الأصل في الأذان أن يكون مجردا من الكلمات الزائدة والاكتفاء بالألفاظ المعروفة ما لم تكن هناك ضرورة لزيادة، على أن أي زيادة في ألفاظ الأذان لا بد أن تكون زيادة مشروعة وردت بها الأحاديث.
ومن الزيادات المشروعة التي جاءت بها السنة النبوية المطهرة قول المؤذن ساعة الأعذار التي تبيح الصلاة في البيت من برد ومطر ورياح شديدة أو أوبئة منتشرة يخشى مع هلاك النفس وغير ذلك أن يقول: "صلوا في رحالكم".
حكمها:
وفي هذه الزيادة أحكام مشروعة وردت بها السنة وتكلم فيها الفقهاء، ومنها أنها سنة، وهو مذهب جمهور الفقهاء،خلافا لمن قال بوجوبها وقت العذر كابن حزم، والأقرب: الأول، لعدم الدليل على الوجوب.
متى يقولها المؤذن؟
السفر والحضر
يقولها المؤذن في أوقات الجمع وغير أوقات الجمع كصلاة الفجر بسبب المطر والريح الشديدة والبرد الشديد إن كان نزل المطر قبل خروج الناس إلى الصلاة في المساجد فينادي المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم)، فيصلون في بيوتهم دون جمع، وتأتي الأدلة، وإن كان نزل المطر بعد وصول الناس إلى مساجدهم فيشرع الجمع حينها ولا تقال، لأن الناس سيصلون في مساجدهم.
وفي اقتصار قولها على السفر أم الحضر قولان أنها خاص بالسفر لرواية التقييد بالسفر، والقول الثاني: ليس خاصًا بالسفر لرواية مالك بدون تقييد، ونسبه الزرقاني إلى الجمهور واختاره ابن حزم، والأقرب: الثاني، لأن الجمع يصح في السفر والحضر، ولأن الأعذار في ترك الجماعة تكون في الحضر وفي السفر.
كلمة زائدة:
وقع الخلاف لأأيضا في كون هذه العبارة أصلية ام زائدة، فقد حكى ابن رجب في الفتح الأمرين، وقال البخاري باب الكلام في الأذان وكذا البيهقي باب الكلام في الأذان فيما للناس فيه منفعة وذكرا أحاديث ألا صلوا في رحالكم، إشارة إلى إدراج هذه اللفظة في الأذان وليست من ألفاظ الأذان، وهو ظاهر اختيار ابن تيمية وابن المنذر وابن عبدالبر وجعله كالتثويب في الفجر.
متى تقال:
قيل تقال في أثناء الأذان، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة، واختاره ابن تيمية في شرح العمدة، وقيل بعد الأذان، وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية واختاره الشوكاني، فيما يرى بعض الأحناف والشافعية أن الأمر واسع.
ومن قال إنها تقال في أثناء الأذان اختلفوا في مكان من الذان بالتحديد، على أقوال؛ القول الأول: تقال في أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية واختاره الخطابي، واستغربه ابن رجب في فتحه، القول الثاني: تقال بعد الحيعلة مع الحيعلة، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة واختيار ابن تيمية، القول الثالث: الأمر واسع، وهو لبعض الحنفية ومذهب الشافعية.
للأذان ألفاظ مخصوصة لا يجوز تجاوزها إلا بنص
والأقرب: كل ذلك جائز في المسألتين، لأن الأدلة والآثار وردت بها كلها، واختاره النووي، لما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما أذن في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على إثره: «ألا صلوا في الرحال» في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر) رواه البخاري وفي لفظ بدون السفر رواه مالك، وورد عن عمرو بن أوس يقول: أنبأنا رجل من ثقيف، أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في ليلة مطيرة في السفر - يقول: «حي على الصلاة. حي على الفلاح. صلوا في رحالكم» رواه النسائي، وورد عن عبدالله بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض)؛ رواه البخاري ومسلم.
الصلاة مع المشقة:
على أنه ينبغي العلم انه في حال المشقة في أداء الصلاة في المسجد في البرد يكون قول المؤين هذا سنة ولمن تحمل الأمر وتحمل المشقة وذهب للمسجد أجره فليس الأمر للوجوب، قال القسطلاني في الجمع بين الأحاديث: (ويكون المراد من قوله: الصلاة في الرحال، الرخصة لمن أرادها، وهلموا إلى الصلاة الندب لمن أراد استكمال الفضيلة ولو تحمل المشقة وفي حديث جابر المروي في مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فمطرنا، فقال: ليصل من شاء منكم في رحله. وقد تبين بقوله: من شاء. أن أمره عليه الصلاة والسلام بقوله: ألا صلوا في الرحال، ليس أمر عزيمة حتى لا يشرع لهم الخروج إلى الجماعة، إنما هو راجع إلى مشيئتهم، فمن شاء صلى في رحله ومن شاء خرج إلى الجماعة).
كما أن ظاهر الأدلة المتقدمة تقال مرة واحدة، وورد مرتين والأقرب: ألا يزاد على ما ورد حتى لا يخرج الأذان عن نظمه ويطول عن عدده، وقد ورد مرة ومرتين كما تقدم.
وفيما يخص الإجابة على قول المؤذن صلوا في رحالكم، قيل أن يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله لأنها كالحيعلة. (موقع المسلم)