إعراب الآية رقم 164 من سورة آل عمران { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ }، [ آل عمران: 164. لقد اللام جواب لقسم محذوف وقد حرف تحقيق ومنّ اللّه فعل وفاعل وعلى المؤمنين جار ومجرور متعلقان بمنّ والكلام مستأنف مسوق لتأكيد نزاهة النبي صلى اللّه عليه وسلم وبيان خطأ الذين نسبوا إليه الغلول (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بمنّ وجملة بعث في محل جر بالإضافة وفيهم جار ومجرور متعلقان ببعث ورسولا مفعول به ومن أنفسهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ل « رسولا » (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) الجملة صفة ثانية ل « رسولا » وعليهم جار ومجرور متعلقان بيتلو (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) الجملتان معطوفتان على يتلو ، والكتاب مفعول به ثان ليعلمهم والحكمة عطف على الكتاب (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الواو حالية وإن مخففة من الثقيلة مهملة لا عمل لها وكان واسمها ، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وقبل ظرف مبني على الضم في محل جر بمن ولفي اللام هي الفارقة وفي ضلال جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كانوا ومبين نعت. البلاغة :
في الآيةِ فنٌ رفيعٌ من فنونِ البلاغةِ يُعرفُ بفن التجريد ، وهو أنْ ينتزعَ المتكلمُ من أمرٍ ذي صفةٍ أمراً آخرَ بمثالِهِ فيها مبالغة لكسالها فيه ، كأنه أبلغ من الاتصاف بتلك الصفة. وهو أقسامٌ كثيرةٌ يُـمكِنُ الرجوعُ إليها في كتب البلاغة ، ولكننا نشير الى أهمها :
1- أن يكون ب « من » الجارّة ، ومن أوابده في النثر خطبة أبي طالب في تزويج خديجة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ومنها : « الحمد للّه الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضي معد » .
2- ويكون بالباء الجارة التجريدية كقول أبي تمام :
هتك الظلام أبو الوليد بعزة فتحت لنا باب الرجاء المقفل
بأتمّ من قمر السماء إذا بدا بدرا وأحسن في العيون وأجمل بأجلّ من قيس إذا استنطقته رأيا وألطف في الأمور وأجزل
3- ويكون بفي الجارّة التجريدية ، قال تعالى : « لهم فيها دار الخلد » أي في جهنم فانتزع منها دارا أخرى مبالغة. وقد رمقها أبو الطيب فقال :
تمضي المواكب والأبصار شاخصة منها الى الملك الميمون طائره
قد حرن في بشر في تاجه قمر في درعه أسد تدمى أظافره
فإن الأسد هو الممدوح نفسه لكنه انتزع منه أسدا آخر تهويلا لأمره ومبالغة في اتصافه بالشجاعة والإقدام.
4- ومن أقسام التجريد أن ينتزع الإنسان من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سيق لها الكلام ، ثم يخاطبه كقول المتنبي :
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
و أجز الأمير الذي نعماه فاجئة بغير قول ونعمى القوم أقوال
و جميل قول أبي نواس :
يا كثير النّوح في الدمن لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدة فإذا أحببت فاستنن
و مراده الخطاب مع نفسه ، ولذلك قال بعدهما :
ظنّ بي من قد كلفت به فهو يجفوني على الظّنن
بات لا يعنيه ما لقيت عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته خلت الدنيا من الفتن
و قال شوقي في العصر الحديث :
قم ناج جلّق وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
فقد انتزع من نفسه شخصا آخر يمثّله في الشاعرية والقدرة على مناجاة دمشق الخالدة التي صمدت للاستعمار دائما. ويكثر هذا القسم في مطالع القصائد ولكن سبيله صعبة محفوفة بالخطر لأنه قد
يخاطب ممدوحه أو معشوقه أو أي مخاطب كان بما يكره ويتطيّر به كما فعل جرير عند ما استهل قصيدة مدح بها عبد الملك بن مروان :
أ تصحو أم فؤادك غير صاح عشيّة هم صحبك بالرّواح
فقال له عبد الملك : ويلك! ما لك ولهذا السؤال يا ابن الفاعلة! وكما تورط أبو الطيب المتنبي نفسه متعمدا في مديح كافور :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
و من القصائد البديعة التي تغلغل التجريد الى أبياتها قصيدة الصمة بن عبد اللّه في صاحبته ريا ، ونوردها كاملة ففيها لعشاق الأدب سلوى وتأساء :
حننت إلى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
فقا ودعا نجدا ومن حلّ بالحمى وقل لنجد عندنا أن يودّعا
بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا وما أحسن المصطاف والمتربّعا
و ليست عشيّات الحمى برواجع إليك ولكن خلّ عينيك ت
دمعا ولما رأيت البشر أعرض دوننا وحالت بنات الشوق يحننّ ن
زّعا بكت عيني اليسرى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا
معا تلفّت نحو الحي حتى حسبتني وجعت من الإصغاء ليتا وأ
خدعا وأذكر أيام الحمى ثم أنثني على كبدي من خشية أن تصدّعا
الفوائد :
تخفف « إنّ » المكسورة الهمزة المشبهة بالفعل فتهمل لزوال اختصاصها ، وتدخل على الخبر لام تسمى اللام الفارقة ، مثل : إن خالد لمسافر ، فرقا بينها وبين إن النافية ، وإذا وليها فعل كانت مهملة حتما ، ويكون هذا الفعل من النواسخ أي كان وظن وأخواتهما ، ولا بد من دخول هذه اللام على هذه الأفعال. وقد أعملها بعض العرب في القسم الأول على قلة فقالوا يجوز أن نقول : إن خالدا لمسافر ، ولهذا أخطأ الزمخشري وخالف كتابه المفصل عند ما أعملها في قوله تعالى : « و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين » عند ما قدر اسمها اسما ظاهرا أي إن الشأن والحديث. وقد تبع الزمخشري في الخطأ الجلال وأبو السعود ، وجلّ من لا يسهو. نقلا عن كتاب إعراب القرآن وبيانه للأستاذالمؤلف محي الدين درويشالحمصي السوري رحمه الله تعالى. الشرح : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ }، [ آل عمران: 164. لَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللهِ ، وَيُذَكِّرَهُمْ بِمِنَنِ اللهِ عَلَيْهِمْ ، إِذْ جَعَلَ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يَتَخَطَّفُ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِ ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْكُرُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، وَلَكِنَّهُمْ بَدَلاً مِنَ الشُّكْرِ كَذَّبُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ، وَاسْتَكْبَرُوا ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ ، وَأَذَلَّهُمُ اللهُ تعالى بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَبَغْيِّهِمْ ، فَهُزِمُوا فِي بَدْرٍ ، وَتَتَالَتْ هَزَائِمُهُمْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . {مَنَّ} : أنعم وتفضل.{رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} : هو محمد صلى الله عليه وسلم.{وَيُزَكِّيهِمْ} : بما يرشدهم إليه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية.{وَالْحِكْمَةَ} : كلُّ قولٍ صالحٍ نافعٍ أبداً ومنه السنة النبوية.{لقد من الله على المؤمنين } على من آمن مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قومه وخَصَّ المؤمنين منهم لأنَّـهُم هم المنتفعون بمبعثه صلى الله عليه وسلم { من أنفسهم } من جنسهم عربيا مثلهم وقيل من ولد اسماعيل ,فإن قلت ممَّا وجهُ المنةِ عليهم في ان كان من انفسهم قلتُ اذا كان منهم كان اللسانُ واحدا فَسَهُلَ اخذُ ما يجبُ عليهم اخذُهُ عنه وكانوا واقفين على احوالِهِ في الصدقِ والأمانةِ فكان ذلك أقربَ لهم إلى تصديقه والوثوق به وفي كونِهِ من أنفسِهم شرفٌ لهم كقوله{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) الزخرف:44.وقرأت عائشةُ ، وفاطمةُ والضّحّاكُ ، ورواها أنس عنه ( صلى الله عليه وسلم ) بفتح الفاء ، من النَّفاسة - وهي الشرف - أي : من أشرفهم نسباً ، وخَلْقاً ، وخُلُقاً .لأنَّ عدنانَ ذروةُ وَلَدِ اسماعيلَ ومضرَ ذروةُ نزارِ بنِ معدِ بنِ عدنانَ وخندفَ ذروةُ مضر ومدركةَ ذروةُ خندفٍ وقريشَ ذروةُ مدركةٍ وذروةَ قريشٍ محمدٌ ( صلى الله عليه وسلم ) وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة رضي الله عنها وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر "الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع اسماعيل وضئضىء معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن اخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به فتى من قريش الا رجح به وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل{ يتلوا عليهم ءاياته }بعد ما كانوا اهل جاهلية لم يطرق اسماعهم شيء من الوحي{ ويزكيهم }ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث ,وقيل ويأخذ منهم الزكاة { ويعلمهم الكتاب والحكمة }القرآن والسنة بعدما كانوا أجهل الناس وأبعدهم من دراسة العلوم{ وإن كانوا من قبل }من قبل بعثة الرسول{ لفي ضلال }ان هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية وتقديره وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال{ مبين } ظاهر لا شبهة فيه.وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن إبراهيم وابنِهِ إسماعيلَ أنـهما دعوا الله لأهل الحرم وهما يبنيان البيتَ بأدعية من بينها { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . وقد أجاب الله دعاءهما فبعث في الأميين وفي غيرهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وتلك النعمةُ العظمى والمنةُ الجسيمةُ نَوّهَ الله تعالى بها في معرض الثناءِ على نفسه سبحانه في آياتٍ كثيرةٍ منها قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } سورة الجمعة. ومنها قوله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } . ومنها قوله: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } .{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْبِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولقد كان فضل النبي عليه الصلاة والسلام على الأنبياء الآخرين بعدة فضائل، وهذا ما يوضحه لنا الحديث الشريف؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فضلت على الأنبياء بِسِت: أُعْطِيتُ جوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا وأُرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون." (رواه مسلم). وروى البخاري قريبا من هذا. وفي حديث جابر: "وأُعطيت الشفاعة." (رواه البخاري ومسلم). إنها فضائل تجعله مميزا بين الرسل والأنبياء. فهو الذي أرسل للخلق جميعا وللأزمان كلها، منذ بدء رسالته، بينما اختص كل نبي بقومه فقط.فكلٌ من عيسى وموسى، أرسل إلى بني إسرائيل، وأرسل صالح إلى ثمود. وهودٌ إلى عادٍ. بينما أرسل محمد للعالمين كافة.{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}الانبياء:107{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً}الفرقان:56{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}سـبأ:28 وهو الذي أعطي جوامع الكلم، فكانت كلماتُهُ بلسماً يُداوي، وعلماً يُعلمُ، وحكمةً تَنفعُ، وديناً يربي، وخُلقاً يُرتقى بِهِ. وكما نعلم جميعا، فإن لكل نبي شيئا اختصه به ربه. فموسى كليم الله، وإبراهيم خليل الله، وعيسى كلمة الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله. وأي مكانة أعظم من الحبيب؟ هكذا كانت مكانة الرسول بين الأنبياء، وما أعظمها من مكانة. مكانته عند الله: للرسول عند الله عز وجل، مكانة تميز بها عن بقية المرسلين. فنحن نرى دوما أن الله يخاطب المرسلين بأسمائهم، فقال: يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا زكريا، يا يحيى... إلخ، بينما نادى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله له:{ يا أيها النبي}،{ يا أيها الرسول}،{ يا أيها المزمل}، {يا أيها المدثر}. ولقد رفع الله ذكر النبي في العالمين، وفي كل حين؛ حيث يقول عز وجل:{ورفعنا لك ذكرك}. (سورة الشرح 4). يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: ضم الإله اسم النبي إلى اسمه* إذ قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد ولقد بين لنا الله عز وجل أن طاعة النبي صلى الله عليه و سلم ومبايعته، هي عين طاعة الله تعالى ومبايعته : قال تعالى: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [سورة النساء 80. وأقسم الله تعالى بعظيم قدره حين قال: {لَعَمْرُكَ إنَّهُم لَفِي سَكْرَتِهِم يَعْمَهونَ} (سورة الحجر 72 . اتفق أهل التفسير في هذا أنَّهُ قَسَمٌ من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه : وبقائكَ يا محمدُ، وقيل وعيشك، وقيل وحياتك. وهذا نهاية التكريم وغاية البر والتشريف. وكان الله عز وجل يثني على أنبيائه السابقين بما فيهم من أخلاق كريمة؛ ويذكر لكل نبي صفات محددة. فقال عن خليله إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} (سورة هود 75) وقال عن إسماعيل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} (سورة مريم 54) وقال عن موسى: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} (سورة مريم 51) وقال عن أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (سورة ص 44) وحين تحدث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بين أنه حاز الكمالاتِ كُلَّها فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم 4). مكانة النبي في القرآن الكريم: لقد كانت مكانة النبي عظيمة دوما، وهذا ما تشهد به كلمات الله عز وجل، حين يمن الله على المسلمين بأنه بعث فيهم رسولا منهم ليعلمهم. يقول تعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ." (آل عمران 164). ولقد زكى الله عقل النبي، فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} لنجم 2، وزكى لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} لنجم 3-4 وزكى فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} لنجم 11 وزكى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} لنجم 17-18. وزكاه كله فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم:4{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}الأحزاب:45وآيات القرآن في ذلك كثيرة.