منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=83)
-   -   تفسير سورة الحج (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=93592)

الشيخ محمد الزعبي 06-11-2015 11:14 PM

تفسير سورة الحج
 
سورة الحج
مكية ومدنية
وآياتها ثمان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)}.
شرح الكلمات:
اتقوا ربكم: أي عذاب ربكم وذلك بالإيمان والتقوى.
إن زلزلة الساعة: أي زلزلة الأرض عند مجىء الساعة.
تذهل كل مُرْضِعَةٍ: أي من شدة الهول والخوف تنسى رضيعها وتغفل عنه.
وتضع كل ذات حمل حملها : أي تسقط الحوامل ما في بطونهن من الخوف والفزع.
سكارى وما هم بسكارى : أي ذاهلون فاقدون رشدهم وصوابهم كالسكارى وما هم بسكارى.
يجادل في الله بغير علم.: أي يقول إن الملائكة بنات الله وإن الله لا يحيي الموتى.
شيطان مريد: أي متجرد من كل خير لا خير فيه البتة.
كتب عليه أنه من تولاه: فرض فيه أن من تولاه أي اتبعه يضله عن الحق.
معنى الآيات:
بعد ذلك البيان الإلهي في سورة الأنبياء وما عرض تعالى من أدلة الهداية وما بين من سبل النجاة نادى تعالى بالخطاب العام الذي يشمل العرب والعجم والكافر والمؤمن إنذاراً وتحذيراً فقال في فاتحة هذه السورة سورة الحج المكية المدنية لوجود أي كثير فيها نزل في مكة وآخر نزل بالمدينة: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} أي خافوا عذابهُ، وذلك بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه فآمنوا به وبرسوله وأطيعوها في الأمر والنهي وبذلك تقوا أنفسكم من العذاب
وقوله: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فكيف بالعذاب الذي يقع فيها لأهل الكفر والمعاصي، إن زلزلة لها تتم قبل قيامها تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت أي تنسى فيها الأم ولدها،
{وتضع كل ذات حمل حملها} فتسقط من شدة الفزع لتلك الزلزلة المؤذنة بخراب الكون وفناء العوالم ويرى الناس فيها سكارى أي فاقدين لعقولهم وما هم بسكارى بشرب سكر {ولكن عذاب الله شديد} فخافوه لظهور أماراته ووجود بوادره.
هذا ما دلت عليه الآيتان (1) و (2)
وأما الآية الثالثة فينعى تعالى على النضر بن الحارث وأمثاله ممن يجادلون في الله بغير علم فينسبون لله الولد والبنت ويزعمون أنه ما أرسل محمداً رسولاً، وأنه لا يحيي الموتى بعد فناء الأجسام وتفتتها فقال تعالى:
{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} بجلال الله وكماله ولشرائعه وأحكامه وسننه في خلقه، {ويتبع} أي في جداله وما يقوله من الكذب والباطل {كل شيطان مريد} أي متجرد من الحق والخير، {كتب عليه} أي على ذلك الشيطان في قضاء الله أن من تولاه بالطاعة والإتباع فإنه يضله عن الحق ويهديه بذلك إلى عذاب السعير في النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوالهما وأهوالهما.
2- حرمة الجدال بالباطل لإدحاض الحق وإبطاله.
3- حرمة الكلام في ذات الله وصفاته بغير علم من وحي إلهي أو كلام نبوي صحيح.
4- موالاة الشياطين وأتباعهم يفضى بالموالي المتابع لهم إلى جهنم وعذاب السعير.
روى الترمذي وصححه عن عمران بن خصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {شديد} قال: أنزلت عليه في سفر: فقال:أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذاك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار قال يا ربّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسدّدوا فإنه لم تكن نبوة قط إلاّ كان بين يديها جاهلية قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلاّ أخذ من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبّروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبّروا ثمّ قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا. قال: لا أدري قال الثلثين أم لا". الرقمة: الهنة الناتئة في ذراع الدابة والشامة: علامة تخالف البدن الذي هي فيه.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثاني من تفسير سورة الحج))

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شيئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7)}.
شرح الكلمات:
في ريب من البعث : الريب الشك مع اضطراب النفس وحيرتها، والبعث الحياة بعد الموت.
من نطفة : قطرة المنّي التي يفرزها الزوجان.
علقة: أي قطعة دم متجمد تتحول إليه النطفة في خلال أربعين يوماً.
مضغة : أي قطعة لحم قدر ما يمضغ المرء تتحول العلقة إليها بعد أربعين يوماً.
وغير مخلقة : أي مصورة خلقاً تاماً، مخلقة وغير مخلقة هي السقط يسقط قبل تمام خلقه.
لنبين لكم: أي قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم بابتداء خلقكم كيف يكون.
ونقر في الأرحام ما نشاء : أي ونبقي في الرحم من نريد له الحياة والبقاء إلى نهاية مدة الحمل ثم نخرجه طفلاً سوياً.
لتبلغوا أشدكم: أي كمالي أبداًنكم وتمام عقولكم.
إلى أرذل العمر: أي سن الشيخوخة والهرم فيخرف.
لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً: أي فيصير كالطفل في معارفه إذ ينسى كل علم علمه.
هامدة: خامدة لا حراك لها ميتة.
اهتزت وربت: أي تحركت بالنبات وارتفعت تربتها وأنبتت.
زوج بهيج: أي من كل نوع من أنواع النباتات جميل المنظر حسنه.
ذلك بأن الله هو الحق : أي الإله الحق الذي لا إله سواه، فعبادة الله حق وعبادة غير الله باطل.
وأن الساعة آتية : أي القيامة .
بعث من في القبور : أي يحييهم ويخرجهم من قبورهم أحياء كما كانوا قبل موتهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى بعض أحوال القيامة وأهوالها، وكان الكفر بالبعث الآخر هو العائق عن الاستجابة للطاعة وفعل الخير نادى تعالى الناس مرة أخرى ليعرض عليهم أدلة البعث العقلية لعلهم يؤمنون فقال:
{يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} أي في شك وحيرة وقلق نفسى من شأن بعث الناس أحياء من قبورهم بعد موتهم وفنائهم لأجل حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا فإليكم ما يزيل شككم ويقطع حيرتكم في هذه القضية العقدية وهو أن الله تعالى قد خلقكم من تراب أي خلق أصلكم وهو أبوكم آدم من تراب وبلا شك، ثم خلقكم أنتم من نطفة أي ماء الرجل وماء المرأة وبلا شك، ثم من علقة بعد تحول النطفة إليها ثم من مضغة بعد تحول العلقة إليها وهذا بلا شك أيضاً، ثم المضغة إن شاء الله عز وجل تحويلها إلى طفل خلقها وجعلها طفلاً، وإن لم يشأ ذلك لم يخلقها وأسقطها من الرحم كما هو معروف ومشاهد،
وفعل الله ذلك من أجل أن يبين لكم قدرته وعلمه وحسن تدبيره لترهبوه وتعظموه وتحبوه وتطيعوه وقوله:
{ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً}
أي ونقر تلك المضغة المخلقة في الرحم إلى أجل مسمى وهو ميعاد ولادة الولد وانتهاء حمله ونخرجكم طفلاً أي أطفالاً صغاراً لا علم لكم ولا حلم، ثم ننميكم ونربيكم بما تعلمون من سننا في ذلك
{ثم لتبغلوا أشدكم} أي تمام نماء أبدانكم وعقولكم
{ومنكم من يتوفى} قبل بلوغه أشده لأن الحكمة الإلهية اقتضت وفاته ومنكم من يعيش ولا يموت حتى يرد إلى أرذل العمر فيهرم ويخرف ويصبح كالطفل لا يعلم بعد علم كان له قبل هرمه شيئاً
هذا دليل البعث وهو دليل عقلي منطقي وبرهان قوي على حياة الناس بعد موتهم إذ الذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يوجب العقل قدرته على إحيائهم بعد موتهم، إذ ليست الإعادة بأصعب من البداية.
ودليل عقلي آخر هو ما تضمنه قوله تعالى:
{وترى الأرض} أيها الإنسان {هامدة} خامدة ميتة لا حراك فيها ولا حياة فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء من السماء
{اهتزت} أي تحركت
{وربت} أي ارتفعت وانتفخت تربتها وأخرجت من النباتات المختلفة الألوان والطعوم والروائح
{من كل زوج بهيج} جميل المنظر حسنه، أليس وجود تربة صالحة كوجود رحم صالحة وماء المطر كماء الفحل وتخلق النطفة في الرحم كتخلق البذرة في التربة وخروج الزرع حياً نامياً كخروج الولد حياً نامياً وهكذا إلى حصاد الزرع وموت الإنسان
فهذان دليلان عقليان على صحة البعث الآخر وأنه كائن لا محالة وفوق ذلك كله إخبار الخالق وإعلامه خلقه بأنه سيعيدهم بعد موتهم فهل من العقل والمنطق أو الذوق أن نقول له لا فإنك لا تقدر على ذلك قولة كهذه قذرة عفنة لا يود أن يسمعها عقلاء الناس وأشرافهم.
ولما ضرب تعالى هذين المثالين أو ساق هذين الدليلين على قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لإعادة الناس أحياء بعد الموت والفناء للحساب والجزاء قال وقوله الحق
{ذلك بأن الله هو الحق} أي الرب الحق والإله المعبود الحق، وما عداه فباطل
{وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور}
ومن شك فليراجع الدليلين السابقين في تدبر وتعقل فإنه يسلم لله تعالى ما أخبر به عن نفسه في قوله ذلك {بأن الله هو الحق} الخ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الأعمال يوم القيامة.
2 بيان تطور خلق الإنسان ودلالته على قدرة الله وعلمه وحكمته.
3- الاستدلال على الغائب بالحاضر المحسوس وهذا من شأن العقلاء فإن المعادلات الحسابية والجبرية قائمة على مثل ذلك.
4- تقرير عقيدة التوحيد وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثالث من تفسير سورة الحج))

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}.
شرح الكلمات:
يجادل في الله : أي في شأن الله تعالى فينسب إلى الله تعالى ما هو منه براء كالشريك والولد والعجز عن إحياء الموتى، وهذا المجادل هو أبو جهل ومن على شاكلته الى يوم القيامة.
بغير علم: أي بدون علم من الله ورسوله.
ولا كتاب منير: أي ولا كتاب من كتب الله ذي نور يكشف الحقائق ويقرر الحق ويبطل الباطل.
ثاني عطفه : أي لآوى عنقه تكبراً، لأن العطف الجانب من الإنسان.
له في الدنيا خزي: وقد أذاقه الله تعالى يوم بدر إذ ذبح هناك واحتز رأسه.
بظلام للعبيد: أي بذي ظلم للعبيد فيعذبهم بغير ظلم منهم لأنفسهم.
يعبد الله على حرف: أي على شك في الإسلام هل هو حق أو باطل وذلك لجهلهم به وأغلب هؤلاء أعراب البادية.
اطمأن به: أي سكنت نفسه إلى الإسلام ورضي به.
وإن أصابته فتنة : أي ابتلاء بنقص مال أو مرض في جسم ونحوه.
إنقلب على وجهه: أي رجع عن الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر الجاهلي.
مالا يضره ولا ينفعه : أي صنماً لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن عَبَدَه..
لبئس المولى : أي قبح هذا الناصر من ناصر.
ولبئس العشير: أي المعاشر وهو الصاحب الملازم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}
هذه شخصية ثانية معطوفة على الأولى التي تضمنها قوله تعالى:
{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد}
وهي شخصية النضر بن الحارث أحد رؤساء الفتنة في مكة، وهذِه الشخصية هي فرعون هذه الأمة عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل يخبر تعالى عنه فيقول:
{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير}
بل يجادل بالجهل وما أقبح جدال الجهل والجهّال ويجادل في الله عز وجل يا للعجب أفيريد ان يثبت لله تعالى الولد والبنت والعجز والشركاء والشفعاء، ولا علم من وحي عنده، ولا من كتاب إلهي موحى به إلى أحد أنبيائه.
وقوله تعالى: {ثاني عطفه} وصف له في حال مشيه وهو يجر رداءه مصعراً خده مائلاً إلى أحد جنبيه كبراً وغروراً، وجداله لا لطلب الهدى أو لمجرد حب الانتصار للنفس بل ليضل غيره عن سبيل الله تعالى الذي هو الإسلام حتى لا يدخلوا فيه فيكملوا ويسعدوا عليه في الحياتين.
وقوله تعالى: {له في الدنيا خزي} أي ذل وهوان وقد ناله حيث قتل في بدر شر قتلة فقد احتز رأسه وفصل عن جثته ونال منه الذين كان يسخر منهم ويعذبهم من ضعفة المؤمنين، وقوله تعالى:
{ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} وقد أذاقه ذلك بمجرد أن قتل فروحه في النار ويوم القيامة. يدخلها بجمسه وروحه وقوله تعالى:
{ذلك بما قدمت يداك} أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي،
{وأن الله ليس بظلام للعبيد}، وأنت منهم والله ما ظلمك بل ظلمت نفسك، والله متنزه عن الظلم لكمال قدرته وغناه.
وقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}
أي على شك هذه شخصية ثالثة عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض الأعراب كانوا يدخلون في الإسلام لا عن علم واقتناع بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى الإسلام وسكنت نفوسهم واستمروا عليه، وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن الإسلام ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والآخرة فلا الدنيا حصلوا عليها ولا الآخرة فازوا فيها، قال تعالى:
{ذلك هو الخسران المبين} أي البين الواضح إذ لو بقوا على الإسلام لفازوا بالآخرة، ولأخلف الله عليهم ما فقدوه من مال أو نفس،
وقوله تعالى {يدعو من دون الله} أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا {مالا يضره} أي صنماً لا يضره لو ترك عبادته {وما لا ينفعه} إن عبده وقوله تعالى: {ذلك هو الضلال البعيد} أي دعاء وعبادة مالا يضر ولا ينفع ضلال عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيدٌ أيضاً قد لا يرجع صاحبه ولا يهتدي.
وقوله : {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} أي يدعو ذلك المرتد عن التوحيد إلى الشرك من ضره يوم القيامة أقرب من نفعه فقد يتبرأ منه ويحشر معه في جهنم ليكونا معاً وقوداً لها. قال تعالى:
{لبئس المولى ولبئس العشير} المعاشر والصاحب الملازم فذم تعالى وقبح ما كان المشركون يؤملون فيهم ويرجون شفاعتهم يوم القيامة،.
تنفيراً لهم من الشرك وعبادة غيره سبحانه وتعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- قبح جدال الجاهل فيما ليس له به علم.
2- ذم الكبر والخيلاء وسواء من كافر أو من مؤمن.
3- عدم جدوى عِبَاَدةٍ صاحبُها شاك في نفعها غير مؤمن بوجوبها ومشروعيتها.
4- لا يصح دين مع الشك.
5- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الرابع من تفسير سورة الحج))

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}.
شرح الكلمات:
وعملوا الصالحات : أي الفرائض والنوافل وأفعال الخير.
يفعل ما يريد : من إكرام المطيع وإهانة العاصي وغير ذلك من رحمة المؤمن وعذاب الكافر.
أن لن ينصره الله : أي محمداً صلى الله عليه وسلم.
فليمدد بسبب : أي بحبل.
إلى السماء: أي سقف بينه وليختنق غيظاً.
هل يذهبن كيده : أي في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يغيظه.
وكذلك أنزلناه: أي ومثل إنزالنا تلك الآيات السابقة أنزلنا القرآن.
هادوا: أي اليهود.
والصابئين: فرقة من النصارى.
والمجوس: عبدة النار والكواكب.
على كل شيء شهيد: أي عالم به حافظ له.
معنى الآيات:
بعدما ذكر تعالى جزاء الكافرين والمترددين بين الكفر والإيمان أخبر أنه تعالى يدخل الذين آمنوا به وبرسوله ولقاء ربهم ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض التي افترضها الله عليهم والنوافل التي رغبهم فيها يدخلهم جزاءً لهم على إيمانهم وصالح أعمالهم جنات تجري من تحتها الأنهار وقوله تعالى: {إن الله يفعل ما يريد} ومن ذلك تعذيبه من كفر به وعصاه ورحمة من آمن به وأطاعه .
وقوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله } أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله ودينه وعباده المؤمنين فلذا هو يتردد ولم يؤمن ولم ينخرط في سلك المسلمين كبني أسد وغطفان فإنا نرشده إلى ما يذهب عنه غيظه حيث يسوءه نصر الله تعالى لرسوله وكتابه ودينه وعباده المؤمنين وهو أن يأتي بحبل وليربطه بخشبة في سقف بيته ويشده على عنقه ثم ليقطع الحبل، وينظر بعد هذه العملية الانتحارية هل كيده هذا يذهب عنه الذي يغيظه؟.
وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه آيات بينات} أي ومثل ذلك الإنزال للآيات التي تقدمت في بيان قدرة الله وعلمه في الخلق وإحياء الأرض وإعادة الحياة بعد الفناء أنزلنا القرآن آيات واضحات تحمل الهدى والخير لمن آمن بها وعمل بما فيها من شرائع وأحكام وقوله تعالى : {وأن الله يهدي من يريد} أي هدايته بأن يوفقه للنظر والتفكر فيعرف الحق فيطلبه ويأخذ به عقيدة وقولاً وعملاً.
وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا} وهم المسلمون {والذين هادوا} وهم اليهود {والصابئين} وهم فرقة من النصارى يقرأون الزبور ويعبدون الكواكب {والنصارى} وهم عبدة الصليب {والمجوس} وهم عبدة النار والكواكب {والذين أشركوا} وهم عبدة الأوثان هؤلاء جميعا سيحكم الله بينهم يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار هذا هو الفصل الحق
فالأديان ستة دين واحد للرحمن
وخمسة للشيطان فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته، وأهل دين الشيطان يدخلهم النار مع الشيطان وقوله: {إن الله على كل شيء شهيد} أي عالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء وسيجزى كل عامل بما عمل، ولا يهلك على الله إلا هالك فقد أنزل كتابه وبعث رسوله ورغب ورهب وواعد وأوعد والناس يختارون ما قدر لهم أو عليهم وسبحان الله العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- كل الأديان هي من وحي الشيطان وأهلها خاسرون إلا الإسلام فهو دين الله الحق وأهله هم الفائزون، أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكماً وقضاء.
2- إن الله ناصر دينه، ومكرم أهله، ومن غاظه ذلك ولم يرضه فليختنق.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
4- تقرير إرادة الله ومشيئته فهو تعالى يفعل ما يشاء ويهدي من يريد.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الخامس من تفسير سورة الحج))

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18)}
شرح الكلمات:
ألم تر: أي ألم تر بقلبك فتعلم.
يسجد له : أي يخضع ويذل له بوضع وجهه على الأرض بين يدي الرب تعالى.
من في السموات: من الملائكة.
والدواب: من سائر الحيوانات التي تدب على الأرض.
حق عليه العذاب: وجب عليه العذاب فلا بد هو واقع به.
ومن يهن الله : أي يُشقهِ في عذاب مهين.
فماله من مكرم: أي ليس له من مكرم أي مسعد ليسعده، وقد أشقاه الله.
معنى الآية الكريمة:
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ألم تر} أيها الرسول بقلبك فتعلم {أن الله يسجد له من في السموات} من الملائكة
{ومن في الأرض} من الجن والدواب
{ والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} وهم المؤمنون المطيعون وكثير أي من الناس حق عليهم العذاب أي وجب لهم العذاب وثبت، فهو لا يسجد سجود عبادة وقربة لنا أما سجود الخضوع فظلالهم تسجد لنا بالصباح والمساء.
وقوله تعالى: {ومن يهن الله فماله من مكرم} أي ومن أراد الله إشقاءه وعذابه فما له من مكرم يكرمه بِرَفْع العذاب عنه واسعاده في دار السعادة وقوله: {إن الله يفعل ما يشاء} فمن شاء أهانه ومن شاء أكرمه فالخلق خلقه وهو المتصرف فيهم مطلق التصرف فمن شاء أعزه، ومن شاء أذله فعلى عباده أن يرجعوا إليه بالتوبة سائلين رحمته مشفقين من عذابه فهذا أنجى لهم من عذابه وأقرب إلى رحمته.
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة:
1- تقرير ربوبية الله وألوهيته.
2- سجود المخلوقات بحسب ذواتها، وما أراد الله تعالى منها.
3- كل شيء خاضع لله إلا الإنسان فأكثر أفراده عصاة له متمردون عليه وبذلك استوجبوا العذاب المهين.
4- التالي لهذه الآية والمستمع لتلاوته يسن لهم أن يسجدوا لله تعالى إذا بلغوا قوله تعالى: {إن الله يفعل ما يشاء}.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم السادس من تفسير سورة الحج))
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}.
شرح الكلمات:
خصمان: خصم مؤمن وخصم كافر كل واحد يريد أن يخصم صاحبه.
اختصموا في ربهم: أي في دينه.
قطعت لهم ثياب: أي فصلت لهم ثياب على قدر أجسامهم.
يصهر به ما في بطونهم: أي يذاب بالحميم وهو الماء الحار من شحوم وغيرها.
مقامع من حديد: جمع مقمعة وهى آلة من حديد كالمجن.
وذوقوا عذاب الحريق: أي يقال لهم توبيخاً وتقريعاً: ذوقوا عذاب النار.
ولؤلؤا: أي أساور من لؤلؤ محلاة بالذهب.
إلى الطيب من القول : هو شهادة أن لا إله إلا الله.
إلى صراط الحميد : أي إلى الإسلام إذ هو طريق الله الموصل إلى رضاه وجنته.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {هذان خصمان}
الخصم الأول المسلمون والثاني أهل الشرك والكفر
{اختصموا في ربهم} أي في دينه تعالى كل خصم يدعي أنه على الدين الحق، وماتوا على ذلك وفصل الله تعالى بينهم يوم القيامة
{فالذين كفروا} وهم أهل الدين الباطل ادخلوا النار وفصلت لهم ثياب من نار {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} أي الماء الحار المنتهي في الحرارة، {يصهر به ما في بطونهم والجلود} من لحم وشحم، {ولهم مقامع من حديد} يضربون بها و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها} أي من النار بسبب ما ينالهم من غم عظيم {أعيدوا فيها} أي تجبرهم الزبانية على العودة إليها ولم تمكنهم من الخروج منها، ويقولون لهم: {وذوقوا عذاب الحريق} أي لا تخرجوا منها وذوقوا عذاب الحريق. فهذا جزاء الخصم الكافر.
وأما الخصم المؤمن فهذا جزاؤه وهو في قوله تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} أي أساور من لؤلؤ محلاة بالذهب {ولباسهم فيها} أي في الجنة {حرير} وقوله تعالى:
{وهدوا إلى الطيب من القول} في الدنيا وهو لا إله إلا الله وسائر الأذكار والتسابيح وكل كلام طيب،
{وهدوا إلى صراط الحميد} وهذا الطريق الموصل إلى رضا ربهم وهو الإسلام، وكل ذلك بتوفيق ربهم الذي آمنوا له وبرسوله وأطاعوه بفعل محابه وترك مساخطه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إثبات حقيقة هي أن المؤمن خصم الكافر والكافر خصم المؤمن في كل زمان ومكان حيث إن الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث هذا الخصم المؤمن، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهذا الخصم الكافر وذلك أنهم تقاتلوا يوم بدر بالمبارزة ونصر الله الخصم المؤمن على الكافر.
2- بيان جزاء كل من الكافرين والمؤمنين في الدار الآخرة.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الآخرة وما للناس فيها.
4- بيان الطيب من القول وهو كلمة التوحيد وذكر الله تعالى.
5- بيان صراط الحميد وهو الإسلام جعلنا الله من أهله.
روى مسلم عن قبس بن عبادة رضي الله عنه قال: سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً: "إن هذان خصمان اختصموا في ربهم} أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر وهم: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة أبناء ربيعة والوليد ابن عتبة، وقال عليّ رضي الله عنه إني لأوّل من يجثو للخصومة بين يدي الله تعالى يوم القيامة. يريد قصته في المبارزة هذه، وعموم الآية يشمل الخصومة بين أهل الإسلام وأهل الكتاب، كما يشمل خصومة الجنة والنار لحديث مسلم "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلها الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه يدخلها الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها".
روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" وصحّ قوله صلى الله عليه وسلم "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة".
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم السابع من تفسير سورة الحج))
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) }.
شرح الكلمات:
كفروا: جحدوا توحيد الله وكذَّبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم.
ويصدون عن سبيل الله : يمنعون الناس من الإسلام، ويصرفونهم عنه.
والمسجد الحرام: مكة المكرمة والمسجد الحرام ضمنها.
العاكف : المقيم بمكة للتعبد في المسجد الحرام.
والباد : الطاريء عن مكة النازح إليها.
بإلحاد بظلم: أي إلحاداً أي ميلاً عن الحق مُلتبساً بظلم لنفسه أو لغيره.
معنى الآية الكريمة:
قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله} هذه الآية الكريمة تحمل تهديداً ووعيداً شديداً لكل من كفر بتوحيد الله وكذب رسوله وما جاء به من الهدى والدين الحق وصدَّ عن سبيل الله أي صرف الناس عن الدخول في الإسلام، وعن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت والإقامة بمكة للتعبد في المسجد الحرام .
والآية وإن تناولت المشركين الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة عام الحديبية فإنها عامة في كل من كفر وصدَّ إلى يوم القيامة وقوله تعالى:
{الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادِ} هو وصف للمسجد الحرام إذ جعله الله تعالى موضع تنسُّك لكل من أتاه وأقام به أو يأتيه للعبادة ثم يخرج منه، فالعاكف أي المقيم فيه كالبادي الطارىء القدوم إليه هم سواء في حق الإقامة في مكة والمسجد الحرام للتعبد.
وقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} أي يرد بمعنى يعتزم الميل عن الحق فيه بظلم يرتكبه كالشرك وسائر الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره.
وقوله تعالى: {نذقه من عذاب أليم}
هذا جزاء من كفر وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام ومن أراد فيه إلحاداً بظلم لنفسه أو لغيره.
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة:
1- التنديد بالكفر والصدَّ عن سبيل الله والمسجد الحرام والظلم فيه والوعيد الشديد لفاعل ذلك.
2- مكة بلد الله وحرمه من حق كل مسلم أن يقيم بها للتعبد والتنسك ما لم يظلم وينتهك حرمة الحرم بالذنوب والمعاصي، وخاصة الشرك والظلم والضلال.
3- عظيم شأن الحرم حيث يؤاخذ فيه على مجرد العزم على الفعل ولو لم يفعل.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثامن من تفسير سورة الحج))

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}.
شرح الكلمات:
إذ بوأنا لإبراهيم: أي أذكر يا رسولنا إذ بوأنا: أي أنزلنا إبراهيم بمكة مبينين له مكان البيت.
أن لا تشرك بي شيئاً: أي ووصيناه بأن لا تشرك بي شيئاً من الشرك والشركاء.
وطهر بيتي : ونظف بيتي من أقذار الشرك وأنجاس المشركين.
وأذن في الناس بالحج: أعلن في الناس بأعلى صوتك.
رجالاً وعلى كل ضامر : مشاة وركباناً على ضوامر الإبل.
فج عميق : طريق واسع بعيد الغور في قارات الأرض.
في أيام معلومات: هي أيام التشريق.
بهيمة الأنعام : أي الإبل والبقر والغنم إذ لا يصح الهدى إلا منها.
البائس الفقير : أي الشديد الفقر.
ليقضوا تفثهم : أي ليزيلوا أوساخهم المترتبة على مدة الإحرام.
وليوفوا نذورهم: أي بأن يذبحوا وينحروا ما نذروه لله من هدايا وضحايا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم} يقال: بوأه كذا وبوأ له كذا فاللام مزيدة لتقوية الكلام كما يقال مكنته من كذا، ومكنت له كذا، ومعنى بوأنا لإبراهيم أي: أريناه أصله. وكان قد درس بطول العهد وأنزلناه فيه.
{وإذ بوأنا لإبراهيم}
أي اذكر يا رسولنا لقومك المنتسبين إلى إبراهيم باطلاً وزوراً حيث كان موحداً وهم مشركون اذكر لهم كيف بوأه ربّه مكان البيت لِيَبْنِيه ويرفع بناءه وكيف عهد الله إليه ووصاه بأن يطهره من الأقذار الحسية كالنجاسات من دماء وأوساخ والمعنوية كالشرك والمعاصي وسائر الذنوب وذلك من أجل الطائفين به والقائمين في الصلاة والراكعين والساجدين فيه إذ الرُّكع جمع راكع والسجد جمع ساجد حتى لا يتأذوا بأي أذى معنوي أو حسيّ وهم حول بيت ربهم وفي بلده وحرمه،
ليذكر قومك هذا وهم قد نصبوا حول البيت التماثيل والأصنام، ويحاربون كل من يقول لا إله إلا الله وقد صدوك وأصحابك عن المسجد الحرام ومنعوك من الطواف بالبيت العتيق، فأين يذهب بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل.
هذا ما دل عليه قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بني شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}.
وقوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج } أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي معلناً معلماً: أيها الناس إن ربكم قد بنى لكم بيتاً فحجوه ففعل ذلك فأسمع الله صوته من شاء من عباده ممن كتب لهم أزلا أن يحُجوا وسهل طريقهم وحجوا فعلاً ولله الحمد والمنة.
روي عن ابن عباس وابن جير: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج قال له يا ربّ: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك فمن أجاب يومئذ حجّ على قدر الإجابة إن أجاب مرّة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على ذلك.
وقوله تعالى: {يأتوك رجالاً} أي عليك النداء وعلينا البلاغ فنادِ
{يأتوك رجالاً} أي مشاة {وعلى كل ضامر} من النوق المهازيل
{يأتين من كل فج عميق} أي طريق بعيد في أغوار الأرض وأبعادها كالأندلس غرباً وأندونيسيا شرقاً.
وقوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم} أي يأتوك ليشهدوا منافع لهم دينيَّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وتعلم دينهم من علمائهم، ودنيويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات، وقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله} شاكرين لله تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الأول من ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق بالصلاة والذكر والدعاء، كما يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر قوله تعالى: {فكلوا منها} أي من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع، {واطعموا البائس الفقير} وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى:
{ثم ليقضوا تفثهم} بإزالة الشعث والوسخ الذي لازمهم طيلة مدة الإحرام.
وقوله: {وليوفوا نذورهم} أن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه بالحرم. وقوله: {وليطوفوا بالبيت العتيق} أي وليطوفوا طواف الإفاضة وهو ركن الحج ولا يصح إلا بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة صباح العيد عيد الأضحى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب بناء البيت وإعلائه كلما سقط وتهدم ووجوب تطهيره من كل ما يؤذي الطائفين والعاكفين في المسجد الحرام من الشرك والمعاصي وسائر الذنوب ومن الأقذار كالأبوال والدماء ونحوها.
2- مشروعية فتح مكاتب للدعاية للحج.
3- جواز الاتجار أثناء إقامته في الحج.
4- وجوب شكر الله تعالى وذكره.
5- جواز الأكل من الهدي ومن ذبائح التطوع بل استحبابه.
6- وجوب الحلق أو التقصير بعد رمي جمرة العقبة.
7- وجوب الوفاء بالنذور الشرعية أما النذور للأولياء فهي شرك ولا يجوز الوفاء بها.
8- تقرير طواف الإفاضة وبيان زمنه وهو بعد الوقوف بعرفة وعي جمرة العقبة.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم التاسع من تفسير سورة الحج))

{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}.
شرح الكلمات:
ذلك: أي الأمر هذا مثل قول المتكلم هذا أي ما ذكرت.. وكذا وكذا..
حرمات الله : جمع حرمة ما حرَّم الله إنتهاكه من قول أو فعل.
فهو خير له عند ربه : أي خير في الآخرة لمن يعظم حرمات الله فلا ينتهكها.
إلا ما يتلى عليكم : أي تحريمه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.
فاجتنبوا الرجس: أي اجتنبوا عبادة الأوان.
واجتنبوا قول الزور : وهو الكذب وأعظم الكذب ما كان على الله تعالى والشرك وشهادة الزور.
حنفاء لله : موحدين له مائلين عن كل دين إلى الإسلام.
خرَّ من السماء : أي سقط.
فتخطفه الطير: أي تأخذه بسرعة.
شعائر الله : أعلام دينه وهي هنا البُدْن بأن تختار الحسنة السمينة منها.
فإنها من تقوى القلوب : أي تعظيمها ناشىء من تقوى قلوبهم.
لكم فيها منافع: منها ركوبها والحمل عليها بما لا يضرها وشرب لبنها.
إلى أجل مسمى: أي وقت معين وهو نحرها بالحرم أيام التشريق.
ثم محلها إلى البيت العتيق : أي عند البيت العتيق وهو مكة والحرم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مناسك الحج قوله تعالى {ذلك} أي الأمر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث أي إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الأظافر ولباس الثياب ونحر وذبح الهدايا والضحايا، {ومن يعظم} منكم {حرمات الله} فلا ينتهكها {فهو خير له} أي ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها خير له عند ربّه يوم يلقاه وقوله تعالى:
{وأحلت لكم الأنعام} أي الإبل والبقر والغنم أحل الله تعالى لكم أكلها، والانتفاع بها وقوله تعالى:
{إلا ما يتلى عليكم} تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام، ومن ذلك قوله تعالى :
{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيَّتُمْ وما ذبح على النصب} .
وقوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} أي اجتنبوا عبادة الأوثان فإنها رجس فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها غضبا لله وعدم رضاً بها وبعبادتها، وقوله: {واجتنبوا قول الزور} وهو الكذب مطلقاً وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص وقوله:
{خنفاء لله غير مشركين} أي موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإسلام، غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله تعالى :
{ومن يشرك بالله} إلهاً آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خرَّ من السماء أي سقط منها بعدما رفع إليها {فتخطفه الطير} أي تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور، أو تهوى به الريح في مكان سحيق بعيد فلا يعثر عليه أبداً فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو خاسر هالك هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله.
وقوله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} أي الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر المناسك وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشئ عن تقوى القلوب فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقرباً إليه دل ذلك
على تقوى قلبه لربه تعالى.
والرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى صدره ويقول:
( التقوى ها هنا التقوى ها هنا ثلاث مرات)
وقوله تعالى: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} أي أذن الله تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا بالهدايا وهم سائقوها إلى الحرم بأن يركبوها ويحملوا عليها ما لا يضرها ويشربوا من ألبانها وقوله تعالى:
{ثم محلها إلى البيت العتيق} أي محلها عند البيت العتيق وهو الحرم حيث تنحر إن كان مما ينحر أو تذبح إن كان مما يذبح.
الشعائر: جمع شريعة. وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر عباده به وأعلمهم، والشعار: العلامة، ومنه شعار الحرب وإشعار: البدنة لتعلم أنها مهداة للحرم، فشعائر الله: أعلام دينه لاسيما المناسك وما يتعلّق بها.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- وجوب تعظيم حرمات الله لما فيها من الخير العظيم.
2- تقرير حلِّيَّة بهيمة الأنعام بشرط ذكر اسم عند ذبحها أو نحرها.
3- حرمة قول الزور وشهادة الزور وفي الأثر عدلت شهادة الزور الشرك بالله.
4- وجوب ترك عبادة الأوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة.
5- بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك.
6- تعظيم شعائر الله وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها.
7- جواز الانتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم العاشر من تفسير سورة الحج))

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}.
شرح الكلمات:
منسكاً : أي ذبائح من بهيمة الأنعام يتقربون بها إلى الله تعالى، ومكان الذبح يقال له منسك.
فله أسلموا: أي انقادوا ظاهراً وباطناً لأمره ونهيه.
وبشر المخبتين: أي المطيعين المتواضعين الخاشعين.
وجلت قلوبهم : أي خافت من الله تعالى أن تكون قصَّرتْ في طاعته.
والبدن : جمع بدنة وهى ما يساق للحرم من إبل وبقر ليذبح تقرباً إلى الله تعالى.
من شعائر الله: أي من أعلام دينه، ومظاهر عبادته.
صوآف : جمع صافة وهي القائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى.
فإذا وجبت جنوبها: أي بعد أن تسقط على جنوبها على الأرض لا روح فيها.
القانع والمعتر : القانع السائل والمعتر الذي يتعرض للرجل ولا يسأله حياء وعفة.
القانع: من الأضداد يطلق على ذي القناعة وعلى من لا قناعة له فهو يسأل، إلاّ أن الفعل الماضي لذي القناعة مكسور العين فعل كعلم، وفعل: من لا قناعة له فهو يسأل فعل: بفتح العين كنصح ينصح.
كذلك سخرناها: أي مثل هذا. التسخير سخرناها لكم لتركبوا عليها وتحملوا وتحلبوا.
لعلكم تشكرون : أي لأجل أن تشكروا الله تعالى بحمده وطاعته.
لن ينال الله لحومها: أي لا يرفع إلى الله لحم ولا دم، ولكن تقواه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
لتكبروا الله على ما هداكم : أي تقولون الله أكبر بعد الصلوات الخمس أيام التشريق شركاً له على هدايته إياكم.
وبشر المحسنين : أي الذين يريدون بالعبادة وجه الله تعالى وحده ويؤدونها على الوجه المشروع.
معنى الآيات:
ما زال السياق في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين فقوله تعالى:
{ولكل أمة جعلنا منسكاً} أي ولكل أمة من الأمم السابقة من أهل الإيمان والإسلام جعلنا لهم مكان نسك يتعبدوننا فيه ومنسكاً أي ذبح قربان ليتقربوا به إلينا، وقوله:
{ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} أي شرعنا لهم عبادة ذبح القربان لحكمة: وهو أن يذكروا اسمنا على ذبح ما يذبحون ونحر ما ينحرون بأن يقولوا بسم الله والله أكبر.
وقوله تعالى: {فإلهكم إله واحد} أي فمعبودكم أيها الناس معبود واحد {فله أسلموا} وجوهكم وخصوه بعبادتكم ثم قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {وبشر المخبتين} برضواننا ودخول دار كرامتنا ووصف المخبتين معرفاً بهم الذين تنالهم البشرى على لسان رسول الله فقال {الذين إذا ذكر الله} لهم أو بينهم {وجلت قلوبهم} أي خافت شعوراً بالتقصير في طاعته وعدم أداء شكره والغفلة عن ذكره
{والصابرين على ما أصابهم} من البلاء فلا يجزعون ولا يتسخطون ولكن يقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، {والمقيمي} الصلاة أي بأدائها في أوقاتها في بيوت الله مع عباده المؤمنين ومع كامل شرائطها وأركانها وسننها {ومما رزقناهم ينفقون} مما قل أو كثر ينفقون في مرضاة ربهم شكراً لله على ما آتاهم وتسليماً بما شرع لهم وفرض عليهم.
وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} أي الإبل والبقر مما يُهدى إلى الحرم جعلنا ذلكم من شعائر ديننا ومظاهر عبادتنا،
{لكم فيها خير} عظيم وأجر كبير عند ربكم يوم تلقوه إذ ما تقرب متقرب يوم عيد الأضحى بأفضل من دم يهرقه في سبيل الله وعليه {فاذكروا اسم الله عليها} أي قولوا بسم الله والله أكبر عند نحرها، وقوله: {صوآف} أي قائمة على ثلاثة معقولة اليد اليسرى، فإذا نحرتموها ووجبت أي سقطت على جنوبها فوق الأرض ميتة
{فكلوا منها وأطعموا القانع} الذي يسألكم {والمعتر} الذي يتعرض لكم ولا يسألكم حياءً، وقوله تعالى:
{سخرناها لكم} أي مثل ذلك التسخير الذي سخرناها لكم فتركبوا وتحلبوا وتذبحوا وتأكلوا سخرناها لكم من أجل أن تشكرونا بالطاعة والذكر.
وقوله تعالى في آخر آية في هذا السياق وهي (37) قوله: {لن ينالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤها} أي لن يرفع إليه لحم ولا دم ولن يبلغ الرضا منه، ولكن التقوى بالإخلاص وفعل الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه هذا الذي يرفع إليه ويبلغ مبلغ الرضا منه.
وقوله تعالى: {كذلك سخرها لكم} أي كذلك التسخير الذي سخرها لكم لعلَّة أن تكبروا الله على ما هداكم إليه من الإيمان والإسلام فتكبروا الله عند نحر البدن وذبح الذبائح وعند أداء المناسك وعقب الصلوات الخمس أيام التشريق.
وقوله تعالى: {وبشر المحسنين} أمر الله تعالى رسوله والمبلغ عنه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبشر باسمه المحسنين الذين أحسنوا الإيمان والإسلام فوحدوا الله وعبدوه بما شرع وعلى نحو ما شرع متبعين في ذلك هدى رسوله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- ذبح القربان مشروع في سائر الأديان الإلهية وهو دليل على أنه لا إله إلا الله إذ وحدة التشريع تدل على وحدة المشرع.
وسر مشروعية ذبح القربان هو أن يذكر الله تعالى، ولذا وجب ذكر اسم الله عند ذبح ما يذبح ونحر ما ينحر بلفظ بسم الله والله أكبر.
2- تعريف المخبتين أهل البشارة السارة برضوان الله وجواره الكريم.
3- وجوب ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام.
4- بيان كيفية نحر البدن، وحرمة الأخذ منها قبل موتها وخروج روحها.
5- الندب إلى الأكل من الهدايا ووجوب إطعام الفقراء والمساكين منها.
6- وجوب شكر الله على كل إنعام.
7- مشروعية التكبير عند أداء المناسك كرمي الجمار وذبح ما يذبح وبعد الصلوات الخمس أيام التشريق.
8- فضيلة الإحسان وفوز المحسنين ببشرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الحادي عشر من تفسير سورة الحج))

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ (41 )}.
شرح الكلمات:
يدافع : قُرِىء يدفع أي غوائل المشركين وما يكيدون به المؤمنين.
خوان : كثير الخيانة لأمانته وعهوده.
الخوّان: كثير الخيانة، وهي الغدر، والغدر من شر الصفات، فقد صحّ "أن الله تعالى ينصب يوم القيامة للغادر لواءً عند أسته بقدر غدرته: يقال هذه غدرة فلان بن فلان"!!
كفور: أي جحود لربه وكتابه ورسوله ونعمه عليه.
بأنهم ظلموا : أي بسبب ظلم المشركين لهم.
بغير حق: أي استوجب إخراجهم من ديارهم.
إلا أن يقولوا ربنا الله: أي إلا قولهم: ربنا الله والله حق، وهل قول الحق يُسَوغ إخراج قائله؟
صوامع وبيع: معابد الرهبان وكنائس النصارى.
وصلوات: معابد اليهود، باللغة العبرية مفردها صلوثا.
ومساجد: أي بيوت الصلاة للمسلمين.
من ينصره : أي ينصر في ينه وعباده المؤمنين.
قوي عزيز: قادر على ما يريد عزيز لا يمانع فيما يريد.
إن مكناهم في الأرض: أي نصرناهم على عدوهم ومكنا لهم في البلاد بأن جعلنا السلطة بأيديهم.
ولله عاقبة الأمور : أي آخر أمور الخلق مردها إلى الله تعالى الذي يثيب ويُعاقب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى:
{إن الله يدافع عن الذين آمنوا} أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم.
وقوله: {إن الله لا يجب كل خوَّان كفور} تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن المسجد الحرام وهم الخائنون لأماناتهم وعهودهم الكافرون بربهم ورسوله وكتابه وبما جاء به، ولما كان لا يحبهم فهو عليهم، وليس لهم. ومقابله أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع لربه، ومن أحبَّهُ دافع عنه وحماه من أعدائه.
وقوله تعالى: {أُذن للذين يقاتلون} باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول وهما قراءتان أي قاتلهم المشركون هؤلاء أذن الله تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعدما كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم، وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالإذن فيه للمؤمنين.
وقوله: {وإن الله على نصرهم لقدير} طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو القدير على ذلك.
وقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} أي بدون موجب لإخراجهم اللهم إلا قولهم: ربنا الله وهذا حق وليس بموجب لإخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم وبلادهم هذه الجملة بيان لمقتضى الإذن لهم بالقتال، ونصرة الله تعالى لهم.
وقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لولا هذا لتغلب أهل الباطل
و{لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} وهذا تعليل أيضاً وبيان لحكمة الأمر بالقتال أي لولا أن الله تعالى يدفع بأهل الإيمان أهل الكفر لتغلب أهل الكفر وهدموا المعابد ولم يسمحوا للمؤمنين أن يعبدوا الله- وفي شرح الكلمات بيان للمعابد المذكورة فليرجع إليها.
وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي} أي قدير {عزيز} غالب فمن أراد نصرته نَصَرهُ ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، والذي يريد الله نصرته هو الذي يقاتل من أجل الله بأن يُعبد في الأرض ولا يُعبد معه سواه فذلك وجه نصر الله فليعلم وقوله :{الذين إن مكناهم} أي وطأنا لهم في الأرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلاة على الوجه المطلوب منهم، وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم، وأمروا بالمعروف أي بالإسلام والدخول فيه وإقامته،
ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصِي الله ورسوله هؤلاء الأحقون بنصر الله تعالى لهم لأنهم يقاتلون لنصرة الله عز وجل، وقوله تعالى:
{ولله عاقبة الأمور} يخبر تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح ويعاقب على العمل الفاسد، وذلك يوم القيامة، وعليه فليراقب الله وليُتق في السر والعلن وليُتوكل عليه، وليُنب إليه، فإن مرد كل أمر إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وعد الله الصادق بالدفاع عن المؤمنين الصادقين في إيمانهم.
2- كره الله تعالى لأهل الكفر والخيانة.
3- مشروعية القتال لإعلاء كلمة الله بأن يعبد وحده ولا يضطهد أولياؤه.
4- بيان سر الإذن بالجهاد ونصرة الله لأوليائه الذين يقاتلون من أجله.
5- بيان أسس الدولة التي ورثّ الله أهلها البلاد وملكهم فيها وهي:
إقام الصلاة - إيتاء الزكاة - الأمر بالمعروف- النهي عن المنكر.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثاني عشر من تفسير سورة الحج))

{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأابْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}.
شرح الكلمات:
وإن يكذبوك : أي إن يكذبك قوم فقد كذبت قبلهم قوم نوح إذاً فلا تأس إذ لست وحدك المكذب.
وأصحاب مدين: هم قوم شعيب عليه السلام.
وكذب موسى : أي كذبه فرعون وآله الأقباط.
فأمليت للكافرين: أي أمهلتهم فلم أُعجل العقوبة لهم.
ثم أخذتهم : أي بالعذاب المستأصل لهم.
فكيف كان نكير: أي كيف كان إنكاري عليهم تكذيبهم وكفرهم أكان واقعاً موقعه؟ نعم إذ الاستفهام للتقرير.
فهي خاوية على عروشها: أي ساقطة على سقوفها.
بئر معطلة: أي متروكة لا يستخرج منها ماء لموت أهلها.
وقصر مشيد: مرتفع مجصص بالجص.
فإنها لا تعمى الأبصار: أي فإنها أي القصة لا تعمى الأبصار فإن الخلل ليس في أبصارهم ولكن في قلوبهم حيث أعماها الهوى وأفسدتها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضلال.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في دعوة قريش إلى الإيمان والتوحيد وإن تخللته إرشادات للمؤمنين فإنه لما أذن للمؤمنين بقتال المشركين بين مقتضيات هذا الإذن وضمن النصرة لهم وأعلم أن عاقبة الأمور إليه لا إلى غيره وسوف يقضي بالحق والعدل بين عباده يوم يلقونه. قال لرسوله صلى الله عليه وسلم مسلياً له عن تكذيب المشركين له:
{وإن يكذبوك} الآية في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتعزيته من جرّاء ما يلاقي من قومه من أنواع التكذيب والعناد والجحود.
{وإن يكذبوك} أيها الرسول فيما جئت به من التوحيد والرسالة والبعث والجزاء يوم القيامة فلا تأس ولا تحزن
{فقد كذبت قبلهم} أي قبل مُكذِّبيك من قريش والعرب واليهود
{قوم نوح وعاد} قوم هود {وثمود} قوم صالح {وقوم إبراهيم وقوم لوط، وأصحاب مدين، وكُذَّب موسى} أيضاً مع ما آتيناه من الآيات البينات، وكانت سنتي فيهم أني أمليت لهم أي مددت لهم في الزمن وأرخيت لهم الرسن حتى إذا بلغوا غاية الكفر والعناد والظلم والاستبداد وحقت عليهم كلمة العذاب أخذتهم أخذ العزيز المقتدر {فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم؟ كان وربّك واقعاً موقعه، وليس المذكورون أخذت فقط..
{فكأين من قرية} عظيمة غانية برجالها ومالها وسلطانها {أهلكناها وهي ظالمة} أي ضالعة في الظلم أي الشرك والتكذيب {فهي خاوية على عروشها} أي ساقطة على سقوفها، وكم من بئر ماء عذب كانت سقيا لهم فهي الآن معطلة، وكم من قصر مشيد أي رفيع مشيد بِالجص إذ مات أهله وتركوه هذا ما تضمنته الآيات الأربع (42، 43، 44، 45)
أما الآية الأخيرة من هذا السياق فالحق عز وجل يقول {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها}
حاثاً المكذبين من كفار قريش والعرب على السير في البلاد ليقفوا على آثار الهالكين فلعل ذلك يكسبهم حياة جديدة في تفكيرهم ونظرهم فتكون لهم قلوب حية واعية يعقلون بها خطابنا إليهم ونحن ندعوهم إلى نجاتهم وسعادتهم أو تكون لهم آذان يسمعون بها نداء النصح والخير الذي نوجهه إليهم بواسطة كتابنا ورسولنا، وما لهم من عيون مبصرة بدون قلوب واعية وآذان صاغية فإن ذلك غير نافع {فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
وهذا حاصل القول ألا فليسيروا لعلهم يكسبون عبراً وعظات تحصي قلوبهم وسائر حواسهم المتبلدة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تكذيب الرسل والدعاة إلى الحق والخير سنة مطردة في البشر لها عواملها من أبرزها التقليد والمحافظة على المنافع المادية، وظلمات القلب الناشئة عن الشرك والمعاصي.
2- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك الأمم والشعوب الظالمة بعد الإمهال لهم والإعذار.
3- مشروعية طلب العبر وتصيدها من آثار الهالكين.
4- العبرة بالبصيرة القلبية لا بالبصر فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي بصر حاد حديد.
ومن هنا كان المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة على عينيه، وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات، والكبر والعجب والحب والبغض في غير الله.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثالث عشر من تفسير سورة الحج))

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}.
شرح الكلمات:
يستعجلونك بالعذاب: أي يطالبونك مستعجلينك بما حذّرتهم منه من عذاب الله.
كألف سنة مما تعدون: أي من أيام الدنيا ذات الأربع والعشرين ساعة.
وكأين من قرية : أي وكثير من القرى أي العواصم والحواضر الجامعة لكل أسباب الحضارة.
أمليت لها: أي أمهلتها فمددت أيام حياتها ولم استعجلها بالعذاب.
نذير مبين: منذر أي مخوف عاقبة الكفر والظلم بيّنُ النذارة.
لهم مغفرة ورزق كريم : أي ستر لذنوبهم ورزق حسن في الجنة.
سعوا في آياتنا معاجزين : أي عملوا بجد واجتهاد في شأن إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا وما تحمله من دعوة إلى التوحيد وترك الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه في دعوته إلى الصبر والتحمل فيقول له:
{ويستعجلونك بالعذاب} أي يستعجلك المشركون من قومك بالعذاب الذي خوفتهم به وحذرتهم منه، {ولن يخلف الله وعده} وقد وعدهم فهو واقع بهم لا بد وقد تم ذلك في بدر وقوله تعالى:
{وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} فلذا تعالى لا يستعجل وهم يستعجلون فيوم الله بألف سنة، وأيامهم بأربع وعشرين ساعة فإذا حدد تعالى لعذابهم يوماً معناه أن العذاب لا ينزل بهم إلا بعد ألف سنة، ونصف يوم بخمسمائة سنة، وربع يوم بمائتين وخمسين سنة وهكذا فلذا يستعجل الإنسان ويستبطىء، والله عز وجل ينجز وعده في الوقت الذي حدده فلا يستخفه استعجال المجرمين العذاب ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {ولو لا أجل مسمى لجاءهم العذاب} من سورة العنكبوت.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47)
وقوله تعالى: {وكأين من قرية} أي مدينة كبرى {أمليت لها} أي أمهلتها وزدت لها في أيام بقائها والحال أنها ظالمة بالشرك والمعاصي ثم بعد ذلك الإملاء والإمهال أخذتها {وإليّ المصير} أي مصير كل شيء ومرده إلي فلا إله غيري ولا رب سواي فلا معنى لاستعجال هؤلاء المشركين العذاب فإنهم عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا فإن مصيرهم إلى الله تعالى وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون الجزاء العادل في دار الشقاء والعذاب الأبدي.
وقوله تعالى: {قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين} ، فلست بإله ولا رب بيدي عذابكم إن عصيتموني وإنعامكم إن أطعتموني، وإنما أنا عبد مأمور بأن أنذر عصاة الرب بعذابه، وابشر أهل طاعته برحمته، وهو معنى الآية (50) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازمه أنهم تركوا الشرك والمعاصي لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم عند ربهم وهو الجنة دار النعيم {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} أي عملوا جادين مسرعين في صرف الناس عن آيات الله حتى لا يؤمنوا بها ويعملوا بما فيها من هدي ونور معاجزين لله يظنون أنهم يعجزونه والله غالب على أمره ناصر دينه وأوليائه، أولئك البعداء في الشر والشرك أصحاب الجحيم الملازمون لها أبد الآبدين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- العجلة من طبع الإنسان ولكن استعجال الله ورسوله بالعذاب حمق وطيش وضلال وكفر.
2- ما عند الله في الملكوت الأعلى يختلف تماماً عما في هذا الملكوت السلفي.
3- عاقبة الظلم وخيمة وفي الخبر الظلم يترك الديار بلاقع أي خراباً خالية.
4- بيان مهمة الرسل وهي البلاغ مع الإنذار والتبشير ليس غير.
5- بيان مصير المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الرابع عشر من تفسير سورة الحج))

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (57)}.
شرح الكلمات:
من رسول ولا نبي: الرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلاغه. والنبي مقرر لشرع من قبله.
تمنى في أمنيته: أي قرأ في أمنيته، أي في قراءته.
ثم يُحكم الله آياته : أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم الله آياته أي يثبتها.
فتنة للذين في قلوبهم مرض : أي اختباراً للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك.
والقاسية قلوبهم : هم المشركون.
فتخبت له قلوبهم: أي تتطامن وتخشع له قلوبهم.
في مرية منه: أي في شك منه وريب من القرآن.
عذاب يوم عقيم: هو عذاب يوم بدر إذ كان يوماً عقيماً لا خير فيه.
في جنات النعيم : أي جنات ذات نعيم لا يبلغ الوصف مداه.
فلهم عذاب مهين: أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني.
معنى الآيات:
بعد التسلية الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنها قوله تعالى: {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح.. الخ}
ذكرالله تعالى تسلية ثانية وهي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ حول الكعبة في صلاته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية: "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى" ففرح المشركون بما سمعوا ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها وأن الله أنزلها فلما سجد في آخر السورة سجدوا معه إلا رجلاً كبيراً لم يقدر على السجود فأخذ حثية من تراب وسجد عليها
هذا الرجل، روى البخاري أنه أمية بن خلف، وقيل هو أبو أحيحة سعيد بن العاص وقيل: هو الوليد بن المغيرة. والله أعلم بأيهم كان.
وشاع أن محمداً قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من الحبشة فكرب لذلك رسول الله وحزن فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له فقال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول} ذي رسالة يبلغها ولا نبيّ مقرر لرسالة نبي قبله {إلا إذا تمنى} أي قرأ {ألقى الشيطان في أمنيته} أي في قراءته {فينسخ الله} أي يزيل ويبطل {ما يلقي الشيطان} من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه {ثم يُحكم الله آياته} بعد إزالة ما قاله الشيطان فيثبتها فلا تقبل زيادة ولا نقصانا، والله عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم لا يخفى عليه شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه. فلا تأس يا رسول الله ولا تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقال: { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } أي من كلمات في قراءة النبي أو الرسول {فتنة للذين في قلوبهم مرض} الشك والنفاق {والقاسية قلوبهم} وهم المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضلالاً على ضلالهم وبُعداً عن الحق فوق بعدهم إذ ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إلا للفتنة أي زيادة في الكفر والضلال.
وقوله تعالى: {وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلاف لله ورسوله، بعيدون فيما يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه، وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر تعالى به ويدعوهم إليه من الاعتقاد والقول والعمل والتصور والإدراك.
وقوله تعالى: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} هذا جزء العلة التي تضمنتها سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الأول تضمنه قوله تعالى: {ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} وهذا هو الجزء الثاني أي {وليعلم الذين أوتوا العلم} بالله وآياته وتدبيره {أنه الحق من ربك} أي ذلك الإلقاء والنسخ وإحكام الآيات بعده {فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى.
وقوله تعالى: {وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي بهم إلى رضاه وجنته، وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} أي من القرآن هل هو كلام الله هل هو حق هل إتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي فجأة وهي القيامة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} أي لا خير فيه لهم وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث لا ينفع العلم.
وقوله تعالى: {الملك يومئذ لله} أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك لله وحده فلا يملك معه أحد فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الآية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والمعاصي يدخلهم. جنات النعيم، والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به، وكذبوا بآيات الله المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهو السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لأنفسهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة.
2- بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها، ويخرج منها المؤمنون أكثر يقيناً وأعظم هدىً.
3- بيان حكم الله تعالى بين عباده يوم القيامة بإكرام أهل الإيمان والتقوى وإهانة أهل الشرك والمعاصي.
4- ظهور مصداق ما أخبر به تعالى عن مجرمي قريش فقد استمروا على ريبهم حتى هلكوا في بدر.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الخامس عشر من تفسير سورة الحج))

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}.
شرح الكلمات:
والذين هاجروا: أي هجروا ديار الكفر وذهبوا إلى دار الإيمان المدينة المنورة.
في سبيل الله : أي هجروا ديارهم لا لدنيا ولكن ليعبدوا الله وينصروا دينه وأولياءه.
ليرزقنهم رزقاً حسناً: أي في الجنة إذ أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة.
ليدخلنهم مدخلا يرضونه : أي الجنة يوم القيامة.
ذلك : أي الأمر ذلك المذكور فاذكروه ولا تنسوه.
ثم بغى عليه : أي ظُلم بعد أن عاقب عدوه بمثل ما ظلم به.
يولج الليل في النهار: أي يدخل جزءاً من الليل في النهار والعكس بحسب فصول السنة كما أنه يومياً يدخل الليل في النهار إذا جاء النهار ويدخل النهار في الليل إذا جاء الليل.
بأن الله هو الحق : أي الإله الحق الذي تجب عبادته دون سواه.
من دونه: أي من أصنام وأوثان وغيرها هو الباطل بعينه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في بيان حكم الله تعالى بين عباده فذكر تعالى ما حكم به لأهل الإيمان والعمل الصالح وما حكم به لأهل الكفر والتكذيب، وذكر هنا ما حكم به لأهل الهجرة والجهاد فقال عز وجل:
{والذين هاجروا في سبيل الله}.
قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن مظعون وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما إذ ماتا بالمدينة مريضين فقال بعض الناس: من مات في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه. كأنه يعني عثمان وعبدالله فنزلت هذه الآية مسوّية بين المجاهد والمهاجر، ومن شواهد فضل المهاجر ما روي: أن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان برودس أميراً على الأرباع فجيىء بجنازتي رجلين أحدهما قتل والآخر متوفى فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حضرته فقال: أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اقرأوا قول الله تعالى: {والذين هاجروا ..} الآية.
{والذين هاجروا في سبيل الله} أي خرجوا من ديارهم لأجل طاعة الله ونصرة دينه {ثم قتلوا} من قبل أعداء الله المشركين {أو ماتوا} حتف أنوفهم بدون قتل {ليرزقنهم الله رزقاً حسناً} في الجنة إذ أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش {ليدخلنهم} يوم القيامة {مدخلاً يرضونه} وهو الجنة، وقوله تعالى:
{وإن الله لهو خير الرازقين} أي لخير من يرزق فما رزقهم به هو خير رزق وأطيبه وأوسعه.
وقوله : {وإن الله لعليم حليم} عليم بعباده وبأعمالهم الظاهرة والباطنة حليم يعفو ويصفح عن بعض زلات عباده المؤمنين فيغفرها ويسترها عليهم إذ لا يخلو العبد من ذنب إلا من عصمهم الله من أنبيائه ورسله.
وقوله تعالى: {ذلك ومن عاقب} أي الأمر ذلك الذي بينت لكم، {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} أي ومن أخذ من ظالمه بقدر ما أخذ منه قصاصاً، ثم المعاقب ظلم بعد ذلك من عاقبه فإن المظلوم أولاً وآخراً تعهد الله تعالى بنصره،
وقوله: {إن الله لعفو غفور} فيه إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظلمه فإن العفو خير من المعاقبة وهذا كقوله تعالى
{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}.
وقوله: {ذلك بأن الله يولج الليل والنهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير} أي أن القادر على إدخال الليل في النهار والنهار في الليل بحيث إذ جاء أحدهما غاب الآخر، وإذا قصر أحدهما طال الآخر والسميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم قادر على نصرة من بُغي عليه من أوليائه.
وقوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} أي المعبود الحق المستحق للعبادة، وإن ما يدعون من دونه من أصنام وأوثان هو الباطل أي ذلك المذكور من قدرة الله وعلمه ونصرة أوليائه كان لأن الله هو الإله الحق وأن ما يعبدون من دونه من آلهة هو الباطل، وأن الله هو العلي على خلقه القاهر لهم المتكبر عليهم الكبير العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان فضل الهجرة في سبيل الله حتى إنها تعدل الجهاد في سبيل الله. والرباط: كالهجرة، والجهاد، فقد روي عن سلمان الفارسي أنه مرّ برجال مرابطين على حصن ببلاد الروم. وطال حصارهم للحصن، وإقامتهم عليه فقال لهم: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات مرابطاً أجرى الله تعالى عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين" واقرأوا إن شئتم: {والذين هاجروا} الآية.
2- جواز المعاقبة بشرط المماثلة، والعفو أولى من المعاقبة.
3- بيان مظاهر الربوبية من العلم والقدرة الموجبة لعبادة الله تعالى وحده وبطلان عبادة غبره.
4- إثبات صفات الله تعالى: العلم والحلم والمغفرة والسمع والبصر والعفو والعلو على الخلق والعظمة الموجبة لعبادته وترك عبادة من سواه.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم السادس عشر من تفسير سورة الحج))

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنسَانَ لَكَفُورٌ (66)}.
شرح الكلمات:
ألم تر: أي آلم تعلم.
مخضرة: أي بالعشب والكلأ والنبات.
الغني الحميد: الغني عن كل ما سواه المحمود في أرضه وسمائه.
سخر لكم ما في الأرض: أي سهل لكم تملكه والتصرف فيه والانتفاع به.
أحياكم: أي أوجدكم أحياء بعدما كنتم عدما.
لكفور : أي كثير الكفر والجحود لربِّه ونعمه عليه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر القدرة والعلم والحكمة قال تعالى: {ألم تر} يا رسولنا {ألم تر} الخطاب صالح لكل متأهل للرؤية من ذوي العقول، والاستفهام للحض على الرؤية فهو كالأمر والفاء للتفريع إذ يتفرّع عن نزول المطر: صيرورة الأرض مخضرّة بالنبات.
{أن الله أنزل من السماء ماءاً} أي مطراً فتصبح الأرض بعد نزول المطر عليها مخضرة بالعشب والنباتات والزروع.
وقوله: {إن الله لطيف} بعباده {خبير} بما يصلحهم ويضرهم وينفعهم.
وقوله: {له ما في السموات وما في الأرض} أي خلقاً وملكاً وتصرفاً، {وإن الله لهو الغني} عن خلقه {الحميد} أي المحمود في الأرض والسماء بجميل صنعه وعظيم إنعامه.
وقوله تعالى: {ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض} من الدواب والبهائم على اختلافها {والفلك} أي وسخر لكم الفلك أي السفن {تجري في البحر بأمره} أي بإذنه وتسخيره، {ويمسك السماء أن تقع على الأرض} أي كيلا تقع على الأرض {إلا بإذنه} أي لا تقع إلا إذا أذن لها في ذلك وقوله: {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} من مظاهر رأفته ورحمته بهم تلك الرحمة المتجلية في كل جانب من جوانب حياتهم في حملهم في ارضاعهم في غذائهم في نومهم في يقظتهم في تحصيل أرزاقهم في عفوه عن زلاتهم في عدم تعجيل العقوبة لهم بعد استحقاقهم لها في إرسال الرسل في إنزال الكتب
فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وقوله تعالى: {وهو الذي أحياكم} بالإنشاء والإيجاد من العدم، ثم يميتكم عند انتهاء آجالكم {ثم يحييكم} ويبعثكم ليجزيكم بكسبكم كل هذه النعم يكفرها الإنسان فيترك ذكر ربه وشكره ويذكر غيره ويشكر سواه.
فهذه المظاهر لقدرة الرب وعلمه وحكمته وتلك الآلاء والنعم الظاهرة والباطنة توجب الإيمان بالله وتحتم عبادته وتوحيده وذكره وشكره، وتجعل عبادة غيره سُخفاً وضلالاً عقلياً لا يُقادر قدره ولا يُعرف مداه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير التوحيد بذكر مقتضياته من القدرة والنعمة.
2- إثبات صفات الله تعالى: اللطيف الخبير الغني الحميد الرؤوف الرحيم المحيي المميت.
3- بيان إنعام الله وإفضاله على خلقه.
4- مظاهر قدرة الله تعالى في إمساك السماء أن تقع على الأرض، وفي الإحياء والأماتة والبعث.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم السابع عشر من تفسير سورة الحج))


{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ (67) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72 )}.
شرح الكلمات:
جعلنا منسكاً : أي مكاناً يتعبدون فيه بالذبائح أو غيرها.
فلا ينازعنك: أي لا ينبغي أن ينازعوك.
هدىً مستقيم: أي دين مستقيم هو الإسلام دين الله الحق.
في كتاب: هو اللوح المحفوظ.
ما لم ينزل به سلطاناً: أي حجة وبرهاناً.
المنكر : أي الإنكار الدال عليه عبوس الوجه وتقطيبه.
يسطون : يبطشون.
بشر من ذلكم : هو النار.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في بيان هداية الله تعالى لرسوله والمؤمنين ودعوة المشركين إلى ذلك قال تعالى :
{ولكل أمة جعلنا منسكاً} أي ولكل أمة من الأمم التي مضت والحاضرة أيضاً جعلنا لهم منسكاً أي مكاناً يتنسكون فيه ويتعبدون
{هم ناسكوه} أي الآن، فلا تلتفت إلى ما يقوله هؤلاء المشركون، ولا تقبل منهم منازعة في أمر واضح لا يقبل الجدل، وذلك أن المشركين انتقدوا ذبائح الهدى والضحايا أيام التشريق، واعترضوا على تحريم الميتة وقالوا كيف تأكلون ما تذبحون ولا تأكلون ما ذبح الله بيمينه .
وقوله تعالى لرسوله: {وادع إلى ربك} أي أعرض عن هذا الجدل الفارغ وادع إلى توحيد ربك وعبادته
{إنك لعلى هدى مستقيم} أي طريق قاصد هاد إلى الإسعاد والإكمال وهو الإسلام .
وقوله: {وإن جادلوك} في بيان بعض المناسك والنسك فاتركهم فإنهم جهلة لا يعلمون وقل: {الله أعلم بما تعملون} أي وسيجزيكم بذلك حسنة وسيئة {والله يحكم بينكم} أي يقضي بينكم أيها المشركون فيما كنتم فيه تختلفون وعندها تعرفون المحق من المبطل منا وذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض}
بلى إن الله يعلم كل ما في السموات والأرض من جليل ودقيق وجليّ وخفي وكيف لا وهو اللطيف الخبير
{إن ذلك في كتاب} وهو اللوح المحفوظ فكيف يجهل أو ينسى،
و {إن ذلك} أي كتبه وحفظه في كتاب المقادير {على الله يسير}
أي هين سهل، لأنه تعالى على كل شيء قدير. هذا ما دلت عليه الآيات الأربع (67، 68، 69، 70) .
وقوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً} أي ويعبد أولئك المشركون المجادلون في بعض المناسك أصناماً لم ينزل الله تعالى في جواز عبادتها حُجَّة ولا برهاناً بل ما هو إلا إفك افتروه، ليس لهم به علم ولا لآبائهم، وسوف يحاسبون على هذا الإفك ويجزون به في ساعة لا يجدون فيها ولياً ولا نصيراً إذ هم ظالمون بشركهم بالله آلهة مفتراة ويوم القيامة ما للظالمين من نصير, هذا ما دلت عليه الآية (71) وأما قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } يخبر تعالى عن أولئك المشركين المجادلين بالباطل أنهم إذا قرأ عليهم أحد المؤمنين آيات الله وهى بينات في مدلوها تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم {تعرف} يا رسولنا {في وجوه الذين كفروا المنكر} أي تتغير وجوههم ويظهر عليها الإنكار على التالي عليهم الآيات {يكادون يسطون} أي يبطشون ويقعون بمن يتلون عليهم آيات الله لهدايتهم وصلاحهم.
وقوله تعالى: {قل أفأُنبئكم بشرٍ من ذلكم} أي قل لهم يا رسولنا أفأنبكم بشر من ذلك الذي تكرهون وهو من يتلون عليكم آيات الله أنه النار التي وعدها الله الذين كفروا أي من أمثالكم، وبئس المصير تصيرون إليه النار إن لم تتوبوا من شرككم وكفركم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير حقيقة وهي أن كل أمة من الأمم بعث الله فيها رسولاً وشرع لها عبادات تعبده بها.
2- استحسان ترك الجدال في البدهيات والإعراض عن ما فيها.
3- تقرير علم الله تعالى بكل خفي وجلي وصغير وكبير في السموات والأرض.
4- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير الكتاب الحاوي لذلك وهو اللوح المحفوظ.
5- بيان شدة بغض المشركين للموحدين إذا دعوهم إلى التوحيد وذكروهم بالآيات.
6- مشروعية إغاظة الظالم بما يغيظه من القول الحق.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم الثامن عشر من تفسير سورة الحج))

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (76)}.
شرح الكلمات:
ضرب مثل: أي جعل مثل هو ما تضمنه قوله تعالى: {إن الذين تدعون... الخ.
لن يخلقوا ذباباً: أي لن يستطيعوا خلق ذبابة وهي أحقر الحيوانات تتخلق من العفونات.
ولو اجتمعوا: أي على خلقه فإنهم لا يقدرون، فكيف إذا لم يجتمعوا فهم أعجز .
لا يستنقذوه منه: أي لا يستردوه منه وذلك لعجزهم.
ضعف الطالب والمطلوب : أي العابد والمعبود.
ما قدروا الله حق قدره: أي ما عظم المشركون الله تعالى حق قدره أي عظمته.
يصطفي من الملائكة رسلاً : أي يجتبي ويختار كجبريل.
ومن الناس: كمحمد صلى الله عليه وسلم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين يقول تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} أي يا أيها المشركون بالله آلهة أصناماً ضرب لآلهتكم في حقارتها وضعفها وقلة نفعها مثل رائع فاستمعوا له.
وبينه بقوله: {إن الذين تدعون من دون الله } من أوثان وأصنام {لن يخلقوا ذباباً} وهو أحقر حيوان وأخبثه أي اجتمعوا واتحدوا متعاونين على خلقه، أو لم يجتمعوا له فإنهم لا يقدرون على خلقه وشيء آخر وهو إن يسلب الذباب الحقير شيئاً من طيب آلهتكم التي تضمّخونها به، لا تستطيع آلهتكم أن تسترده منه فما أضعفها إذاً وما أحقرها إذا كان الذباب أقدر منها وأعز وأمنع.
وقوله تعالى: {ضعف الطالب والمطلوب} أي ضعف الصنم والذباب معاً كما ضعف العابد المشرك والمعبود الصنم.
{إن الله لقويٌ عزيز} أي قوي قادر على كل شيء عزيز غالب لا يمانع في أمر يريده فكيف ساغ للمشركين أن يؤلهوا غيره ويعبدونه معه ويجعلونه له مثلاً.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (73) والثانية (74) .
وقوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} هذا رد على المشركين عندما قالوا: {أ أنزل عليه الذكر من بيننا} وقالوا: {أبعث الله بشراً رسولاً} فأخبر تعالى أنه يصطفي أي يختار من الملائكة رسلاً كما اختار جبرائيل وميكائيل، ومن الناس كما أختار نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم ، {إن الله سميع} لأقوال عباده طيبها وخبيثها {بصير} بأعمالهم صالحها وفاسدها وعلمه بخلقه وبصره بأحوالهم وحاجاتهم اقتضى أن يصطفي منهم رسلاً وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما بين أيدي رسله من الملائكة ومن الناس وما خلفهم ماضياً ومستقبلاً إذ علمه أحاط بكل شيء فلذا حق له أن يختار لرسالاته من يشاء فكيف يصح الاعتراض عليه لولا سفه المشركين وجهالاتهم وقوله تعالى: {وإلى الله ترجع الأمور} هذا تقرير لما تضمنته الجملة السابقة من أن لله الحق المطلق في إرسال الرسل من الملائكة أو من الناس ولا اعتراض عليه في ذلك إذ مرد الأمور كلها إليه بدءاً ونهاية إذ هو ربّ كل شيء ومليكه لا إله غيره ولا رب سواه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
2- التنديد بالشرك وبطلانه وبيان سفه المشركين.
3- ما قدر الله حق قدره من سوى به أحقر مخلوقاته وجعل له من عباده جزءاً وشبهاً ومثلاً.
4- إثبات الرسالات للملائكة وللناس معاً.
5- ذكر صفات الجلال والكمال لله تعالى المقتضية لربوبيته والموجبة لألوهيته وهى القوة والعزة، والسمع والبصر لكل شيء وبكل شيء والعلم بكل شيء.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

((القسم التاسع عشر والأخير من تفسير سورة الحج))

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}.
شرح الكلمات:
واعبدوا ربكم: أي أطيعوه في أمره ونهيه في تعظيم هو غاية التعظيم وذل له هو غاية الذل.
وافعلوا الخير: أي من كل ما انتدبكم الله لفعله ورغبكم فيه من صالح الأقوال والأعمال.
لعلكم تفلحون : أي كي تفوزوا بالنجاة من النار ودخول الجنة.
حق جهاده: أي الجهاد الحق الذي شرعه الله تعالى وأمر به وهو جهاد الكفار والشيطان والنفس والهوى.
اجتباكم: أي اختاركم لحمل دعوة الله إلى الناس كافة.
من حرج : أي من ضيق وتكليف لا يطاق.
ملة أبيكم: أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم وهي عبادة الله وحده لا شريك له.
وفي هذا : أي القرآن.
اعتصموا بالله: أي تمسكوا بدينه وثقوا في نصرته وحسن مثوبته.
ونعم النصير: أي هو تعالى نعم النصير أي الناصر لكم.
معنى الآيات:
بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاثة:
التوحيد
والنبوة
والبعث والجزاء،
نادى الربّ تبارك وتعالى المسلمين بعنوان الإيمان فقال :
{يا أيها الذين آمنوا} أي يا من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام في ديناً، {اركعوا واسجدوا} أمرهم بإقام الصلاة {واعبدوا ربكم} أي أطيعوه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه معظمين له غاية التعظيم خاشعين له غاية الخشوع
{وافعلوا الخير} من كل ما انتدبكم الله إليه ورغبكم فيه من أنواع البر وضروب العبادات
{لعلكم تفلحون} أي لتتأهلوا بذلك للفلاح الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار.
وقوله: {وجاهدوا في الله حق جهاده} أي أمرهم أيضاً بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله
ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفراغ الجهد والطاقة كلها نفساً ومالاً ودعوة
وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} هذه مِنَّة ذكّر بها تعالى المؤمنين حتى يشكروا الله بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلاة والصيام، ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمُم.
وقوله: {ملة أبيكم إبراهيم} أي الزموا ملة أبيكم
وقوله: {هو سماكم المسلمين} أي الله جل جلاله هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله :
{هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} أي القرآن
وقوله: {ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} أي اجتباكم أيها المؤمنون لدينه الإسلامي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيداً عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به إليهم وعليه فاشكروا هذا الإنعام والإكرام لله تعالى
{فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله} أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وقضاءاً وحكماً،
وقوله تعالى: {هو مولاكم} أي سيدكم ومالك أمركم {فنعم المولى} هو سبحانه وتعالى {ونعم النصير} أي الناصر لكم ما دمتم أولياءه تعيشون على الإيمان والتقوى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضيلة الصلاة وشرف العبادة وفعل الخير.
2- مشروعية السجود عند تلاوة هذه الآية {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
3- فضل الجهاد في سبيل الله وهو جهاد الكفار، وان لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم.
4- فضيلة هذه الأمة المسلمة حيث أعطيت ثلاثاً لم يعطها إلا نبي
كان يقال للنبي عليه السلام اذهب فليس عليك حرج فقال الله لهذه الأمة: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ،
وكان يقال للنبي عليه السلام أنت شهيد على قومك وقال الله: {لتكونوا شهداء على الناس}
وكان يقال للنبي سل تعطه وقال الله لهذه الأمة: {ادعوني استجب لكم} دل على هذا قوله تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
5- فرضية الصلاة، والزكاة، والتمسك بالشريعة.
هذا أخر ما تيسر من تفسير سورة الحج والله أعلم .
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .


الساعة الآن 09:45 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام