منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=83)
-   -   تفسير سورة البقرة القسم الثاني (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=99807)

الشيخ محمد الزعبي 04-05-2016 06:11 AM

تفسير سورة البقرة القسم الثاني
 
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيتان /28/29/
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29)}
شرح الكلمات:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} : الاستفهام هنا للتعجب مع التقريع والتوبيخ، لعدم وجود مقتض للكفر.
{كَيْفَ } اسم استفهام مبني على الفتح يسأل به عن الحال ويضمن معنى التعجب كما هنا، إذ كيف يصح من العاقل أن ينكر خالقه وهو يعرف أنه مخلوق إذ كان عدماً فأوجده.
{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} : هذا برهان على بطلان كفرهم، إذ كيف يكفر العبد ربه وهو الذي خلقه بعد أن لم يك شيئاً.
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} : إن إماتة الحي وإحياء الميت كلاهما دال على وجود الرب تعالى وقدرته.
{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} : يريد بعد الحياة الثانية وهو البعث الآخر.
{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} : أي أوجد ما أوجده من خيرات الأرض كل ذلك لأجلكم كي تنتفعوا به في حياتكم.
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} : علا وارتفع قهراً لها فكونها سبع سماوات.
{فَسَوَّاهُنَّ} أتم خلقهن سبع سماوات تامات.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} : إخبار بإحاطة علمه تعالى بكل شيء، وتدليل على قدرته وعلمه ووجوب عبادته.
معنى الآيتين:
ما زال الخطاب مع الكافرين الذين سبق وصفهم بأخس الصفات وأسوأ الأحوال، حيث قال لهم على طريقة الالتفات موبخاً مقرعاً: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} الآية.
وذكر من أدلة وجوده وكرمه ما يصبح الكفر به من أقبح الأمور وصاحبه من أحط الخلائق وأسوأهم حالاً ومآلاً.
فمن أدلة وجوده الإحياء بعد الموت والإماتة بعد الإحياء.
ومن أدلة كرمه وقدرته أن خلق الناس في الأرض جميعاً لتوقف حياتهم عليه وخلق السموات السبع، وهو مع ذلك كله محيط بكل شيء سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- إنكار الكفر بالله تعالى.
2- إقامة البرهان على وجود الله وقدرته ورحمته.
3- حلّية كل ما في الأرض من مطاعم ومشارب وملابس ومراكب إلا ما حرمه الدليل الخاص من الكتاب أو السنة لقوله: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} .
ذهب بعضهم إلى أن الأصل في الأشياء الحظر حتى يأتي دليل الإباحة؛ لأن المملوكات لا تحل إلا بإذن مالكها، فهذا مذهب ثان، حسن ذكره.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
30/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآية /30/
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ(30)}
شرح الكلمات:
{لِلْمَلائِكَةِ} : جمع ملاك ويخفف فيقال ملك، وهم خلق من عالم الغيب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلقهم من نور.
خلق الملائكة من النور، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.
{الخليفة} : من يخلف غيره، والمراد به هنا آدم عليه السلام.
استدل بهذه الآية على وجوب نصب خليفة للمسلمين يحكمهم بشريعة ربهم عز وجل.
{يُفْسِدُ فِيهَا} : الإفساد في الأرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي.
{وَيَسْفِكُ } : يسيل الدماء بالقتل والجرح.
السفك: الصب: يقال: سفك الدم إذا صبه، كما يقال: سفحه. والسفاك والسفاح بمعنى إلا أن السفاح قد يراد به كثير الكلام، وسفك الدمع كذلك، والدم المسفوح، المصبوب.
{نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} : نقول سبحان الله وبحمده. والتسبيح: التنزيه عما لا يليق بالله تعالى.
{وَنُقَدِّسُ لَكَ} : فننزهك عما لا يليق بك. والتقديس: التطهير والبعد عما لا ينبغي. واللام في لك زائدة لتقوية المعنى إذ فعل قدس يتعدى بنفسه يقال قدّسَه.
معنى الآية:
يأمر تعالى رسوله أن يذكر قوله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة يخلفه في إجراء أحكامه في الأرض، وإن الملائكة تساءلت متخوفة من أن يكون هذا الخليفة ممن يسفك الدماء ويفسد في الأرض بالكفر والمعاصي قياساً على خلق من الجن حصل منهم ما تخوفوه.
فأعلمهم ربهم أنه يعلم من الحكم والمصالح ما لا يعلمون.
والمراد من هذا التذكير: المزيد من ذكر الأدلة الدالة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة للإيمان به تعالى ولعبادته دون غيره.
إذ هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، وليس هو من باب الاعتراض على الله أبداً.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- سؤال من لا يعلم غيره ممن يعلم.
2- عدم انتهار السائل وإجابته أو صرفه بلطف.
3- معرفة بدء الخلق.
4- شرف آدم وفضله.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
31/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /31/و32/و33/
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33)}
شرح الكلمات:
{آدَمَ } : نبي الله أبو البشر عليه السلام.
هل آدم مشتق من الآدمة التي هي حمرة تضرب إلى بياض، أو هو اسم جامد أعجمي؛ كآزر، وعابر، ذهب إلى كل وجه قوم.
{الأَسْمَاءَ} أسماء الأجناس كلها؛ كالماء والنبات والحيوان والإنسان.
{عَرَضَهُمْ} : عرض المسميات أمامهم، ولما كان بينهم العقلاء غلب جانبهم، وإلا لقال عرضها.
{أَنْبِئُونِي} : أخبروني.
{هَؤُلاءِ}: المعرضين عليهم من سائر المخلوقات.
{سُبْحَانَكَ}: تنزيهاً لك وتقديساً.
سبحان: اسم مصدر فعله سبح مضعفاً. اختص بتنزيه الله تعالى فكان بذلك اسم تسبيح؛ كالعلم عليه.
{غَيْبَ السَّمَاوَاتِ} : ما غاب عن الأنظار في السموات والأرض.
{تُبْدُونَ} تظهرون من قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية.
{تَكْتُمُونَ} : تبطنون وتخفون، يريد ما أضمره إبليس من مخالفة أمر الله تعالى وعدم طاعته.
{الْحَكِيمُ } : الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، ولا يفعل ولا يترك إلا لحكمة.
الحكيم: ذو الحكمة، وهو الذي لا يصدر عنه قول ولا فعل خال من حكمة اقتضته. والحكيم مشتق من أحكم الشيء إذا أتقنه وخلصه من الخلل والفساد، ومنه حكمة الدابة: وهي حديدة تجعل في فمها تمنعها من اختلاف سيرها، ويقال: أحكم فلاناً: أي أمنعه من فعل كذا، ومنه قول الشاعر:
أبني حنيفة احكموا سفهائكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا
معنى الآيات:
يخبر تعالى في معرض مظاهر قدرته وعلمه وحكمته الموجبة لعبادته دون سواه أنه علم آدم عليه السلام أسماء الموجودات4 كلها.
ليس في المسألة ما يدعو إلى الاستغراب أو الإنكار إذ كتاب المقادير في أسماء الموجودات كلها، وكذا سائر صفاتها وأحوالها، والعرض التلفازي اليوم يسهل على المرء إدراك كيفية عرض الله تعالى الموجودات أمام الملائكة. وذكر آدم لأسمائها كما علمها بتعليم الله تعالى له.
ثم عرض الموجودات على الملائكة وقال أنبوئني بأسماء هؤلاء إن
كنتم صادقين في دعوى أنكم أكرم المخلوقات وأعلمهم فعجزوا وأعلنوا اعترافهم بذلك، وقالوا: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} ، ثم قال تعالى لأدم عليه السلام: أنبئهم بأسماء تلك المخلوقات المعروضة فأنبأهم بأسمائهم واحداً واحداً حتى القصعة، والقُصَيْعة..
وهنا ظهر شرف آدم عليهم، وعتب عليهم ربهم بقوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان قدرة الله تعالى حيث علم آدم عليه السلام أسماء المخلوقات كلها فعلمها.
2- شرف العلم وفضل العالم على الجاهل.
يشهد لهذا حديث أبي داود إذ فيه: "وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم" .
3- فضيلة الاعتراف بالعجز والقصور.
دل على هذا قولهم: لا علم لنا إلا ما علمتنا، ولذا قال العلماء: الواجب على من يسأل على ما لا يعلم أن يقول: الله أعلم.
وروي عن علي رضي الله عنه، قال: "ما أبردها على الكبد"!! فقل له: وما ذاك؟ فقال: "أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: الله أعلم.
4- جواز العتاب على من ادعى دعوى هو غير متأهل لها.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
2/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآية /34/
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}
ذكر القرطبي في تفسيره: أن السجود الذي أمرت به الملائكة هو أن يسجدوا لله تعالى مستقبلين وجه آدم وعليه فهو كصلاتنا خلف المقام، الصلاة لله والاستقبال للمقام.
شرح الكلمات:
{اسْجُدُوا} : السجود: هو وضع الجبهة والأنف على الأرض، وقد يكون بانحناء الرأس دون وضعه على الأرض لكن مع تذلل وخضوع.
أجمع أهل الإسلام قاطبة أن السجود لا يكون إلا لله تعالى. وفي الحديث: "لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين".
{إِبْلِيسَ} : قيل كان اسمه الحارث، ولما تكبر عن طاعة الله أبلسه الله أي: أيأسه من كل خير ومسخه شيطاناً.
{أَبَى} : امتنع ورفض السجود لآدم.
{وَاسْتَكْبَرَ} : تعاظم في نفسه فمنعه الاستكبار والحسد من الطاعة بالسجود لآدم.
الاستكبار: طلب الكبر في النفس وتصوره فيها، وفي صحيح مسلم: "أن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
{الْكَافِرِينَ} : جمع كافر وهو من كذب بالله تعالى أو كذب بشيء من آياته أو بواحد من رسله أو أنكر طاعته.
معنى الآية:
يذكر تعالى عباده بعلمه وحكمته وإفضاله عليهم بقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ...} سجود تحية وإكرام فسجدوا إلا إبليس تعاظم في نفسه وامتنع عن السجود الذي هو طاعة الله، وتحية آدم. تكبراً وحسداً لآدم في شرفه فكان بامتناعه عن طاعة الله من الكافرين الفاسقين عن أمر الله. الأمر الذي استوجب ابلاسه وطرده.
الإبلاس: الإيأس من كل خير، وإبلاس إبليس كان عقوبة له على كفره وكبره وحسده، وكان قبل إبلاسه يقال له: عزازيل، وبالعربية: الحارث.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- التذكير بإفضال الله الأمر الذي يوجب الشكر ويرغب فيه.
2- التحذير من الكبر والحسد حيث كانا سبب إبلاس الشيطان، وامتناع اليهود من قبول الإسلام.
3- تقرير عداوة إبليس، والتنبيه إلى أنه عدو تجب عداوته أبداً.
4- التنبيه إلى أن من المعاصي ما يكون كفراً أو يقود إلى الكفر.
كترك الصلاة وقتل المؤمن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة فقد كفر" ، وقوله: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" . وقوله: "لا ترتدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" .
والكفر كفران: كفر مخرج من الملة، وكفر نعمة لا يخرج منها، ولكن صاحبه إن لم يتب منه وتقبل توبته يدخل النار به.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
3/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /35/و/36/و/37/
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)}.
قال: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} بعد طرد إبليس منها، والمراد من السكن الإسكان، وهو الإقامة الطويلة لا السكون النفسي، وهدوء البال، وإن كان لازماً للإقامة الطيبة، ولفظ السكن مشعر بعدم الإقامة الدائمة، لأن من سكن دار لابد وأن يرحل منها يوماً من الأيام.
لفظ الزوج يطلق على كل من الرجل وامرأته، لأن كل واحد منهما صير الثاني زوجاً له، ويقال للمرأة زوجة بالتاء كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا فلان هذه زوجتي فلانة" . وذلك أمناً من اللبس، وغلط الفرزدق في قوله:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساعي إلى أسد الشرى يستبلها
ولا معنى لتغليطه وقد صح الحديث بلفظ زوجة.
شرح الكلمات:
{رَغَداً} : العيش الهني الواسع يقال له: الرغد.
{الشَّجَرَةَ} : شجرة من أشجار الجنة وجائز أن تكون كرماً أو نبيذاً أو غيرهما وما دام الله تعالى لم يعين نوعها فلا ينبغي السؤال عنها.
{الظَّالِمِينَ} : لأنفسهما بارتكاب ما نهى الله تعالى عنه.
{فَأَزَلَّهُمَا} : أوقعهما في الزلل، وهو مخالفتهما لنهي الله تعالى لهما عن الأكل من الشجرة.
عن، هنا: هي كما في قوله تعالى: {إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ} بمعنى بسببها، أي أوقعهما في الزلل بسبب الأكل من الشجرة التي زينها لهما فضمير عنها عائد إلى الشجرة.
{مُسْتَقَرٌّ} : المستقر: مكان الاستقرار والإقامة.
{إِلَى حِينٍ} : الحين: الوقت مطلقاً قد يقصر أو يطول والمراد به نهاية الحياة.
{فَتَلَقَّى آدَمُ} : أخذ آدم ما ألقى الله تعالى إليه من كلمات التوبة.
لفظ: "فتلقى" مشعر بالإكرام، والمسرة، كقوله تعالى: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} .
{كَلِمَاتٍ} : هي قوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
{فَتَابَ عَلَيْهِ} : وفقه للتوبة فتاب وقبل توبته، لأنه تعالى تواب رحيم.
يتساءل البعض: هل آدم ارتكب بأكله من الشجرة كبيرة، وهل يجوز في حق الأنبياء ارتكاب الكبائر؟؟
والجواب: أن آدم ما نبئ إلا بعد أن هبط إلى الأرض، إذ هي دار التكليف. أما وهو في السماء فما كان قد نبئ بعد وأكله من الشجرة لم يترتب عليه عقاب أكثر من الخروج من الجنة؛ لأنها ليست دار إقامة لمن يخالف فيها أمر الله تعالى، أما الأنبياء فلا يجوز في حقهم ارتكاب الكبائر ولا الصغائر لعصمة الله تعالى لهم؛ لأنهم محل أسوة لغيرهم.
معنى الآيات:
في الأية الأولى(35) يخبر تعالى عن إكرامه لآدم وزوجه حواء حيث أباح لهما جنته يسكنانها ويأكلان من نعيمها ما شاءا إلا شجرة واحدة فقد نهاهما عن قربها والأكل من ثمرها حتى لا يكونا من الظالمين.
إذا كان الفعل قرب يقرب بالفتح فمعناه التلبس بالفعل، وإذا كان قرب بضم الراء فمعناه الدنو من الشيء. هكذا يرى بعضهم.
وفي الآية الثانية(36) أخبر تعالى أن الشيطان أوقع آدم وزوجه في الخطيئة حيث زين لهما الأكل من الشجرة فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما فلم يصبحا أهلاً للبقاء في الجنة فأهبطا إلى الأرض مع عدوهما إبليس ليعيشوا بها بعضهم لبعض عدو إلى نهاية الحياة.
وفي الآية الثالثة(37) يخبر تعالى أن آدم تلقى كلمات التوبة من ربه تعالى وهو: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فقالاها توبة فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- كرامة آدم وذريته على ربهم تعالى.
2- شؤم المعصية وآثارها في تحويل النعمة إلى نقمة.
3- عداوة الشيطان للإنسان ووجوب معرفة ذلك لاتقاء وسوسوته.
4- وجوب التوبة من الذنب وهي الاستغفار بعد الاعتراف بالذنب وتركه والندم على فعله.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
4/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيتان /38/و39/.
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(39)}
شرح الكلمات:
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} : انزلوا من الجنة إلى الأرض لتعيشوا فيها متعادين.
ذهب المعتزلة -أذهب الله ريحهم- إلى أن الجنة التي هبطا منها آدم وحواء كانت بستاناً في الأرض في مرتفع منها، وهو قول باطل لا يسمع له ولا يلتفت إليه، إذ كل سياق القرآن دال على إنها الجنة دار النعيم لأولياء الله في الآخرة.
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} : أي: إبليس وذريته، وآدم وذريته، وكان هذا قبل أن يوجد لكل منهما ذرية، ثم أوجدت كما أخبر تعالى، وكانت العداوة على أشدها.
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} : إن يجيئكم من ربكم هدى: شرع ضمنه كتاب وبينه رسول.
فإما: أصلها فإن ما، فإن شرطية وأدخلت عليها ما الزائدة لتقوية الكلام وأدغمت فيها نون إن فصارت إما.
{فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} : أخذ بشرعي فلم يخالفه ولم يحد عنه.
هذا عام في كل أجيال بني آدم فمن جاءه هدى الله بواسطة نبي وكتاب الله فأخذ به واتبعه نجا مما يصيب غيره من الخوف والحزن في الدنيا والآخرة معاً.
{فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} : جواب شرط فمن اتبع هداي، ومعناه إتباع الهدى يفضي بالعبد إلى أن لا يخاف ولا يحزن لا في الدنيا ولا في الآخرة.
{كَفَرُوا وَكَذَّبُوا} : كفروا: جحدوا شرع الله، وكذبوا رسوله.
{أَصْحَابُ النَّارِ} : أهلها الذين لا يفارقونها بحث لا يخرجون منها.
معنى الآيتين:
يخبر تعالى أنه أمر آدم وحواء وإبليس بالهبوط إلى الأرض بعد أن وسوس الشيطان لهما فأكلا من الشجرة، وأعلمهم أنه إن أتاهم منه هدى فاتبعوه ولم يحيدوا عنه يأمنوا ويسعدوا فلن يخافوا ولن يحزنوا، وتوعد من كفر به وكذب رسوله فلم يؤمن ولم يعمل صالحاً بالخلود في النار.
حواء: لم تذكر باسمها في القرآن وإنما ذكرت بعنوان الزوج، ولكن ذكرت في السنة الصحيحة، إنها خلقت من ضلع آدم عليه السلام، والسر في عدم ذكرها باسمها: إن المروءة تأبى على صاحبها ذكر المرأة باسمها فلذا تذكر النساء تابعات لخطاب الرجال.
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم فأصابتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذنت الشفاعة"، ومعناه يخرجون من النار بالشفاعة لهم.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- المعصية تسبب الشقاء والحرمان.
2- العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يسبب الأمن والإسعاد والإعراض عنهما يسبب الخوف والحزن والشقاء والحرمان.
3- الكفر والتكذيب جزاء صاحبهما الخلود في النار.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
5/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /40/41/42/43/
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُون(40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُون(41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ(43)}
شرح الكلمات:
بنو إسرائيل : إسرائيل: هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام وبنوه هم: اليهود؛ لأنهم يعودون في أصولهم إلى أولاد يعقوب الأثنى عشر
هم يوسف عليه السلام وأخوته يهوذا، وبنيامين، وغيرهما.
بنو إسرائيل :بنو: جمع ابن ، وقيل عن الولد: الابن من البناء، لأنه مسند إليه موضوع عليه.
واسرا: عبد وئيل: الله وقرئ: إسرائين. وهي لغة مشهورة.
النعمة : النعمة هنا اسم جنس بمعنى النعم، ونعم الله تعالى على بني إسرائيل كثيرة ستمر أفرادها في الآيات القرآنية الآتية.
منها: إنجائهم من فرعون، وتحررهم من سلطانه، ومنهم إهلاك عدوهم، وإنزال المن والسلوى عليهم.
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} : الوفاء بالعهد: إتمامه، وعهد الله عليهم أن يبينوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به.
{أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} : أتم لكم عهدكم بإدخالكم الجنة بعد إكرامكم في الدنيا وعزكم فيها.
{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} : اخشوني ولا تخشوا غيري.
{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} : القرآن الكريم.
{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي} : لا تعتاضوا على بيان الحق في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
الاشتراء هنا: بمعنى الاستبدال، ولذا جاز دخول الباء على غير المشتري به، وهو الثمن، إذ الأصل أن تدخل الباء على المشترى به. فتقول، اشتريت الثوب بدرهم.
{ثَمَناً قَلِيلاً}: متاع الحياة الدنيا.
{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} : واتقوني وحدي في كتمانكم الحق وجحدكم نبوة نبيي محمد صلى الله عليه وسلم أن أنزل بكم نقمتي.
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} : أي لا تخلطوا الحق بالباطل حتى يعلم فيعمل به، وذلك قولهم: محمد نبي ولكن مبعوث إلى العرب لا إلى بني إسرائيل.
{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} : الركوع الشرعي: انحناء الظهر في امتداد واعتدال مع وضع الكفين على الركبتين والمراد به هنا: الخضوعُ لله والإسلامُ له عز وجل.
وجائز أن يراد به الصلاة مع المصلين وهم: الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
إذ الخطاب ليهود المدينة بصورة خاصة، ولا منافاة بين ما شرحت به الآية، وبين ما ذكر هنا تعليقاً، إذ الإسلام لله يستلزم الصلاة وفي الآية دليل تأكيد صلاة الجماعة.
مناسبة الآيات ومعناها:
لما كان السياق في الآيات السابقة في شأن آدم عليه السلام وتكريمه، وسجود الملائكة له وامتناع إبليس لكبره وحسده، وكان هذا معلوماً لليهود؛ لأنهم أهل كتاب، ناسب أن يخاطب الله تعالى بني إسرائيل مذكراً إياهم بما يجب عليهم من الإيمان والإستقامة.
فناداهم بعنوان بنوتهم لإسرائيل عليه السلام، فأمرهم ونهاهم، أمرهم بذكر نعمته عليهم ليشكروه تعالى بطاعته فيؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى وأمرهم بالوفاء بما أخذ عليهم من عهد لينجز لهم ما وعدهم، وأمرهم أن يرهبوه ولا يرهبوا غيره من خلقه.
الرهب، والرهبة، الخوف، ويجوز في الرهب إسكان الهاء وفتحها.
وأمرهم أن يؤمنوا بالقرآن الكريم، وأن لا يكونوا أول من يكفر به.
هذه الجملة تأكيد لجملة : وأمنوا بما أنزلت.. أي: أمنوا بما أنزلت أي، من القرآن بمعنى لا تكونوا أول من يكفر به منكم يا بني إسرائيل، إذ العرب سبق أن كفروا بالقرآن قبلهم فأول كافر به، أي منهم وهو اليهود.
ونهاهم عن الاعتياض عن بيان الحق في أمر الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثمناً قليلاً من متاع الحياة الدنيا وأمرهم بتقواه في ذلك وحذرهم إن هم كتموا الحق أن ينزل بهم عذابه.
ونهاهم عن خلط الحق بالباطل دفعاً للحق وبعداً عنه حتى لا يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإذعان لله تعالى بقبول الإسلام والدخول فيه كسائر المسلمين.
أمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بعد الإيمان قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة.." . الحديث. ومعنى الخطاب أنه أمرهم بالدخول في الإسلام والخروج من اليهودية الباطلة.
هداية الايات:
من هداية الآيات:
1- وجوب ذكر النعم لشكر الله تعالى عليها.
2- وجوب الوفاء بالعهد لا سيما ما عاهد عليه العبد ربه تعالى.
3- وجوب بيان الحق وحُرمة كتمانه.
4- حرمة خلط الحق بالباطل تضليلاً للناس وصرفهم عنه كقول اليهود: محمد نبي ولكن للعرب خاصة حتى لا يؤمن به يهود.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
6/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /44/45/46/
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ(44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ(45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(46)}
شرح الكلمات:
البر : البر: لفظ جامع لكل خير.
والمراد هنا: الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والدخول في الإسلام
النسيان : مقابل الذكر، وهو هنا الترك.
تلاوة الكتاب : قراءته، والكتاب هنا: التوراة التي بأيدي اليهود.
العقل : قوة باطنية يميز بها المرء بين النافع والضار، والصالح والفاسد.
الاستعانة : طلب العون للقدرة على القول والعمل.
الصبر : حبس النفس على ما تكره.
مواطن الصبر ثلاثة:
صبر على الطاعة فلا تفارق،
وصبر عن المعصية فلا ترتكب،
وصبر على المصائب فلا يجزع منها ولا يتسخط، ولكن يصبر، ويسترجع أي: يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
الخشوع : حضور القلب وسكون الجوارح، والمراد هنا: الخضوع لله والطاعة لأمره ونهيه.
{يَظُنُّونَ} : يوقنون.
يطلق الظن ويراد به اليقين، لا الظن المقابل للشك، أفاد ابن جرير في تفسيره: وأورد أن الظن من أسماء الاضطاد فيطلق على الشك واليقين، فإطلاق الصدفة على الضياء والظلمة معاً.
{مُلاقُو رَبِّهِمْ} : بالموت، راجعون إليه يوم القيامة.
معنى الآيتين:
ينعي الحق تبارك وتعالى في الآية الأولى(44) على علماء بني إسرائيل أمرهم بعض العرب بالإيمان بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ، ويتركون أنفسهم فلا يأمرونها بذلك والحال أنهم يقرأون التوراة، وفيها بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به واتباعه ويقرعهم موبخاً لهم بقوله: أفلا تعقلون، إذ العاقل يسبق إلى الخير ثم يدعو إليه.
وفي الآيتين الثانية والثالثة(45-46) يرشد الله تعالى بني إسرائيل إلى الاستعانة بالصبر والصلاة حتى يقدروا على مواجهة الحقيقة والتصريح بها، وهي الإيمان بمحمد والدخول في دينه، ثم يعلمهم أن هذه المواجهة صعبة شاقة على النفس لا يقدر عليها إلا المخبتون لربهم الموقنون بلقاء الله، والرجوع إليه.
الجمهور على تفسير الضمير في: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة} بالصلاة وخالفتهم في ذلك لوجود من قال: إنها ما أمروا به ونهوا عنه، وهو أعم من الصلاة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قبح سلوك من يأمر غيره بالخير ولا يفعله.
ورد الوعيد الشديد فيمن يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويرتكبه من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسرى بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار، قلت من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء خطباء أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم" . رواه أحمد. ومثله كثير في السنن والصحاح، إلا أن أهل العلم من السلف قالوا: لا يمنع العالم من أن يؤمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه ومن أن ينهي عن منكر وإن كان يأتيه، وهو حق، إذ لا يسلم من الذنب إلا المعصوم.
2- السيئة قبيحة وكونها من عالم أشد قبحاً.
لأن من يعلم ليس كمن لا يعلم.
3- مشروعية الاستعانة على صعاب الأمور وشاقها بالصبر والصلاة، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
رواه أحمد وأبو داود.
4- فضلية الخشوع لله ، وذكر الموت، والرجوع إلى الله تعالى للحساب والجزاء.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
7/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيتان /47/48/
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ(48)}
شرح الكلمات:
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ} : تقدم شرح هذه الجملة.
{فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} : آتاهم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت غيرهم من الناس وذلك على عهد موسى عليه السلام وفي آزمنة صلاحهم واستقامتهم.
المراد بالعالمين: عالمو زمانهم.
{وَاتَّقُوا يَوْماً} : المراد باليوم: يوم القيامة بدليل ما وصف به.
واتقاؤه: هو اتقاء ما يقع فيه من الأهوال والعذاب.
وذلك الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك، والمعاصي..
{لا تَجْزِي نَفْسٌ} : لا تغني نفس عن نفس أخرى أي غنى. ما دامت كافرة.
لأن أهل الإيمان والتوحيد وإن دخلوا النار يخرجون منها بشفاعة شافع أو بإيمانهم. بخلاف من مات كافراً أو مشركاً.
{وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} : هذه النفس الكافرة إذ هي التي لا تنفعها شفاعة الشافعين.
الشفاعة: ضم جاه إلى جاه ليحصل النفع للمشفوع له. والشفعة: ضم ملك إلى ملك، والشفع: الزوج مقابل الوتر، ولا تقبل شفاعة أحد يوم القيامة إلا بشرطين اثنين. الأول: أن يكون الشافع قد أذن الله تعالى له. في الشفاعة. والثاني: أن يكون المشفوع له ممن رضي الله قوله وعمله وهو المؤمن الموحد.
{وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} : على فرض أنها تقدمت بعدل، وهو الفداء فإنه لا يؤخذ منها.
{وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} : يدفع العذاب عنهم.
معنى الآيتين:
ينادي الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل مطالباً إياهم بذكر نعمه عليهم ليشكروها بالإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقبول ما جاء به من الدين الحق، وهو الإسلام، محذراً إياهم من عذاب يوم القيامة، آمراً لهم باتقائه بالإيمان وصالح الأعمال. لأنه يوم عظيم لا تقبل فيه شفاعة.
لكافرٍ، ولا يؤخذ منه عدل أي فداء، ولا ينصره بدفع العذاب عنه أحد.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- وجوب ذكر النعم لتشكر بحمد الله وطاعته.
شكر الله على نعمه يكون بالاعتراف بالنعمة وحمداً لله تعالى عليها، وصرفها فيما فيه رضاه سبحانه وتعالى.
2- وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك والمعاصي
3- تقرير أن الشفاعة لا تكون لنفس كافرة. وأن الفداء يوم القيامة لا يقبل أبداً.
لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) }.سورة آل عمران.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
8/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /49/50/51/52/53/
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ(51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53)}
إذ ظرفية ويقدر لها العامل وهو: اذكروا إن نجيناكم. اذكروا إذ فرقنا بكم البحر..إلخ.
شرح الكلمات:
النجاة : الخلاص من الهلكة؛ كالخلاص من الغرق، والخلاص من العذاب.
{آلِ فِرْعَوْنَ} : اتباع فرعون. وفرعون ملك مصر على عهد موسى عليه السلام ممن هم على دين الباطل، من الأقباط المصريين وسواء كانوا أقارب له، أم أباعد ويشهد له حديث: "آل محمد كل تقي".
قيل إنَّ فرعون مصر اسمه الوليد بن مصعب بن الريان.
{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} : يبغونكم سوء العذاب وهو أشده وأفظعه ويذيقونكم إياه.
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ : يتركون ذبح البنات ليكبرن للخدمة، ويذبحون الأولاد خوفاً منهم إذا كبروا.
وقيل يكشفون عن حياء المرأة: أي: فرجها لينظروا هل هي حبلى أو لا؟ ليتمكنوا من قتل الذكور وإبقاء الإناث.
بلاء عظيم : ابتلاء وامتحان شديد لا يطاق.
البلاء يكون بالخير والشر، قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) }سورة الأنبياء عليهم السلام.
وهو هنا كذلك فقد ابتلى بنو إسرائيل بالشر من قتل واستبعاد وبالخير من إنجائهم وإهلاك أعدائهم.
{فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} : صيرناه فرقتين، وما بينهما يبس لا ماء فيه لتسلكوه فتنجوا، والبحر هو: بحر القلزم (الأحمر).
الفرق: الفصل بين الأشياء؛ كالفصل بين الحق والباطل، والفصل بين المجتمعين من كل شيء، والباء في فرقنا بكم البحر: للملابسة.
البحر: الماء المالح، والبلدة أيضاً، ومن الخيل الواسع الجري، فقد قال صلى الله عليه وسلم في فرس أبي طلحة: "وإن وجدناه لبحراً" . يعني واسع الجري.
{اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} : عجل من ذهب صاغه لهم السامري ودعاهم إلى عبادته فعبده أكثرهم، وذلك في غيبة موسى عليه السلام عنهم.
الشكر : إظهار النعمة بالاعتراف بها وحمد الله تعالى عليها وصرفها في مرضاته.
{الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} : الكتاب: التوراة، والفرقان: المعجزات التي فرق الله تعالى بها بين الحق والباطل.
الفرقان: لفظ عام يطلق على كل ما يفرق به بين الحق والباطل؛ كالمعجزات والآيات والعلوم الصحيحة.
{تَهْتَدُونَ} : إلى معرفة الحق في كل شئونكم من أمور الدين والدنيا.
معنى الآيات:
تضمنت هذه الآيات الخمس أربع نعم عظمى أنعم الله تعالى بها على بني إسرائيل، وهي التي أمرهم بذكرها ليشكروه عليها بالإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلام.
فالنعمة الأولى: انجاؤهم من فرعون وآله بتخليصهم من حكمهم الظالم وما كانوا يصبونه عليهم من ألوان العذاب. من ذلك: ذبح الذكور من أولادهم وترك البنات لاستخدامهن في المنازل كرقيقات.
والثانية : فلق البحر لهم وإغراق عدوهم بعد نجاتهم وهم ينظرون.
جملة: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} في الآيات حالية، وإن قيل الذين تم لهم هذا الإنعام هم من كانوا مع موسى عليه السلام، فكيف يخاطب به يهود اليوم. فالجواب: أن النعم على السلف نعم على الخلف.
والثالثة : عفوه تعالى عن أكبر زلة زلوها وجريمة اقترفوها، وهي اتخاذهم عجلا صناعياً إلهاً وعبادتهم له. فعفا تعالى عنهم ولم يؤاخذهم بالعذاب لعلة أن يشكروه تعالى بعبادته وحده دون سواه.
القوم الذين مروا بهم فوجدوهم عاكفين على أصنام لهم هم قوم من الكنعانيين، وهم الفينيقيون سكان سواحل بلاد الشام إذ كانوا يعبدون عجلاً مقدساً لهم.
والرابعة : ما أكرم به نبيهم موسى عليه السلام من التوراة التي فيها الهدى والنور والمعجزات التي أبطلت باطل فرعون، وأحقت دعوة الحق التي جاء بها موسى عليه السلام.
هذه النعم هي محتوى الآيات الخمس، ومعرفتها معرفة لمعاني الآيات في الجملة اللهم إلا جملة {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}
في الآية الأولى فإنها: إخبار بأن الذي حصل لبني إسرائيل من عذاب على أيدي فرعون وملئه إنما كان امتحاناً من الله واختباراً عظيماً لهم.
كما أن الآية الثالثة فيها ذكر مواعدة الله تعالى لموسى بعد نجاة بني إسرائيل أربعين ليلة، وهي: القعدة وعشر الحجة ليعطيه التوراة يحكم بها بني إسرائيل فحدث في غيابه أن جمع السامري حُلي نساء بني إسرائيل وصنع منه عجلاً ودعاهم إلى عبادته فعبدوه فاستوجبوا العذاب إلا أن الله منّ عليهم بالعفو ليشكروه.
كان يوم نجاة بني إسرائيل يوم عاشوراء المحرم، لما في البخاري وغيره من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا: يوم صالح أنجى الله تعالى فيه بني إسرائيل. فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وقال: "نحن أحق بموسى منهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
ومما يؤسف ويحزن أن المسلمين لما ابتلاهم الله باستعمار النصارى لهم كانوا كلما استقل شعب أو إقليم طلب قانون الكافرين فحكم به المسلمين، وبنو إسرائيل لما استقلوا على يد موسى ذهب يأتيهم بقانون الرب ليحكمهم به.
هداية الآيات:
من هداية هذه الآيات:
1- ذكر النعم يحمل على شكرها، والشكر هو الغاية من ذكر النعمة.
ولذا كان مبدأ الشكر: الاعتراف بالنعمة أولاً، وهو ذكرها بالقلب، واللسان.
2- أن الله تعالى يبتلي عباده لحكم عالية فلا يجوز الاعتراض على الله تعالى فيما يبتلي به عباده.
3- الشرك ظلم، لأنه وضع العبادة في غير موضعها.
قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
4- إرسال الرسل وإنزال الكتب الحكمة فيهما هداية الناس إلى معرفة ربهم وطريقة التقرب إليه ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا في الحياتين.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
9/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيات /54/55/56/57/
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم(54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57)}.
شرح الكلمات:
لفظ القوم يراد به الرجال دون النساء كما في قوله تعالى: { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ... وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} كقول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
وقد يطلق على الرجال والنساء نحو قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} الآية.
ظلم النفس : تدسيتها بسيئة الجريمة.
أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومرتكب الذنب بدل أن يزكي نفسه بعمل صالح دساها بعمل سيء فكان بذلك واضعاً شيئاً في غير موضعه، إذ المطلوب من العبد تزكية نفسه لتتأهل للكمال والإسعاد، لا تدسيتها لتخيب وتخسر.
{بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} : بجعلكم العجل الذي صاغه السامري من حلي نسائكم إلهاً عبدتموه.
البارئ : الخالق عز وجل.
{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } : أمرهم أن يقتل من لم يعبد العجل من عبدَه منهم وجعل ذلك توبتهم ففعلوا فتاب عليهم بقبول توبتهم.
قتل بعضهم بعضا: كان عقوبة لمن عبدوا العجل، ولمن لم يعبدوه؛ لأنهم ما غيروا المنكر وقد رأوه.
{نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } : نراه عياناً.
أصل الجهر: الظهور ومنه: قرأ جهراً أي أظهر القراءة، وجهر مصدر جهر، وقرأ بفتح الهاء وإسكانها نحو زهرة، وزهرة ومعناه: علانية أو عياناً.
{الصَّاعِقَةُ} : نار محرقة التي تكون مع السحب والأمطار والرعود.
{بَعَثْنَاكُمْ} : أحييناكم بعد موتكم.
إحيائهم بعد موتهم دليل على البعث الآخر، إذ كان موتهم بإخراج أرواحهم ولم يكن مجرد همود كما قيل.
{الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} : المن: مادة لزجة حلوة كالعسل، والسلوى: طائر يقال له السماني.
وفي الحديث الذي رواه مسلم: الكمأه من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين.
الطيبات : الحلال.
المناسبة ومعنى الآيات:
لما ذكر الله تعالى اليهود بما أنعم على أسلافهم مطالباً إياهم بشكرها فيؤمنوا برسوله, ذكرهم هنا ببعض ذنوب أسلافهم ليتعظوا فيؤمنوا، فذكرهم بحادثة اتخاذهم العجل إلهاً وعبادتهم له.
وذلك بعد نجاتهم من آل فرعون وذهاب موسى عليه السلام لمناجاة الله تعالى، وتركه هارون عليه السلام خليفة له فيهم، فصنع السامري لهم عجلاً من ذهب وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه، فأطاعوه أكثرهم وعبدوا العجل، فكانوا مرتدين بذلك فجعل الله توبتهم من ردتهم أن يقتل من لم يعبد العجل من عبدَه فقتلوا منهم سبعين ألفاً، فكان ذلك توبتهم فتاب الله عليهم إنه هو التواب الرحيم، كما ذكرهم بحادثة أخرى وهي: إنه لما عبدوا العجل وكانت ردة اختار موسى عليه السلام بأمر الله تعالى منهم سبعين رجلاً من خيارهم ممن لم يتورطوا في جريمة عبادة العجل، وذهب بهم إلى جبل الطور ليعتذروا إلى ربهم سبحانه وتعالى من عبادة إخوانهم العجل فلما وصلوا قالوا لموسى عليه السلام اطلب لنا ربك أن يسمعنا كلامه، فأسمعهم قوله: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} لا إله إلا أنا أخرجتكم من أرض مصر بيدٍ شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري.
ولما أعلمهم موسى عليه السلام بأن الله تعالى جعل توبتهم وقتلهم أنفسهم، قالوا: لن نؤمن لك، أي لن نتابعك على قولك فيما ذكرت من توبتنا بقتل بعضنا بعضا حتى نرى الله جهرة، وكان هذا منهم ذنباً عظيماً لتكذيبهم رسولهم فغضب الله عليهم فأنزل عليهم صاعقة فأهلكتهم فماتوا واحداً واحداً وهم ينظرون ثم أحياهم تعالى بعد يوم وليلة، وذلك ليشكروه بعبادته وحده دون سواه كما ذكرهم بنعمة أخرى، وهي إكرامه لهم وإنعامه عليهم بتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى أيام حادثة التيه في صحراء سيناء وفي قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} إشارة إلى أن محنة التيه كانت عقوبة لهم على تركهم الجهاد وجرأتهم على نبيهم إذ قالوا له: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} .
السلوى: اسم جنس جمعي واحده: سلواه، وقيل: لا واحد له، وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل الصيد، تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء، ويسمى أيضا: السماني كالحباري.
وما ظلمهم في محنة التيه، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم.
وفي قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} تقديم المفعول وهو أنفسهم على الفاعل وهو الضمير في يظلمون لإفادة القصر، وهو قصر ظلمهم على أنفسهم حيث لم يتجاوز إلى غيرهم لا موسى ولا ربه تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- عبادة المؤمن غير الله وهو يعلم أنها عبادة لغير الله تعالى تعتبر ردة منه، وشركاً.
بدليل أمر الله بني إسرائيل بأن يقتل من لم يعبد العجل من عبده لأنه في حكم المرتد، والمرتد يقتل لحديث الصحيح: "من بدل دينه فاقتلوه"
2- مشروعية قتال المرتدين، وفي الحديث: "من بدل دينه فاقتلوه"، ولكن بعد استتابته.
3- علة الحياة كلها شكر الله تعالى بعبادته وحده.
دل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ} أي أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون، وأصرح قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} والعبادة هي الشكر.
4- الحلال، من المطاعم والمشارب وغيرها، ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله عز وجل.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
10/4/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيتان /58/59/
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(59)}
ذهب الشيخ محمد طاهر ابن عاشور، صاحب تفسير "التحرير والتنوير" إلى أن القائل لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ..} الآية. هو موسى عليه السلام وأن هذا الأمر كان في بداية أمرهم لما خرجوا من مصر، وأن الذين ظلموا منهم هم: عشرة رجال من اثنا عشر بعث بهم موسى عليه السلام جواسيس يكتشفون أمر العدو ويقدرون قوته قبل إعلان الحرب عليهم، فرجعوا وهم يهولون من شأن العدو وقوته، وينشرون الفزع والرعب في بني إسرائيل ما عدا اثنين منهم، وهما: يوشع ابن نون قريب موسى، وطالب بن بقتة، الذين ذكرا في سورة المائدة: {قَالَ رَجُلانِ..} الآية، وخالف في هذا جمهور المفسرين، وادعى الغلط لهم، وما حمله على ذلك سوى أن السياق ما زال مع موسى وقومه مع أن الله تعالى لم يذكر موسى بل قال: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري قال: قيل لبني إسرائيل ولم يقل قال موسى لبني إسرائيل، ونص الحديث: "قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً قولوا حطة يغفر لكم خطاياكم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة" . والأمر لهم حقيقة. هو الله تعالى على لسان يوشع، إذ هو الذي قاد الحملة ونصره الله، ودخل بيت المقدس، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم شاهدة.
شرح الكلمات:
{الْقَرْيَةَ } : مدينة القدس.
سميت المدينة قرية: من التقري الذي هو التجمع مأخوذ من قريت الماء في الحوض، إذ جمعته، ومنه قرى الضيف، وهو ما يجمع له من طعام وشراب، وفراش.
{رَغَداً} : عيشاً واسعاً هنيئاً.
{سُجَّداً} : ركعاً متطامنين لله، خاضعين شكراً لله على نجاتهم من التيه.
لأن السجود الذي هو وضع الجبهة على الأرض متعذر المشي معه، فلذا فسر السجود بانحناء الركوع في تطامن وخضوع.
{حِطَّةٌ} : حطة: فعلة مثل ردة، وحدة من ردت وحددت، أمرهم أن يقولوا حطة بمعنى أحطط عنا خطايانا, يوجد باب حطة اليوم في المسجد الأقصى.
ورفع (حطة) على إنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دخولنا الباب سجداً حطة لذنوبنا
{نَغْفِرْ} : نمحو ونستر.
{خَطَايَاكُمْ} : الخطايا: جمعة خطيئة: الذنب يقترفه العبد.
{فَبَدَّلَ} غيروا القول الذي قيل لهم قولوه وهو حطة فقالوا: حبة في شعره. من هذا أخذ حرمة تبديل لفظ تعبدنا الله به بلفظ أخر ولو أتى معناه مثل: الله أكبر في افتتاح الصلاة، والسلام عليكم في الخروج منها. وما لم يتعبدن الله بلفظ يجوز للعالم تبديله وذلك كرواية الحديث بالمعنى للعالم دون الجاهل وعليه جمهور الأمة.
{رِجْزاً } : وباء الطاعون.
والرجس: بالسين عذاب فيه نتن وعفونة وقذر.
{يَفْسُقُونَ} : يخرجون عن طاعة الله ورسوله إليهم، وهو يوشع عليه السلام.
معنى الآيتين:
تضمنت الآية الأولى (58) تذكير اليهود بحادثة عظيمة حدثت لأسلافهم تجلت فيها نعمة الله على بني إسرائيل وهي: حال تستوجب الشكر، وذلك إنهم لما انتهت مدة التيه وكان قد مات كل من: موسى وهارون، وخلفهم في بني إسرائيل فتى موسى يوشع بن نون، وغزا بهم العمالقة وفتح الله تعالى عليهم بلاد القدس أمرهم الله تعالى أمر إكرام وإنعام فقال ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا. واشكروا لي هذه الأنعام بأن تدخلوا باب المدينة راكعين متطامنين قائلين. دخولنا الباب سجداً حطة لذنوبنا التي اقترفناها بنقولنا عن الجهاد على عهد موسى وهارون عليهما السلام. نثبكم بمغفرة ذنوبكم ونزيد المحسنين منكم ثواباً .
كما تضمنت الآية الثانية(59) حادثة أخرى تجلت فيها حقيقة سوء طباع اليهود وكثرة رعوناتهم وذلك بتغييرهم الفعل الذي أمروا به والقول الذي قيل لهم فدخلوا الباب زاحفين على أستاههم قائلين: حبة في شعيرة!! ومن ثم انتقم الله منهم فانزل على الظالمين منهم طاعوناً أفنى منهم خلقاً كثيراً جزاء فسقهم عن أمر الله عز وجل.
وكان فيما ذكر عظة لليهود لو كانوا يتعظون.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- تذكير الأبناء بأيام الآباء للعظة والاعتبار.
2- ترك الجهاد إذا وجب يسبب للأمة الذل والخسران.
3- التحذير عن عاقبة الظلم والفسق والتمرد على أوامر الشارع.
4- حرمة تأويل النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع منها.
5- فضيلة الإحسان في القول والعمل.
المحسن: من صح عقد توحيده، وأحسن سياسة نفسه، وأقبل على أداء فرضه، وكفى المسلمين شره. هكذا عرفه بعضهم، وأقرب من هذا، المحسن: من راقب الله تعالى في نياته، ومعتقداته، وأقواله، وأفعاله فأحسن في ذلك كله ولم يسيء فيه وبذل المعروف للناس، ولم يسيء إليهم، وحسب الإحسان فضيلة أن الله يحب المحسنين، ومن أحبه الله أسعده وما أشقاه.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

تدريب الخليج 26-07-2016 12:56 AM

رد: تفسير سورة البقرة القسم الثاني
 
جزاك الله خيرا


الساعة الآن 09:52 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام