قال الله تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء:76) لا شك أن الله تعالى قد وهبنا أسلحة عديدة في حربنا مع الشيطان وجنوده و أوليائه وهي أسلحة فعالة و فتاكة أيضاً ومن هذه الأسلحة : أولاً - الاعتصام بالله و بكتابه و سنة رسوله : لكي نحمي أنفسنا من مكائد الشيطان الرجيم و من جنوده وأوليائه لابد لنا من التمسك بكتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و على منهج و فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فإذا تمسكنا بذلك حصنا أنفسنا من الشيطان وشروه ، قال الله تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{153} سورة الأنعام . و قد شرح رسولنا الكريم هذهالآية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال : " هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.( فإذا اتبعنا ما جاء من عند ربنا من أصول وفروع فحللنا ما أحل لنا و حرمنا ما حرم علينا عصمنا الله تعالى من الشيطان الرجيم ومن فتنه لذلك قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{208} سورة البقرة . ثانياً – عدم الغفلة عن ذكر الله تعالى :فالشيطان لا يصول ولا يجول إلا في البيت الخرب ، فلا تجعل صدرك بيتا خرب بل عمره بذكر الله تعالى{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } سورة الرعد ، الآية28 . فإذا ما داوم المسلم على ذكر الله فسيكون بقوة الله قوي أمام أي فتنة أو هجوم من الشيطان وجنوده و أوليائه .عن جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «إذا دخل الرجلُ مَنزِلَه فذكر اللَّه عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مَبيتَ لكم ولا عَشاءَ ، وإن ذكر اللَّه عند دُخوله ، ولم يذكره عند عشائه ، يقولُ : أدركتم العَشاء ، ولا مَبيِتَ لكم ، وإذا لم يذكر اللَّه عند طعامه قال : أدركتم المبيتَ والعَشاءَ» أخرجه مسلم وأبو داود.وأخرجه أحمد . والبخاري في «الأدب المفرد» وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عينٍ لامة ٍ ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق)الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم. عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا خرج الرجلُ من بيته فقال بسم الله تَوَكَّلْتُ على الله ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله فيقال له حسبُك قد هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فيتنحى له الشيطانُ فيقولُ له شيطانٌ آخرُ كيف لك برجل قد هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ)(أبو داود ، والنسائى ، وأبو يعلى ، وابن السنى ، وابن حبان ، وأخرجه أبو داود ,والنسائى فى الكبرى ، وابن السنى وابن حبان ، والضياء وأخرجه أيضًا : الترمذى وقال : حسن صحيح غريب ، والبيهقى.ومن غريب الحديث : "هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ" : هديت إلى طريق الحق ، وكفيت همك ، ووقيت : حفظت من الشر ، "فيتنحى له" : تبتعد عنه الشياطين . ثالثاً – التوبة الاستغفار :إذا وقع المسلم في ذنب أو مكيدة من مكائد الشيطان فليسارع إلى التوبة الصادقة النصوحة . قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) سورة الأعراف ، الآية 201. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال إبليس وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني)رواه أحمد والحاكم من طريق دراج وقال الحاكم صحيح الإسناد. لقد جاءَ الإسلامُ بعقيدةِ التوحيدِ الخالصةِ للهِ ، وأشرقت أنوارُها في جميع أصقاع المعمورة، حررت القلوب من رِق العبودية لغير الله، ورفعت النفوس إلى قمم العز والشرف والصفاء، وسمت بالعقول عن بؤر الوثنية ومستنقعات الخرافة والشقاء، كيف وعقيدة المسلم أعز شيء عليه، وأغلى شيء لديه، بها يواجه أعتى التحديات، وبها يصبر على مُرّ الابتلاءات، ويقاوم موجات القلق والأرق والاكتئاب النفسي والاضطرابات، وبها يُقيم سدًا منيعًا ودرعًا مكينًا أمام زحف الأباطيل والضلالات، وغزو الشعوذة والخرافات،كيف لا وقد قال الله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51]،و قال تعالى: {قُلْ أَفَرَأيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ} [الزمر:38]. وعن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال كنت خلفالنبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال يا غلام , إني أعلمك كلمات : احفظ اللهيحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلاموجفت الصحف " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي " احفظ اللهتجده أمامك , تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة , واعلم أن ما أخطأك لم يكنليصيبك وما أصابك لك يكن ليخطئك , واعلم أن النصر مع الصبر , وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسريسراً(. لقد نأى الإسلام بأتباعه عن أوهام الجاهلية وأوضارها، وطهر نفوسهم من رجز الوثنية وأباطيلها، وابتعد بهم عن براثن الإسفاف وبؤر الاستخفاف في كل صوره وأنماطه، ويأتي في الطليعة منها مظاهر السحر والشعوذة والتجهيل، ومعالم الخرافة والدجل والتضليل، لما تمثله من طعنة نافذة في صميم العقيدة، وشرخ خطير في صرح التوحيد الشامخ، وانهيار مُزرٍ يثلم القوة، ويذهب العزة، ويجلب الانتكاسة، ويُلحق الهزائم، ويقضي على العزائم، ويشكك في الثوابت واليقينيات، ويروج لبضاعة التخرصات والخزعبلات، فيقع الاضطراب في المجتمع، وتحصل الفوضى في الأمة، ويُخرق سياج أمنها العقدي، فتغرق سفينتها في مهاوي العدم وبؤر الفنـاء، وقد قال عز وجل: {ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. إنَّ بعض القنوات الفضائية التي تبث علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظمالمنكرات ومن أعظم الفساد ، وإضلال الناس, وهي علوم تقوم على الكذب والدجلودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون ، أو ممايتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن ، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانيةولكنهم يدعونها كذباً وزوراً لكسب المال ..وهذه العلوم لا تروج إلا على الجهالوالمغفلين وضعفاء الدين..وقد ذم الله السحر والسحرة والكّهان كما قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، وقال : {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَالْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِاللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْلَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}، وقال تعالى فيسحرة فرعون :{قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّاللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) : من أتىكاهنا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً( وجاء في السنن): من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بماأنزل على محمد ) ( وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتفالحكم واحد . وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجردالفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم . ويجب على أولياء أمور الأسر منعهم من مشاهدتها أو الاتصال على هؤلاء السحرةوالمشعوذين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ». صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم : [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] رواه مسلم,ويجب على المسلمين التناصح والحذر والتحذير منالتواصل مع هذه القنوات التي هَمَّ أصحابها كسب المال ولو من الحرام .. بل وأكثرهميقصد الفساد والإفساد ، فنقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .