“شعاع” و“خلاصات” و“إدارة.كـوم”
20 عامًا من الإبداع والإمتاع سأروي لكم حكاية في الإدارة لا تخلو من إثارة. وهي رحلة بحث في ذات الإنسان والزمان والمكان. فمع صدور عددي شهر ديسمبر / كانون أول 2012، تكون “خلاصات” قد استكملت 20 عامًا من عمرها، وأصدرت 500 عدد من سلسلتها الدورية، وأضافت أكثر من 20 مصطلحًا عربيًا جديدًا إلى اللغة العربية.
فكيف بدأت هذه الرحلة الطويلة حتى وصلت إليكم؟ وما هي وجهتها المستقبلية؟
في عام 1993 اتصل بي المهندس “إسماعيل عثمان” وكان رئيسًا لمجلس إدارة “المقاولون العرب”، وسألني إن كنا قد عرّبنا مصطلح Empowerment. كان عليه أن يلقي محاضرة في الجمعية العربية للإدارة حول “التمكين” لكن هذا المصطلح العربي الجميل لم يكن قد ولد بعد. ولم يكن البحث عبر الإنترنت ممكنًا أيضًا في ذلك الوقت. عكفت وفريق التحرير على ابتداع معنى للكلمة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى كنت أردد قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ <سورة الحج: 41>. مَكَّنَّاهُمْ: أي جعلنا لهم مكانة وسلطانًا وقدرة ونفاذًا. ومنذ ذلك اليوم صار مصطلح التمكين أشهر من نار على علم في مجالات القيادة والإدارة والموارد البشرية.
بعد أربعة عشر عامًا قدمنا إلى قاموس الإدارة العربية مصطلح “التمتين” ليحمل معنى مقاربًا، وقد استنبطناه من قوله تعالى: “إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.” <سورة الذاريات: 58> فـ“المتين” هو شديد القوة، والأقوى من القوي. فالقوي صفة لكل من هو قادر على الأداء والعطاء والعمل والنجاح والبقاء، وهو الذي يسعى وراء رزقه مجتهدًا ومبدعًا ومتميزًا. والإبداع والتميز من سمات الأقوياء الممتنين والمقتدرين.
نسوق لكم هذه المقدمات لرسم معالم الطريق التي بدأناها منذ 20 عامًا. فعلى الرغم من عكوفنا على نقل فكر الغرب الإداري وتلخيصه بلغة عربية رائقة ولسان عربي مبين، فقد كنا وما زلنا أكثر التصاقًا بديننا وتراثنا وثقافتنا العربية الأصيلة، بدليل أن أبرز ما قدمناه من نظريات ومفاهيم ومصطلحات، قد جاء بداية ونهاية من قرآننا العظيم. ومن هنا كان لزامًا علينا أن نكشف المدعين والمؤلفين الناسخين من مواصلة العبث والنقل دون عقل، والاقتباس الذي يبلغ حد الاختلاس.
كانت البداية في أواخر شهر ديسمبر من عام 1986، وهو يوم تخرجي في جامعة “ويسكنسن”. كنت في طريقي لأخذ روب التخرج، عندما عرجت على متجر الكتب لاستعراض آخر الإصدارات، وكان بينها كتيب صغير الحجم أحمر اللون بعنوان “الإدارة بالفطرة.” اشتريت الكتيب، وحملته معي إلى الصالة الرياضية المغطاة حيث يقام الحفل. ولم يكد الحفل ينتهي حتى كنت قد قرأت الكتيب بصفحاته الثمانين، وأحسست على الفور بأن كتب إدارة الأعمال والكتابة فيها والترجمة منها هي عشقي وشغفي الأبدي. ولم يمض أسبوع على قراءتي لذاك الكتيب الصغير، حتى بدأت أترجمه إلى العربية، ثم نشرته في السعودية بعد بضعة شهور.
كان نجاح كتاب “الإدارة بالفطرة” المبسط والمختصر أول الإشارات لإصدار “خلاصات.” فلم تكد الطبعة الثانية من الكتاب تنفد، حتى كنت أشارك في “مؤتمر الجودة التاسع” في “شيكاغو”، حين تعرفت على إحدى الشركات الأمريكية التي تصدر خلاصات الكتب بالإنجليزية. تفاوضت مع تلك الشركة لترجمة خلاصاتها إلى العربية، ومع رفضهم الشديد، قررت إصدار “خلاصات” العربية مهما كانت التكاليف.
واليوم، وبعد 20 عامًا من الترجمة والتلخيص، وبعدما أضفنا إلى خلاصات الإدارة، خلاصات كتب التربية والتعليم، ومقتطفات المقالات المختارة من كبريات دوريات الأعمال العالمية عبر “المختار الإداري”. وبعدما أصدرنا نشرة “علاقات” وقبلها “سري وعاجل” للعاملين في الإدارة المكتبية والسكرتارية، ترسخت ريادتنا لمجالنا، حتى ناف عدد الأعداد التي أصدرناها وحررناها في كل النشرات عن الألف. ومع تطوير محرك البحث صار كل محتوانا عند أطراف أصابعكم، وبدأ موقعنا العربي الثري ينافس على المستوى العالمي، حتى وصلت رتبته اليوم إلى 135 ألفًا على مستوى العالم.
هذه واحدة من قصص الكفاح التي نرويها بمناسبة مرور 20 عامًا على تأسيس “شعاع” وصدور العدد 500 من خلاصات، وقرب صدور أول تطبيقاتنا على “آبل ستور” التي ستتيح خلاصاتنا ونشراتنا الحديثة ضمن منظومة “آيفون” و“آيباد” وغيرها من تطبيقات النشر الإلكتروني التي تفاجئنا بتحولاتها كل يوم.
بدأت الرحلة قبل عقدين من الزمن، ومهما طال الطريق، فستمضي - إن شاء الله - عشرون عامًا أخرى، لنجد أنفسنا نصدر العدد الألف من (خلاصات) والعدد 500 من المختار. من المؤكد أنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل في عالمنا المترع بالمتغيرات والتحولات، ولكن تطويرنا لمحرك البحث، وتكشيف كل محتوانا الذي يشكل أكبر موسوعة إدارية عربية يمكن لكل قارىء وباحث أن يحلم بها، تدل على أن خطتنا الاستراتيجية تتضمن مواصلة الرحلة إلى ما لا نهاية، بحيث لا نترك فكرة إدارية، ولا نظرية، ولا ممارسة جديدة، إلا وننقلها ونضعها بين أيدي القارىء العربي الكريم.
كل ما نرجوه هو أن يفرق القارىء الكريم بين من يكافح وبين من ينافح! وبين من يبتكر وبين من يدعي. وبين من يعمل بصمت ودأب وتعب، وبين من لا يرفع سوى صوته لينفخ الخواء ويملأ الهواء بالهراء. وفي كل الأحيان والظروف، سنبقى كرماء وأقوياء وأعزاء، ولعملائنا أصدقاء.. أوفياء.