لـم تكن في الله خلته فخليله في البلاد عـلـى خطر
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه :
أخـلاء الـرخاء هـم كـثير ولكن في البلاء هم قـليل
فـلا يـغررك خلة من تؤاخي فما لـك عند نائبة خليل
وكـل أخ يقـول أنـا وفـيَّ ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى خِلٍّ لـه حسب وديـن فذاك لما يقول هـو الفعول ([10])
وقال رجل لداود الطائي أوصني : قال : اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مئونة وأكثرهم لك معونة " ([11]) وأوصى رجل من الحكماء أخًا له فقال: أي أخي : آخِ الكريم الأخوة إلا أمل المروءة والذي إن غبت خلفك وإن حضرت كنفك وإن لقيَّ لك صديقًا استزاده وإن لقيَّ لك عدوًا كف عنك معرته وإن رأيته ابتهجت به وإن ناسبته استرحت " ([12])
* شروط الصديق الصالح عند الغزالي
- عند الغزالي ينبغي أن تتوفر في الصديق الذي تختاره خمسة شروط :
أ- العقل: فلا تصحب الأحمق لأنه يضرك وهو يريد أن ينفعك وقال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل وإيــاك وإيــاه
فكم مـن جاهل أردى حـليمًا حين وآخاه
يـقــاس المرء بالمرء إذا مـا المرء ماشاه

ب- حسن الخلق: فلا تصحب من ساء خلقه والذي لا يملك نفسه عند الغضب وقد جمعه علقمة العطاردي في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة فقال : يا بني إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك وإن صحبته زانك وإن قعدت بك مئونة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها وإن رأى منك حسنة عدها وإن رأى منك سيئة سدها، اصحب من إذا قلت صدّق قولك وإذا حاولت أمرًا أعانك ونصرك وإن تنازعتما في شيء آثرك وقال علي رضي الله عنه :
إن أخـاك مـن كـان معك ومـن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا رَيبُ الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك ([13])
ج- الصلاح :فلا تصحب فاسقًا فمن لا يخاف الله لا تؤمن غوائله بل يتغير بتغير الأحوال والأعراض قال الله تعالى لنبيهr:(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) الكهف : 28 كما أن مشاهدة الفسق والمعصية على الدوام تزيل عن قلبك كراهية المعصية وتهون عليك أمرها .
د- أن لا يكون حريصا على الدنيا: فمجالسة الحريص تزيد في حرصك ومجالسة الزاهد تزيد في زهدك.
هـ- الصدق: فلا تصحب كذابًا فإنك منه على غرور فإنه مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب.
ثم ينصح بأنه إذا لم تتوفر هذه الخصال فعلى الإنسان " العزلة والانفراد ففيه السلامة أو تكون مخالطتهم بقدر خصالهم بأن تعلم أن الإخوة ثلاثة : أخ لآخرتك فلا تراع فيه إلا الدين وأخ لدنياك فلا تراع فيه إلا الخُلق الحسن وأخ لتأنس به فلا تراع فيه إلا السلامة من شره وفتنته وخبثه وقيل لعيسى عليه السلام : من أدبّك؟ فقال: ما أدبني أحد ولكني رأيت جهل الجاهل فاجتنبته " ([14])
"وسأل جماعة سهل بن عبد الله التستري وهو من كبار الصوفية أيَّ قوم نصحب من جملة الخلائق ؟ قال : صاحبوا العارفين لأنهم لا يعتدّون بشيء قط .... إنهم يلتمسون لك العذر في كل الأحوال " ([15]) والعارف هو الذي بلغ مكانة عظيمة من العلم والإيمان وتقوى الله وكان الإمام علي رضي الله عنه يقول : " عاشر أهل الفضائل تنبُل " ([16]) .
- وعند الماوردي أن شروط المؤاخاة أربع خصال :
1- عقل موفور يهدي إلى مراشد الأمور وروي عن النبي rأنه قال:البذاء لؤم وصحبة الأحمق شؤم "
2- الدين فإن تارك الدين عدو لنفسه فكيف يُرجى منه مودة غيره .
3- أن يكون محمود الأخلاق وقال بعض البلغاء: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار وقال آخرون : من خير الاختيار صحبة الأخيار ومن شر الاختيار صحبة الأشرار .
4- أن يكون من كل واحد منهما ميل إلى صاحبه ورغبة في مؤاخاته فمن طلب مودة ممتنع عليه ورغب إلى زاهد فيه كان خائبًا في حرصه ذاك على صحبة من يزهد في صحبته كما قال البحتري :
وطلبت منك مودة لم أُعطَّها إن المـنى طـالب لا يُـظـفر
ويقول آخر:
وليس أخي إلا الصحيح وداده ومن هو في وصلي وقربي راغب ([17])
ومعيار هذه المؤاخاة أو الدليل عليها هو المشاركة في السراء والضراء " فقد روى ابن أبي الدنيا أن هاشم بن القاسم وهو من الثقات ت سنة 207 قال: ما إخوان الصفا ؟ فقلت شيئًا وقال هذا شيئًا قال: لا ولكنه الذي يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " وقال عمرو بن العاص لابنه عبد الله : ما الكرم ؟ قال : صدق الإخاء في الشدة والرخاء " ([18])
" وعن أبي عمرو العوفي قال " اصحب من إن صحبته زانك وإن خدمته صانك وإن أصابتك خصاصة مأنك ( أي إن أصابك فقر واحتياج قوَّتك وسد احتياجك ) وإن رأى منك حسنة عدّها وإن رأى منك سقطة سترها وإن قلت صدق قولك وإن صلت سدد صولك . وزاد غيره: ولا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائق ومن إن سألته أعطاك وإن سكت ابتدأك وإن نازعته بذل لك " ([19])
فالمؤاخاة الحقة هي التي تقوم بغير طمع كما يقول الإمام علي رضي الله عنه: "كل إخاء منقطع إلاّ إخاء كان على غير طمع " ([20]) كما أن من دلائل المؤاخاة التوافق والانسجام وفي هذا قيل :
فإذا صحبت فاصحب صاحبا ذا حياء وعـفـاف وكرم
قـوله للشيء لا إن قـلت لا وإذا قلت : نعم قال : نعم ([21])
والأمانة عند الصديق هي شرط لمؤاخاته عند المحاسبي فيقول : "ولا تواخ إلاّ أمينا " ([22])
- أهمية الصديق المخلص عند سقراط وحكماء الإسلام
نجد سقراط يلفت الانتباه إلى ضرورة الوعي بأهمية الصديق الحسن في حياتنا وحسن معاشرته وذلك لأنه عدتنا في كل وقت يقول سقراط: " إذا قورن الصديق المخلص بأي شيء يمتلكه الإنسان ألا يرجح الصديق ؟ أليس أكثر منفعة من الحصان أو من فرسين ؟ .. إن ما تتيحه أرجلنا وأيدينا وأعيننا وآذاننا من فوائد غاية في الأهمية لا يفضل قط معاونة الصديق الصدوق : لأنه إذا حالت الحوائل بينك وبين عمل ينفعك، وإذا لم تتمكن من أن ترى أو تسمع ما يهمك، فإن صديقك يعمل ويسمع ويرى من أجلك، إنك تغرس الأشجار لتجني ثمارها وتهمل في شيء من عدم الاكتراث الآثم – الحديقة التي تؤتي أكلها شهيًا في كل حين أعني الصداقة " ([23]) .
ويتشابه رأي سقراط مع ما ذكره الماوردي عن فضل الصديق المخلص فيقول:"ولعمري إن إخوان الصدق من أنفس الذخائر وأفضل العدد لأنهم سُهَمان النفوس وأولياء النوائب والفاقة هي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده ومهانة وحدته إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته ويثق بنصرته وموالاته وقد قالت الحكماء : من لم يرغب في الإخوان بلي بالعداوة والخذلان ورب صديق أود من شقيق وقيل لمعاوية: أيما أحب إليك ؟ قال : صديق يحببني إلى الناس، وقال الشاعر :
لمـودة ممـن يحبك مخلصًا خير من الرحم القريب الكاشح ([24])
وقد تعرض أبو حيان التوحيدي لخصال الصديق المخلص وضرورته في حياة الإنسان فيذكر أنه الصديق الذي يحرص على نفع صديقه وأن شر الأصدقاء هو من يرمي إلى مصلحة شخصية من الصداقة عملاً بالقول الآتي : خير إخوانك المعين لك على دهرك وشرهم من هو لك لسوق يوم " ويُذكر أيضًا " صديق لا تنفعك حياته لا يضرك موته " كما يذكر أن من حق الصديق على صديقه القيام بأعبائه في غيابه وحفظه ومعاونته عند حضوره وملاطفته إذا جفي ومكافأته إذا وُفق في عمل والحديث عنه الحديث الطيب مع الأصدقاء الآخرين ودفع الظلم عنه والابتهاج لرؤيته والحفاظ على سره ([25]) .
* صفة الصديق السيئ :
لقد أبان عن صفات الصديق السيئ أبو بكر الحضرمي " وخصص له الباب السادس في كتابه السياسة " فمن تلك الصفات " دناءة الطبع وسوء اللفظ وفساد الأدب وإذاعة السر وإظهار النقص وقلة الدين والجبن وفي هذا يقول:"إن الصاحب السوء يغذيك من دناءة طبعه فتتغير به طباعك ومن لكنة لفظه فيفسد بها كلامك ومن فساد آدابه فيلين بها رأيك ويدربك على سوء الأدب ويذيع لك مكتوم السر ويدل بنقصه على نقصك وبقلة دينه على قلة دينك فإن الحكماء قد تقرر بينهم أن دين المرء على دين خليله ومن الحكم في ذلك قول الشاعر :
عن المرء لا تسل وسل عنه قرينه فـكـل قرين بالمقارن مقتد
ثم إنك إذا أردته للنصرة خذلك وإن أردته للرأي غرك وإن أطلعته على عورتك كشفك وإن خالفته ساعة عاداك وقذفك ثم إنه يُزهد أهل الفضل في مودتك ويُطمع الأرذال في صحبتك " ([26])
وقد أوصى الإمام علي رضي الله عنه وهو على فراش الموت ابنه الحسين بالبعد عن مصادقة الأحمق والبخيل والكذاب والفاجر موضحًا له الحكمة في النهي عن مصاحبتهم بقوله:" يا بني احفظ أربعًا وأربعًا لا يضرك ما عملت معهن قال : وما هن يا أبت ؟ قال : إن أغنى الغنى العقل وأكبر الفقر الحمق وأوحش الوحشة العُجب ( أي إعجاب المرء بنفسه ) وأكرم الكرم حسن الخلق قال : قلت يا أبت هذه الأربع فأعلمني الأربع الأخرى ،قال : وإياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه " ([27])
وأنشد الإمام علي في التحذير من صحبة الفاسدين :
فـلا تصحب أخا السوء وإيــاك وإيــاه
فـكم من جاهل أودى حـلـيمًا حين آخاه
يـقـاس الـمرء بـالمرء إذا مـا المـرء ماشاه
وفي الـنـاس مـن الناس مـقـايـيس وأشباه
وفي الـعـين عـلى العين إذا تـنـطـق أفـواه
ولـلـقـلب على القلب دلـيـل حـين يلقاه ([28])
والمحاسبي ت243هـ يحذر من صحبة الحسود والساعي بين الناس بالشر موقعًا بينهم وفي هذا الصدد أيضًا يقول : " احذر أن تصحب الحسود فإنه مضاد لله تعالى في قضائه ولا تصحب من يغتاب أو يبهت أو يكذب أو ينم أو ذا الوجهين أو ذا لسانين أو ذا قلبين فاتق هؤلاء كلهم فإنهم شين في الدنيا وعذاب في الآخرة ولا تصحب إلا مؤمنا صادقًا " ([29])
"ويحث أبو حيان التوحيدي على تجنب صديق السوء ويبرر ذلك بأن سوء تصرفه مع صديقه يوجب نبذه ويذكر من تصرفات أصدقاء السوء ما يلي :
1- إذا عمل الإنسان عملاً قالوا إنه يريد التظاهر والتفاخر أمام الناس وإذا قصر عن العمل قالوا : لقد وقع في الإثم وإذا بكى قالوا إنه فضح نفسه وإذا ضحك قالوا إنه أحمق وإذا نطق قالوا إنه متكلف ومدعٍ وإن سكت قالوا إنه عاجز عن النطق وإذا تواضع قالوا لقد افتقر وضعف وإذا أنفق قالوا لقد أسرف وإن اقتصد في حاله قالوا لقد بخل .
2- ثم يقدم دليلاً آخر ورد في كليلة ودمنة عن قيمة الصداقة الطيبة ومغبة صداقة السوء وهو " صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على التبن حملت تبنًا وإذا مرت على الطيب حملت طيبًا "
3- كما تختلف الصداقة الطيبة عن الصداقة السيئة في سرعة الاتصال والانقطاع على النحو التالي :" المودة بين الصالحين بطيء انقطاعها سريع اتصالها كآنية الذهب بطيئة الانكسار هينة الإعادة والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها بعيد اتصالها كآنية الفخار التي يكسرها أدنى شيء ولا جبر لها " ([30])
وابن الجوزي يكشف عن بعض سمات الصديق السيئ موصيًا الإنسان بأن يجعل الله سبحانه هو أنيسه في الدنيا والآخرة وألا يعوّل الإنسان كثيرًا على أصدقائه لأن الصداقة الحقة هي أمر صعب حدوثه إلا نادرًا يؤكد هذا تساؤله في دهشة " أين الأصدقاء ؟ ويقول: أكثرهم حساد على النعم وأعداء لا يسترون زلة ولا يعرفون لجليس حقا ولا يواسون من مالهم صديقًا ويرجع هذا إلى أن الحق

سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئًا يأنس به فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها ليكون أنسه به "([31])
وشر الأصدقاء من يكون معك في الرخاء ويتركك في الشدة فالشدائد التي تمر بالإنسان هي معيار يقاس به صديقه وكما يقول الشاعر:
وكل أخ عند الهوينى ملاطف ولكنما الإخوان عند الشدائد
قال صالح بن عبد القدوس: شر الإخوان من كانت مودته مع الزمان إذا أقبل فإذا أدبر الزمان أدبر عنك .
* طرق التعامل مع الصديق السيئ
وعن الطريقة التي يتم التعامل بها مع من بُلي بمصاحبة مثل هذا الشخص نستخلص مما ذكره الماوردي عن أحد الشعراء وفي كلامه :
1- تحذير من عداوة مثل هذا الشخص لأنه قد لا يتورع عن أذيتك بثمن بخس أو بدونه وهو العالم بأسرارك وأحوالك فيقول :
شر الأخلاء من كانت مـودته مع الـزمان إذا مـا خاف أو رغبا
إذا وترت امرأً فاحذر عـداوته مـن يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
إن الـعدو وإن أبدى مسالمة إذا رأى منك يـومـًا فـرصة وثبا

2- قد يُخدع الإنسان في الأحوال العادية بمثل هذا الشخص وما يبديه من حلاوة اللسان ولهذا فينبغي أن يتوقى الإفراط في محبته ولأن تكون الحال بينهما نامية أولى من أن تكون متناهية وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما " وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفًا وقال أبو الأسود الدؤلي .
وكـن معدنا للخير واصفح عن الأذى فـإنـك راء ما عملت وسامع
وأحـب إذا أحـبـبـت حبًا مقاربًا فإنك لا تـدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غـيـر مبايـن فإنك لا تدري متى أنت راجع ([32])
وعند الفارابي تتضح تمامًا الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع أصدقاء الظاهر أو المصلحة وتتلخص في مداراتهم بالمجاملة و الصبر عليهم وكتمان أسراره عنهم خاصة ما يحصل له من نعم ولا يكثر معاتبتهم حين الخطأ ولا يعاقبهم عليه حيث يقول: " الأصدقاء في الظاهر من غير صدق فيما يظهرونه بل تشبه وتصنع فينبغي للمرء أن يجاملهم ويحسن إليهم ولا يطلعهم على شيء من أسراره وخصوصًا من عيوبه ولا يلقي إليهم خواص أحاديثه وأحواله ولا يحدثهم عن نعمة ولا عن أسباب منافعه وليجتهد في استمالتهم والصبر معهم ومعاملتهم بحسب الظاهر دون أخذهم بالبواطن ولا يأخذهم بالتقصير ولا يتبع عتابهم فيما يقع بينهم من التقصير ولا يجازيهم على ذلك فإنه مهما فعل ذلك يُرجى صلاحهم ورجوعهم إلى المراد ولعلهم يصيرون في رتبة الأصفياء " ([33])
ولكنهم على الرغم من تلك المعاملة فإنهم يظلون على مسافة بعيدة بينهم وبين الأصدقاء المخلصين الصادقين الذين ينبغي للإنسان أن يقربهم إلى نفسه وذلك لثقته بهم وعدم التكلف في التعامل معهم ولهذا كان " يحيي بن معاذ " ت 258هـ يقول:" بئس الصديق صديق تحتاج إلى أن تسأله حاجة أو تقول له اذكرني في دعائك أو تحتاج أن تعيش معه بالمداراة أو يلجئك إلى الاعتذار في زلة كانت منك " ([34])
والمسالمة والمداراة والاعتذار هي تلك الوسائل التي دعا إليها أبو حيان التوحيدي في التعامل مع الصديق السيئ بقوله :" إن الصديق السيئ هو الذي يحتاج في معاملته دائما إلى الملاينة كما تحتاج أن تذكره بأن يدعو لك في سره ( أي أنه لا يدعو لصديقه من تلقاء نفسه) وهو أيضًا من يضطر صديقه إلى الاعتذار له عن كل صغيرة وكبيرة لبعده عن التسامح " وهنا يبين أن العتاب ضروري بين الصديقين ولكن بدرجة معتدلة ([35])
وممن يُبتعد عنه ولا يُحبذ صحبته ما ذكره السري السقطي ت257 هـ بقوله :"ابتعدوا عن الجيران الأغنياء وقرناء السوء وعلماء الأمراء " ([36])
أما صحبة الفساق فقد أجمع العقلاء والحكماء على مجانبتهم فبالإضافة إلى ما سبق ذكره فإن صحبتهم لا تخلو من الأذى والضرر وكما يقول الحسن بن أحمد الكاتب: صحبة الفساق داء ودواؤها مفارقتهم " ([37])
*كيف يمكن تكوين الصداقة ؟ وكيف يمكن استمرارها ؟
عن كيفية بدء الصداقات يقول دون جابور : إن الألفة في التعامل مع الأشخاص الذين تراهم باستمرار من شأنها أن تسهل من عملية تكوين الصداقة لذا يمكنك أن تبدأ التعرف عليهم من خلال :
1- الابتسامة 2- إلقاء التحية 3- تقديم نفسك بقولك مثلاً: بالمناسبة اسمي ... ما اسمك ؟
4- فتح حوار مع هذا الشخص مبديًا له الرغبة في التعرف عليه أكثر ولا تتعمق في الحديث عن نفسك واجعل المحادثة تأخذ شكل غير رسمي وإنما متفتحًا وودودًا واجعلها قصيرة .
5- طرح الأسئلة التي تدل على الرغبة في التعرف وتدل أيضًا على مدى اهتمامك بهذا الشخص وتعطي الشخص الآخر الفرصة لإظهار اهتمامه بك وكن مستمعًا جيدًا فمن تلك الأسئلة :
منذ متى وأنت تعمل هنا ؟ هل تقطن في الجوار منذ فترة طويلة ؟ أين كنت تسكن من قبل ؟ كيف بدأت في ممارسة عملك ؟ ما وسائل الترفيه التي تلجأ إليها هنا ؟

6- اكتشاف الموضوعات المثيرة للاهتمام لدى الشخص الآخر فإن ذلك يزيد قدرتك على معرفة إذا كان هناك اهتمام مشترك بينكما أم لا فمثلاً : إذا رأيته يحمل أي شيء ولو كان أدوات رسم فقل له: رأيتك البارحة تحمل أدوات رسم هل أنت رسام ؟
7- حاول أن تجعل الشخص الآخر يشعر بأهميته من خلال إبداء إعجابك به و تذكرك لاسمه وبعض التفاصيل عن حياته كما أن انتباهك للشخص في أثناء الحديث يعمل على تشجيعه على الحديث والإفصاح عن الكثير من المعلومات عن حياته ويعني ذلك أنك بدأت تحظى بثقته وأن يشعر بالراحة في الحديث معك لكن تجنب التدخل في حياة الشخص بشكل كبير خاصة عندما تكون قد تعرفت عليه منذ فترة قصيرة .
8- تحديد موعد ومكان اللقاء وفي ذلك إظهار لمدى إعجابك بالشخص ورغبتك في قضاء بعض الوقت معه قائلا له : أيناسبك الخروج اليوم صباحا أم مساءًا ؟
أو ما رأيك في الليلة ؟ أو متى يكون الوقت مناسبًا لك ؟
9- التخطيط لأداء بعض الأنشطة المشتركة والتي تفضلها أنت والشخص الآخر كالذهاب لركوب الدراجات أو تناول الطعام ... ويمكنك أن تقدم هذه الدعوة على النحو التالي: هل لديك الوقت لتناول العشاء بالخارج الليلة ؟ أرغب في التمشية لبعض الوقت فهل ترغب في الذهاب معي ؟ اليوم هو يوم تدريبي هل تريد أن نلعب التنس معا ؟
10- تأكيد الدعوة من خلال الاتصال بصديقك وللتأكيد على موعد اللقاء ومن ثم ابدأ الحديث معه بإلقاء التحية عليه والاطمئنان على أحواله فمن الخطوات التي تساعدك على عمل محادثة تليفونية موفقة :
أ- اجلس بطريقة مريحة عندما يرد الشخص الآخر على التليفون قل: أهلاً .. أنا .. هل لديك بضع دقائق للتحدث ؟ اسأله عن أحواله الشخصية وعن تفاصيل بعض الجوانب الخاصة من حياته على سبيل المثال سؤاله عن عمله هل كل شيء في العمل يسير على ما يرام ؟ أو سؤاله عن المقابلة الشخصية التي تعرف أنه أجراها للحصول على وظيفة مثل ما هي نتيجة المقابلة الشخصية التي أجريتها ؟
ب- ثم بعد ذلك أخبره بالسبب من وراء المكالمة مثل أردت فقط التأكيد على موعد لقائنا أو اتصلت فقط لإلقاء التحية .
ج- قم بإنهاء المكالمة بطريقة ودودة من خلال قول: كان من دواعي سروري التحدث إليك أو سأحدثك قريبًا مرة أخرى أو أتطلع لرؤيتك قريبًا.
11- المداومة على الاتصال بالأشخاص المحببين فذلك يعمل على دعم أواصر الصداقة بينكم وبمرور الوقت يمكن لك أو لصديقك أن تتصلا ببعضكما البعض في أي وقت عندما يشعر أي منكما بالرغبة في مرافقة شخص ما أو تلقي العون أو النصيحة .
ومما يعزز من مشاعر الصداقة لدى هذا الشخص تجاهك قبول دعوته للمشاركة في أداء بعض الأنشطة وإبداء سعادتك بذلك وهذا يشجعه على إطلاعك على تجاربه وأنشطته المفضلة وإن كان هذا لا يعني ضرورة قيامك بأداء الأشياء التي لا ترغب في القيام بها ولكن عليك الحذر من الدلالة السلبية لما يوحي إليه قولك: " لا أرغب في القيام بذلك حيث تدل على التهرب والاعتذار عن عدم قبول الدعوة.
12- الصداقة لا تنمو سريعًا وإنما هي مثل النبات ينمو ببطء وكلما زادت نسبة التجارب والخبرات التي عايشتها أنت وصديقك معًا أدى ذلك إلى تطور علاقة الصداقة بينكما ويمكن التعبير عنها بهذه الطرق"لا أدري ماذا كنت سأفعل بدونك ! أشكرك على كل المساعدة التي قدمتها لي خلال الشهرين الماضيين لقد كانت الشهور التي قضيناها معًا حقا ممتعة " ([38])
* طريقة تكوين الصداقة عند علماء الإسلام
عند الماوردي ينبغي أن يحرص الإنسان على حسن اختيار صديقه والتأني في ذلك حتى ولو لم يصادق إلا واحدا وهو هنا ينقل عن بعض البلغاء قولهم: ليكن غرضك في اتخاذ الإخوان واصطناع النصحاء تكثير العُدة لا تكثير العِدة وتحصيل النفع لا تحصيل الجمع فواحد يحصل به المراد خير من ألف تُكثِّر الأعداد "
ثم هو يطلعنا على أقسام الناس وما تتصف به طبائعهم ليتسنى لنا بسهولة التمييز بينهم فيكون اختيار الصديق على أسس سليمة وليس كل من تعرفه يستحق أن يكون صديقا نفهم ذلك من قوله: "وإذا كان التجانس والتشاكل من قواعد الأخوة وأسباب المودة كان وفور العقل يقتضي من صاحبه قلة إخوانه لأنه يروم مثله : (وبالتالي) تنقسم أحوال من دخل في عداد الإخوان أربعة أقسام :
1- منهم من يعين ويستعين كالمقرض يسعف عند الحاجة ويسترد عند الاستغناء وهو مشكور في معونته فهذا أعدل الإخوان.
2- وأما من لا يعين ولا يستعين فهو متروك قد منع خيره وقمع شره وهو باللوم أجدر كما قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : التارك للإخوان متروك غير أن فساد الوقت وتغير أهله يوجب شكر من كان شره مقطوعًا وإن كان خيره ممنوعًا وكما قاله المتنبي :
إنا لفي زمن ترك القبيح به مـن أكثر الناس إحسان وإجمال

3- وأما من يستعين ولا يعين فهو لئيم كَلٌ ومهين مستذل قد قطع عنه الرغبة وبسط فيه الرهبة فلا خيره يُرجى ولا شره يؤمن .. فليس لمثله في الإخاء حظ ولا في الوداد نصيب وهو ممن جعله المأمون من داء الإخوان لا من دوائهم ومن سمهم لا من غذائهم وقال بعض الحكماء: شر ما في الكريم أن يمنعك خيره وخير ما في اللئيم أن يكف عنك شره .
4- أما من يعين ولا يستعين فهو كريم الطبع مشكور الصنع فلا يُرى ثقيلا في نائبة ولا يقعد عن نهضة في معونة فهذا أشرف الإخوان نفسا فينبغي لمن أوجد له الزمان مثله أن يعض عليه بناجزه ويكون به أشد ضنا منه بنفائس أمواله وكما قال الفرزدق:
يمض أخوك فلا تلقى له خلفا والمال بعد ذهاب المال مكتسب
ثم ينبغي أن لا يزهد فيه لخُلق أو خُلقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه وكما قال الكندي: كيف تريد من صديقك خُلقا واحدا مع أن نفس الإنسان التي هي أخص النفوس به لا تعطيه قيادها في كل ما يريد ولا تجيبه إلى طاعته في كل ما يحب فكيف بنفس غيره ؟ وقد قال أبو الدرداء: معاتبة الأخ خير من فقده ومن لك بأخيك كله ، وقال الشاعر :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نُبلاً أن تُعد معايبه ؟ ([39])
ولقد أبان الشاعر العربي عن المراحل التي تأخذها الصداقة بقوله :
إن الصداقـة أولاها السلام ومـن بعد السلام طعام ثـم ترحيب
وبـعـد ذاك كـلام في مـلاطفة وضحك ثغر وإحسان وتقريب
وأصـل ذلـك إن تبغي شـمائلها بـيـن الأحبة تـأييد وتأديب
لـم تنس غيبًا ولم تملل إذا حضروا قـد زان ذلك تهذيب وترتيب
إن الـكرام إذا مـا صادقوا صدقوا لم يثنهم عنه ترغيب وترهيب ([40])
وإننا نجد عند الماوردي المراحل التي تأخذها الصداقة الحقة وهي :
1- التجانس ويعني التشاكل والاتفاق بين الإنسان وصاحبه وهو أصل الإخاء والائتلاف ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " والاتفاق والتجانس دعائمه العقل و حسن الخلق والدين وأن يكون كل منهما راغب في صحبة الآخر .
2- المواصلة والتي هي نتيجة التجانس والاتفاق .
3- الانبساط (وهو رفع التكلف) والمؤانسة .
4- المصافاة والتي تحدث عن المؤانسة وسببها خلوص النية .
5- المودة وسببها الثقة فإن اقترن بها المعاضدة أي التعاون والتلاحم في السراء والضراء فهي الصداقة
6- ثم يحدث عن المودة المحبة وسببها الاستحسان فإن كان لفضائل النفس سُمي إعظاما وإن كان للصورة سُمي عشقا وهذه آخر رتب الإخاء لأنها تعني مخالطة الأرواح وإن تفرقت الأجساد وكما يقول الكندي: الصديق هو أنت إلا أنه غيرك، ويُروى أن طلحة بن عبيد الله أقطعه أبو بكر الصديق
أرضًا وأشهد أناسا منهم عمر بن الخطاب فأتى طلحة بكتابه إلى عمر ليختمه فامتنع عليه فرجع طلحة مغضبا إلى أبي بكر وقال: والله ما أدري أنت الخليفة أم عمر ؟ فقال بل عمر لكنه أنا " ([41])
* أهمية اختبار الصديق قبل مؤاخاته ووسائله ؟
فالصديق الصدوق المخلص هو نتيجة طبيعية لمواقفه الإيجابية معك في وقت الشدة حيث تمخض عنها الكشف عن معدنه الطيب ومدى حرصه على دوام صداقتك وحبه لك ونستطيع قبل أن نقدم على المؤاخاة مع إنسان ما أن نختبره بوسائل أشار إليها حكماؤنا على اختلاف توجهاتهم وأكدوا على ضرورتها حتى مهما اشتدت دواعي الحاجة للصداقة من شعور بوحدة أو أزمة .... الخ فإنه يجب أن يسبقها اختبار الصديق ولكن هذا الاختبار لا يكون لمن أجمع الكل على فساده وإلا ستكون عواقب ذلك وخيمة يوضحها قول أبي بكر المرادي: " صحبة الصاحب السوء للاختبار كشرب السم للتجربة " ([42]) أما الصاحب العادي فلا بأس وفي ذلك يقول مؤكدًا : " امتحن الأصحاب بالاختبار قبل الصحبة وإياك والطمأنينة قبل الخبرة " ([43])
كما أن أبا حيان التوحيدي يؤكد على أهمية التدقيق في اختبار الصديق فيروي قصة يحيي ابن زياد الحارثي الذي أرسل إلى عبد الله بن المقفع يطلب صداقته فيرد عليه ابن المقفع بما معناه أن الصداقة رق وعبودية وأنه يكره أن يسلم نفسه لشخص قبل أن يتأكد من حسن خصاله " ([44])
كما أكد أيضًا الماوردي على أهمية اختبار الصديق قبل مؤاخاته وإطلاعه على أسرارك فالإنسان
أفضل له أن يبقى بلا أصدقاء عن أن يغتر في إنسان ويتخذه صديقًا له ثم ينخدع فيه بعد ذلك وهذا قد أشار إليه الكثير من الأدباء والحكماء والبلغاء فمن أقوالهم في ذلك: " من لم يقدِّم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس أثمرت مودته ندمًا " " مصارمة قبل اختيار أفضل من مؤاخاته على اغترار " " لا تثق بالصديق قبل الخبرة، ولا تقع بالعدو قبل القدرة" ، وقال بعض الشعراء :
لا تحمدن امرءًا حتى تجربـه ولا تذمنّه مـن غير تجريب
فحمدك المرء ما لم تبله خطأ وذمه بعد حمد شر تكذيب ([45])
" وكان سفيان الثوري يتمثل بهذه الآبيات :
ابل الرجال* إذا أردت إخائهم وتـوسمن أمـورهم وتـفقد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتقى فيه اليدين قـرير عين فاشدد

أما الوسائل التي نستعين بها في اختبار الصديق " قبل توطيد العلاقة معه فهي:
1- النظر إلى صاحبه
وهو الذي يصاحبه في كل أحواله ماشيا كان أو جالسًا فإذا كان حسنا فيُستدل بذلك على حسن من تريد مودته وصداقته ولقد أشار إلى ذلك أبو قلابة فيما رواه عن أبي الدرداء قوله: "إن من فقه المرء ممشاه ومدخله ومجلسه" ثم قال أبو قلابة: قاتل الله الشاعر: لا تسأل عن المرء وانظر قرينه " ([46])
" وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما من شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب " وقال بعض الحكماء : اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال بعض الأدباء : يُظن بالمرء ما يُظن بقرينه" وقال عدي بن زيد :
عـن المرء لا تسأل وسل عـن قرينه فكل قـريـن بـالـمقارن يقتدي
إذا كنت في قـوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردي فتردى مع الردي
والإنسان أفضل له أن يبقى بلا أصدقاء عن أن يؤاخي صديقا قبل اختباره ثم ينخدع به ويندم لأنه لم يكن أهلاً لصداقته وهذا لا يخلو من مساوئ ومآسٍ قد يتعرض لها الإنسان من قِبل هذا الصديق الذي كشف له عن أسراره ولهذا قال بعض البلغاء : "مصارمة قبل اختبار أفضل من مؤاخاة على اغترار" وقال بعض الأدباء : "لا تثق بالصديق قبل الخبرة".
وعن عدم الاغترار بالأقوال دون الأفعال في الحكم على الصديق ورفض الصديق الذي يحبك غنيا ويبغضك فقيرا يقول الشاعر:
كم مـن أخ لك لست تنكره مـا دمت مـن دنياك في يسر
متصنع لـك فـي مـودتـه يـلـقـاك بـالترحيب والبشر
يطري الـوفاء وذا الــوفاء ويلحي الغـدر مجتهدا وذا الغدر
فإذا عـدا والـدهر ذو غِيِّرٍ دهـر عليك عـدا مع الـدهر
فارفض بإجمال مـودة مـن يـقـلي المقلّ ويـعـشق المثري
وعليك مـن حـالاه واحدة في العسر إمـا كـنت والـيسر
لا تـخـلطنهم بـغـيرهم مـن يخلـط العقيان بـالصُقْر([47])
2- الدين
أي الذي يتقي الله في كل شئونه مطيعا لأوامره سبحانه منتهيا عما نهى الله عنه وسبق ذكر أن
الصحابة سألوا الرسول أن يدلهم عن الوسيلة التي يعرفون بها خيارهم ويتخذونهم أصحابا وجلساء فقال صلى الله عليه وسلم : " الذين إذا رؤوا ذُكر الله " وقال لقمان لابنه : "أي بني واصل أقرباءك وأكرم إخوانك وليكن أخدانك من إذا فارقتهم و فارقوك لم تُعب بهم "([48])
3- يعرف الصديق الحق وقت الشدة
وقد سبق بيان مدى أهمية هذا العامل في الكشف عن أن هذا الشخص يستحق دوام الصداقة أم انقطاعها أو على الأقل عدم توطيد العلاقة معه أو تحجيمها في بدايتها وإلى هذا أشار أبو حيان التوحيدي في كتابه "الصداقة والصديق" والذي تعرض فيه لبعض طرق اختيار الصديق "فيذكر أن الأصدقاء يعرفون في الشدائد وذلك لأن كل الناس أصدقاء للشخص وقت الرخاء ويذكر أيضا أن الصديق هو " الذي إذا صرت إليه في حاجة وجدته أشد مسارعة إلى قضائها متى طلبتها منه "([49])
4- يُختبر الصديق من خلال قوله وفعله
وذلك لأن ما يجيش به الصدر من محبة أو كره ينعكس بشكل أو بآخر على لسان الإنسان وهذا ما أكد عليه الإمام علي رضي الله عنه بقوله:"ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه "([50])
وكما يقول الشاعر:
لا تسأل المرء عن خلائقه في وجهه شاهد من الخبر([51])
ولكن ينبغي الحذر من بعض الناس الذين يمتلكون مهارة حسن الحديث دون أن يكون لذلك ترجمة عملية في أفعالهم والعكس وهذا ما أشار إليه أبوحيان التوحيدي في مجال التمييز بين الأصدقاء حيث يذكر أن من الأصدقاء من لا يحسنون التعبير عن حبهم لأصدقائهم ولكنهم يحسنون العمل وفي المقابل هناك أصدقاء يحسنون التعبير بألسنتهم ويبالغون في المجاملة ولكنهم يبخلون ويحجمون عن العطاء إذا سُئلوا وهنا ينقل لنا خبرة أحد المخضرمين مع أصدقائه فيقول: "أدركت أقواما كان الرجل منهم لا يلقى أخاه شهرا أو شهرين فإذا لقيه لم يزده على: كيف أنت وكيف الحال ولو سأله شطر ماله لأعطاه ثم أدركت أقواما لو كان أحدهم لا يلقى أخاه يوما سأله عن الدجاجة في البيت ولو سأله حبة من ماله لمنعه "وهنا يورد قولا طريفا يصف الصداقة التي تخلو من معناها الحقيقي بأنها "أخوة هذا الزمان مثل مرقة الطباخ من السوق طيبة الريح لا طعم لها " فالصديق هو من كان صادقا غير كاذب إذا تحدث ويكون صَدِقا(أي صلبا جادا ) إذا عمل "([52])
وعن أن فعل المرء الحسن مع صاحبه هو معيار الصداقة الحقة يقول الشاعر :
لا تنظرن إلـى امـرئٍ مـا أصله وانظر إلى أفعاله ثــم احكم
يـريـك البشاشة عـنـد اللقـا ويبريك في السر بــري القلم([53])
" ولأجل ذلك قالت الحكماء : " اعرف الرجل من فعله لا من كلامه واعرف محبته من عينه لا من لسانه "([54])وقال البعض : " اصحب من ينسى معروفه عندك "([55]) وهذا فعل الكرام وأصحاب المروءة الذين يرون ذلك حقا عليهم لأصدقائهم أما اللئيم فإنه على العكس يمن عليك دائما بما قد يكون قد منحه لك في يوم ما وكما قيل : صحبة الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان لأن لكل واحد منهما راجع إلى ضد ما بدأ به " ([56])
5- عند الغضب أو المشاحنة أو الخصومة يُعرف الصديق الحق فالصديق الحق يُعرف في هذه الأحوال فإذا حافظ على حسن سيرتك عند الناس فينبغي التمسك بصداقته والتجاوز عن هفواته وفي هذا ذكر الماوردي أن جعفر ابن محمد قال لابنه : يا بني من غضب من إخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك سوءا فاتخذه لنفسك خِلا "([57])وقال رجل من إياد ليزيد بن المهلب :إذا لـم تجاوز عـن أخ عند زلة فلست غــدا عـن عثرتي متجاوزا
وكيف يـرجيك البـعيد لنفعه إذا كان عـن مــولاك خيرك عاجز
ظلمت أخـا كـلفته فوق وسعه وهـل كـانت الأخلاق إل ا غرائز؟
أما الإنسان الملول وهو السريع التغير الوشيك التنكر فوداده خطر وإخاؤه غرر لأنه لا يبقى على حاله فمنه الذي: " لا يراجع إخاءً ولا ودا ولا يتذكر حفاظا ولا عهدا فهذا أذم الرجلين ويحسن متاركته قبل التورط معه والنوع الآخر من الملول الذي يكون ملله استراحة فيعود إلى المعهود من إخائه فهذا أسلم الرجلين حيث يُسامح في وقت استراحته ليرجع إلى الحسنى "([58])
6- سؤاله قضاء أمر لك أو طلبك مال منه
فإن اللئيم لن يعطي والكريم لن يتوانى عن العمل على إقالتك من عثراتك وإعطائك ما تريد .
وهكذا فإن ما سبق يمثل وسائل أو طرائق قد يختبر بها الإنسان من يريد صداقته قبل أن يوطد علاقته به فإذا حسن اختيارنا وصار هذا الشخص أهلا لصداقتك له فإن عليك أن تتعامل معه بالآداب الإسلامية الآتية:
* أدب التعامل مع الأصدقاء وكسب محبتهم
1- الزيارة لهم فضلها وآدابها
- قلة الزيارة وأن تكون خالصة لله
عن فضل زيارة الإخوان أو الأصدقاء والتي تكون خالية من أي غرض دنيوي روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المسلم إذا عاد أخاه أو زاره في الله يقول الله عز وجل : طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا"([59])
وقد سبق ذكر آداب الزيارة والنهي عن كثرتها وإنما على فترات متقطعة حتى لا يمل الصديق كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " زر غبا تزدد حبا"([60])فالغباب والبعد يؤدي إلى حسن اللقاء وجودة العلاقات وفي هذا أُنشد :
وقـد قـال النبي وكان برا إذا زرت الصديق فـزره غبا
فأقلل زور مـن تهواه تزدد إلـى مـن زرتـه ودا وحبا
2- حسن الاستقبال سواء عند قدومهم أو انصرافهم
السير إليه عند حضوره ومساعدته في وسيلة سفره التي أتى بها ومما روي في ذلك:"عن غسان ابن الفضل قال: كنت أرى بشر بن منصور إذا زاره الرجل من إخوانه قام معه حتى يأخذ بركابه قال:وفعل ذاك بي كثيرا "([61])
بالإضافة إلى ضرورة المصافحة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يلقى أخاه فيصافح أحدهما صاحبه إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا "([62])

3- معانقة الأصدقاء
" وهو أمر مرغوب فيه فسئل النبي r عن معانقة الرجل للرجل إذا هو لقيه؟ فقال: كانت تحية الأمم وخالص ودهم وأول من عانق إبراهيم u" وكان أصحاب الرسول r إذا قدموا من سفر تعانقوا"([63])
4- بشاشة الرجل لصديقه وطلاقة وجهه إذا لقيه
" فمن الأمور المفضلة عند لقاء المرء لأخيه أن يكون بشوش الوجه وكان النبي r إذا لقي الرجل فرأى في وجهه البشر صافحه" وقال أبو جعفر أول المودة طلاقة الوجه و الثانية التودد و الثالثة قضاء حوائج الناس" فتعبيرات الوجه من الحزن أو الفرح من السرور أو الكآبة هي مظاهر تساعد على التخاطب و التفاعل و تعكس المشاعر بين الأفراد"([64])
5- سخاء النفس بالبذل للأصدقاء
الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة تحث على البذل بين الإخوان ( الأصدقاء) بشرط أن يكون ذلك لله سبحانه و تعالى ليس لأي غرض دنيوي أو انتظار للتعامل بالمثل قال رسول اللهr: إن الله عز وجل يقول: حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي" وفي رواية "حقت محبتي للمتباذلين في" " فمن حسن خلق المرء أن يكون كريمًا سخيًا على إخوانه بما هو متاح له من مال أو طعام أو ملبس وكان ابن عمر يقول : رأيتُنا وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم " وسئل الشعبي عن حسن الخلق؟ قال: البذلة والعطية و البشر الحسن وقال هلال راوي هذا الحديث " الشعبي كذلك ([65])
قال علي رضي الله عنه: أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلاّ ويد الله بيده يرفعه" وقال أيضا : " من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف و التنفيس عن المكروب " ([66])
وعن سلمى مولاة لأبي جعفر قالت: كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطيب ويكسوهم الثياب الحسن ويهب لهم الدراهم قالت: فأقول له: بعض ما تصنع فيقول: يا سلمى ما نؤمِّل في الدنيا بعد المعارف و الإخوان؟ ([67])

- وعن الحث على إطعام الطعام للإخوان الأتقياء و المؤمنين
عن أبي سعيد الخدري عن النبي r قال:" أطعموا طعامكم الأتقياء وأولو معروفكم المؤمنين" ([68]) وعنه r قال: "أضف بطعامك من تحب في الله عز وجل " ([69]) وقال رسول الله r:" إن أسرع صدقة تصعد إلى السماء أن يصنع الرجل طعامًا طيبًا ثم يدعوا إليه ناسًا من إخوانه" ([70])
- وفي تعهد الإخوان بالكسوة و الملبس
رؤيَّ عَلَى علي بن أبي طالب t ثوب كأنه يكثر لبسه فقيل له فيه: فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب..."
وعن عبد الله بن جعفر t أنه كان في سفر فمر بفتيان يوقدون تحت قدر لهم فقام إليه أحدهم فقال:
أقول لـه حين ألفيته عـليك السلام أبا جعفر
فوقف عبد الله وقال: وعليك السلام ورحمة الله بركاته فقال الفتى:
فهذي ثيابي قد أخلقت وقـد عضني زمـن منكر
فقال عبد الله : فهذه ثيابي مكانها ونعينك على زمنك المنكر قال: وعليه جبة خز ومطرف خز وعمامة خزِّ فأعطاه ذلك فقال الفتى :
وأنـت كريم بني هاشم وفي البيت منها الذي نذكر
قال: يا ابن أخي ذاك رسول اللهr ومضى ([71])
ونستخلص مما سبق أن مقومات الصداقة هي:كرم العهد، بذل المال، الوفاء و رعاية الغيب، وكظم الغيظ و تجنب الخلاف وتقديم المعونة وطلاقة الوجه ولطف اللسان والاستئناس والصبر على الضراء والمشاركة في البأساء والمودة" والمودة يعرِّفها على بن عبيدة الريحاني بقوله:" المودة تعاطف القلوب وائتلاف الأرواح.....ووحشة الأشخاص عند تباين اللقاء و ظاهر السرور بكثرة التزاور..."([72])
وما سبق يمثل آداب التعامل مع الأصدقاء عند زيارتهم لنا لمن يقدر عليها بقدر ما يستطيع إضافة إلى أنه لا يجب أن نتخلى عن هذه الآداب معهم في الأحوال العادية ويضاف إليها أيضا:

6- التعبير عن الحب للأصدقاء والتقدير والاحترام والود لهم،وكيف يمكن الحصول على محبتهم؟
يعد ذلك إحدى دعائم الصداقة القوية إضافة إلى بذل المال و الخدمات وكلها مدعمات قائمة في إطار النظريات الحديثة في مجال التدعيم الاجتماعي ([73])
والحث على إعلام الإنسان صديقه بحبه إياه وكيف أن ذلك يقوي و يؤكد على رابطة الأخوة بينهما روى ابن أبي الدنيا أن رسول الله r قال: " إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه" ([74])وفي رواية أخرى زيادة وهي " ليقل: إني أحبك في الله إني أودك في الله" ([75])
وقد جعل ابن أبي الدنيا بابًا أسماه "ذكر المتحابين في الله عز وجل وفضل منزلتهم عند الله عز وجل" وفيه روايات كُثر تحث على الحب في الله دونما غرض أو مصلحة شخصية فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r:إن من عباد الله لعبادًا يغبطهم الأنبياء و الشهداء قيل:من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال ولا أنساب وجوههم نور وهم على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس:62
وعن أنس بن مالك قال: بينما رجل جالس عند النبي r إذ مر به رجل فقال: يا رسول الله إني لأحبه قال: أعلمه فإنه أثبت للمودة بينكما" ([76]) وفي رواية أخرى عن الرسول r : " أبد المودة لمن وادك تكن أثبت" ([77]) وكان عمر t يقول: " إن مما يصفي لك ود أخيك ثلاثًا : تبدؤه بالسلام إذا لقيته وتدعوه بأحب أسمائه إليه وتوسع له في المجلس " ([78])
بالإضافة إلى ما ذُكر في حديث عمر t عن مقومات المودة فإن الملاطفة و المؤانسة والبر هي أيضًا وسائل تيسر حدوث المودة وهذا ما أشار إليه ابن عربي حين وصف الصديق بقوله تحت عنوان: " وصية حكيم في وصف الحميم...كتب رجل إلى صديق له: إني وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة منبسطة وليس يزيل سلطان الحشمة إلاّ المؤانسة ولا تقع المؤانسة إلا بالبر و الملاطفة"ويذكر ابن عربي قصة حدثت له مع أصدقائه تكشف عن الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع الأصدقاء إذا كانوا حميمين من ارتفاع للتكلف مع المحافظة على الاحترام فيقول: " بتنا ليلة عند أبي الحسن بن أبي عمرو بن الطفيل بأشبيلية وكان كثيرًا ما يحتشمني و يلزم الأدب بحضوري و بات معنا أبو القاسم الخطيب وأبو بكر ابن سام و أبو الحكم بن السراج وكلهم قد منعهم احترام جانبي الانبساط ولزموا الأدب و السكون فأردت أن أعمل الحيلة في مباسطتهم فسألني صاحب المنزل أن يقف على شيء من كلامنا فوجدت طريقًا إلى ما كان في نفسي من مباسطتهم فقلت له عليك من تصانيفنا بكتاب سميناه ( الإرشاد في خرق الأدب المعتاد) ففهم عني وفهمت الجماعة ما قصدت فانبسطوا وزال عنهم ما كان بهم من الانقباض و الوحشة وبتنا بأنعم ليلة في مباسطة دينية " ([79])
وللإمام علي t أقوال حكيمة في المحبة ووسائلها وأثرها فمن ذلك قوله " ثلاث يوجبن المحبة الدين و التواضع و السخاء " ومن أقواله في الحث على السخاء وبذل المعروف:" المحسن حي و إن نقل إلى منازل الأموات" " بالسخاء تُستر العيوب" ([80]) وذكر ابن عربي أنه قيل لخالد بن صفوان أي الإخوان أحب إليك قال الذي يغفر زلتي ويسد خلتي ويقبل عثرتي" ([81])
ومما يبقي المودة ويساعد على استمرارها التجاوز عن زلات الأصدقاء الفضلاء أو الصالحين بعد أن اختبرنا صداقتهم وحكي عن بعض الأعراب أنه قال:" تناس مساوئ الإخوان يدم لك ودهم " ([82])
والصداقة بمفهومها الصحيح الذي سبق ذكره يجعلها تسمو على القرابة وهذا قد أكد عليه التوحيدي" واستشهد بإجابة ابن المقفع على سؤال وجه إليه وهو:الصديق أحب إليك أم القريب؟ فأجاب:القريب أيضًا يجب أن يكون صديقًا" ([83]) وفي هذا الصدد قال أبو تمام :
ذو الـود مني وذوالقربى بمنزلةٍ وإخـوتي أسـوة عـندي و إخواني
عصابـة جـاورت آدابهم أدبي فهم وإن فرقـوا في الأرض جـيراني
أرواحنا في مكان واحد وغدت أبـدانـنـا بشـآم أو خـراسـان ([84])
وعن الاعتراف للصديق بالحب و التقدير له ذكر التوحيدي قول أحد الأصدقاء لصديقه:" إذا كان إخوان الثقة كثير فأنت أولهم وإن كانوا قليلاً فأنت أوثقهم وإن كانوا واحد فأنت هو" وقال آخر: " إذا مات لي صديق سقط لي عضو" والصديق عند التوحيدي هو مرادف للحبيب و الذي بدونه يعيش الإنسان وحشة وآلام نفسية يوضح ذلك قوله: " إن الغريب من لم يكن له حبيب" فالصداقة المخلصة الحميمة بلا شك لها فوائد جمة لا غنى للإنسان عنها وقد ذكرها أبو حيان التوحيدي منها: الشعور بالارتياح النفسي بعد استحكام الثقة بالصديق واستبعاد الشعور بالوحدة كما أنها تمهد فرصًا للحصول على التأييد و المساعدة بكافة أشكالها المادية و المعنوية ([85]) وكما قيل: "ابذل للصديق الصالح نفسك ومالك ولمعارفك رفدك وصيانتك وللعامة بشرك وتحببك " ([86])
والحرص على رضا الصديق الصالح التقي المخلص هو مما يساعد على جلب محبته وفي هذا يقول أبو بكر المرادي: " لتكن الغاية التي تجري إليها مع صديقك الرضا والغاية التي تجري إليها مع عدوك العدل فقد قالت الحكماء : إن العدو خصم يحاكمك إلى العدل و إن الصديق ليس بينك وبينه قاض سوى حكمه فبرضاه يزداد في محبتك ولا تطلب رضا الكافة فإنها غاية لا تدرك ومرام لا يُبلغ وكيف يصح لك بلوغ أهوائهم وهي على غاية الاختلاف ونهاية التباين والشتات فالتمس رضا أهل الفضل ولا حاجة بك إلى رضا من رضاه الجور ومراده الظلم" ([87])
ولا شك أن المحبة بين الأصدقاء و الثقة تؤديان إلى الطمأنينة و التي قيل عنها في الحكمة:" إن الطمأنينة بذلة المتحابين و الأنس سريرة العقل وليس لك بعدهما تحفة تمنحها صاحبك" ([88])
3- التعامل مع الصديق عند حدوث مشكلة وآدابه
وهي آداب ينبغي التعامل بها في كل الأوقات إلاّ أنها أوكد في حالة الخصومات و المشاكل لأن الإنسان قد ينساق لعاطفته المشحونة بالغضب فيتخلى عن هذه الآداب وأهمها في هذه الحالة:
- الرفق وأثره البالغ عند حدوث الخطأ
يوضحه قول الشاعر: وعظ أخاك برفق عند زلته فالرفق يعطف من يعتاده الذل ([89])
والرفق محمود في كل الأوقات قال r: " ما اصطحب اثنان قط إلا وكان أحبهما إلى الله تعالى أرفقهما بصاحبه "
- التماس الأعذار له بالحلم و العفو عنه
كان عمر t يقول: " أعقل الناس أعذرهم للناس" ([90]) ومن صفة الإنسان العاقل ألا يقف عند كل خطأ أو زلة تقع من صديقه وكما قيل:" الأريب العاقل هو الفطن المتغافل"وقال بعض الحكماء :
"وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلاّ بالتغافل " أما عن الأثر السيئ لمن لم يلتمس الأعذار ويتسامح
عما بدر من صديقه له يوضحه الماوردي بقوله: " من لم يحتمل بقي فردًا وانقلب الصديق فصار عدوًا وعداوة من كان صديقًا أعظم من عداوة من لم يزل عدوًا ولذا قال النبي r "أوصاني ربي بسبع: الإخلاص في السر والعلانية و أن أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني و أصل من قطعني و أن يكون صمتي فكرًا ونطقي ذكرًا ونظري عبرة" وقال لقمان لابنه: يا بني لا تترك صديقك الأول فلا يطمئن إليك الثاني يا بني اتخذ ألف الصديق والألف قليل ولا تتخذ عدوًا واحدًا و الواحد كثير"
وأنشد الشاعر داعيًا إلى الصفح والذي بدونه تنقطع أواصر الصداقة أو تنقلب عداوة:
إذا أنت لم تستقبل الأمـر لم تجد بـكـفيك في إدباره متعلقًا
إذا أنت لـم تترك أخـاك وزلة إذا زلها أوشكتما أن تغرقـا ([91])
وقال الحسن بن وهب : من حقوق المودة أخذ عفو الإخوان والإغضاء عن تقصير إن كان وقد روي عن علي t في قوله تعالى:{ َاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }الحجر:85 قال: الرضا بغير عتاب"وابن الرومي يدعو الإنسان إلى النظر إلى نفسه فإنه لا يخلو من عيب و بالتالي وجب عليه عدم التسرع في انقطاع علاقته بصديقه فيقول:
هـم الناس و الدنيا ولابد من قذي يـلـمُّ بعين أو يكـدِّرُ مشربًا
ومـن قلة الإنصاف أنك تبتغي الـ مهذب في الدنيا ولست المهذبا
وأنشد الأزدي داعيًا إلى عدم الإحباط أو اليأس عند حدوث زلة لصديق فكم من كرام الناس وأعاظمهم كانت لهم أخطاء وزلات و لكنها لم تنل من فضلهم ومكانتهم حين عالجوها ونبهوا إليها:
لا يؤيسنك من صديق نبوة ينبوا الفتى وهـو الجواد الخضرِمُ
فـإذا نـبـا فاستبقه وتأنه حتى تـفيء بـه وطبعك أكرم ([92])
والشافعي يثني على الصديق الذي يحلم علي صديقه متغافلاً ومتسامحًا عند خطأه ويوافقه ويحسن صحبته حيا ومماتاً و يعترف أنهم قليل فيقول:
أحب مـن الإخوان كـل مواتي وكـل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كـل أمـر أريـده ويحفظني حـيـًا وبـعـد وفـاتي
فمـن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته فـقـاسمته مـالـي من الحسنات؟
تصفحت إخواني وكـان أقلهم عـلى كـثـرة الإخوان أهل ثقاتي ([93])
* الوسائل المعينة على التسامح والتماس الأعذار:
والعفو والتسامح يقتضيان الكشف والمصارحة لتزول الضغائن من النفوس ولا يبقى لها أثر حتى و إن كانت المثالب واضحة جلية لكنها لا تضر في دين أو دنيا فلتُحمل على وجهها الحسن أو تتجاهلها بل ويلتمس الإنسان العذر ويستر عيب صديقه ومما يؤكد على هذه المعاني القصة الطريفة فقد "حُكيّ عن بنت عبد الله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف وكان أجود قريش في زمانه: ما رأيت قومًا ألأم من إخوانك قال: مه ولمَ ذلك ؟ قالت:أراهم إذا أيسرت لزموك وإذا أعسرت تركوك قال:هذا والله من كرمهم يأتوننا في حالة القوة بنا عليهم ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم" ويعلق الماوردي على تلك القصة بقوله: فانظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فعلهم حسنًا وظاهر غدرهم وفاءً وهذا محض الكرم ولباب الفضل وبمثل هذا يلزم ذووا الفضل أن يتأولوا الهفوات من إخوانهم وقد قال بعض الشعراء:
إذا مـا بدت من صاحب لك زلـة فـكن أنت محتالاً لزلته عذرًا
أحب الفتى ينفي الفـواحش سمعـه كـأن به عن كل فاحشة وَقْرا
سليم دواعي الصدر لا بـاسط أذى ولا مانع خيرًا و لا قائل هُجْرًا ([94])
وشكا رجل من أخيه في مجلس الرضي فأنشده الرضي أبياتا تحمل آداب التعامل قائلاً:
اعـذر أخـاك عـلى ذنوبه و استر وغضَّ عـلـى عيوبه
واصبر عـلـى بهت السفيه ولـلـزمـان عـلى خطوبه
و دع الـجـواب تـفضلاً وكِـل الظلوم إلـى حسيبه
واعـلم بـأن الحـلـم عند الغيظ أحسن مـن ركـوبه ([95])
وكشف ستر الإنسان وما خفي من أموره قد شدد في النهي عنه الغزالي أيضا واصفا من يقوم بذلك بأنه إما أنه يقع في الحرام أو أنه لئيم بل إن الغزالي يبيح للإنسان الكذب في حالة إذا ضُغط عليه لكشف سر صديقه أو من ائتمنه أي في كل الأحوال ليس للإنسان عذر في كشفه فيقول:" وهو مذموم لما فيه من الإيذاء و التهاون في حق المعارف و الأصدقاء ويقول الغزالي: وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار و قد عدّ من حقوق الأخ على أخيه في كتاب الصحبة: أن يسكن عن إفشاء سره الذي استودعه وله أن ينكره وإن كان كاذبًا فليس الصدق واجبًا في كل مقام فإنه كما يجوز للرجل أن يخفي عيوب نفسه و أسراره و إن احتاج إلى الكذب فله أن يفعل ذلك في حق أخيه فإن أخاه نازل منزلته وهما كشخص واحد لا يختلفان إلاّ بالبدن " ([96])
وفي هذا يقول دون جابور: " إن الاعتقاد في صدق و إخلاص شخص ما يمكن أن يستغرق وقتًا لترسيخه بينما خيانة الثقة يمكنها أن تدمر علاقة الصداقة في فترة قصيرة جدًا لذا عندما يضع شخص ما ثقته بك و يأتمنك على أسراره يتعين عليك ألا تخيِّب ظنه من خلال خيانة هذه الثقة" ([97])
4- إقلال حوائجك له ( أي لا تسأله إلا في الضرورة القصوى ) وعن هذا يقول صاحب كتاب
"إرشاد العباد" : امتلك حوائجك إلى الناس فإن كثير الحاجات مملول عند القريب و البعيد.
لا تسألن إلـى صديـق حـاجة فـيحول عنك كما الزمان يَحُول
واستغـن بـالشيء القليل فـإنه مـا صان عرضك لا يقال قـليل
من عفَّ خفّ على الصديق لقاؤه وأخـو الحـوائج وجـهه مملول
وأخـوك مـن وفرت ما في كفه ومتى عَـلـِقـْت بـه فأنت ثقيل ([98])
وفي هذا يقول الجيلاني عن آداب عشرة الأصحاب: " وينبغي إذا مسته محنة أو فاقة أن يستر حاله عن إخوانه ما أمكنه ...ولا يستعير من أحد شيئًا إن أمكنه وإن استعار أحد منه شيئًا لا يسترده ما أمكنه لأنه ما استعار منه إلاّ لحاجة ولا يليق بالنخوة استرداد المعار كما لا يحسن في الشرع استرجاع الهدية والهبة فإن لم يقدر على ذلك فليسرع إعارته ولا يمنعه من ذلك ولو كل يوم " ([99])
وهكذا يتضح لنا مدى الترفع عن حاجة الناس وسؤالهم وفي الوقت نفسه أن لا نمنع الآخرين شيئًا هو في حوزتنا ولا نطلب استرجاعه و إذا كنا في حاجة ماسة إليه فلا نمنعه عمن يحتاجه ولو استعاره كل يوم وهذا بلا شك خلق رفيع وجد في الواقع العملي عند السلف الصالح لهذه الأمة فقد" قيل لمحمد ابن المنكدر: ما بقى مما تستلذ ؟ قال:" الإفضال على الإخوان" ([100]) وما ذلك إلاّ اقتداءً بسنة النبيr فعن جابر بن عبد الله قال: ما سُئل النبيr شيئًا قط فقال: لا " ([101])
* آداب عامة للتعامل مع الصديق عند علماء الإسلام
وهي عبارة عن أساليب وتصرفات يدرب عليها الشخص حتى يتمكن من الدخول في علاقة صداقة
كما أنها مهارات لمواصلة الصداقة وتدعيمها ([102])
أشار إلى بعضها ابن طاهر ومنها حفظ سره في كل الأحوال عند الرضا أو الغضب معه كذلك الإيثار والمساعدة له والعفو عند زلته كما أن الغدر وغيره من الرذائل ليس لها مكان بين الأصدقاء وعن حسن العشرة بين الأصدقاء يقول:
أواصل مـن هويت على خلال أذود بـهـن لَيْآت الـمقـال
و أحـفـظ سره والغيب منه وأرعى عـهده في كـل حـال
وفـاء لا يحـول بـه انتكاث وود لا تـخـونـه الـليـالي
و أوثـره عـلـى عسر ويسر ويـنـفذ حكـمـه في سر مالى
وأغـفـر نـبـوة الإدلال منه إذا مـا لـم يـكن غـير الدلال
ومـا أنـا بالمـلول ولا بجاف ولا الـغدر المذمم مـن فعـالي ([103])
ولقد تناول الغزالي في كتابه "آداب الصحبة والمعاشرة للخلق" الكثير من حقوق الأخوة و الصحبة ومنها الحق في المال والإعانة بالنفس في قضاء الحاجات و السكوت عن عيوبه والنطق بالمحاسن والعفو عن الزلات و الهفوات و الدعاء له في حياته وبعد مماته ثم تناول أيضًا آداب العشرة و المجالسة ومنها أن تتوقر من غير كبر وتتواضع في غير مذلة وأن نلقى الصديق و العدو بوجه الرضا من غير ذل لهم ولا خوف منهم ([104])
واستشهد الغزالي بأحاديث الرسول r وقد قال r: " مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى" ودخل r أجمة فاجتنى منها سواكين أحدهما معوج و الآخر مستقيم وكان معه بعض أصحابه فأعطاه المستقيم و أمسك لنفسه المعوج فقال:يا رسول الله أنت أحق مني بالمستقيم فقال r: "ما من صاحب يصحب صاحبًا ولو ساعة من نهار إلا ويُسأل عن صحبته هل أقام فيها حق الله تعالى أو أضاعه" وقال r : " ما اصطحب اثنان قط إلا وكان أحبهما إلى الله تعالى أرفقهما بصاحبه"
ثم استكمل الغزالي هذه الحقوق و التي منها المساعدة وحسن التخلق معه قائلاً: وآداب الصحبة الإيثار بالمال فإن لم يكن هذا فبذل الفضل من المال عند الحاجة والإعانة بالنفس في الحاجات على سبيل المبادرة من غير إحواج إلى التماس وكتمان السر وستر العيوب و السكوت عن تبليغ ما يسوؤه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه"
وعن أدب الحديث مع الصديق يقول: وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المماراة فيه و أن يدعوه بأحب أسمائه إليه وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه وأن يشكره على صنيعه في وجهه وأن يذب عنه في غيبته إذا تُعرض لعرضه كما يذب عن نفسه و أن ينصحه باللطف والتعرض إذا احتاج إليه و أن يعفو عن زلته وهفوته فلا يعتب عليه و أن يصمت عن كلامه حتى يفرغ من كلامه ويترك المداخلة في كلامه"
وعن أدب التعامل معه في حالة غيابه يقول: " وأن يدعو له في خلوته في حياته وبعد مماته وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاربه بعد موته"
وعن أدب الزيارة و المجلس عند حضور الصديق يقول الغزالي : " وأن يبدأ بالسلام عند إقباله وأن يوسع له في المجلس وأن يخرج له من مكانه وأن يشيِّعه عند قيامه وأن يؤثر التخفيف عنه فلا يكلفه شيئًا من حاجاته ويروح قلبه من مهماته وأن يظهر الفرح بجميع ما يرتاح له من مساره والحزن على ما يناله من مكاره وأن يضمر في قلبه مثل ما يظهر فيكون صادقًا في ودِّه سرًا و علانية"([105])
* التعامل مع الصديق عند الفارابي
والفارابي يذكر الأسس التي ينبغي التعامل بها مع الأصدقاء المخلصين بعد أن قسمهم إلى صنفين فيقول: " الأصدقاء صنفان :
أحدهما: الأصفياء المخلصون في الصداقة فينبغي للمرء أن يديم ملاطفتهم ويتعهد أشياءهم وإهداء ما استحسنوه وما تيسر لهم إليهم في كل وقت ويخفي الحال فيما بينه وبينهم بذلك من غير أن يظهر منه ملال أو تقصير ويجتهد في الاستكثار منهم فإن الصديق زين المرء وعضده وعونه وناصره ومذيع فضائله وكاتم هفواته وماحي زلاته "
والصنف الآخر: وهم أصدقاء الظاهر وقد سبق ذكر طريقة التعامل معهم من المجاملة وكتم الأسرار عنهم والصبر عليهم وترك دوام المعاتبة لهم .
ثم يوضح الفارابي معيار الصداقة الحقيقية فيقول: " وليس شيء أدل على صدق الإخاء وإضمار الوفاء ووجوب الحق من تعهد أحوال الأصدقاء فإن المرء إذا رأى صديقه وهو يتعهد أحوال أصدقائه وأخلائه والمتصلين به يستدل بذلك على صدق محبته وثقة وداده ويقوى رجاؤه عنده وأفضل ما يستعمله المرء مع أصدقائه هو أن يتعهد أحوالهم عند الحاجة والفاقة ويواسيهم بما يمكنه من غير أن يحوجهم إلى المسألة ويتفقد أقاربهم و عيالاتهم إذا ماتوا فإنه متى شَهَر بذلك رغب في صداقته كل
واحد و بذلك يكثر أصدقاؤه" ([106])
وفي هذا الصدد أيضًا ذكر أبو حيان التوحيدي أن من حق الصديق على صديقه القيام بأعبائه في غيابه وحفظه ومعاونته عند حضوره وملاطفته إذا جفي و مكافأته إذا وفِّق في عمل و الحديث عنه الحديث الطيب مع الأصدقاء الآخرين ودفع الظلم عنه والابتهاج لرؤيته والحفاظ على سره إضافة إلى المشاركة الوجدانية و السؤال عن الصديق وتقديم المساعدة له وإظهار الاهتمام به كما يوصي بطاعة الصديق ومعاملته باللين و الثقة وعدم تصديق ما يقال عنه وإلى معاتبته إذا وقع خلاف معه بدلاً من قطع الصلة به نهائيًا ([107])
كما ذكر الماوردي أن من حقوق الأخوة التناصح والاعتدال في أمر الزيارة و العفو فيقول: " وإن من حق الإخاء بذل المجهود في النصح و التناهي في رعاية ما بينهما من الحق فليس في ذلك إفراط و إن تناهى ولا مجاوزة حد وإن كثر وأوفى"
أما عن الزيارة فيقول: " تقليل الزيارة داعية الهجران وكثرتها سبب الملال وهكذا يقصد التوسط في زيارته غير مقلل و لا مكثر" وسبق ذكر موقفه من العفو و التسامح مع الصديق المخلص الكريم وعندما تحدث مشاحنة فبدلا من مقاطعته يفضل معاتبته ([108])
* أسباب القطيعة بين الأصدقاء ( أو تغير الإخوان ) وطرق العلاج
1- كثرة العتاب
وكثرة العتاب من مسببات التنافر بين الصديق وصديقه وهي ليست من خلق المؤمن، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المؤمن لا يطالب ولا يعاتب ولا يضارب " ([109])
والعتاب إذا كان معناه القطيعة، والهجر، والخصومة، حتى وإن أذنب صاحبك فهذا مكروه ومنهي عنه كما ذكر القيرواني عن أبي عبيدة الريحاني قال: "ما أنصف من عاتب أخاه بالإعراض على ذنب كان منه أو هجره لخلاف بما يكره عنده" ثم هو يحث المرء على أن ينظر إلى نفسه وما يكون قد وقع فيه من خطأ في حق صديقه مثل هتك سره فإن لم يكن فعل ذلك فالعودة إلى المصالحة سهله وإن لم يفعل ذلك وأخذ في نشر مثالب صديقه فليعط صديقه حقه من نفسه ويحاسبها على ما ارتكبته في حقه من تقصير وسوء أدب وإن كان لا يعتد في سالف أيام العشرة إلاّ بالرضا عنه و مشاكلته فيما يؤنسه منه فإن كان العاتب شكر جميع ما يستره من أخيه أولاً فلقد تثمر الموافقة حظ الاغتفار وإن لم يكن وفّى له بكل ما استحق منه فليقبض ما وجب له مما لأخيه بقدر دينه الحادث ثم العودة إلى الألفة أولى من تشتت الشمل و أكرم في الأحدوثة عند الناس" ([110])
ويعبر عن هذا المعنى بوضوح داعيًا إلى الاشتغال بعيوب النفس المحاسبي بقوله: كفى بالمرء عيبًا أن يتبين له من الناس ما يخفي عليه من نفسه أو يمقت الناس فيما يأتي مثله أو يؤذي جليسه أو يقول في الناس مالا يعنيه" ([111])
وكان مطرف بن الشخير وهو من الزهاد يقول: " المعاذر مفاجر و المعاتب مغاضب "وقد نلتمس النهي عن العتاب بطريق غير مباشر من خلال دعوة السلمي إلى الاشتغال بعيوب النفس و التماس الأعذار للناس يقول السلمي: " إذا لم يعمل الإنسان في مداواة عيوب نفسه أقل ما فيه أن يسكت عن عيوب الناس ويعذرهم فيها ويستر عليهم خزاياهم رجاء أن يصلح الله بذلك عيوبه فإن النبي r قال: من ستر على أخيه المسلم ستر الله عورته ومن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته" ([112]) وفي موضع آخر يقول السلمي: ومن عيوبها ( النفس ) استحسان ما ترتكبه من الأمور واستقباح أفعال من يرتكبها أو يخالفه ومداواتها اتهام النفس لأنها أمارة بالسوء وحسن الظن بالخلق لانبهام العواقب" ([113]) ويجب مراعاة أن هناك طبائع ترفض هذا العتاب.
والشاعر بشار يحث الإنسان على أن لا يكون حاد الطباع سريع الجفوة لصديقه إذا أذنب بل إن ذلك أمرًا طبيعيًا وعلى الإنسان أن يروض نفسه على ذلك وإلا فلن يصفو له أحد ويعيش وحيدًا فيقول: إذا كنت في كـل الأمـور معـاتبًا صديقك لم تـلق الـذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مرارًا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فعش واحـدًا أوصل أخـاك فـإنه مـقـارف ذنب مـرة و مجانبه ([114])
وتتعدد صور المواقف التي يضطر الإنسان فيها إلى المعاتبة والكثير من حكمائنا حبذوا ألا يكون ذلك وسيلة للقطيعة وأن يكون الإنسان حسن الظن بصديقه فيجب النهي عن معاتبة الصديق إذا كان مخلصًا على مجالسته عدوك لعله قد يعمل على تحسين صورتك عند عدوك أو يرفع ظلمه عنك فإن منعته بسلطانك فإنك حينئذ لا تمتلك مقومات سياسة الأصدقاء وفي هذا يقول أبو بكر المرادي الحضرمي: " لوم صديقك على مجالسة عدوك ليس من الإنصاف إن كان صديقًا مخلصًا كان غرضه حقدًا يحلله عنك أوعورة يسترها عليك أو عاقبة يطلع عليها لك"
"وإن لم يكن مخلصًا فما قدرتك على قطعه وما فضلك عليه فإن كنت ذا سلطان فمنعته بسلطانك فإنما أنت مانع لأعدائك لا سائس لأصدقائك و إذا أصابت الصديق مصيبة فقد أصابت صديقه معه لأنه بين أمرين: إما أن يكون مواسيًا مشاركًا فيحمل ثقل المصيبة ، وإما أن يكون خاذلاً فيحمل ثقل العار و الفضيحة فاحتل في دفع مصائب إخوانك كما تحتال في دفع مصائب نفسك" ([115])
وقد يكون من تحمل نفسك العداوة له هو صاحب صديقك فلا تلم صديقك على دوام مودته به وهذا أقل ما يمكن أن تتعامل به إذا لم تستطع دوام المودة لصاحبه وكما يقول الشيرازي:" ولطفك بصاحب صاحبك أحسن موقعًا عنده من لطفك به نفسه" ([116])
وعتاب الإنسان السريع التغير و التنكر لحال الوداد قبل حدوث ما يعكر صفوه قد لا يجدي وهذا أبان عنه ابن الرومي بقوله:
إذا أنت عـاتبت الملول فـإنـما تخط على صحف مـن الماء أحرفا
وهبه أرعوي بعد العتاب ألم تـكن مـودتـه طبعًا فصارت تكـلفًا ([117])
* كيف تنصح صديقك؟
1- اللطف واللين وكظم الغيظ ومعرفة دافعه لهذا الفعل والعفو عنه كل هذه آداب وضعها علماؤنا بديلاً عن القطيعة والعداوة فمن جملة ما ذكره الغزالي في آداب الصحبة : نصح الصديق باللطف و العفو عن زلاته أو هناته فيقول: " وأن ينصحه باللطف وأن يعفو عن زلته وهفوته فلا يعتب عليه"
وفي هذا الصدد يقول الشيرازي : " ولا تستفسد صديقًا لهفوة تصدر منه ولا تلم أحدًا على ما يكون في مثله العذر حتى تعلم ما اعتذاره ولا تعد لكل فارطة عتابًا وليكن عتابك تأديبًا لا تأنيبًا" ([118])
وعن السلوك القويم الذي تتعامل به مع الصديق أيا كان فهو المساعدة و الرضا و كظم الغيظ عند الغضب قال بعض الحكماء : الإخاء جوهرة رقيقة وهي مالم ترقها وتحرسها معرضة للآفات فَرُض الأبيَّ بالجُداء له حتى تصل إلى قربه و بالكظم حتى يعتذر إليك من ظلمك و الرضا حتى لا تستكثر من نفسك بالفضل ولا من أخيك بالتقصير ولمحمود الوراق:
لا بـرَّ أعظـم مـن مساعدة فاشكر أخاك على مساعدته
وإذا هـفـا فـأقـِلـْه هفوته حتى يـعـود إليك كعادته
فالصفح عـن زلل الصديق و إن أعياك خـير مـن معاندته ([119])
وابن حزم نراه يعطينا صورة لتجربته في هذا الشأن وكيف يكون سلوكه مع أصدقائه فيقول: "وأما أمر إخواني فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم لكني أمتعض امتعاضا رقيقًا لا أزيد فيه على أن أندم القائل منه بحضرتي وأجعله يتندم و يعتذر ويخجل ويتنصل .... وبأن أذكر فضل صديقي "المغتاب" فأبكته على اقتصاره على ذكر العيب دون الفضيلة وأن أقول له: إنه لا يرضى بذلك فيك فهو أولي بالكرم منك فلا ترضى لنفسك بهذا أو نحو هذا من القول" ([120])( وكانت الحكماء تقول : إن مما يجب للأخ على أخيه مودته بقلبه وتزيينه بلسانه ورفده بمال و تقويمه بأدبه وحسن الذب والمدافعة عنه في غيبته) ([121])
والعتاب حين يكون بأدب ولطف دون تجريح أو علو الصوت فلا بأس به بل يعد حقًا للصديق على صديقه لكي يصرف عيوبه ويحاول إصلاحها وفي هذا الصدد أنشد الشاعر ينصحنا بالطريقة المثلى للتعامل مع الصالحين والفاسدين و الأصدقاء و الأعداء:
وعظ أخـاك بـرفـق عند زلته فـالـرفق يعطف مـن يعتاده الزلل
وإن تكن بين قـوم لا خلاق لهم فـأمـر عـليهم بمعروف إذا جهلوا
فإن عصوك فراجعهم بـلا ضجر واصبر وصابر ولا يحزنك مـا فعلـوا
فـكـل شاة بـرجليها معلقـة عليك نفسك إن جـاروا و إن عدلوا ([122])
وينبغي لمن ينكر على إنسان أمراً ما ألا ينسى نفسه فيحذر هو أيضا من ارتكاب الأمر المشين ومما ورد في هذا الشأن في أرجوزة ابن مكانس: " أن تحذر وتحترز من أن تكون واعظًا ومذكرًا لأن آفته كثيرة إلاّ أن تعمل بما تقول أولاً ثم تعظ به الناس فتفكر فيما قيل لبعضهم: عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس و إلا فاستح من ربك إن ابتليت بهذا العمل "
وينبغي ألا تهتك سر صديقك عند غضبك منه بل والمحافظة على بقاء صورته طيبة أمام الناس ولا بأس في أن تعاتبه بلطف منفردا به عن الآخرين وكما قال الحسن: المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه ما لا يعجبه سدده وقوّمه وحاطه وحفظه في السر والعلانية إن لك من خليلك نصيبًا و إن لك نصيبًا من ذكر من أحببت فثقوا بالأصحاب والإخوان و المجِالس" ([123])
- من الصور العملية للعتاب بين الأصدقاء والتي نستطيع أن نستخلص منها أدب عتاب الأصدقاء ما ذُكر عن أبي يعقوب الخريمي يعاتب الوليد بن أبان صديقه موضحًا أنه لن يفرط في هذه الصداقة الطويلة التي دامت بينهما ومبديًا له مبرراته في الأشياء التي يلومه عليها فيقول :
أتعجب مني إن صبرت علـى الأذى وكـنـت امـرأً ذا إربــة متجملاً
فـإني بحمد الله لا رأي عـاجــز رأيـت ولا أخطأت لـلحـق معضلاً
ولـكـن تدبرت الأمور فـلم أجد سوى الحـلـم والإغضاء خيرًا وأفضلا
و أقسم لـولا سالـف الـود بيننا وعـهـد أبـت أركـانـه أن تزيّلا
وأيـامـك الغـر اللواتي تـقدمت وأولـيـتـنيها مـنـعـمًا متطـولاً
رحلـت قلوص الهجر ثـم افتقدتها إلى البعد مـا ألفيت في الأرض معملاً
و أكـرمت نفسي و الكرامة حظها ولـم تـرني لـولا الـهوى متذللا ([124])
ومن صور حسن الاعتذار أيضًا" كتب ابن مكرم إلى بعض الرؤساء نبت بي غرة الحداثة فردتني إليك التجربة وقادتني الضرورة ثقة بإسراعك إلىّ و إن أبطأت عنك وقبولك لعذري وإن قصرت عن واجبك و إن كانت ذنوبي سدت عليّ مسالك الصفح عني فراجع في مجدك وسؤددك و إني لا أعرف موقفًا أذل موقفي لولا أن المخاطبة فيه لك ولا خطة أدني من خطتي لولا أنها في طلب رضاك " ([125])
وفي مقابل ما سبق فإن هناك من يحاول الاعتذار عن فعله فيكون اعتذاره أشد ذنبًا مما ارتكبه أو وقع فيه ذكر الثعالبي : أنه قيل في المثل : عذره أشد من جرمه، ربَّ إصرار أحسن من اعتذار وقيل : "تب من عذرك ثم من ذنبك" وقال الخبزري:
وكم مذنب لما أتى باعتذاره جنى عذره ذنبًا من الذنب أعظمًا ([126])
* الحث على قبول الاعتذار
قال أبو العتاهية :
فألبس الناس ما استطعت عـلـ ـى النقض وإلا لم تستقم لك خلة
عش وحيدًا إن كنت لا تقبل العذ ر و إن كـنـت لا تجاوز زلـة
مـن أبٍ واحـدٍ و أمٍ خُـلـقنا غـيـر أنـَّا في المال أولاد علّة ([127])
ويقول ابن عباس : " أحب إخواني إلىّ الذي إذا غبت عنه عذرني " ([128])
" وقد خاصم بعض القرشيين عمر بن عثمان فأسرع إليه فقال: على رسلك فإنك لسريع الانتقال وشيك الغربة وإني و الله ما أنا مكافئك دون أن تبلغ غاية التعدي فأبلغ غاية الاعتذار" ([129])
- الإقلاع عن الذنب هو أبلغ و أفضل صور الاعتذار
ونجد في إحدى صور عتاب الأصدقاء التي ذكرها القيرواني" قال رجل لصديق استبطأه فلامه : كانت بي زلة يمنعني من ذكرها ما أملت من تجاوزك عنها ولست أعتذر إليك منها إلا بالإقلاع عنها"([130])
والخلاصة في هذا الموضوع بما نصح به الماوردي من المسامحة أو العتاب بشروطه السابقة فيقول: "إن كثرة العتاب سبب للقطيعة و إطراح جميعه دليل على قلة الاكتراث بأمر الصديق وقد قيل: علة المعاداة قلة المبالاة بل تتوسط حالتي تركه وعتابه فيسامح بالمتاركة ويستصلح بالمعاتبة فإن المسامحة و الاستصلاح إذا اجتمعا لم يلبث معهما نفور ولم يبق معهما وجد وقد قال بعض الحكماء: لا تكثرن معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك ، وقال منصور النمري:
أقلل عتاب من استربت بوده ليست تـنـال مودة بعتاب
ثم من حق الإخوان أن تُغفر هفوتهم و تستر زلتهم لأن من رام بريئًا من الهفوات سليمًا من الزلات رام أمرًا معوزًا (صعبا) واقترح وصفًا معجزًا وقد قالت الحكماء: أي عالم لا يهفو وأي صارم لا ينبو و أي جواد لا يكبو؟ " ([131])
* التعامل مع الصديق ذي المنزلة أو المكانة المرموقة في عمله
يقول صاحب كتاب "السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة": "وكل من صحبته من سلطان أو إخوان أو ذي منزلة فوطِّن نفسك في صحبته على إقالة العثرة والتغافل عن الهفوة ولا تمل معه إلى المعاتبة فإنها ربما أملت الصحبة وأخبرت بتقفي الذلة ولا تمل معه إلى الاستزادة فإنك تصل بالاسترسال إلى فوق الإرادة مع بقاء المروءة والعرض والدين ولا تسترسلن مع أحد و إن صحبته إلاّ بالمروءة فإن الاسترسال الكثير ربما أخرج إلى سخف المنزلة و الاستخفاف بالحرمة ولا تلتمس غلبة صاحبك عند كلامه ولا تبتغ بالحجة إفساد مذاهبه في الأمور على جهة المغالبة فإن ذلك مما يدله على انتقاصك إياه واستخفافك بحقه" ([132]) وفي هذا الصدد يقول الغزالي: " و إن بليت بصحبة السلطان فكن منه على حذر ولا تأمن من انقلابه عليك وأرفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشاء و إياك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه ولو كان مستمعًا لذلك" ([133])
ورأي الغزالي هذا كان من نتائجه: استفحال الاستبداد نفهم ذلك من قوله: (كلمه بما يشاء) أي الطاعة المطلقة لكل من هو في موقع المسئولية ولكن كلامه يشير بطريق مباشر أيضا إلى أن الأولى والأسلم للإنسان في دينه ودنياه هو البعد عن الحاكم ورفض تقبل أي وظيفة تؤدي للقرب منه أما مادام الإنسان قد رضي لنفسه صحبته فعليه أن يحافظ على نفسه من كل موارد الهلاك وربما هذا ما قصده الغزالي ويؤكد عليه كلمة (بُليت) فصحبة السلطان هي في رأيه بلاء للإنسان عليه أن يحتال في التعامل معه وإن كان موقف الغزالي هذا يتعارض مع قول الرسول r " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" و أصحاب النفوس المؤمنة من العلماء وغيرهم هم القادرون على قولها وتحمل تبعاتها لكي تنقى الحياة من براثن الظلم و الجور في كل مكان.
أما عند ابن المقفع فإنه يجوز المعارضة أو المعاتبة للملك من قِبَل صديقه وهي تتم بضرب الأمثال من غير تصريح مباشر وبالرفق و اللين ساقها ابن المقفع على ألسنة الطيور والحيوانات وكمثال على ذلك ما ورد في كليلة ودمنة الحديث الذي يدور حول شخصية رئيس وزراء أحد ملوك الأعداء ومدى عقله وحكمته في تعامله مع ملكه حيث يسأل الملك وأي خصلة كانت أدل على عقله؟ قال........إنه لم يكن يكتم صاحبه نصيحته و إن استثقلها ولم يكن كلامه عنف وقسوة ولكنه كلام رفق ولين حتى أنه ربما أخبره ببعض عيوبه ولا يصرح بحقيقة الحال بل يضرب له الأمثال ويحدثه بعيب غيره فيعرف عيبه فلا يجد مَلِكُهُ إلى الغضب عليه سبيلاً" ثم يسوق لنا الطريقة أو الأسلوب الذي تتم به المعارضة أيضا بنفس الطريقة ففي كليلة ودمنة: "وكان مما سمعته يقول لملكه: لا ينبغي للملك أن يغفل عن أمره فإنه أمر جسيم لا يظفر به من الناس إلاّ قليل ولا يُدرك إلاّ بالحزم فإن الملك عزيز فمن ظفر به فليحسن حفظه وتحصينه...فهذا مَثَلُ أهل العداوة الذين لا ينبغي أن يُغتر بهم و إن أظهروا توددًا وتضرعًا" ([134])

([1]) الإخوان، لابن أبي الدنيا ص 119 والحديث إسناده حسن

([2]) المرجع السابق ص 123 , 126 والحديث إسناده حسن , اتحاف السادة المتقين: للزبيدي ج6 / 180

([3]) نفس المرجع والصفحة

([4]) المرجع السابق، ص 127

([5]) الإخوان، لابن أبي الدنيا ص 150

([6]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج1 / ص 217 نقلا من كتاب الإخوان .

([7]) حكم ابن عطاء الله: تحقيق د. عبد الحليم محمود، د. محمود بن الشريف ص 139, 140

([8]) حكم ابن عطاء الله , ص 141

([9]) رسالة المسترشدين الحارث المحاسبي, ص 140

([10]) أدب الدنيا والدين، ص 121

([11]) الإخوان: لابن أبي الدنيا ص 124

([12]) الإخوان:لابن أبي الدنيا ص 133

([13]) بداية الهداية، من مجموعة الرسائل للغزالي ص 425 وانظر أدب الدنيا والدين: للماوردي



([14]) بداية الهداية، من مجموعة الرسائل، للغزالي ص 425 -426 .

([15]) تذكرة الأولياء: للعطار ص 526

([16]) مجاني الأدب، ج2 / ص 71

([17]) أدب الدنيا والدين، ص 121 وما بعدها , مجاني الأدب ج1 / ص 30

([18]) الإخوان: لابن أبي الدنيا ص 125 , مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص 93 .

([19]) الإخوان: لابن أبي الدنيا ص 24 , 25

([20]) الكنز، ج 8 / 236

([21]) الإخوان، ص 129

([22]) مواعظ الإمام الحارث المحاسبي، ص 164 نقلا عن رسالة المسترشدين ص 140

([23]) المشكلة الأخلاقية والفلاسفة : أندرية كريسون ص 100 , 101

([24]) أدب الدنيا والدين، ص 119 بتصرف

([25]) الصداقة والصديق، ص 23 وعلم النفس في التراث الإسلامي ج1 / ص413 عرض أسامة أبو سريع لكتاب الصداقة والصديق ؛ بتصرف

([26]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة : ص 77

([27]) الصداقة والصديق:أبو حيان التوحيدي عرض أسامة سعد أبو سريع , علم النفس في التراث الإسلامي ج1 / 415

([28]) مجاني الأدب، ج3 / ص 126

([29]) مواعظ الإمام الحارث المحاسبي، ص 52 وما بعدها نقلا عن شرح المعرفة ص 88

([30]) الصداقة والصديق: أبو حيان التوحيدي عرض أسامة سعد أبو سريع علم النفس في التراث الإسلامي ج1 / 415 .

([31]) صيد الخاطر، ص 450

([32]) أدب الدنيا والدين، ص 128

([33]) الموعظة، للفارابي مخطوط ورقة 9

([34]) تذكرة الأولياء , ص 577

([35]) علم النفس في التراث الإسلامي: عرض :أسامة سعد لكتاب الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي ج1 / ص 417

([36]) المرجع السابق، ص 545

([37]) المستطرف في كل فن مستظرف

([38]) إدارة الخجل : دون جابور , ص81 – 87 بتصرف

([39]) أدب الدنيا والدين، ص 124 – 126

([40]) مجاني الأدب، ج3 / ص 122

([41]) أدب الدنيا والدين، ص 117 – 118

([42]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص 77

([43]) المرجع السابق، ص 78

([44]) علم النفس في التراث، نقلا عن الصداقة والصديق أبو حيان التوحيدي ج1 / 414

* اختبرهم وامتحنهم
([45]) أدب الدنيا والدين، ص 120

([46]) الإخوان: ابن أبي الدنيا ص 121

([47]) مجاني الأدب، ج3 / ص124

([48]) الإخوان: ابن أبي الدنيا ص 128

([49]) علم النفس في التراث الإسلامي، نقلا عن الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي ج1/ص417

([50]) نهج البلاغة، ص 685

([51]) مجاني الأدب، ج1 / ص30

([52]) علم النفس في التراث الإسلامي: الصداقة والصديق، ج1/ ص417

([53]) مجاني الأدب، ج1 / ص30

([54]) أدب الدنيا والدين، ص115

([55]) الإخوان: ابن أبي الدنيا ص119- 134

([56]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص 79

([57]) أدب الدنيا والدين، ص126

([58]) المرجع السابق، نفس الصفحة بتصرف

([59]) حديث حسن رواه الإمام أحمد في المسند ج2 /344 الإخوان ص158 وما بعدها

([60]) المرجع السابق، ص167 والحديث صحيح وينظر علم النفس في التراث الإسلامي ج1 ص218

([61]) مكارم الأخلاق : ابن أبي الدنيا ص91

([62]) الإخوان : ص171- 176

([63]) الإخوان، لابن أبي الدنيا ص 183 – 188 ، علم النفس في التراث الإسلامي عرض د. عبد اللطيف محمد لكتاب الإخوان ج1 / 219

([64]) المرجع السابق، ص 189 – 196 ، علم النفس في التراث الإسلامي ج1/ ص 219

([65]) الإخوان، ص 204 ، 211

([66]) نهج البلاغة، ص 684

([67]) مكارم الأخلاق، ص 92

([68]) إسناده ضعيف وله شواهد جياد ، الإخوان ص 226

([69]) أخرجه السيوطي في جمع الجوامع رقم 3363 والإخوان ص 226 وذكره الغزالي في الإحياء

([70]) حديث مرسل رجاله ثقات الإخوان ص 227

([71]) الإخوان، ص 238 وما بعدها

([72]) زهر الآداب : للقيراوني ج2 / 122 ، الصداقة ص 129

([73]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج1 / ص 415

([74]) حديث حسن، الإخوان، ص 136

([75]) مرسل حسن، الإخوان، ص 138

([76]) إسناده صحيح، الإخوان، ص 90

([77]) الإخوان، ص140، 137 الحديث الأول رواه أحمد في المسند 3 / 140 و الحاكم في المستدرك 4 / 171 ، ص 137

([78]) مكارم الأخلاق: ابن أبي الدنيا ص 92

([79]) آخر أبواب الفتوحات المكية لابن عربي وهو الوصايا ص 125

([80]) مجاني الأدب، ج2 / ص 70

([81]) كتاب الوصايا، لابن عربي ص 125

([82]) أدب الدنيا والدين، ص 130

([83]) عرض لكتاب الصداقة والصديق في "علم النفس في التراث الإسلامي" ج1 / 415

([84]) مجاني الأدب، ج3 / ص 122

([85]) الصداقة والصديق، ص 12 ، علم النفس في التراث ج1 ص414، زهر الآداب ج4/ ص 89

([86]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص 78

([87]) المرجع السابق، ص 78 وما بعدها

([88]) زهر الآداب، ج4 / 89

([89]) مكارم الأخلاق، ص 204 ، مجموعة رسائل الغزالي ص 426 كتاب آداب الصحبة

([90]) زهر الآداب : للقيرواني ج1 / 34

([91]) أدب الدنيا والدين، ص 131 ، 257

([92]) المرجع السابق، ص 126 بتصرف

([93]) أدب الدنيا والدين، ص 130

([94]) المرجع السابق، ص 131

([95]) السابق، ص 130 وما بعدها

([96]) الأخلاق عند الغزالي: زكي مبارك ص 234 وما بعدها

([97]) إدارة الخجل: دون جابور ص 80

([98]) إرشاد العباد: عبد العزيز المحمد السلمان ص 39

([99]) الغُنية، ج2/ ص 175 يتصرف

([100]) مكارم الأخلاق، ص 88 وما بعدها لمزيد ينظر إلى الصفحات التالية

([101]) المرجع السابق، ص 105

([102]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج1 / ص 415

([103]) مجاني الأدب، ج3 / 126

([104]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج2 / 124

([105]) مجموعة الرسائل، للغزالي: ص 426

([106]) الموعظة للفارابي، ص 9 ، 10

([107]) علم النفس في التراث الإسلامي، ج1 / ص 414،413 عرض لكتاب الصداقة والصديق، أبو حيان التوحيدي

([108]) أدب الدنيا والدين، ص 129

([109]) لا تحزن، ص 94

([110]) زهر الآداب: لأبي إسحق القيراوني ج4 / ص 89

([111]) رسالة المسترشدين، ص 50

([112]) الزهد، ص 196

([113]) عيوب النفس و أدواؤها، ص 96

([114]) مجاني الأدب، ج3 / 123

([115]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص 80 ، 81

([116]) الطب الروحاني: الشيرازي ، ص 22

([117]) أدب الدنيا والدين، ص 127

([118]) الطب الروحاني: الشيرازي ص20

([119]) مجاني الأدب، ج3 / 125 ، 126

([120]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص 137 ، 138

([121]) الإخوان، ص 133

([122]) مكارم الأخلاق، ص 204

([123]) المرجع السابق، ص 131

([124]) زهر الآداب: للقيراوني ج4 / ص 200

([125]) المرجع السابق ، ج4 ، ص 194

([126]) مجاني الأدب، ج1 / ص 49

([127]) أدب الدنيا والدين، ص 131

([128]) الإخوان، ص 134

([129]) زهر الآداب، ج4 / 125

([130]) المرجع السابق، ج3 / 125

([131]) أدب الدنيا والدين، ص 129، 130

([132]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص 79

([133]) الرسائل، ص 446 من كتاب الأدب في الدين

([134]) كليلة ودمنة، ص177


الساعة الآن 01:25 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام