عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ .
في الحديث مسائل :
1= هذا الحديث حقه التقديم مع حديث أبي موسى في البراءة مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ .
لأن موضوعهما واحد ، وهو الـنَّهْي عن الجزع والـتَّسَخُّط عند المصيبة . وهكذا صَنَع الأئمة ، كالبخاري ومسلم .
2 = " ليس مِنّـا " تقدّم الكلام عنها في حديث أبي مسعود ، وأنَّ تَرْك تفسير أحاديث الوعيد أوْقَع وأبْلَغ في النفوس .
وفي فتح الباري : وحُكْي عن سُفيان أنه كان يَكْرَه الْخَوض في تأويله ، ويقول : ينبغي أن يُمْسَك عن ذلك ، ليكون أوقع في النفوس ، وأبلغ في الزجر .
وهذا الحديث أوْرَد عبد الله بن الإمام أحمد في كِتاب " السُّـنَّـة " لِتعلّق هذه المسألة بمسائل الاعتِقاد ، وهذا دالّ على خُطورة مَن قِيل في حقِّـه " ليس مِـنَّـا " .
3 = فيه بيان ارْتِباط العبادات بمسائل العقيدة ، وهو ارْتِبَاط وَثيق .
إذ قد يَخرج المسلم من دِينه عن طريق شِرْك العَبَادة .
ثم إنَّ توحيد الألوهية هو إفراد الله بأفعال العباد .
وأعْظَم أفعال العباد – بعد الشهادتين – الصَّلاة .
4 = ضَرْب الْخُدود مَنهِيّ عنه في غير المصائب ، فكيف إذا اقتَرَن به جَزَع وتسخُّط ؟
ومِنه لَطْم الْخَدّ عند المصيبة ، ومثله أيضا لَطْم سائر الجسد ؛ فكلّه من أفعال الجاهلية .
ففي رواية للبخاري : ليس مِـنَّا مَن لَطَم الْخُدُود ..
قال الإمام البخاري : باب ما يكره من النياحة على الميت . وقال عمر رضي الله عنه : دَعْهُنّ يَبْكِين على أبي سليمان ما لم يكن نَقْع أو لَقْلَقَة . والنَّقْع التُّراب على الرَّأس ، واللقْلَقَة الصَّوْت .
5 = " شَقّ الْجُيُوب " ، الْجَيْب معروف ، " وهو ما يُفْتَح مِن الثَّوب ليَدْخُل فيه الرَّأس ، والمراد بِشَقِّـه إكمال فَتْحِه إلى آخِره ، وهو من علامات التسخط " قاله ابن حجر .
وهو داخِل في عموم النَهْي عن إضاعة المال ، ويَعْظُم الأمر إذا ارتبط به جَزَع وتسخّط .
6 = الـنَّهْي عن كل فِعْل من هذه الأفعال ، ولا يُفْهَم مِنه أنَّ الـنَّهْي إنما يَكوُن عنها مُجْتَمِعة .
وهذا يُضعِّف دَلالة الاقْتِران عند الأصوليين .
ويُؤيِّد هذا ما جاء في رواية لمسلم : ليس مِنَّا مَن ضَرَب الْخُدود ، أو شَقّ الْجُيُوب ، أو دَعَا بِدَعْوى الجاهلية .
فـ ( أو ) تُفيد التخيير ، وأنّ كل واحِدة من هذه المذكورات مذمومة بنفسها ولو لم يَنْضَمّ غليها غيرها .
7 = " دَعْوى الْجَاهِلـيَّة " أي دَعْوى أهل الجاهلية .
وهي أعَمّ مِمَّا تَقَدَّم ، وهو مِن باب عَطْف العام على الخاص ، فضَرْب الْخُدود وشَقّ الْجُيُوب ، مِن دعاوى الجاهلية ، ومِن أفعال أهل الجاهلية ، وكذلك الْحَلْق عند المصيبة ، ورفع الصوت ، ونحو ذلك .
قال النووي : وأما دعوى الجاهلية ، فقال القاضي عياض : هي النياحة ، ونَدْبه الميت ، والدعاء بالويل وشِبْهه . والمراد بالجاهلية : ما كان في الفترة قبل الإسلام . اهـ .
8 = هذه من الأمور التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بِبَقَائها في الناس بقوله : أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ. رواه مسلم .
9 = في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وصححه ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الْخَامِشَة وَجْهها ، والشَّاقة جَيبها ، والدَّاعِية بِالوَيل والثُّبُور .
قال ابن حجر :
والظاهر أنَّ ذِكْر دَعوى الجاهلية بعد ذكر الوَيل مِن العام بَعد الخاص . اهـ .
10 = مِن النياحَة أن يُقال عن الميت : واعضداه .. وا جبلاه .. ونحو ذلك .
وفي الحديث : الميت يعذب ببكاء الحي عليه ، إذا قالت النائحة : وا عضداه وا ناصراه وا كاسباه ، جُبِذ الْمَيِّت ، وقيل له : أنت عضدها ؟ أنت ناصرها ؟ أنت كاسبها ؟ رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وفي رواية للترمذي : إلاَّ وُكِّل بِه مَلَكَان يَلْهَزَانِه .
وعند البخاري مِن حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : أُغْمِي على عبد الله بن رواحة ، فَجَعَلَتْ أخته عَمْرة تَبكي : واجبلاه ، وا كذا وا كذا ، تُعَدِّد عليه ، فقال حين أفاق : مَا قُلْتِ شيئا إلاَّ قِيل لي : آنت كذلك ؟
وهذا مَحْمُول على إغماء ظَنّت أخته أنه إغماء الموت ، وإلاَّ فإن ابن رواحة قُتِل في مؤتة .
11 = عِظَم هذه الأمور ، وأنها مِن كبائر الذنوب ، وسبب للعذاب ، ففي الحديث :
النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ . رواه مسلم .
قال النووي : فيه دليل على تحريم النياحة ، وهو مُجْمَع عليه .
hgkid uk hgX[Q.u ,hgj~QsQo~E' uk] hglwdfm hgX[Q.u çgkid Xkï