تك ، تك ، تك ، الثالثة بعد منتصف إحدى ليال الشتاء الطويلة ، قشعريرة تتسرب بجسدي الهزيل ، أصوات قطرات المطر تنقر زجاج نافذتي الوحيدة ، تناديني ، أحاول العودة إلى سباتي العميق ، تزداد النقرات حدة ، تتوغل إلى أبواب قلبي التي أوصدتها منذ سنين ، تنتشل حنين الذكرى الغارق تحت صخور النسيان ، أنظر إلى الساعة المصلوبة فوق جدار الأحزان ، أتطلع إلى عقاربها ، ما زالت تسير بنفس الاتجاه ، تلدغني بغتة ، أفيق من غفلتي ، أزيح طبقات الأغطية الصوفية التي تراكمت فوقي ، استجمع ما تبقى من إقدام شباب ولى ، أذهب إليها ، أنزلها من مكانها ، أليس في الإمكان استعادة ما فات ؟ أنتزع غطاءها الزجاجي ، أهم بتحريك عقاربها في الاتجاه المعاكس ، تأبى التحرك ، أدفعها عنوة بإصبعي ، تتجاوب أخيرا لرغبتي ، أدور بها و أدور ، و أدور ، أسمع أنات الألم بداخلها ، أبقى في غيي القديم ، تتزايد الأنات ، تتحول إلى صرخات ، لا فائدة ، لا بد من طريقة ما ، تأخذني دوامة الإصرار ، تتداعي الصرخات بداخلي تحاول الإفلات ، تنطلق ) ـ ألم يحن بعد وقت عودتكم للوراء ؟ ( تتردد صرخاتي بين طرقات الصمت ، تتلاشى رويدا رويدا ، فجأة ، تنخلع العقارب من مكانها ، تتأوه الساعة متحشرجة بين كفي ، تتوقف دقات قلبها ، استصرخها ) ـ لا ، لا ..... ( أعود محاولا تثبيتها مرة أخرى ، لعلي أصلح ما أفسدت ) ـ بالله عليك عودي مرة أخرى للحياة ، استيقظي ، أرجوك لا تتركيني أنت أيضا .... ( تتساقط دموعي الدافئة ، تغرقها ) ـ أرجوك ، أرجوك ، أنت آخر ما تبقى من هدايا ، لم يبق لي غيرك ، ( أهزها بين كفي ، و أهزها ، أقربها لأذني ، تتوالى موجات الصمت ، أضعها جانبا ، أذهب للنافذة التي أسدلت عليها الأحزان ستائرها ، أفضها ، تتساقط أمطار دموع الأسى ، أتطلع إلى السماء ، استبين وجهها القمري ، وحيد خلف هذه التراكمات من السحب الرمادية الكثيفة ، أرتد خائب الرجاء ، أرى المصابيح الشاحبة مشنوقة فوق الأعمدة في صمت ، ضوءها يصبغ الشوارع باصفرار حزن عميق ، البيوت الثكلى تصطف على الجانبين في سكون مهيب ، تنتظر عودة من رحلوا دون وداع ، لملموا ما تبقى من ابتسامات فوق الشفاه و ذهبوا ، أخذت براءة ضحكاتهم تتوارى خلف الجبال العالية ، و بقينا في انتظار عودتهم كل مساء ، نخرج إلى الطرقات ، آملين إشراق الأزاهير بقلوبنا ، نبحث عن بقايا الفرحة التي غرسوها بضفافنا ، ننتظر و ننتظر ، ساعات مرت و ساعات ، تنسج الأيام بانتظارنا السنوات ، تتوالى زخات المطر لإزاحة هذا الألم المتراكم فوق الجدران ، علها تطفئ حرقة الأشواق ، تتراقص الصورة بعيني ، اغرورقت البيوت و الطرقات ، تفور التأوهات بصدري ، أبخرة أنفاسي الحارة أسدلت الضباب على المشهد ، أسمع صوت يقول ) ـ كفاك ، بالله عليك كفى ، فالرياح التي مرت مرة من هنا ، لن تعــــــود ، و من ذهب هناك ، أبدا لن يعــــــود ، لن يعـــــــــــود ، لن يعـــــــــــــــــــــود ..................