إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كلِّ عملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين.
عباد الله؛ في الخطبة السابقة تكلَّمنا عن مكارمِ الأخلاق وأحاسِنها، وفاز فيها بالدرجة الأولى نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، بشهادة رب العالمين، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وأما خطبة اليوم فهي عن: سوء الآداب والأخلاق يفسد الأعمال والأرزاق، والذي أخذ الدرجة الأولى فيها -والعياذ بالله- هو إبليس اللعين، حيث أساء الأدب مع الله، مع ربِّ العالمين، فهو مطرود من رحمة الله.
فأساء الأدب مع الله كلُّ من أبى استكبر وتعالى على أوامر الله جل جلاله، وكلُّ من اتبع الشيطان في غواياته وضلالاته.
أساء الأدب مع الله من ادّعى أن مع الله إلهاً آخر، وكلُّ من ادعى أنَّ الله اتّخذ صاحبة أو ولداً أو بنتاً، أو قال: إن الله ثالث ثلاثة!
أساء الأدبَ مع الله كلُّ من ادعى أنَّ ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]، و﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181].
أساء الأدب مع الله من ادعى؛ أنَّ اللهَ لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلَّم موسى تكليماً!..
أساء الأدب مع الله من نفى القدر، وقال: إن الأمر أُنُف.
وأساء الأدبَ مع الله من نفى أن يكون هناك عذابٌ أو نعيمٌ في القبر، أو قال: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24].
وأساء الأدب مع أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، من لم يؤمن بهم، أو لم يؤمن بما جاؤوا به، أو استهزأ بهم، أو وصفهم بما لا يليق بهم؛ من أنهم شعراء أو سحرة، أو مجانين أو كهنة، أو نفَّر من دعوتهم، وتجرّأَ مع من تجرأ فَقَالُوا عن نبيِّهم: ﴿ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 24].
فأكثرُ من أساء الأدبَ مع نبيِّنا محمِّد صلى الله عليه وسلم؛ المنافقون، ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾ [التوبة: 61]، والخوارجُ الذين يتهمونه بعدم العدل فقال مؤسِّسهم وأولهم، قطع الله دابرهم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ). (خ) (3610)، وفي رواية: (مَا عَدَلْتَ). (خ) (4667)، وفي رواية: (يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ). (خ) (7432)، وفي رواية: (وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ). (خ) (3150).
وأساء أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم من لم يتبع هديَه المستنير، ولم يستنّ بسنّته المضيئة، ولم ينتهج طريقته القويمة، قدر وسعه، وطاقتِه واستطاعتِه.
وأساء الأدبَ مع النبي صلى الله عليه وسلم من ظنّ أن هديه وسنّته عادةٌ قديمة، وتخلف ورجعية.
أيها المسلمون؛ لا تسيئوا الأدب مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ فهم من لقوا النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وبما جاء به من الهدى، وماتوا على ذلك، إنهم الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وجاؤونا بهذا الدين والخير، فيجب علينا أن نترضى عنهم ولا نذكرَهم إلا بخير، فاللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
ونعتذرُ لما شجر بينهم من منازعات واقتتال، فهم بشرٌ وليسوا بأنبياء ولا ملائكة، فأساء الأدبَ مع الصحابة رضي الله عنهم من سبَّهم أو لعنَهم، أو شتمهم أو استهزأ بهم، أو احتقرهم أو انتقصهم، أو قال عنهم: هم رجال ونحن رجال! كيف وقد قال الله عزو وجل عنهم: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
والصالحون من عباد الله وهم أولياء الله، - نسأل الله أن نكون منهم -، و[الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِمُ بِاللَّهِ، الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ، الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ] (فتح الباري: 11/ 342)، وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون، وقد قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ("مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"). (خ) (6502)، وفي رواية: ("إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَانِي،.."). (حب) (347)، (الصحيحة) (1640). وفي رواية: ("مَنْ أَذَلَّ") أو ("آذى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي،..."). (حم) (26193).
فيجب علينا إكرامُهم واحترامُهم وتوقيرهم، فأساءَ الأدبَ معهم من عاداهم أو آذاهم أو ازدراهم، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ("أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟") قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ عز وجل")، - يعني بمجرد أن تراهم تذكر الله تعالى، فهؤلاء هم خيار الناس-، ("أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟") - ذوي الأخلاق السيئة والفاسدة-؟ قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبّة، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ"). الحديث بزوائده: (جة) (4119)، (خد) (323)، انظر صحيح الأدب المفرد: (246)، (323) (حم) (27640)، انظر الصَّحِيحَة: 2849، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2658)، (العَنَت): المَشَقَّة.
وسوء الأدب مع العلماء والدعاة، وهم الذين يحملون هذا الدين، المبلِّغون شرعَ الله سبحانه وتعالى، المعلِّمون عبادَ الله عبادتهم ودينَهم، والداعون عبادَه إلى عبادته، إنهم عدولُ هذه الأمّة، الذين قَالَ فيهم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُه؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ). (هق) (20700)، (مسند الشاميين) (599)، المشكاة: (248).
وسوء الأدب معهم؛ مع العلماء والدعاة؛ اتهامُهم بشتى التُّهم، والطعنُ فيهم بما ليس فيهم، ووصفُهم بصفاتٍ هم منها برآء، فمن سوءِ الأدبِ معهم؛ التنفيرُ من مجالسِهم، وردُّ دعوتهم، وإخراجُهم من دائرة الهداية، إلى هوِّة الضلال والغواية، فبسوء الأدب مع العلماء سقط من سقط، وهوى من هوى، وانطبق عليه قول نبي الهُدى صلى الله عليه وسلم: ("لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ"). (حم) (22807)، (ك) (421) صَحِيح الْجَامِع: (5443)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (101)، (الحديث حجة بنفسه) (ص83). فإذا كانَ اغتيابُ عموم الناس حذّر منه الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
وسوء الأدب مع كبار السن والمكانة، بعدم توقيرهم، واحتقارِهم لا احترامِهم، وعدم تقديمهم في المجالس، ومناداتِهم بأسمائهم مجردة، كأنهم أقران، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ شَيْخٌ) أي كبير سن (يُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا") (ت) (1919)، (خد) (356)، انظر الصحيحة: (2196).
وكذلك من سوء الأدب عدم إكرام كبير القوم، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ"). (جة) (3712)، (هق) (16463)، صَحِيح الْجَامِع: (269)، الصَّحِيحَة: (1205).
أما سوء الأدب مع عموم الناس؛ فالأصل رحمة الناس والإحسان إليهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ"). (حم) (7988)، (د) (4942)، (ت) (1923)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7467)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2261).
وعكس ذلك سوء أدبٍ معهم، ومن ذلك غشُّهم والكذبُ عليهم، وإخلافُ عهودهم ووعودِهم، ونقضُ مواثيقِهم، والغدرُ في عهودِهم، والخيانةُ في أماناتِهم، وإيذاؤُهم والتسبُّبُ في ضررهم، وسائرُ الصفاتِ الذميمةِ في معاملتهم. فكيف بتعريض أرواحهِم وأموالِهم وأعراضهم للهلاك، حسب الهوى بعيداً عن الهدى؟
أمّا سوءُ الأدب مع النفس، فبتعريضها للمشقة في العبادة، والعنت في الطاعة، كأن يواصل في الصوم، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: («إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ») مَرَّتَيْنِ -يعني لا تواصلوا في الصوم ليلا إلى السحر- قِيلَ: (إِنَّكَ تُوَاصِلُ!) قَالَ: («إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ»). (خ) (1966).
إن ديننا أدبنا حتى مع الطيور والعصافير ألاّ نسيء الأدب معها، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا؛ إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عز وجل عَنْهَا")، فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا حَقُّهَا؟!) قَالَ: ("حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحُهَا فَيَأكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأسَهَا فَيَرْمِي بِهَا"). (س) (4445)، (حم) (6550)، (ك) (7574)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (1092)، (2266).
فليس من الأدب مع الحيوان والحشرات تعريضها للنار وحرقها، لقد عاتب الله عز وجل نبيًّا من أنبياءه عليهم الصلاة والسلام، حرق قرية نمل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ") -جهاز النمل وقرية النمل- ("فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ: قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ؛ فَأَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ؟) (فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً؟!"). الحديث بزوائده: (خ) (3019)، (خ) (3319)، (م) 148- (2241)، (م) 149- (2241)، (س) (4358)، (د) (5265).
وأما إساءة الأدب مع النبات فيكون ذلك بقطع الأشجار والنبات دون فائدة، ولغير مصلحة، فهذا من الفساد والإفساد في الأرض، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد ﴾. [البقرة: 205، 206] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ")، سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: (هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ؛ يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ، وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا، وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ"). (د) (5239).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
ما عاقبة سوء الأدب في الدنيا والآخرة؟ من ساءت آدابهم وأخلاقهم منبوذون في الدنيا من مجتمعاتهم، مضيَّق عليهم في معايشهم وأرزاقهم، أبواب الخير في وجوههم مؤصدة، وسبل الهداية أمامهم مغلقة.
فسوء أخلاقهم أفسدت أعمالهم كما يفسد الخل العسل، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ"). (عبد بن حميد) (799)، (طس) (850)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (176)، الصَّحِيحَة: (906).
وسوءُ آدابهم أفسدت جوَّهم وأرضَهم، فانتُزِعت منها البركات، واضمحلّ الغيث ونقصت الأمطار من السماوات.
وفي الآخرة ما هو مصيرُ سيئي الآداب والأخلاق؟ إنهم عن ربهم مبعدون، وعن مجالس نبيِّهم معزولون، ألا تعلمون ما قَالَه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ("أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!") فَسَكَتَ الْقَوْم، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الْقَوْمُ: (نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا"). (حم) (6735)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2650)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
سيءُ الخلق من سيشهد له بأنه من أهل الجنة؟
واحد أو اثنان أو أربعة كم؟ ورد عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ؛ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ")، فَقُلْنَا: (وَثَلَاثَةٌ؟) قَالَ: ("وَثَلَاثَةٌ")، فَقُلْنَا: (وَاثْنَانِ؟) قَالَ: ("وَاثْنَانِ")، قَالَ: (وَلَمْ نَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوَاحِدِ). الحديث بزوائده: (خ) (1302)، (ت) (1059)، (س) (1934)، (حم) (204)، (ش) (11996).
من شهد له أربعة أو ثلاثة أو اثنان بالخير أدخل الجنة، فمن سيشهد لسيء الخلق يا عباد الله؟
فاللهم صلّ وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.