( دخل ( التوابتي ) على شيخ الخفر يصرخ ) ـ إلحق يا شيخ الغفر ، مصيبة و حطت على راسنا كلنا ... ـ مصيبة إيه يا وله اتكلم . ـ العمدة فاق م البنج .... ـ عمدة مين يا وله ؟ ـ هو فيه غيره ؟ عمدة كفر البلاص طبعا ... ـ حصل إمتى الكلام ده يا وله ؟ ـ أني لسه جاي من عنده دلوقتي حالا ... ـ معقولة ؟ مش ممكن ، أمال إيه اللي كان بيقوله الدكتور ده ؟ ـ أني عارف بقى ، ده الغريبة كمان إنه مش فاق و بس ، ده بيتكلم و بيحرك إيديه كمان ... ـ طب هم يلا بينا ع المستشفى يا وله . ( خرج شيخ الخفر و التوابتي مسرعين ) ........... ( في غرفة الإنعاش بالمستشفى جلس العمدة على سريره ، و جلس عبد الجبار إلى جواره يطعمه ، يدخل شيخ الخفر و التوابتي ، يصيح شيخ الخفر ) ـ الله أكبر ، اللهم صلي ع النبي ، حمد الله على سلامتك يا أبا العمدة ، ألف حمد الله على السلامة ... ( نظر العمدة إلى شيخ الخفر و ابتسم ، قال بصوت واهن ) ـ الله يسلمك يا طاهر . ( يكلم التوابتي نفسه ) ـ طاهر كده حاف ؟ ( يقاطعه العمدة ) ـ إزيك يا توابتي ؟ ـ أهلا و سهلا يا حضرة العمدة ، حمد الله على سلامتك ، دي إيه الغيبة الطويلة دي ؟ ـ غيبة إيه ؟ ( يضرب شيخ الخفر التوابتي على رأسه ) ـ بس يا بجم ، لا مؤاخذة يا أبا العمدة ، أصله طول عمره أهبل ، بيحدف كلام زي الدبش ، ( يوجه كلامه للتوابتي ) مش مراتك كانت بتنادي عليك يا توابتي ؟ روح شوفها عايزة إيه و خد عبد الجبار معاك يمشي رجله حبة . ( أخذ شيخ الخفر إناء الطعام من بين يدي عبد الجبار ، أشار للتوابتي بعينه ، عندها قال التوابتي ) ـ إيوة إيوة صحيح تعالى معايا يا عبد الجبار ، كنت عاوزك في كلمتين ... ( يخرج عبد الجبار بصحبة التوابتي ، بينما جلس شيخ الخفر بجوار العمدة يطعمه ، تساءل العمدة ) ـ هو إيه اللي جرى يا وله ؟ و إيه اللي جابني المستشفى الأوبهة دي ؟ و بعدين إيه اللبس الألاجة اللي أنته لابسه ده ؟ ـ أصل حضرتك كنت بعافية شوية يا أبا العمدة ، و كنت لا مؤاخذة غايب عن الدنيا حبتين ، بس الحمد لله أديك قمت أهو بالسلامة ، الدكاترة لسه مطمنيني عليك دلوقتي حالا . ـ هو أنا نمت كتير و إلا إيه ؟ ـ يعني قول كده نمت لك بتاع خمس ست شهور تقريبا . ـ خمس ست شهور ؟ معقولة ؟ ـ بس أديك أهوه زي الحصان ، حمد الله على السلامة . ـ الله يسلمك يا طاهر ، طمني ، أخبار البلد و أهل البلد إيه ؟ ـ و الله يا أبا العمدة ، اللي حصل ف الست شهور دول يتحكوا في ست سنين ... ـ ليه ؟ إيه اللي جرى ؟ ـ بعد ما حصل اللي حصل لك ده ، مسكت أنا البلد بالنيابة عنك ، بس الله وكيل ، ما كنتش أعمل أيتها حاجة إلا بالمشورة ، زي ما انته علمتني بالظبط . ـ أصيل و ابن أصول يا طاهر ، نظرتي فيك ما تخيبش أبدا . ـ الله يخليك لينا يا أبا العمدة ، المهم يا سيدي ما أطولش عليك ، في يوم م الأيام كنت جايب عمال يدقوا طرمبة للجامع ، و تخيل طلع لينا إيه ؟ ـ أكيد مية موعين ... ـ لأ و الله العظيم ما حصل ، ده إحنا بصينا لقينا طالع لينا بترول يا عمدة . ـ بترول ؟ بتتكلم جد ؟ ـ إيوة و كتاب الله المجيد ، بترول ، كفر البلاص طلعت عايمة على بير بترول يا أبا العمدة ، و زي ما أنته شايف كده ، كل حاجة اتغيرت في الكفر ، يعني تصدق انته إن المستشفى اللي أنته نايم فيها دي في كفر البلاص ؟ ـ يعني إحنا دلوقتي في الكفر يا وله مش في البندر ؟ ـ بندر إيه يا أبا العمدة ؟ و هي البندر برضه فيها مستشفى بالحلاوة و العظمة دي ؟ ـ عاوز تقول إن الدكاترة و التمرجية البيض اللي شعرهم أصفر دول موجودين عندنا في الكفر ؟ ـ إيوة و الله العظيم في الكفر ، ده انته لو قمت و شفت الكفر م الشباك دلوقتي مش ها تعرفها .... ـ سندني يا وله لما أقوم ... ـ لا يا أبا العمدة ، الدكاترة منبهين إنك لسه لك يومين تلاتة على ما تقدر تقوم م السرير ، معلش فات الكتير ما بقى إلا القليل ، بس اني ممكن أوريك كل حاجة و انته نايم مكانك . ـ دي فزورة دي و إلا إيه يا وله ؟ ـ و لا فزورة و لا حاجة يا أبا العمدة ، شايف التليفزيون دهوه ؟ ـ ماله ؟ ـ دلوقتي حالا أتصل لك على الشركة الأجنبية و هي تيجي توصلهولك على الكاميرات اللي أني موزعها في الكفر ، و ها تشوف بنفسك الكفر كلاته قدامك و بالألوان كمان . ـ شركة أجنبية إيه دي راخرة ؟ ـ ما هو آني اتفقت مع شركة أجنبية عشان تيجي تطلع لينا البترول ، و زي ما انته شايف هي اللي جت و قلبت حال البلد بالشكل ده . ـ اللهم صلي على النبي ، و الشركة دي جبتوها إزاي ؟ ـ ما هو إحنا بعد ما لقينا البترول طالع م المواسير بتاع الطرمبة ، يا دوبك ما فاتش ساعتين تلاتة إلا و لقينا الشركة الأجنبية دي ما تعرفش شمت خبر إزاي و لقيناهم فوق راسنا ، و طبعا انته كنت بعافية و مش داري عن الدنيا ، فاتفقت أنا معاهم إنهم يطلعوا لنا البترول و يشتروه مننا كمان ، مش بس كده ، دول جابوا لنا عمال و عربيات و معدات و بنوا لنا بيوت و أسواق ، و اللي زاد و غطى ، جابوا لنا دبابات و صواريخ و عساكر من عندهم كمان ..... ـ دبابات و صواريخ و عساكر ؟ ليه إن شاء الله ؟ ـ عشان يحرسوا البلد . ـ يحرسوا البلد ؟ ليه و الغفر راحوا فين ؟ ـ غفر مين يا عمدة ؟ الغفر دول كبيرهم يلعبوا في مناخيرهم و همه برضه شوية الغفر دول كانوا ها يقدروا يحرسوا البترول ده كله ؟ و بعدين بلدنا صغيرة زي ما انته عارف يا أبا العمدة ، و بعد ما طلع عندنا بترول ممكن قوي كل اللي حوالينا يطمعوا فينا ، ده كفاية بس لما يشموا خبر بالفلوس المتلتلة اللي بناخدها تمن البترول ؟ ـ فلوس متلتلة ؟ ـ أمال إيه ياعمدة ، دي ملايين ، ملايين ما تتعدش يا عمدة ، و عشان كده لما عرضوا عليا إنهم يحمونا ، الصراحة كده ما كدبتش خبر . ـ طب و الملايين دي كلها بتخبوها فين ؟ ـ لا ما تخافش عليا ، ما هو اني اتفقت مع الشركة إنها تحطهم بإسمنا في بنوك سويسرا .... ـ بنوك سويسرا ؟ ـ أمال ها نسيب ملايين زي دي كده هنا في كفر البلاص ؟ ـ طب و أخبار أهل البلد إيه ؟ ـ أهل البلد زي الفل ، واكلين شاربين قاعدين نايمين في العسل ، واخدين حقهم تالت و متلت . ( تدخل الممرضة الأجنبية ، تحمل في كل يد كوبا بلاستيكيا ، تتكلم العربية بلكنة أجنبية ) ـ بليز ، ده وكت الدوا يا أومدة . ( تناول العمدة أحد الكوبين و الذي يوجد به بعض أقراص الدواء ، يصب ما به في كفه و يضعها في فمه ، تناوله الكوب الآخر ليشرب ، عندها يقف شيخ الخفر ، يسأله العمدة ) ـ على فين يا طاهر ؟ ـ كفاية كده ، عشان أسيبك ترتاح ، و أهو برضه أروح أشوف أحوال أهالي البلد ، تأمرني بأيتها حاجة يا أبا العمدة ؟ ـ الله يبارك فيك يا طاهر ، ألف شكر . ـ طب سلام عليكم . ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .
( وقفت جموع الخدم أمام المستشفى ينتظرون خروج العمدة ،
كل منهم يحمل لافتة مكتوب عليها عبارات الترحيب و السعادة بعودة العمدة سالما ،
اصطف الجنود بجوار بعضهم البعض أمام الخدم لمنعهم من التقدم ،
أمام باب المستشفى وقفت عربة عسكرية مكشوفة ،
يقودها أحد الجنود من ذوي البشرة البيضاء و الشعر الأصفر ،
يخرج العمدة من باب المستشفى بصحبة شيخ الخفر ، يسير خلفهما التوابتي و عبد الجبار ،
بمجرد خروج العمدة من باب المستشفى بدأ الخدم يصفقون و يرددون الهتافات )
ـ حمد الله ع السلامة ، حمد الله ع السلامة .
( تفاجأ العمدة بالمشهد )
ـ إيه ده يا شيخ الغفر ؟
ـ خير يا عمدة ؟
ـ مين دول ؟
ـ دول الخدم اللي الأهالي جايبنهم من بلاد بره يخدموهم .
ـ أمال فين أهل البلد ؟
ـ أكيد ها نلاقيهم واقفين في شوارع البلد مستنين الموكب بتاعك ...
ـ موكب إيه ؟
ـ ما هو أنا محضر لك العربية المكشوفة دي عشان نركبها و نمشي بيها في الكفر و أهي فرصة نطمن الناس عليك قبل ما تروح .
ـ كفر إيه ؟ هي فين الكفر ؟
ـ أهي قدامك أهي ...
ـ فين البيوت ؟
ـ ******ه ، لا ما هو احنا هدينا البيوت القديمة كلها ، و الشركة بنت لكل واحد قصر زي ما انته شايف كده .
ـ اللهم صلي ع النبي ، القصور دي كلها بتاع أهل البلد ؟
ـ أيوة أمال إيه ؟ مش أنا قلت لك مش ها تصدق التغيير اللي حصل للبلد ، يلا بينا نركب و ها تشوف بنفسك .
ـ أركب ؟
ـ إيوة ، أمال يعني ها نمشي على رجلينا ؟ البلد ما عدتش صغيرة زي الأول ، و الدكاترة منبهين إنك لسه ما تقدرش تمشي على رجليك مشوار كبير زي ده .
ـ طيب ، لما نشوف أخرتها .
( يركب العمدة العربة المكشوفة ، و يركب شيخ الخفر إلى جواره ، تسير بهم العربة ، و يركب التوابتي و عبد الجبار عربة أخرى تسير خلفهم ، يزداد تصفيق و هتاف الخدم ، ينظر العمدة يمينا و يسارا مستغربا )
ـ أمال فين الأراضي الزراعية يا شيخ الغفر ؟
ـ أراضي إيه بقى ، ما كان زمان و جبر .
ـ يعني إيه كان زمان و جبر ؟
ـ يعني الشركة خدت الأراضي زي ما قلت لك المرة اللي فاتت .
ـ و أهالي البلد عايشين إزاي ؟ بياكلوا و يشربوا منين ؟
ـ شايف القصر الأزرق اللي هناك ده ؟
ـ ماله ؟
ـ ما هو ده بقى السوق اللي بيبيعوا فيه الأكل و الشرب و الذي منه ، يعني تلاقي فيه جميع أصناف الفاكهة و الخضار و السمك و اللحمة و الرز و العيش و كل اللي قلبك يحبه ، و كله بنجيبه من بلاد بره ، و طازة ف طازة يوم بيومه ، ها تلاقي فيه بقى إشي خص استرالي و جرجير هندي و تفاح أمريكاني ، ده غير الهدوم و الشامبو و الألعاب ، و التليفزيونات ، و الموبايلات ، و أقولك إيه بس و إلا إيه ، عاوز لك على الأقل تلف فيه تلات سنين لما تجيب آخره ......
ـ طب و الناس ها تشتري الحاجات دي كلها إزاي ؟
ـ ما هي الشركة الله يعمر بيتها بتدي لكل فلاح فيهم راتب خمس تلاف جنيه في الشهر ، مقابل إن الشركة تاخد كل أراضي البلد و يحفروا و يدوروا فيها ع البترول براحتهم .
ـ عاوز تقول إن الشركة بورت الأراضي الزراعية كلها ؟
ـ أمال يعني الشركة ها تتحرك إزاي ؟ بالحمير ؟ دول عندهم معدات كبيرة قوي عشان يحفروا و يدوروا ع البترول ، و لازم طبعا تساوي الأراضي كلتها ببعضيها عشان يعرفوا يتحركوا بالمعدات الكبيرة دي ، و بعدين همه الفلاحين عاوزين إيه أكتر من كده ؟
ـ و أهل البلد بقى قاعدين من غير شغلة و لا مشغلة ؟
ـ و يشتغلوا ليه و إلا يتعبوا نفسهم ليه بقى يا عمدة ؟ هو إحنا مخلينهم محتاجين أيتها حاجة ؟ ده إحنا كمان بنديهم تموين كل أول شهر ، من زيت و سكر و دقيق و الذي منه ، ده إحنا منغنغينهم ع الآخر ......
ـ إيوة ، بس برضه الإيد البطالة نجسة ...
ـ نجسة لما تبقى إيد بطالة و مش لاقية تاكل و تشرب و تلبس ، أكيد في الحالة دي ها تسرق و تنهب ، لكن إحنا مش مخليين في نفسهم حاجة ، ده احنا ممرمغينهم في العز مرمغة ....
ـ إنته ممرمغهم في العز دلوقتي ، النهاردة ، طب و بكرة ها نعمل إيه ؟
ـ بكرة ، ها نمرمغهم تاني و تالت و رابع و هالمه جرة .....
ـ و البترول ده ، مش ها يجي له يوم و يخلص ، و إلا ها يفضل كده على طول ؟
ـ يخلص إيه ؟ بأقولك بيـــــــر ، بير ما لوش قرار .
ـ حتى لو بير برضه لازم يجي يوم و يخلص ....
ـ عيشني و نغنغني انته النهاردة و موتني بكرة .....
ـ يا سلام ، يعني كل اللي يهمك نفسك و بس ؟ طب ما سألتش نفسك ، ابني و ابنك ها يعملوا إيه بكرة ؟
ـ و هوه إحنا مخليين في نفسهم حاجة ، ده إحنا فاتحينها لهم ع البحرى .
ـ برضه ما فيش فايدة ، ما بتبصش إلا تحت رجليك ، أنا قصدي العيال دي بكرة لما تكبر و البترول يخلص ، ها يعملوا إيه يا فالح بعد ما بورتوا لهم الأرض .
ـ ليهم رب بقى يا عمدة ، و همه يعني اللي قبلينا عملوا لنا إيه ؟
ـ لا ، اللي قبلينا عملوا لنا و نص ، كفاية انهم حافظوا لنا على أرض جدودهم و راعوها لغاية لما وصلت لينا ، و إحنا المفروض برضه نحافظ عليها لغاية لما نسيبها لولادنا .
( يصرخ شيخ الخفر )
ـ يعني انته عاوزنا نسيب العز ده كله عشان كلام فارغ ؟
ـ كلام فارغ ؟ ما تحترم نفسك يا بهيم ....
ـ بهيم عشان عاوز أريح الناس م التعب و الشقى ؟
ـ أيوة بهيم ، و شكلك اتجننت خلاص ....
ـ أني برضه إلا اتجننت ؟ و إلا أنته اللي كبرت و خرفت ؟
( عندها يلطم العمدة شيخ الخفر على وجهه ، و يصرخ )
ـ جن لما يجنك يا كلب ..........
( عندها يرد شيخ الخفر اللطمة للعمدة ، و يصرخ في وجهه )
ـ إنته اللي ستين كلب ، ما عاش و لا كان اللي يضرب زعيم كفر البلاص ، تلاتة بالله العظيم أدفنك هنا و لا حد يدرى عنك ، انته فاكر إنك لسه عمدة و إلا إيه ؟ لأ خلااااص ، فــــــــوق ، شوف انته بتكلم ميــــــــــــــــن ....
ـ انته بتضربني يا ابن هنومة الهبلة ؟
( يمسك كل من العمدة و شيخ الخفر بخناق الآخر ، يتعالى صياحهم ، تتوقف العربات ، داخل العربة الأخرى يرفع التوابتي مسدسه في وجه عبد الجبار ، يصرخ في قائد العربة )
ـ اقبض على الراجل ده بسرعة و إياك يفلت منك ....
( ينزل التوابتي من السيارة ، يغلق الباب بعنف )
ـ اطلع بيه على السجن بسرعة ......
( يضغط قائد العربة على الأزرار فتغلق أبواب العربة أوتوماتيكيا ، يتجه التوابتي إلى العربة التي يركب فيها العمدة ، يرفع سلاحه في وجهه ، يصرخ )
ـ اقبضوا على المجنون ده بسرعة ، ده عاوز يقتل الزعيم .
( يشير إلى العمدة ، عندها يتجمع الجنود من ذوي البشرة البيضاء حول السيارة ، يرفعون مدافعهم في وجه العمدة ، يفتح التوابتي الباب من ناحية شيخ الخفر ، يجذبه بقوة خارج العربة ، يصرخ )
ـ اطلعوا بالمجنون ده بسرعة على السجن .
( يحيط الجنود بالعمدة ، يصعدون على جوانب العربة ، تنطلق العربة بسرعة ، يشير التوابتي إلى عربة ثالثة ، يدفع شيخ الخفر بداخلها ، يصرخ )
ـ ادخل جنابك بسرعة ...
( يدخل شيخ الخفر و يدخل معه التوابتي ، يصرخ في قائد العربة )
ـ اطلع وراهم بسرعة ع السجن ...
( تنطلق العربات بسرعة البرق ، تطلق أبواق التنبيه ، تخترق الشوارع ، حتى تصل إلى مبنى منعزل بأطراف القرية ، تتوقف هناك ،
ينزل شيخ الخفر و التوابتي ، بينما يحمل الجنود العمدة و عبد الجبار إلى الداخل )
ـ و عليكم السلام ، أهلا بزعيم كفر البلاص ، حمد الله على السلامة .
ـ الله يسلمك يا توابتي ، بس أنته الله ينور عليك يا توابتي .
ـ و عليك يا زعيم ، و هو أني مهما عملت مش ممكن أبدا أوفي الدين اللي ليك في رقبتي .
ـ لأ بجد ، انته جيت في وقتك ، و أحلى حاجة إنك عالجت الموضوع بسرعة ، و من غير ما حد ياخد باله .
ـ أنا لقيتني بأجري عليكم من غير ما أحس ، و بعدين عاوزني أشوف المجنون ده بيضربك و أعمل إيه يعني ؟ ده تتقطع إيده من بدري ....
ـ و هو انته فكرك إني سكت له ؟ تلاتة بالله العظيم ما لقيت نفسي إلا بأرد له القلم قلمين ....
ـ ما آني شوفتك و أنت نازل فيه دب ، ده كان ها يموت في إيدك .
ـ ليكون فاكر نفسه لسه عمدة زي زمان ؟
ـ قول للزمان ارجع يا زمان ، أصل ده بعيد عنك راجل ما يتمرش فيه الخير ..
ـ تخيل انته بعد كل اللي عملتهوله ده كله يكون ده جزاتي ؟
ـ مش بيقول لك ، آخر خدمة الغز علقة ؟
ـ على رأيك .
ـ بس ده كان ماشي كويس و زي الفل ، نفسي أعرف إيه اللي قلبه القلبة دي كده فجأة ؟
ـ الراجل الأهبل لسه بأقول له إن الشركة خدت الأراضي من أهل البلد عشان يعرفوا يشوفوا شغلهم ، و ده اللوسة جت له ...
ـ مش بأقول لك إتجنن .
ـ قال إيه عاوز الناس ترجع تاني تزرع و تقلع .....
ـ تقلع ؟ أعوذ بالله ، بالذمة ده كلام ناس عاقلين ؟ يعني عاوز الناس بقى تمشي بلابيص في الشارع ؟
( لم يستطع شيخ الخفر منع الضحك الذي سيطر عليه فأطلق له العنان )
ـ إيوه كده اضحك اضحك ، ما حدش واخد منها حاجة ....
ـ ما يقصدش كده ، هو قصده يعني إن الناس ترجع تاني تفلح في أرضها ، قال إيه يقول لي ، طب و عيالنا ها يعملوا إيه بكره لما يكبروا ؟
ـ و إيه اللي دخل عيالنا دلوقتي في الموضوع ؟
ـ آني عارف و هو إحنا مقصرين مع العيال ؟
ـ مقصرين إزاي بس ، ده إحنا مش حارمينهم من أيتها حاجة .
ـ و غير كده ها نسيب لهم شيء و شويات ، ده احنا ها نسيب لهم ملايين متلتلة .....
ـ دول لو قعدوا يصرفوا فيها عمرهم كله مش ها يقدروا يخلصوها .
ـ المهم دلوقتي أنا عاوزك تشدد الحراسة عليه هو و الواد عبد الجبار ...
ـ ده أني حاطط عليهم حراسة تسد عين الشمس ....
ـ و تخليك حابسهم كده لغاية لما نشوف لهم صرفة ، و خلي بالك ، ممنوع أي حد يدخل لهم ...
ـ وحياتك ما هايشوفوا النور تاني ( يهمس ) تحب أخلصك منهم خالص ؟
ـ لأ ، بأقول لك إيه ، بلاش أفكارك اللي تودي في داهية دي .
ـ و لا تودي في داهية و لا حاجة ، دي فكرة و لا تخطر على بال إبليس نفسه .....
ـ أعوذ بالله منك يا شيخ ....
ـ طب بس خد مني ، أصل أنا نشرت الخبر في الكفر ، و الأهالي كلتها عارفين دلوقتي إن العمدة اتجنن .....
ـ حلو كده ....
ـ و إحنا بقى ها نقول إنه من جنانه قام في ليلة و حاول يقتل الواد عبد الجبار ، و الواد عبد الجبار قتله دفاع عن النفس ، و بكده يبقى ضربنا عصفورين بحجر ، خلصنا م العمدة و نعدم الواد عبد الجبار بتهمة قتله .
ـ لأ معلش ، خلي أفكارك دي لنفسك ، المهم عندي دلوقتي إن البلد كلتها تعرف إن إحنا خايفين عليهم م العمدة ، لأنه بقى خطر عليهم .
ـ ما فيش أبسط من كده .
ـ نفسي الناس تنسى العمدة ده خالص ، و ما يبقاش على لسانهم غير شيخ الغفر و بس .
ـ إعتبرهم نسيوه خلاص ....
ـ مش ها ينسوه بسهولة كده ، آني عارف ، عشان كده عاوزك تنشر في البلد إن العمدة كان عاوز يمنع عنهم الراتب و التموين اللي بياخدوه كل شهر ، و إن آني اللي وقفت له ....
ـ ماشي ، و لا يكون عندك فكرة ...
ـ و عاوزك كمان من بداية الشهر الجاي تزود للناس الراتب و التموين اللي بياخدوه ، و لازم الناس كلتها تعرف مين صاحب الفضل عليهم .
ـ ما هو آني عشان كده كنت جاي لك ، و كانت عندي كام فكرة كده كنت عاوز آخد رأيك فيهم .
ـ و ساكت ليه ؟ ما تقول ...
ـ كنت عاوز أسألك سؤال الأول .
ـ اسأل .
ـ هو إحنا أقل من أمريكا أو أوروبا ؟
ـ لأ طبعا ، دول همه ذات نفسيهم يتمنوا يبقوا ربعنا .
ـ طيب ليه بقى بنشتري كل حاجة عندنا بالدولار ؟
ـ أمال عاوزنا نشتري بالجنيه ؟
ـ لأ طبعا ، لكن إيه المانع إننا نعمل لنا عملة خاصة بينا إحنا ؟
ـ ما فيش أيتها مانع .
ـ و ياريت نعملها م الدهب عيار أربعة و عشرين ، و نحط صورتك عليها ، و بكده ها تبقى صورتك مع كل واحد في الكفر .....
ـ الله عليك ، و ها نسميها إيه بقى ؟
ـ الزورار .
ـ زورار ؟
ـ أيوه عشان يناطح الدولار من ناحية ، و م الناحية التانية يدخل أيتها عروة في البلد ......
ـ هههههههههههه .......
ـ مش كده و بس ، لأ ، ده غير صورتك اللي ها نحطها ف كل بيت و ف كل حارة و زقاق ، و ها نحطها كمان على التموين اللي بنديه للأهالي كل شهر ، و ممكن نكتب عليها كمان (منحة شيخ الغفر) تحت صورتك ، و بكده ها يبقى على لسان الناس غير سيرة شيخ الغفر و بس .
ـ الله ينور عليك ، انته دماغك بدأت تجيب زبدة أهي ...
ـ مش بس كده ، ده آني عاوز كمان أعمل شوية حفلات و أخلي العيال اللي بتكتب أغاني تكتب كام أغنية عنك و عن بطولاتك و اللي عملته للكفر ، ده بقى غير المسابقات و الجوايز اللي ها تبقى باسمك طبعا ، و أهي فرصة عشان نمرمغ الناس في العز ، هو الواحد مننا ها يعيش كام مرة يعني ؟
ـ على رأيك ، العمر واحد و الرب واحد ....
ـ مش المجنون اللي بيقول لي خلي الناس ترجع تشتغل تاني ، بالذمة ده كلام برضه ؟
ـ خلاص ، آدي تفويض مني أهوه عشان تكاليف الحاجات دي كلها .
( يأخذ شيخ الخفر إحدى الأوراق من فوق المكتب أمامه و يوقع عليها و يناولها للتوابتي )
ـ و عاوزك برضه تعمل لي جرنان كفر البلاص ، و تنزل فيه أخبار الكفر يوم بيوم ، و طبعا مش ها أوصيك ع اللي ها يتكتب عليا كل يوم ، الناس لازم تعرف أنا بأعمل إيه عشانهم كل يوم ، و برضه عاوز العيال بتوع الإذاعة و التلفزيون بتاع الكفر يتلحلحوا شوية .....
ـ و الله و لا لك عليا حلفان كنت ها أعمل كده ، بس كنت هاخليها لك مفاجأة ، بس انته حرقتها لي .....
ـ مش عارف من غيرك كنت ها أعمل إيه يا توابتي ؟
ـ ده إحنا اللي من غيرك و لا كنا نسوى تلاتة تعريفه ، ربنا يخليك لينا يا كبير كفر البلاص ، ربنا يخليك لينا ......
( في قاعة الاجتماعات بقصر شيخ الخفر ،
جلس الخفر إلى طاولة مستديرة كبيرة ،
كل منهم يرتدي ملابسه العسكرية الأنيقة ، وضع كل منهم فوق كتفه رتبته العسكرية ( سبعة نجوم ) ، و على صدر كل منهم عدة نياشين ،
افترش كل منهم بعض الأوراق أمامه ،
يقف خلف كل منهم جندي من ذوي البشرة البيضاء ، يحمل ملفا به بعض الأوراق ،
يدخل شيخ الخفر ، يقف الجميع رافعي أيديهم يؤدون التحية العسكرية ، يصرخون )
ـ عاش الطاهر ، عاش ، عاش ، عاش .
ـ عاش الطاهر ، عاش ، عاش ، عاش .
( يؤخر أحد الجنود الكرسي الأكبر على الطاولة فيجلس شيخ الخفر ،
يشير إلى الخفر بالجلوس فيجلسون ،
يشير إلى التوابتي فيبدأ بالكلام )
ـ نبدأ كلامنا كده بالصلاة على النبي .
( يردد الجميع )
ـ اللهم صلي عليك يا نبي .
ـ دلوقتي إحنا مجتمعين عشان نشوف حل في المصيبة السودة اللي حصلت امبارح بالليل و اللي غرسنا فيها الواد حمو ابن شيخ الغفر ....
( يتنحنح الزعيم و ينظر إلى التوابتي شذرا فيستدرك ) قصدي فخامة شيخ الغفر الصغنن ......
( يحدث بعض الهرج ، و يميل أحد الخفر إلى الجالس بجواره )
ـ لا مؤاخذة أصل أنا نمت امبارح بدري و ما أعرفش اللي حصل ، هو فخامة شيخ الغفر الصغنن عمل إيه ؟
( يهمس الخفير )
ـ أصل فخامته كان بيلعب نشان مع اصحابه ، طلعت طلقة غصب عنه من الرشاش بتاعه فموت الواد ابن عباس التهامي .
ـ أكيد الواد ابن عباس التهامي هو اللي غلطان ، بالذمة فيه حد عاقل برضه يقف قدام القطر ؟
( عندها يرفع شيخ الخفر يده فيصمت الجميع )
ـ أنا جمعتكوا النهاردة عشان نشوف حل للمصيبة السودة دي .
( يرد عليه أحد الخفر )
ـ و لا مصيبة و لا حاجة فخامتك .
( يرد آخر )
ـ هو كان حصل إيه يعني ؟
( يرد ثالث )
ـ أنا شايف سعادتك مكبر المسألة حبتين ..
( يرد رابع )
ـ الموضوع مش مستاهل كل ده .
( يقاطعهم شيخ الخفر )
ـ لا إزاي ؟ ده الموضوع كبير و كبير قوي كمان ، و أنا شايف إن لابد من القصاص .
ـ قصاص إيه بس فخامتك ؟
ـ ده مهما كان برضه شيخ الغفر الصغنن ، و ولاد التهامي و أهل البلد كلاتها فدا البيه الصغنن .
ـ أهم يا خدوا لهم قرشين حلوين تعويض و تنتهي المسألة ...
ـ ده أنا سمعت إن أبو الواد و أهله واقفين من امبارح على باب القصر طالبين مقابلة فخامتك .
( عندها يقاطعهم التوابتي )
ـ بعد إذن فخامتك لو تسمح لهم يدخلوا .
( يشير شيخ الخفر للجندي الواقف على باب القاعة )
ـ نادي على أبو المرحوم .
( ينادي الجندي )
ـ أبو المرهوم .
( يرد الرجل من الخارج )
ـ أفندم .
( يدفعه الجندي بقوة إلى داخل القاعة ، فيجري الرجل من أثر الدفعة إلى شيخ الخفر ، منكبا على كف شيخ الخفر يقبلها و يبكي )
ـ أبوس إيد فخامتك تسامح البيه الصغنن .
( عندها يسحب شيخ الخفر يده )
ـ لا يمكن ، و لو حتى بوست رجلي ( يمسك شيخ الخفر الرجل من رقبته و يدفعه ناحية قدمه ) مش ممكن أبدا أسامحه ، ده قتل واحد من ولادي .
ـ أبوس رجلك ، الواد ابننا هو اللي غلطان ، هو اللي جري و وقف قدام رشاش سعادته .
( يقاطعه التوابتي )
ـ و بعدين الواد عمره كده ، قضاء و قدر ، ها نعترض على قضاء ربنا ؟
( يقاطعه شيخ الخفر )
ـ استغفر الله العظيم ، أعوذ بالله ، بس برضه لازم يتعاقب عشان ما يعملهاش تاني .
ـ لو عاوز تعاقبه فخامتك ، ابقى امنعه يلعب (بلاي استيشن) يوم و إلا اتنين و خلاص .
( يبكي الرجل بين يدي شيخ الخفر )
ـ أرجوك تسامحه ، كفاية ان واحد من ولادنا مات ، نقوم نموت التاني بإيدينا ؟ بالذمة ده كلام ؟
( يقاطعه التوابتي )
ـ على الأقل سيب لهم واحد ، ده ابنهم و ده ابنهم برضه ..
ـ و ياما بيحصل يا سيدي ، دي مصارين البطن بتتخانق ...
( يقاطعهم شيخ الخفر مصمما على رأيه )
ـ لا يمكن ، لازم يتعاقب يعني لازم يتعاقب .
( عندها نسمع صوت هدير الجماهير خارج القصر ، يقوم التوابتي و يذهب إلى النافذة ، يسأله شيخ الخفر )
ـ فيه إيه ؟ إيه الصوت ده ؟
ـ دول أهالي البلد عاملين مظاهرات .
( يقوم شيخ الخفر إلى النافذة ، يتبعه الخفر )
ـ مظاهرات ؟ معقولة أهالي كفر البلاص يعملوا مظاهرات ؟
( خارج القصر يقف بعض الخدم يحملون لافتات يهتفون )
ـ العفو يا فخامة شيخ الغفر .
ـ العفو العفو العفو .
ـ العفو و السماح لأجل ما البلد ترتاح .
( عندها يتجمع الخفر حول شيخ الخفر ، يحاولون إثناءه )
ـ أرجوك تتنازل يا فخامة شيخ الغفر ....
ـ البلد كلتها بتطلب السماح من فخامتك ...
ـ أهالي البلد كلها واقعة في عرضك .
( عندها يعود شيخ الخفر ليجلس على كرسيه ،
عندها يأخذ التوابتي كبير عائلة التهامي إلى الباب )
ـ خلاص روح انته و احنا ها نقنعه ، توكل على الله انته ، و طمن الناس و قول لهم إن الزعيم كل همه إن أهل البلد كلاتهم يبقوا مبسوطين .
( يخرج الرجل ، بينما يعود التوابتي إلى كرسيه بجوار شيخ الخفر )
ـ خلاص بقة قلبك أبيض فخامتك ، تلاتة بالله العظيم ما انته مزعل البيه الصغنن ، هو احنا لينا بركة إلا هوه ؟
( يرد جميع الخفرفي صوت واحد )
ـ لا طبعا .
( يقاطعهم شيخ الخفر )
ـ مش ممكن ، مستحيــــــــــــــــــــل ...
ـ أهل البلد كلهم واقعين في عرضك ، و الله ما أنته مزعلهم، خلاص بقى .
ـ أيوة بس .....
ـ و لا بس و لا حاجة ، خلاص بقى ....
ـ خلاص ، ماشي ، سماح النوبة ، بس و الله العظيم ما هو قاعد على البلاي استيشن خمس تيام بلياليهم ، و أما أشوف بقى ، آني و إلا هوه ؟
( عندها يهلل الخفر و يصفقون و يهتفون )
ـ الله أكبر ، الله أكبر .
( يصرخ شيخ الخفر )
ـ بس علي الطلاق بالتلاتة لو عملها تاني ما ها أرحمه .
ـ لو عملها تاني ابقى اعمل فيه ما بدالك ، إن شا الله تحرمه شهر بحاله .
ـ خلاص خلاص .
( يهتف التوابتي رافعا يده لأعلى )
ـ عاش الطاهر .
( يرفع الجميع أيديهم ، يرددون )
ـ عاش ، عاش ، عاش .
( عندها نسمع بعض الأغاني يرددها الأهالي هنا و هناك )
ـ و سماح النوبة ، النوبة ،
و سماح النوبة ، النوبة ...........
( يتبع )