أثبت عدد من الدراسات الحديثة أن بعض الأشخاص أكثر تعلقاً بالمخدرات من آخرين، لأسباب بيولوجية. حول العلاج من الادمان
ما سرّ استمرار المدخن في إدمانه على التبغ غير آبه بنوبات السعال، ودبق الفم، وانقطاع النفس، والتهديد بإصابة قلبية، واحتمال التعرض للسرطان.. كيف نفسّر، بعبارات الصحة، والمال، والوقت سلوكاً هو على هذا القدر من الكلفة والخطر؟ يبدو الاعتماد dépendance للوهلة الأولى مرتبطاً بكمية المادة المستهلكة أو بمدة التعرّض لها، وأن متعاطي الكحول أو متعاطي الهيروين الإزماني هما أيضاً أكثر اعتماداً ممن يتناولونهما بشكل متقطع.
وهكذا، تبيّن للباحثين اليوم، من خلال ملاحظات سريرية ودراسات مرتكزة إلى مقابلات شخصية، أن تعرّض الفرد المبكر لأحد المخدرات يعزز اعتماده عليه، بل وعلى سواه منها، لاسيما الكحول. وقد أثبتت مجموعة الأبحاث في جامعة بيكارديا / أميان – فرنسا، المنجزة حول الكحول والاعتماد على المستحضرات الصيدلانية، أن التشبع الجنيني بالكحول لدى الجرذ يحدث تغييراً في حساسيته إزاء تأثيرات بعض المخدرات، مما يؤكد أن التعرض المبكر للإثانول (الكحول الأثيلي) هو عامل خطر هام في الاستعداد للإدمان. الأمر نفسه بالنسبة للنيكوتين:
يؤدي التعرّض قبل الولادي، لدى الجرذ ونسناس المكاك الريسوس، إلى إتلاف منظومة النقل العصبي في المخ بصورة دائمة، المنظومة التي تستخدم “السيروتونين”، إذ يعمل على زيادة عدد مستقبلات هذا الناقل العصبي. وأكدت معطيات فريق “ثيودور سلوتكين” الطبي البريطاني أن هذه الظاهرة تجعل هذه الحيوانات أكثر تعرضاً للاعتماد على النيكوتين خلال الفترة التي تتوافق وعمر البلوغ.
تبدو هذه الفترة حاسمة جداً لأن الدماغ يكون خلالها في طور النمو، وبالتالي فهو بالغ التأثر بنتائج الأحداث المؤذية. وقد أثبتت أعمال فريق “ميشيل لو موال”، بوردو – فرنسا، أن الأحداث المكرِبة التي تتعرض لها الأم خلال الحمل، بل وفي بداية الحياة، تتمخض عند الجنين أو الرضيع لاحقاً عن شذوذات في نمو الخلايا العصبية الموجودة في “الحُصَيْن” hippocampus (ناحية من الدماغ ضالعة في الذاكرة) وفي منظومات النقل العصبي.. وهذه كلها حالات خلل يمكن أن تبدو أنها تشجع الميل إلى الإدمان. كما لاحظت مجموعة ” تيريزا وتوماس كوستن”، هوستن – الولايات المتحدة، أن عزل فئران صغيرة عن أمها لمدة ساعة يومياً خلال أسبوع الحياة الأول يجعلها أكثر ميلاً إلى تعاطي الكوكايين ذاتياً عند البلوغ..
سلسلة من حالات الخلل:
ينظر الباحثون اليوم إلى “الدوبامين” dopamine، المسمى “ناقل المتعة العصبي”، على إنه العنصر الرئيس في عدم توازن المخ الذي يفضي إلى حالة الاعتماد. ذلك لأسباب وجيهة: تؤدي جميع المواد الإدمانية، في الطور الأول لتناولها على الأقل، إلى تحرير الدوبامين في “النواة المتكئة” nucleus accumbens (منطقة في الجملة العصبية الحوفية) وفي قشرة مقدّم الجبهة المخية. وعندما تتنشط هاتان المنطقتان المنتميتان إلى ما يسمى “دارة المَثْوَبة” circuit de récompense (جهاز معقد من الخلايا العصبية (العصبونات) في الدماغ فإنهما تولّدان إحساساً بالارتياح البدني والنفسي الشديد، الذي يسعى متعاطي المخدر إلى استعادته، ومن هنا الإدمان. لكن الواقع يبدو أكثر تعقيداً، إذ تضطلع منظوماتُ ضبْطٍ أخرى في هذه العملية، من البداية وبالتآثر مع “دارة الدوبامين” في الدماغ، من بينها منظومة التوازن بين ناقلين عصبيين آخرين، أي “النورادرينالين” و”السيروتونين”. تُحدِث المخدرات كلها، باستثناء النيكوتين، خللاً في هذا التوازن، حتى بعد عدة أشهر من آخر جرعة؛ وذلك إلى درجة “فك التقارن” بين هاتين المنظومتين، وبالتالي توليد فرط نشاط نورادريناليني الفِعْل يتجلى في الإحساس بانعدام الراحة والمعاناة النفسية. ويبدو أن “الطريقة الوحيدة أمام متعاطي المخدر لتحمّل هذا الإحساس هي معاودة تناوله”، يقول “جان – بول تاسَّن”، من الكوليج دو فرانس.
دور وراثي مثبَت…لدى الحيوان:
لقد أثبتت أعمال حديثة وجود عوامل وراثية تؤهِّب لتعاطي المخدرات عند الحيوان. ولكن، يرتكز هذا الميل إلى ارتباط متبادل بين اختلافات وراثية لا تنتقل معاً من الكبار إلى الذرية وتكون فاعلة بالتآثر مع البيئة (عوامل بدنية واجتماعية). وأيدت عدة دراسات هذا الفهم الجديد للإدمان، مؤكدة وجود سلسلة تربط بين تكرار الأحداث المكرِبة، وإنتاج “هرمونات قشرانية سكرية” – العلامة البيولوجية على رد فعل الكرب – في الدماغ، ومضاعفة المستقبلات العصبونية لهذه الهرمونات وازدياد سعة تحرير الدوبامين. تتناول سلالاتٌ من الجرذان، أي تلك التي تتميز بفرط نشاط “المحور القشري الموجِّه”، وبالتالي الأكثر تأثراً من الناحية الوراثية بالأحداث المكرِبة، المستحضراتِ المحرِّكة نفسياً (الكوكايين، والأمفيتامين) والنيكوتين على نحو أسهل بالمقارنة مع سلالات قوارض ضعيفةِ ردّ الفعلِ معرَّضة لأوضاع الكرب نفسها. بعبارة أخرى، يعمل الكرب المتكرر، مع تضخيمه المستوى القاعدي للدوبامين، على جعل الجهاز العصبي أكثر نزوعاً نحو الإدمان.
وكما نرى، لم يُحِط العلم بعد بكل تعقيدات العوامل المتعددة التي تحثّ أو تكبح انجذاب بعض الأشخاص إلى المخدر. ذلك خصوصاً وأنه عدا الفروق بين الأفراد فإن كل مادة تؤثر على نحو نوعي وتضطلع بها منظوماتٌ دماغية مختلفة وتمنح إحساساتٍ متباينة.
الإدمان وكيمياء الدماغ:
يؤكد التصوير الطبي الدماغي أن مناطق الدماغ التي تتنشط في حالات “الإدمان” على دور اللهو والقمار والإنترنت هي نفس مناطق الدماغ التي تتنشط حين تعاطي المخدرات. وفي ذلك ما يكشف عن أسرار جديدة في موضوع علاج الادمان.
كثيرون هم ضحايا ما يسميه الأطباء النفسانيون “اللعب الباثولوجي”، هذا الاعتماد الخاص جداً، الذي لا وجود فيه لمواد مخدرة. “هؤلاء معتمدون على المتعة الآتية من الأمل بالربح، التي هي نوع من الاعتماد، لأن الأشخاص هنا يكرسون لهذا النشاط وقتاً متنامياً باستمرار، إلى درجة أنه يفلت من سيطرتهم تماماً أخيراً”، على حد عبارة الطبيب النفساني الاختصاصي “مارك فالور” M. Valleur. بعبارة أخرى، هؤلاء مدمنو مسْكرات حقيقيون..بلا مخدرات. في الواقع، يقدر الأطباء النفسانيون أنه توجد أشكال اعتماد على الإنترنت (يتحدثون هنا عن “اعتماد إلكتروني” أو “اعتماد على الأجهزة الإلكترونية” عندما لا يعود الفرد قادراً على تحديد الوقت الذي يمضيه على الشبكة والأجهزة)، – وعلى العمل (حيث لا يستطيع المدمن على العمل الامتناع عن تكريس الوقت الأعظم من وقته لنشاطه المهني)، وأيضاً – على المشتريات الاستحواذية، حيث ينفق ضحايا هذه التبعية الأموال بلا تروّ، ودون أن يكون لذلك أية علاقة بالميزانية التي يملكونها فعلياً. كذلك الأمر بالنسبة للإدمان على الرياضة، الذي يدفع ممارسَها إلى تفضيل رياضته على حياته الأسرية والاجتماعية. يجب أن لا تخدعنا حالات الإدمان هذه التي لا مخدرات فيها: النقطة المشتركة بينها جميعاً هي انعدام القدرة على التحكم بالسلوك. “يتميز هذا النوع من الاعتماد، كما هو حال مدمني المخدرات التقليديين، بفقدان القدرة على الامتناع، أي أن الفرد يعي سلوكه، ويعرف أنه يسبب له مشكلات، لكنه لا يتمكن من وضع حد له..”، يشرح “فالو”.
يتفق الاختصاصيون على القول إن هذا النوع من الإدمان بات يشكل ظاهرة متنامية الاتساع يمكن أن تكون مرتبطة مباشرة بازدياد انتشار الأوضاع المؤاتية للاعتماد، كتزايد ألعاب القمار في بعض المجتمعات وتطور الإنترنت، وتشجيع الاستهلاك. وتكمن غرابة هذه الباثولوجيات في أنها تتميز عن حالات الإدمان “التقليدية” بفارق كبير: لا توجد أدنى مادة مسؤولة عن الوضع الإدماني. يؤكد الباحثون (في معهد ماساشوستس / الولايات المتحدة) أن لكيمياء الدماغ دوراً في ذلك: لاحظوا، بواسطة التصوير الدماغي، أن توقّع الربح ينتهي بتنشيط عدة باحات aires مخية، منها “النواة المتكئة”؛ غير أن هذه الباحات معروفة بأنها تتنشط عندما يتناول الفرد مخدرات مُشْمِقة (من الشَمَق) euphorisants (التي تحدث شعوراً بالنشاط والخفة). وكان البروفسور “مونسيرا إستورش” M. Estorch، من مشفى سانتا كرو (برشلونة / إسبانيا)، قد أوضح أن القيام بجرْي واحد يضاعف ثلاثَ مرات معدلَ “أندورفينات – بيتا” في الدماغ، وهي نواقل عصبية تعمل على تخفيف الألم وتمنح إحساساً بالمتعة. قد يكون هذا النشاط الدماغي، الضالع في تحرير “الدوبامين” في الدماغ، بالغ الشدة عند الأشخاص المعرضين للاعتماد. إن تحريض هذه الدارات أخيراً هو ما ينشده هؤلاء المدمنون دون تأخر. ولكن، كيف نفسر أن مناطق الدماغ التي تتنشط والنواقل العصبية التي تتحرر بتأثير تعاطي مادة مخدرة هي نفس المناطق التي تتنشط ونفس النواقل العصبية التي تتحرر حين قضاء ساعات طويلة قبالة أجهزة اللعب أو حين ممارسة الجري؟ أين تتوضع بالضبط الآلية المطلِقة؟. ليس لدى العلماء اليوم سوى الفرضيات. يعتبر الطبيب النفساني “ميشيل رينو” M. Reynaud، من مشفى بول – بروس في باريس، “أن حالات الإدمان السلوكية هي اشتداد (سوْرة) في الآليات الطبيعية للمتعة”، في حين أن الاعتماد على المنتجات المخدرة يحرف هذه الآليات، حيث تعمل المخدرات “على غرار خدائع صيدلانية تحل محل نواقلنا العصبية الطبيعية”. هل يكفي ذلك كي تتعرض الدارات العصبونية للتلف بشكل مستديم، بأن تُحدث على المدى الطويل خللاً من شأنه الإبقاء على حالة التبعية، مثلما يمكن أن يفعل المخدر؟. يرى “جان – بول تاسّن” J.-Paaul Tassin، من الكوليج دو فرانس،” أن حالات الإدمان بلا مخدر تستند إلى تنشيط منظومات الكرْب في الدماغ، خصوصاً إفراز ما يسمى بهرمونات الكرْب. وربما كان هذا الإفراز يحدث خللاً بين الدارات العصبونية لا يعوض عنه سوى تكرار السلوك وحده.
أما فيما يتعلق بالشروط التي تحث على ظهور “الإدمان بلا مخدرات” فتبدو من نفس نمط تلك الملاحظة في حالات الإدمان التقليدي. في الواقع، يتفق الأطباء النفسانيون على وجود عامل نفسي، لاسيما صعوبات الطفولة، إلى جانب العاملين البيولوجي والوراثي. غالباً جداً ما نكتشف عند المعتمِدين، مع أو بلا مخدرات، وجود عسر وظيفي مبكر في العلاقة بين الفرد والأشخاص الذين كان من المفترض أنهم يحمونه ويؤازرونه في تلبية حاجاته المادية والعاطفية حينما كان بعد طفلاً صغيراً – الأبوان في أغلب الأحيان. ومتى يصبح في سن البلوغ، يمكن أن يميل إلى الانكفاء على سلوكيات إدمانية لتهدئة قلقه قبالة أوضاع يشوبها الشك وعدم الثقة بالعلاقة مع الآخرين، “حسب عبارة ” مارك فالور.
قد تكون المسألة برمتها مسألة إرادة، أو على نحو أدق مسألة استحالة في استخدام الإرادة، لأن إحدى النقاط المشتركة لدى الأفراد الواقعين تحت سطوة الإدمان هي إنه حتى لو كان تصميمهم على الإقلاع حقيقياً فإنهم لا يتمكنون منه غالباً. ذلك لأن الدارات العصبونية التي توجه أحاسيس انشراحهم ومتعتهم تتشوه بعمق بالاعتماد على مخدر أو على سلوك ما.
لكل مخدِّر تأثيراته ونتائجه
النقطة المشتركة بين التبغ، والكحول، والكوكايين، والمستحضرات المؤثرة على الحياة النفسية… هي أنها تحدث كلها تغييراً في كيمياء الدماغ. إلا أن تأثيراتها، على صعيد السمّية والاعتماد، متباينة بشكل ملموس.
كل المواد التي تسبب الاعتماد تسمى “مؤثِّرة نفسانياً” (نفسية المفعول) psychoactives، لأن النقطة المشتركة بينها هي أنها تُحدث تغييراً في نشاط الدماغ. النتيجة: يعرض استهلاكُها لمخاطر صحية مؤكدة، ولكن متباينة في شدة وسرعة ظهورها. إذا لم نكن متماثلين من حيث آليات الاعتماد، فإن لكل مخدر خاصيته التي تجعل من كل إدمان، ومن كل مدمن، حالةً خاصة. تؤثر جميع المخدرات على الدماغ، وتحرِّر ” الدوبامين ” في الدارة العصبونية المسماة ” دارة المَثْوَبة “، لكنها لا تسلك السُبُلَ نفسها. من هنا نوعيتها، وقدرتها على إحداث الإدمان بهذه القوة أو تلك.
التبغ:
التأثير على الدماغ: ينتشر النيكوتين، عبر الأغشية المخاطية الرئوية والفموية، ليشمل الجسم كله. ويقلِّد في الدماغ عملَ الناقل العصبي، “الأستيل كولين” (1)، ويتثبَّت على مستقبلات النيكوتين الواقعة على سطح العديد من العصبونات (الخلايا العصبية). وللنيكوتين تأثير محرض للجهاز العصبي المركزي وبالأخص “دارة المثوبة” فيه. ويعزز تحريرَ الدوبامين من خلال تنشيط العصبونات التي تنتجه. وتعمل “الهَرْمانات” harmanes و” النوراهرمانات” noraharmanes على إبقاء تركيز ” الدوبامين” و” السيروتونين” و” النورادرينالين” عالياً في المشابك العصبية وتحدّ في الوقت نفسه من نشاط الأنزيم الذي يحوِّلها، فيتضخم بذلك تأثيرُها. ويزداد التيقظ والتركيز، ويصبح من الأسهل تحمّل القلق والجوع. يمكن أن يسبب التبغ الغثيان، والدوار، وأوجاع الرأس.
التحمّل والاعتماد:
يبقي تعاطي التبغ المنتظم على تركّز النيكوتين مرتفعاً في الدماغ، فتتضاءل حساسية مستقبلاتِه شيئاً فشيئاً ولا تعود تحرض على تحرير “الدوبامين” بنفس القدر، فلا يعود المدخن يحس بنفس متعة تعاطي المرات الأولى، فينشأ التحمل. وبعد فترة امتناع لعدة ساعات (الليل)، يهبط معدل النيكوتين وتصبح المستقبلات مفرطة الحساسية. منذئذ، يتجاوز تأثير “الأستيل كولين” المستوى المعتاد ويسبب حالة من الهيجان والحرمان. ومن شأن التعاطي التالي أن يحرض المستقبلات بشكل مفرط ويطلق تحريراً قوياً للدوبامين. وهذه الظاهرة هي التي تفسر المتعة التي تأتي من السيجارة الأولى في النهار عند المدخنين المعتمِدين. وعقب هذا التعاطي التسمّمي الأولي اليومي، ينشأ التحمل. ويدخل المدخن في حلقة التسمم التبغي المفرغة: تتضاءل متعته، ويكون عليه العودة للتدخين ليستعيد توازنه.
المخاطر:
إذا كان النيكوتين و”الهرمانات” هي الجزيئات الرئيسية للاعتماد على التبغ، فإن مركبات أخرى (القطران، وأحادي أكسيد الكربون، من منتجات احتراق التبغ) هي المسؤولة عن سمّيته العامة القوية: أمراض وعائية – قلبية (تلف الشرايين، وتضيق الأوعية الدموية، وفرط ضغط الدم، واضطراب النظم، والتخثر في الأوعية ومخاطر احتشاء عضلة القلب)، وأمراض تنفسية (تقييد مورودات الأكسجين للدماغ والعضلات: تدني مقاومة الجهد، والتهاب القصبات المزمن)، وقرحات المعدة، وسرطانات (الأنبوب الهضمي، والجهاز التنفسي والمثانة). ويمكن أن يتعرض المدخن لاضطرابات النوم وتبدو عليه علامات القلق؛ ويتغير سلوكه الغذائي بنتيجة فقدان التذوق، والشم والشهية.
الامتناع:
تظهر أعراض احتياج حادة تتمثل في اضطرابات نوم، وقلق وصعوبات استذكار واضطرابات مزاج ليومين أو لثلاثة أيام. أما مخاطر الانتكاس فقوية جداً بعد الإقلاع.
الكحول
التأثير على الدماغ: ينقل الدم “الإيثانول” غيرَ المهضوم إلى الدماغ، حيث يُحدث خللاً في الأغشية العصبونية ويتثبت بلا خصوصية على العديد من مستقبلات علاج ادمان الكحولالعصبونات. وبما أن الكحول يخمِّد الجهاز العصبي المركزي، فإنه يبطئ عملَ الدماغ من خلال تنشيطِه عصبوناتٍ مثبِّطة (GABA 2) وتثبيطِه عصبوناتٍ منشِّطة (glutamate, nicotine). ينطلق تحرير “الدوبامين” بنتيجة الاختلال الذي يصيب العصبونات GABA وتحرير “الأفيانيات” opioïdes الداخلية (المضادة للكرب، والمضادة للألم). يؤثر الكحول على الذاكرة، ويسبب الثمل ثم النعاس، وأحياناً الغثيانات، ويخشى من أن يسبب السُباتَ الإثيلي بجرعاته العالية.
يعمل الكبد مع مرور الوقت على تحويل “الإثانول” بشكل أفضل فأفضل (انخفاض مدة الثمل)، ويعدّل الدماغُ مقدارَ وحساسية المستقبلات العصبونية، مقلصاً طور التهدئة ومعززاً تأثيرات الثمل. وتتصلب أغشية العصبونات وتصبح كتيمة. وللعودة إلى الثمل، ينبغي أن تصبح الجرعات أكبر (التحمل)، لكن تأثيراتها تزداد شدة.
المخاطر: يسبب ادمان الكحول فيضاً زائداً من الكلسيوم في العصبونات ويصلّب غشاءَها، محدثاً بذلك خللاً في التبادلات مع وسطها. ويؤدي ذلك إلى موت عدد من العصبونات. ويتأذى مجمل قدرات المعرفة (خصوصاً الذاكرة، والمحاكمة العقلية والتركيز). ويمكن أن تظهر اضطرابات نفسية، وقلق واكتئاب. وتتجلى سمّية الكحول العامة في اضطرابات وعائية – قلبية، وحالات تلف في الألياف العصبية والعضلية، وأمراض كبد، وسرطانات الأنبوب الهضمي. ويعيق الكحول حسن نمو الجنين.
الامتناع: عند الإقلاع عن تعاط مزمن، يؤدي انخفاض تحرير “الأفيانيات” الداخلية إلى حالة توعك يمكن أن تفضي إلى انتكاس. ويتجلى تغير التوازنات على شكل اكتئاب (انخفاض تحرير الدوبامين) وسلوك هيجاني (فرط نشاط عصبوني). ويفسر تعقيد الآليات الضالعة في ذلك صعوبةَ الامتناع. ويمكن لأعراض الامتناع الحادة، فرط ضغط الدم، وتسرع القلب، والتشنجات، وحالات الهَلَس الحسي وفقْد الاهتداء الزمني..، أن تستمر أسبوعاً. وفي بعض الحالات، يظهر دُوار، وحمى، وتبدُّد في الشخصية. حالات الانتكاس بعد الإقلاع قوية جداً.
التأثير على الدماغ:how drugs affect the brain
سواء استهلك بالتدخين أم عبر السبل الهضمية، فإن جزيء الحشيش الناشط (THC) يُتلف ميوعةَ الأغشية العصبونية عندما يصل إلى الدماغ. يتثبت الجزيء على المستقبلات ” الحشيشانية ” cannabinoïdes CB1 المتوضعة على العديد من العصبونات، محدثاً استجابة أشد بكثير من المستقبلات الحشيشانية الداخلية الموجودة بشكل طبيعي في الدماغ. يعزز ذلك تحرير “الدوبامين” (شمق) رغم أن العصبونات الدوبامينية ليس فيها مستقبلات CB1. في الواقع، تتثبط هذه العصبونات بعصبونات GABA المزوَّدة بها. يمنع هذا المخدر أيضاً استرجاع “الدوبامين” من خلال ازدياد تركزه في المشابك العصبية synapses. ولما كان الـ THC يشوش الجهاز العصبي المركزي فإنه يحدث تغييراً في الإدراكات الحسية (اضطرابات التوازن والتنسيق، وفقْد الاهتداء الزماني والمكاني وأحياناً الهلس وتبدد الشخصية). وغالباً ما يسبب تضخمَ الأوعية الدموية (احمرار العينين) وجفاف الأغشية المخاطية. ويمكن أن يكون للحشيش تأثيران متعارضان: أولاً الانشراح (الانتعاش) الذي يترافق بتسارع في نظم القلب وبارتفاع الضغط وبصعوبات استذكار وتيقظ وتركيز وسهولة علائقية عالية؛ وثانياً التهدئة sédation التي يحس خلالها مدخن الحشيش بالتعب، والقلق، والغثيانات وهذيان وأوجاع الرأس. ويظهر في بعض الحالات ذهان حشيشي (اختلاط عقلي، ونسيان الأحداث الحديثة، وهلَس، وأحياناً نوبات فُصام أو زَوَر 3).
التحمل والاعتماد: يتكيف البدن مع التعرض المديد للحشيش بتقليص الاستجابة لتحريض المستقبلات CB1: تتضاءل حساسيتها ويقل عددها بالتدريج، لكن ذلك لا يفضي إلاّ إلى تحمل متوسط. إذا بقي الاعتماد ضعيفاً، فغالباً ما يترافق بتبعية لنيكوتين التبغ الممزوج بالحشيش.
المخاطر: يولد تعاطي الحشيش المنتظم ضموراً دماغياً ويميت العصبونات. مع ذلك، يجعل توزُّعُ مستقبلاته في مناطق الدماغ الضالعة في الوظائف الحيوية هذا المخدرَ قليل السمية. وعلى المدى الطويل، يسبب أمراضاً تنفسية (السعال، والتهاب وسرطان القصبات)، وصعوبات في التركيز والاستذكار، ونوبات قلق وحالة اكتئابية. وقد يفاقم بعض الأمراض، كالفُصام. وإذا لم يولّد جزيئُه الناشط سوى سمية ضعيفة، فإن التبغ المرافق سامّ جداً.
الامتناع: تستمر أعراض الامتناع الحادة خمسة أيام مع اضطرابات نوم، وقلق، واكتئاب، وغثيانات، شديدة أو أقل شدة.
الأدوية المؤثرة نفسانياً / المهدئات والمنومات
- التأثير على الدماغ: تتثبت مزيلات القلق والمنوِّمات على مجمل مستقبلات الـGABA وتبقى ناشطة فتكبح التبادلات بين العصبونات. تُخفف القلقَ بذلك وتُحدث تهدئةً في الدماغ. وتحرِّر “الدوبامين” بشكل غير مباشر في “دارة المثوبة”. يمكن أن يحدث تأثيرُها المرخّي (تباطؤ نظْم القلب، ونقص ضغط الدم، وانخفاض تنفسي، وتدني التيقظ وهبوط المنعكسات، والنعاس) تغييراً في المستقبلات الحسية ودواراً.
- التحمل والاعتماد: يتكيف الدماغ من خلال تقليص عدد وحساسية مستقبلات GABA. وعلى المتعاطي أن يزيد الجرعة ليمنع ظهور اضطرابات قلقية (التحمل هنا قوي). وبالنسبة لصنف “البنزوديازبينات” benzodiazépines (مزيلات قلق ومضادات اكتئاب)، يمكن أن تظهر أولى علامات الاعتماد في غضون ثلاثة أشهر.
- المخاطر: يؤثر تناول المنومات والمهدئات المنتظم بشكل سلبي على التركيز، والمحاكمة العقلية والاستذكار، ويسبب سرعةَ الاستثارة، والاكتئاب، ومشكلات في التنسيق الحركي، واضطرابَ السلوك الغذائي، وأمراض كبد (التهاب الكبد).
- الامتناع: تستمر أعراض النقص الحادة من يومين إلى عشرة أيام: آلام، وفرط حرارة، واضطرابات نفسية وخيمة أحياناً.
مضادات الاكتئاب
- التأثير على الدماغ: جميعها مثيرة للمزاج. تعمل ” مثبطات استقبال السيروتونين الانتقائية ” على تراكم هذا الناقل العصبي في المشابك العصبية، فتضخِّم بذلك تأثيرَه. تنبه مضاداتُ الاكتئاب ” ثلاثيةُ الدورة ” (ADT) سُبُلَ ” السيروتونين ” و” النورادرينالين “. تسرع مضاداتُ الاكتئاب نظْم القلب وتخفف ضغطَ الدم، وتسبب فقدان التيقظ، والنعاس والاستثارة.
- التحمل والتبعية: يتكيف البدن مع تركزات ” السيروتونين ” و” النورادرينالين ” القوية عبر تقليصه عددَ وحساسية مستقبلاتهما.
- المخاطر: السمية العامة لمضادات الاكتئاب قوية جداً، ولكن توجد مخاطر ازدياد في وزن الجسم، واحتباس بولي، وعلامات قلق، واضطرابات نفسية (هذيان، وانتحار) وخلل في الوظيفة الجنسية.
- الامتناع: تستعيد مستقبلات “السيروتونين” و”النورادرينالين” حساسيتها مما يؤدي إلى فرط نشاطها. تظهر أيضاً حالات قلق، وأرق. يتمخض الامتناع عن “مضادات الاكتئاب ثلاثية الدورة” عن آلام بطنية؛ ويمكن أن يؤدي الامتناع عن “مثبطات استقبال السيروتونين الانتقائية” إلى إحداث تغيير في الاستقبالات الحسية. ويسبب الامتناع عن عوامل تثبيط أخرى موجودة في مضادات الاكتئاب صعوبات في الاستذكار والمحاكمة عقلية، وهذيانات وأفكاراً انتحارية.
الكوكايين
- التأثير على الدماغ: يضخم الكوكايين تأثير “الدوبامين”، و”السيروتونين”، و”النورادرينالين” بأن يعمل على إحصار تحوُّلها (تدرّكِها). تسبق حالةٌ من الاستثارة أطوارَ انشراح / فرط تيقظ، ثم اكتئاب / قلق. يُتلف الذاكرةَ والمحاكمة العقلية….
- التحمل والاعتماد: ينشط البدنُ سبلَ استرجاعٍ أخرى للنواقل العصبية لاستعادة التوازن المعتاد (تحمل قوي). تصبح “دارة المتعة” مفرطة الحساسية.
- المخاطر: نَخَرٌ nécrose في بعض الأعضاء بنتيجة تضيق الأوعية، وأرقٌ، وفقدان شهية (قَهَم)، ونزف سحائي، واحتشاء، وانخفاض تنفسي، قد تفضي إلى الموت.
- التأثير على الدماغ: تزيد تحريرَ “الدوبامين”، و”السيروتونين”، و”النورادرينالين” بإجبار العصبونات على الإفاضة منها وبإحصار تدرُّكها. تستهدف “الميتامفيتامينات” métamphétamines العصبونات الدوبامينية، وينبه الـ ecstasy العصبوناتِ السيروتونينية. يسبق طورٌ من فقدان الاهتداء (30 دقيقة) الإحساسَ بالراحة (3 – 6 ساعات). هناك تأثيرات حركية – نفسية شبيهة بمثيلتها التي تنتج عن الكوكايين.
- التحمل والاعتماد: تقلّ المستقبلات المستثارة من جهة، مما يتطلب زيادة الجرعات بسرعة (تحمل قوي) وتصبح “دارة المثوبة” حساسة جداً من جهة أخرى. بعبارة أخرى، تلزم جرعات أكبر فأكبر قبل الحصول على تأثير أشد في كل مرة.
- المخاطر: اضطرابات معرفية ونفسانية، ونقص وزن الجسم، والتهابات كبد وكلية؛ ويمكن حدوث إصابات قلبية ووعائية قد تؤدي إلى الموت؛ وتتردّى حالة العصبونات (سمية عصبية قوية) مما يعزز احتمال التعرض لأمراض تنكّس عصبي.
- الامتناع: تكون أعراض النقص حادة خلال خمسة أيام، ويعود هذا النقص إلى ضعف إنتاج النواقل العصبية ومستقبلاتها، التي كان المخدر يستبقيها.
الأفيانيات /opium, héroïne, morphine, codéine, méthadone, buprénorphine, oxycodone, naloxone/ حين يحقن الهيروين أو يستنشق يصبح مورفيناً في الدماغ ويتثبّت على المستقبلات “الأفيانية” في العصبونات، فيحدث خللاً في منظومة ضبط الألم و”الدوبامين”. ويؤثر أيضاً على انتقال “النورادرينالين”. تأثيره ” إيغافي ” orgasmique ويعقبه سكونُ انشراحٍ.
- التحمل والاعتماد: يتكيف البدن سريعاً مع “الأفيانيات” بأن يقلص عددَ مستقبلات “النورادرينالين”، الذي يزداد إنتاجه (تحمل قوي جداً). عدا ذلك، تزداد حساسية “دارة المكافأة” (تحسيس). ومع مرور الوقت، يمكن أن تتأذى حساسية بعض وصلات العصبونات الضالعة في الاستذكار.
- المخاطر: يمكن قيام فرط جرعات (الموت بانخفاض التنفس)؛ وتردّي الحالة العامة؛ وفقدان شهية؛ وضعف مناعي؛ وتأثيرات مؤذية على الجنين؛ ومخاطر خَمَجية متعلقة بالحقن (هيوجية، واندفاعية).
- الامتناع: تتمثل أعراض النقص الحادة في اضطراب منظومة “الأفيانيات” الدماغية مما يتمخض عن آلام وقلق وفرط نشاط عصبوني (من سبعة إلى عشرة أيام).
عن Science & Vie الفرنسية
هوامش:
1 – أسِتيل كولين acétylcholine: إسْتِر (مركَّب كيميائي) موجود بكثرة في البدن وله وظائف فيزيولوجية هامة أهمها كناقل عصبي في أقسام الجهاز العصبي المركزي أو الودي أو نظير الودي. “المترجم”
2 – GABA (gamma aminobuteric acid ): حمض غاما أمينوبوتيريك، حمض أميني يعتبر من أهم النواقل العصبية المثبطة في الجملة العصبية المركزية، تخلّقه بعض خلايا الدماغ. “المترجم”
3 – الزَوَر paranoia: مرض عقلي بطيء التكون يتمثل بوهام منتظم وثابت وغير قابل للتغيير بشكل شك أو ارتياب أو سوء تأويل. “المترجم”
وكما اكد بعد الابحاث فى جامعة هارفارد على خضورة المواد المخدره