الشيخ "عبد العزيز عيون السود" علامة حمص وشيخ قرّائها و أمين الإفتاء بها ، مقرئ ومفسر ومحدث وفقيه، ولغوي .
حياته كانت حافلة بالعلم والتقى والزهد و الكرم وإقراء القرآن بقراءاته المختلفة ،و قد تخرّج العديد من التلاميذ على يديه ونالوا الإجازات في علم القراءات ، وكان يوصي تلاميذه بقوله "من اشتغل بالقرآن لن يضيعه الله".
تميز الشيخ بأخلاق الصالحين كان كثير الذكر والتلاوة والصلاة، عرف ببره بوالديه، وبشيوخه، وبصلته لأرحامه، واشتهر بتواضع العلماء ووقار الحفاظ ، أحب الناس وأحبوه، كان كريما سخيا مضيافا مُحبًّا للضيوف، يكرمهم ويتولى شؤونهم، ويبنى لهم غرفًا متصلة بمنزله ليؤمن لهم راحتهم مع أنه لم يكن من أهل السعة والغنى ولهذا فقد اضطر أحيانا لبيع بعض ما يملك ومنها كتبه للقيام بحق الضيافة ، ثم عوض الكتب التي باعها حين تيسر له المال.
كان كثير الصلاة بالليل و ما ترك صلاة الجماعة لا في سفر ولا حضر فأكرمه الله بأن مات وهو ساجد في صلاة التهجد وقت السحر .
اسمه و نشأته :
اسمه : عبد العزيز بن محمد علي بن عبد الغني عيون السود.
ولد في حمص عام 1335هـ (1917 م ) لأسرة عريقة في العلم والفضل، ولما نشأ تلقى عن عمه الشيخ عبد الغفار، وعن الشيخ عبد القادر حسن الخوجة، والشيخ طاهر الرئيس، والشيخ عبد الجليل مراد، وغيرهم..
وتخرج في دار العلوم الشرعية التابعة للأوقاف عام 1355هـ الموافق 1936م.
حفظ القرآن الكريم، وتلقى علم القراءات السبع بمضمن الشاطبية عن الشيخ سليمان الفارسكوري المصري، ثم حفظ الدرة والطيبة، ونزل دمشق فقرأ على الشيخ محمد سليم الحلواني؛ شيخ القراء، وأخذ عنه القراءات العشر بمضمن الشاطبية والدرة ، وفي وقت أخذه عنه كان يتردد إلى قرية عربيل (عربين) قرب دمشق، ليأخذ عن الشيخ عبد القادر قويدر الشهير بالعربيني القراءات العشر بمضمن الطيبة
وقرأ في مكة المكرمة بعد الحج على الشيخ أحمد حامد التيجي؛ شيخ قراء الحجاز القراءات الأربع عشرة بمضمن الشاطبية والدرة والطيبة والفوائد المعتبرة ( العشر الصغرى و العشر الكبرى و الأربعة الشواذ فوق العشرة ).
استأذن والده، فرحل إلى مصر، وتلقى القراءات عن شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ محمد علي الضَّبَّاع؛ فقرأ عليه القراءات الأربع عشرة من طريق الشاطبية والدرة والطيبة والفوائد المعتبرة. كما تلقى عنه المقدمة في التجويد لابن الجزري، ومنظومتي "عقيلة أتراب القصائد" و "ناظمة الزهر في علم الرسم والضبط وعد الآي " وكلتاهما للشاطبي.
وإلى جانب علمه في القراءات كان عالمًا في التفسير و مصطلح الحديث، وقواعد الجرح والتعديل
كما تلقى الفقه الحنفي وأصوله عن والده وعمه الشيخ عبد الغفار، وشيخه عبد القادر الخوجة ، كما كان واسع الاطلاع في علوم العربية، ومحفوظاته كثيرة تبلغ نحوًا من ثلاثة عشر ألف بيت من الشعر في العلوم المختلفة.
تلاميذه :
الطالب الصالح رزق لشيخه، فقد كان من دعاء الشيخ محمد سليم الحلواني رحمه الله للشيخ عبد العزيز عيون السود يوم ختمه " اللهم ارزقه طلبة بررة " فكان من طلابه:"الشيخ العلامة أيمن سويد والشيخ المحقق محمد تميم الزعبي و فضيلة الشيخ عبد الغفارالدروبي "
افتتح الشيخ دار الإقراء بحمص، وأخذ عنه الكثيرون علم التجويد ومخارج الحروف والقراءات والرسم وعد الآي، وتخرج على يده عدد كبير من القراء وبإجازات متنوعة في القراءات،منهم:
1- الشيخ المقرئ محمد تميم الزعبي الحمصي.
2- الشيخ المقرئ الدكتور أيمن بن رشدي سويد الدمشقي.
3-الشيخ المقرئ أبو الحسن محي الدين الكردي
4- الشيخ المحدث المقرئ نعيم بن أحمد النعيمي الجزائري وقد تفرَّغ الشَّيخ عبد العزيز عيون السّود لإقرائه لما رأى فيه من الألمعيَّة، ، فأخذ عنه القراءات الأربعة عشر والشَّيخ عبد العزيز أخذ عن النُّعيمي الحديث.
5- الشيخ مروان سوار الدمشقي.
6- الشيخ المقرئ سعيد العبدالله المحمد شيخ القراء بحماة.
7- الشيخ المقرئ عبد الغفار الدروبي.
8- الشيخ محمد خالد الأشقر المعروف بالغجري.
9- الشيخ أحمد اليافي .
10- ولده الشيخ محمد عبد الرحمن بن عبد العزيز عيون السود
أخلاقه
جمع مع العلم التواضع للعلماء والمتعلمين؛ لكنه كان مع التواضع وقورًا مهيبًا، محبوبًا بين الناس، حسن العشرة والصحبة، يهتم بمرافقيه وطلابه، ويعتني بهم ، بارًا بوالديه وأعمامه، حريصًا على خدمتهم في حياتهم؛ و يكثر من زيارتهم بعد موتهم، ويذكرهم بالاحترام، بارًا بشيوخه وعلماء عصره؛ يحرص على رضاهم ويتردد إليهم.
كان قليل المزاح، كثير الذكر والتلاوة والصلاة، يحافظ على الصلوات لأوقاتها مع الجماعة، ، يديم التهجد، و يحرص على تطبيق السُّنَّة في أعماله وعباداته.
أما كرمه فقد كان فيه قليل النظير؛ فقد كان محبًّا للضيوف يكرمهم ويتولى شؤونهم، وبنى لهم غرفًا متصلة بمنزله ليؤمن لهم راحتهم، وقد ينزل به الضيف ومعه زوجته وأولاده، فجعل لهم غرفًا غير الأماكن التي ينزل بها الرجال وحدهم، ولا يزهد بأي ضيف منهم حتى لو كان صغيرًا، وقد ينزل عليه من لا يعرفه فيحسن ضيافته واستقباله.
ولم تكن أحواله المادية في سَعَة، ولهذا فقد اضطر أحيانًا لبيع بعض ما يملك، ومنها كتبه؛ للقيام بحق الضيافة، ثم عوض الكتب التي باعها حين تيسر له المال.
آثاره العلمية التي تركها:
ترك الشيخ بعض المؤلفات النافعة و منها :
- " الكوائن من الأمور والحوادث الغيبيَّة بين يدي الساعة" و هو يتحدث عن الفتن والملاحم وعلامات الساعة الصغرى والكبرى ، وهو من أَجَلِّ الآثار التي تركها، وقد أمضى دهراً طويلاً في تصنيفه واختيار آثاره من أمهات الكتب.
ـ الجداول في القراءات.
ـ ومنظومة" القول الأصدق في ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق".
ـ ومنظومة" تلخيص صريح النص في الكلمات المختلفة فيها عن حفص".
ـ النفس المطمئنة في كيفية إخفاء الميم الساكنة بغنَّة.
ـ المكاييل والأوزان الشرعيَّة ومعادلتها بالغرام.
ـ فقه الحج على مذهب الإمام أبي حنيفة.
- مجموعة من الأدعية والأذكار.
حسن الخاتمة
قال الدكتور أيمن سويد "وهو تلميذه وزوج ابنته" : الشيخ عبدالعزيز عيون السود ما ترك صلاة التهجد منذ عرفته ،وقد توفي وهو ساجد في صلاة التهجد .
ففي ليلة وفاته صلَّى ونام ، ثم أحس بالتعب ؛ لكنه قام للتهجد كعادته، فتوضأ للصلاة، وما إن بدأها حتى توفي في سجوده، وكان ذلك في السَّاعة الرابعة قبل فجر يوم 13 صفر 1399هـ الموافق 13 كانون الثاني 1979م ، عن عمر ناهز 62 عاما رحم الله الشيخ عبد العزيز رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.