الحمد لله الذي أعزنا بدينه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، الذي أخرجنا الله به من دركات الكفر إلى منازل الإيمان العالية، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الإسلام ربَّى في أتباعه الاعتزاز بدينهم ورَفْعَ الرأس به في كل محفل: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ونهاهم عن التشبه بأعدائهم كما في الحديث الصحيح: «لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»؟ وفي السنن عن ابن عمر: «من تشبَّه بقوم فهو منهم».
ومع اتساع دائرة التواصل مع غير المسلمين في هذا العصر، فخليق بالمؤمن أن يتدبر المعاني التي تنفخ في روحه العزَّة والفخر بهذا الدين، لا أن ينحني ويرضى بالدون حين يتشبه بمن نهاه الله ورسوله عن التشبه بهم، كما هو مشاهد من كثيرٍ من المسلمين اليوم، الذين بدت عليهم مظاهر التشبه بالكفار في اللباس وبعض العادات ذات الأبعاد الدينية.
والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد العلاج الرباني لهذه الظاهرة في آيات شتى، من أعظمها تدبُّرُ سورة الفاتحة؛ السبع المثاني والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم.
ذلك أن نصف هذه السورة ذهب في تقرير مسألة الاستقلال، والعزة بهذا الدين، والحذر من التشبه باليهود والنصارى -الذين ذكرهم صلى الله عليه وسلم في الحديث الآنف الذكر- فكيف بغيرهما من الأمم التي لا كتاب لها، وليس لها من الأحكام التي تميزت بها الأمم الكتابية! وذلك في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
فأنت ترى كيف أمرنا في اليوم والليلة سبع عشرة مرة على الأقل بهذا الدعاء العظيم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الذي سار عليه مَنْ: ﴿أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾، وتأكد بالبراءة من طريق الأمة اليهودية التي غضب عليها لتركها العمل بالعلم، وبالبراءة من طريق الأمة النصرانية التي عبدت الله تعالى على غير هدى ولا كتاب منير.
إنَّ تدبُّرَ هذه السورة ليجتثُّ شجرة التشبه من أصلها، لكن هل الذين يتشبهون بالكفار يدركون ويتدبرون ما يقرؤون؟!
ومن بدائع هذه الآية العظيمة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أنها تضمنت سؤال العبد أن يهديه ربه إلى طريق الأنبياء جملةً وتفصيلًا، فهذا الدعاء يشمل الهداية إلى الصراط، وهو لزوم دين الإسلام وترك ما سواه من الأديان، والهداية في نفس الصراط إذا وُفق العبد لسلوكه؛ أي أن يُهدى لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، ولهذا قال بعض العلماء: فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.
وبما تقدم، ينفتح للمتدبر سرٌّ من أسرار هذه السورة العظيمة، التي أُمرنا بقراءتها في كل ركعة، فهل نرى أثرها على حياتنا جميعًا وعلى إخواننا وأخواتنا من الذين رضوا لأنفسهم بالدون حين تشبهوا بالكفار؟!
اللهم ارزقنا الاعتزاز بديننا، وأعذنا من التشبه بأعدائك..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.