هي أمنا عائشـة بنت أبي بكر الصديـق رضي الله عنه ، عبد الله بن أبي قحافـة عثمان بن عامر من ولد تيـم بن مرة، ولدت أمنا عائشـة بعد البعثه بأربع سنين، وعقد عليها رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنة، ودخـل عليها بعد الهجرة بسنة أو سنتيـن ... وقُبِضَ عنها الرسول الكريم وهي بنـت ثمان عشرة سنة، وعاشت ست وستين سنة، وحفظت القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وروت عنه مئات الأحاديث...
و ما كان من أمر أمنا عائشه قبل خطبتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خطبها المطعم بن عدى الى ابنه جبير فلما جاءت خوله بنت حكيم لتخطبها لرسول الله قال لها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: انتظرينى حتى ارجع ...
وقالت أم رومان تجلو الموقف للخاطبه : إن المطعم بن عدى كان قد ذكرعائشه على ابنه جبير وما وعد أبو بكر شيئا قط فأخلف.
دخل سيدنا أبو بكر على مطعم وعند امرأته أم جبريل وكانت مشركه فقالت العجوز : يابن أبا قحافه لعلنا إن زوجنا ابننا بإبنتك ، أن يصبأ وتدخله فى دينك الذى أنت عليه؟فلم يرد عليها سيدنا أبو بكر ، بل التفت الى زوجها المطعم وقال : ما تقول هذه؟أجاب : انها تقول ذلك الذى سمعته .
فخرج سيدنا أبو بكر وقد شعر بارتياح لما أحله الله من وعده وعاد الى بيته فقال لخوله : ادعى رسول الله ...فما كان سيدنا ابوبكر ليزوج ابنته فى بيت من المشركين ينقمون على الاسلام والمسلمين .
وقد رآى النبي صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة في المنام قبل زواجه بها .ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيتُك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمضه" . متفق عليه .
كان لها رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إن عمرو بن العاص ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم :أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها . متفق عليه.
وكان يداعبها ، فعنها قالت : " والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ". رواه الإمام أحمد.
وقالت رضي الله عنها:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني لأعلم ّإذا كنت عني راضية ، وإذا كنت علي غضب . فقلت من أين تعرف ذلك؟
فقال : إذا كنت علي غضبى ، قلت : لا ورب إبراهيم ، وإذا كنت راضية قلت : لا ورب محمد .
قالت : أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك . متفق عليه.
وقالت رضي الله عنها:
إنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , وهي ما زالت صغيرة قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال لأصحابه: تقدموا، فتقدموا ثم قال: تعالي أسابقك . فسابقته ، فسبقته . فلما كان بعد ـ وفي رواية فسكت عني حتى إذا حملت وبدنت نسيت ، خرجت معه في سفر فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال :تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان ، وقد حملت اللحم ، فقلت : كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال ؟ فقال: لتفعلن ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وقال : هذه بتلك ". رواه أحمد وابو داود.
أمنا عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها
(الجزء الثاني)
علمها :
تلقت رضي الله عنها العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت من المكثرين في رواية الحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم امرأة أعلم منها بدين الإسلام .
قال الزُّهري : لو جُمعَ علمُ عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان عِلم عائشة أفضل .
وعن أبي موسى قال : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً .
قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة .
وقال عروة: ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .
حديث الإفك
حديث الإفك خطير أفظع الخطر في مضمونه ومحتواه... فمضمونه: العداء للإسلام والمسلمين، ومحتواه: قذف عرض النبي صلى الله عليه وسلم وإشاعة مقالة السوء في أهله الأطهار، وأغراضه: إكراه الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين على الخروج من المدينة، وأهدافه: إزالة آثار الإسلام والإيمان من قلوب الأنصار...
الحادثة
في غزوة المصطلق سنة ست للهجرة، تقول أمنا عائشة: (فلما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجّه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل، ثم أذّن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت لبعض حاجاتي وفي عنقي عقد لي، فلما فرغت أنسل من عنقي ولا أدري.
فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خلافي، الذين كانوا يُرَحِّلون لي البعير، وقد فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أني فيه، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به، فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب، قد انطلق الناس...
فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو قد افتُقدت لرُجع إلي، فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطّل السُّلَمي، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب.
فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وأنا متلففة في ثيابي، قال: ما خلّفك يرحمك الله؟ ... فما كلمته ، ثم قرب البعير فقال: اركبي ... واستأخر عني، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتُقدت حتى أصبحت، ونزل الناس، فلما أطمأنوا طلع الرجل يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، فارتعج العسكر، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك)...
وفي المدينة مرضت السيـدة عائشـة مرضاً شديداً، ولم تعلم بالحديـث الذي وصل للرسـول صلى الله عليه وسلم وأبويها، إلا أنها قد أنكرت من الرسول صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بها، وحين رأت جفائه لها استأذنت بالانتقال إلى أمها لتمرضها فأذن لها...
الأوس والخزرج
وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس، ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق؟... والله ما علمت منهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجلِ والله ما علمت منه إلا خيراً، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي"... فلمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، قال أسيْد بن حُضَيْر: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمُرْنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم ...
فقام سعد بن عُبادة فقال: كذبت إنك لا تُضرَب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا... قال أسيد: كذبت ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين... وتساور الناس حتى كاد أن يكون بين هذين الحيّين من الأوس والخزرج شرّ، ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل على عائشة...
الإستشارة
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيراً وقال: يا رسول الله، أهلك، ولا نعلم عليهن إلا خيراً، وهذا الكذب و الباطل ... وأما عليّ فإنه قال: يا رسول الله، إنّ النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسلِ الجارية تصدُقك ...
الرسول وعائشة
تقول السيدة عائشة: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار، وأنا أبكي وهي تبكي معي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا عائشة، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس، فاتّقي الله وإن كنت قارفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي الى الله، فإن الله يقبل التوبة من عباده"...
قالت: فوالله ما هو إلا أن قال ذلك، فقلص دمعي، حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبَوَيّ أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما... فقلت لهما: ألا تجيبان رسول الله؟ ... فقالا لي: والله ما ندري بماذا نجيبه ...
قالت: فلما أن استعجما عليّ استعبرت فبكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أنّي منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما تقولون لا تُصدِّقونني، ولكني أقول كما قال أبو يوسف: "فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون"...
البراءة
قالت السيدة عائشة: فوالله ما بَرِحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسُجِّي بثوبه، ووضِعت له وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت كثيرا ولا باليت، قد عرفت أني بريئة، وإن الله غير ظالمي، ثم سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول:
"أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتـك... ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل اللـه عز وجل من القرآن... سورة النور (11-19)... وبدايتها...
قال تعالى: "إنَّ الذين جَاؤُوا بالإفكِ عُصْبَةُ منكم، لا تحسبوه شراً لكم بلْ هو خيرُ لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسبَ من الإثم، والذي تولَّى كِبْرَهُ منهم له عذابٌ عظيمٌ * لولا إذ سمعتُموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفكٌ مبينً"...
إقامة الحد
ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمسطح بن أثاثه، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدَّهم...