"شكرًا لمشاركتك في العصف الذهني الإماراتي، وستحظى مساهمتك بكل اهتمامنا لتطوير قطاعي الصحة والتعليم."
محمد بن راشد آل مكتوم
وصلتني الرسالة السابقة وبذات الصيغة يوم 12/12/2013 عبر البريد الإلكتروني، وذلك ردًا على فكرة تطويرية كنت قد كتبتها بعناية وأرسلتها قبل أربعة أيام. ومن المؤكد أن مثل هذه الرسالة قد وصلت إلى كل من شارك في العصف الذهني الذي قاده الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" بصفته رئيسًا لوزراء الإمارات يومي 8 و9 من شهر ديسمبر 2013، وبعد أسبوعين فقط من فوز مدينة دبي القوي بحق استضافة "معرض إكسبو 2020."
مصدر حرصي على ذكر هذه التفاصيل هو ضرورة تسجيل وتوثيق هذه الأحداث والعودة إليها مستقبلاً لنتمكن من الربط بين القرارات والأفعال والتصريحات من ناحية، والنتائج والإنجازات والانتصارات من ناحية أخرى؛ وهو ما نراه يتحقق على أرض الواقع في دبي كل يوم، وبين كل عشية وضحاها.
ليس هناك شك في أن الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" هو أعظم قائد عربي في العصر الحديث. ففي صيف عام 2007 أطلق مبادرة إنشاء "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم" ذات الأهداف التنويرية والثقافية، وأذكر أنه في ذات اليوم كان موقع المؤسسة الإلكتروني قد بدأ العمل، وكانت مشروعاتها – فعلاً – قد انطلقت. فما تعودناه من القادة الناجحين الذين عرفناهم أو قرأنا عنهم هو أن أفعالهم تتوافق وتترافق مع أقوالهم، أما في حالة هذا القائد الفذ، فإن أفعاله تسبق أقواله. فعندما تسمعه يتحدث عن مشروع، فثق تمامًا أن تنفيذ المشروع يكون قد بدأ فعلاً.
تمخض العصف الذهني الإماراتي عن 65 ألف فكرة واقتراح قبل وفي أثناء العملية التي شارك فيها الأمراء والوزراء والمواطنون والمقيمون على حد سواء؛ لتشكل مظاهرة إبداعية وابتكارية لا سابقة لها. فقد استخدمت جميع وسائل الاتصال في تلقي المشاركات، بقيادة "محمد بن راشد" كرئيس وزراء متفاعل ومتفائل. وكان مما قاله في أثناء فرز وتبني الأفكار الخلاقة: "جرّبت العصف الذهني مع الفرق الصغيرة وأحببت أن أجربه مع شعبي." فهو يرى أن تغير الزمن والظروف يفرض تغير الأدوات، وأن الثبات في عالم يتقدم يعني الممات.
فما مدى أهمية هذا المشروع التطويري في هذه الدولة الخلاقة ذات الرؤية العملاقة؟
يستخدم العصف الذهني عادة في التخطيط الاستراتيجي ودوائر الجودة لتحقيق الجودة والتخلص من الأخطاء أو تقليص نسبتها وتكاليفها إلى أدنى حد يمكن للبشر الوصول إليه. فهو يعتمد على التلقائية والبساطة والانفتاح في تلقي الأفكار دون قيود أو حدود، ثم التفاعل في تحليل أسباب الخلل اعتمادًا على البيانات والمعلومات التي تم جمعها. وتتم المشاركة وطرح الأفكار عبر تتابع الأدوار؛ حيث يطلب من كل مشارك المساهمة بفكرته عندما يحين دوره. وأجمل ما في هذه المنهجية الابتكارية هو المساواة بين الأفكار وعدم قبولها أو رفضها إلا بعد مناقشتها.
ونظرًا إلى اهتمامي العلمي وبحثي المستمر عن أفكار خلاقة لتطوير التعليم في العالم العربي، واستنادًا إلى نظرية "التمتين" التي ابتدعتها، فقد ركزت في مراقبتي للعصف الذهني الإماراتي على مخرجات العصف حول التعليم. وهذه بعض القرارات التي تمخض عنها:
- دراسة إلغاء نظام الأدبي والعلمي.. والتحول إلى نظام المواد الإجبارية والاختيارية، وهذه خطوة تطبيقية باتجاه "التمتين"؛
- استحداث مواد دراسية لتنمية الروح الريادية لدى الطلاب وتنمية مهاراتهم؛
- إطلاق مشروع لتقييم المدارس ونشر تقارير مفصلة حول أدائها الأكاديمي؛
- اعتماد مشروع لإلغاء السنة التأسيسية للجامعات عبر تطوير المواد الدراسية؛
- وضع نظام لتصنيف وتقييم المدارس الخاصة يتضمن حوافز للمدارس المتفوقة.
وهناك قرارات ومبادرات ومشروعات مماثلة اعتمدت أيضًا في مجال الصحة. وهذا لا يشير فقط إلى الجدية التي أديرت ونفذت بها العاصفة الذهنية الإماراتية، بل إنها قد منحت المشاركين الجادين إحساسًا بالملكية حيث شعر كل صاحب فكرة أنه شريك فيها ومسؤول عن نجاحها وتطبيقها. وهذا ذكاء تنفيذي لقائد ورئيس وزراء عربي ذي رؤية وصاحب رسالة، استطاع أن يحفز مواطنيه ومحبيه إلى المشاركة في عمليات التطوير والتحسين المستمر، مع ابتداع نظام "كايزن" عربي غير مسبوق عالميًا؛ فهو يشاور ويحاور ويبادر، فيغير ويطور على أرض الواقع، ومن موقع الأحداث؛ وهذا هو مفهوم "كايزن" الدقيق بلغة اليابانيين.
نسيم الصمادي Edara | Home page