سياج الأفكار ... و معتقل العقل
بسم الله الرحمن الرحيم الفكرة التي يتبناها العقل , سواء كان مصدرها عقلٌ آخر , أو وُلدت بعد إقداح العقل , و إعمال الفكر . تصبح مُكتسباً فكرياً , يجد له مكاناً في العقل . و بعد إستقرار الفكرة و تمركزها في العقل , يجب أن يُدفع العقل إلي التعامل معها , علي انها فكرة مرنة , و ليست يقيناً راسخاً . و انه يُمكن أن يتبني العقل غيرها من الأفكار , التي يُمكن أن تناقض الفكرة نفسها , فيتم إبقاءها أو تعديلها أو تقليصها أو حذفها , و هذا يرجع للأفكار الجديدة المُكتسبة , و قوتها من حيث الصحة و الموضوعية , و يرجع كذلك لمقدرة العقل علي إنشاء التلاقح بين الأفكار , بمعزل عن التفضيل لفكرة علي الاُخري , فألعقل هو الذي يفكر , و لا يجب عليه القيام بدور القلب . الفكرة التي يتعامل معها العقل , علي أنها فكرة غير قابلة للتعديل , و انها من المُسلمات بصحتها , تصبح لها خاصية غير مرنة . و بتعامل العقل من المزيد من الأفكار بنفس الطريقة , تصبح الأفكار نفسها , سياجاً منيعاً حول العقل , فيصبح حاله أشبه بألمعتقل , فيقوم السياج الفكري بعزله عن المنظومة الفكرية للعقول المُحيطة . و هي المنظومة التي تدعم تبادل الأفكار , بين العقول التي تنتج و تكتسب و تتبادل الأفكار . كما أن وجود مثل هذا السياج الفكري حول العقل , يجعل الأفكار المُستقرة فيه , غير قابلة لإعادة التفكير فيها , بإعتبار أنها أصبحت من المسلمات . و هذا يلغي دوراً مُهماً للعقل , و هو تبني الفكرة مع إعادة التفكير فيها مراراً و تكراراً . و بألتالي تطوير الفكرة نفسها , و إكساب العقل المرونة اللازمة , لبقائه ضمن المنظومة الفكرية , و إستفادته منها . من المُلاحظ بكثرة , عند طرح الأفكار المتناقضة , أنه سرعان ما يعلو صوت , يُهاجم الأفكار المناقضة , لفكر صاحب الصوت . التباين بين الأفكار , هو طبيعي و ضروري , و موجود منذ القدم , و ليس وليد اليوم , و لا يثير الحفيظة , و لا يجلب الغضب , إلا إذا كان صاحب الصوت العالي _ لا الفكر العالي _ هو المتحدث . فعقله لا يستقبل أي فكر , و لا يقبل التفكير _ مجرد التفكير _ في فكرة مُغايرة لأفكاره المُسلم بصحتها . فتُصاب جميع أعضاء جسمه , بداء عدم المرونة , كلسانه و يده , بعد إنتقال العدوي من عقله إلي بقية أعضاء جسمه . أصحاب العقول المُستنيرة , يتقبلون الأفكار المُغايرة , و المناقضة لما عندهم من الأفكار , و يقومون بإعمال الفكر في الأفكار المُغايرة و وزنها . ثم ينتقلون إلي أفكارهم , و يُعيدون النظر فيها , فيتم التلاقح و الإتصال داخل عقولهم , بين مختلف الأفكار . و عند رد أصحاب هذه العقول علي الآخرين , يأتي الرد هادئاً , و يحمل ثمرة التفكير الواعي و الهادف . و هم لا يقبلون أن تكون عقولهم مُعتقلاً , و يعتبرون عقولهم ساحة تقبل كل الأفكار , و تُقلبها فاحصة مُتفحصة , مهما بلغ تباينها عن قناعاتهم و إعتقاداتهم , و هم يسعون إلي أن تدفعهم عقولهم إلي الأمام , بكل قوتها التي إكتسبتها , من إعتراك الأفكار المُختلفة داخلها . أمثال هؤلاء هم الذين يعيشون ضمن منظومة الأفكار , بكل تغايراتها , في إنسجام , و حرية , و تبادل فكري , و رفض لمُعتقلات العقول . السهم الثاقب |
الساعة الآن 03:41 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام