عندما بلغت الستين، وكان ذلك قبل ستة أشهر، أجريت فحوصًا طبية شاملة لأرى كيف تبدو خريطة الطريق الصحية وأنا أدخل مرحلة الكهولة الافتراضية. قدمت عينات الفحص والأشعة للطبيب بطريقة لا تخلو من الغرور، وكأني واثق تمامًا من النتيجة. صحيح أنني كنت ولأول مرة في حياتي أستخدم ستة أدوية في نفس الوقت، إلا أنها كانت تخص عينيَّ المتعبتين منذ عام 2012، ونزلة برد مفاجئة، وكريم "فولتارين" لآلام الظهر التي يعاني منها معظم من تجاوزوا الخمسين.
خدش الطبيب غروري عندما هز رأسه وقال: "هناك ارتفاع ملحوظ في نسبة الدهون". قلت: "دهون! كيف؟ لست من عشاق اللحوم ولا حتى الدجاج، ومعظم أكلي من الأسماك والخضراوات والفواكه والبقوليات، وإفطاري دائمًا من العسل الطبيعي والفواكه والمكسرات وتحديدًا: اللوز والجوز والكاشو والفستق، وأحيانًا التمر والموز والتفاح والذرة؛ مع نصف كوب حليب." حذرني الطبيب من الكاشو ونصحني بممارسة الرياضة بجدية، وأعطاني دواءً لتكسير الدهون وقال: "إما أن تتناول الدواء أو تمارس الرياضة." لم أشتر الدواء لأنني قررت – وأنا أغادر العيادة – التركيز على الرياضة والغذاء لا على الدواء.
يقال بأن تغيير العادات من أصعب القرارات التي يواجهها الإنسان في حياته. لكن تجربتي الشخصية أثبتت – حتى الآن – أن تغيير التصرفات اليومية ليس مستحيلاً، بل يمكنني القول بأنه ليس بالغ الصعوبة. فمنذ شهر أكتوبر الماضي غيرت ما يلي:
- لم أعرف طعم السكر المُصَّنَع أو المُضاف أبدًا، ومهما كانت الظروف والمناسبات؛ فأضطر إلى تعويض ما أحتاجه من سكر بتناول الفواكه الحلوة من تمر وتين مجفف بالإضافة إلى الموز والعنب والبرتقال والعصائر الطبيعية.
- قللت شرب القهوة من 10 فناجين إلى اثنين يوميًا، فكانت النتيجة أن أدمنت الشاي الأخضر وبدأت أجري عليه بعض التجارب كما كنت أفعل مع القهوة، حتى عثرت مؤخرًا على شاي "بلانتا لاكس" وهو مليِّن للمعدة لا أنصح بشربه أكثر من مرة في اليوم.
- كتبت قبل بضع سنوات مقالاً بعنوان "فكرة واحدة لإنقاذ العالم" ومؤداها أنه يمكننا توفير ما بين 15% و25% من موارد العالم لو اكتفينا بوجبتين في اليوم بدلاً من ثلاث، فما بالكم بأربع؟! وما استطعت تغييره في عاداتي هو قسمة كل وجبة أتناولها إلى نصفين؛ فآكل نصفًا وأحتفظ بالثاني إلى اليوم التالي أو أعطيه لغيري. وهناك مقولة لا أعرف قائلها معناها: "نحن دائمًا نأخذ عندما نعطي أكثر مما أعطينا." فإعطاء نصف وجبتك إلى أي إنسان يتجاوز حدود الصدقة والإحسان والإيثار ويصل إلى حد الإبداع. فهو يعني أنك لن تصاب بالتخمة ولن تذهب إلى الطبيب كثيرًا وستواصل العمل بهمة ونشاط لساعات أطول.
- أما التغيير الجذري والمهم فهو ممارسة الرياضة. بدأت أمارس الرياضة صباحًا ومساءً؛ فأمشي ما لا يقل عن نصف ساعة، ثم أقلعت عن ركوب المصاعد، وأصبحت المسابح والسلالم ومسارات المشي أعز أصدقائي. ولم تكن النتيجة نقصانًا في الوزن فقط، بل حركةً أسرع وتفكيرًا أبرع وساعات عمل أطول، وكانت المعادلة الأخيرة مفاجأة لم أتوقعها.
فهل تريد تغيير عاداتك حقًا؟
تأمل ما قاله "شكسبير" في مسرحية "يوليوس قيصر": «الإنسان في بعض الأحيان هو سيد مصيره. فالعيب يا عزيزي "بروتس" ليس في أقدارنا، بل في نفوسنا التي تقبل أن نكون عبيدًا».
أنت لست عبدًا ويمكنك تحرير نفسك من أغلالك. يمكنك السيطرة على ما يسيطر عليك. فالعادات سلوك يومي نكرره فيريحنا، ثم ننصاع له. وعندما نُقلع عن عادة، تستعبدنا أخرى. فعندما نصعب على أنفسنا السلوك الخطأ سنستسهل السلوك الصحيح. وعندما نركز على الفعل الصحيح لا نعود أسرى وعبيدًا للنتيجة. وعندما نعطي نفوسنا وأجسادنا وعقولنا الكثير، نستطيع أن نسألها ونأخذ منها أكثر؛ لأننا في فنون الإدارة ندير ما نراقب ونركز على ما نهتم به. فالمبادرة والسيطرة في أيدينا. ولأن اللاوعي يسبق الوعي بثوانٍ معدودات دائمًا، فما علينا سوى أن نتحكم بأفعالنا وعاداتنا السيئة ونكسر إيقاعها كلما بدأت أو همت بأن تبدأ، إن لم تتوافق مع منظومة قيمنا وأهدافنا بعيدة المدى.
فهل تريد حقًا تغيير بعض عاداتك؟ أجب بشجاعة ولا تنتظر إجابة "يوليوس قيصر" الذي كان يرفض التراجع عن قراراته وكان يفاخر دائمًا بأنه ثابت لا يتزحزح من مكانه مثل جبل "الأولمب". Edara | Home page