ماهو حكم ليلة نصف شعبان وما هو الدعاء والصلاة التي تشرع في هذا اليوم ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ليلة النصف من شعبان قد ورد في فضلها عدة أحاديث، منها ما هو صالح للاحتجاج، ومنها ما هو ضعيف لا يحتج به . فمما هو صالح للاحتجاج ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ورواه الطبراني، وحسنه الألباني- رحمه الله- في صحيح الجامع برقم 771. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن ماجه، وابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
هذا، وقد قال عطاء بن يسار: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، يتنزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم، إلا لمشرك أو مشاجر أو قاطع رحم.
فينبغي على العبد أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة. ومن هذه الذنوب: الشرك بالله، فإنه مانع من كل خير. ومنها الشحناء والحقد على المسلمين، وهو يمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم. فأفضل الأعمال بعد الإيمان بالله سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها.
ولم يثبت في تخصيص هذه الليلة بصلاة معينة، أو دعاء معين، شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وأول ظهور لذلك كان من بعض التابعين. قال ابن رجب في لطائف المعارف: ( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها. وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قَبِلَه منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز).
وقال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة).
وقال الشافعي رحمه الله: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب ونصف شعبان.
وأما صيام يوم النصف من شعبان فيسن على أنه من الأيام البيض الثلاثة، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، لا على أنه يوم النصف من شعبان، فإن حديث الصيام فيه لا يصلح للاحتجاج، بل هو حديث موضوع، وهو قوله (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها.
والله أعلم.
قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله: (حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه).
• وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"ليله النصف شعبان...!!!!!!!! الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب...، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب: "قوت القلوب"، و"إحياء علوم الدين"، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك).
• وقال العلامة ابن بازـ رحمه الله ـ بعد أن ساق الأدلة على بدعية ذلك: (ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم).
• وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ليله النصف شعبان...!!!!!!!! إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة) اهـ.
• وقال العلامة يوسف القرضاوي ـ حفظه الله: (ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة...)، وقال أيضا: (أما ليلة النصف من شعبان فمعظم ما يفعل فيها من أشياء ليس واردا،ولا صحيحا ولا من السنة في شيء)، وقال في جواب عن تخصيص صيام أيام من شعبان: (...أما أن يصوم أياما محددة، فلم يرد قط، وفي الشرع لا يجوز تخصيص يوم معين بالصيام، أو ليلة معينة بالقيام دون سند شرعي ..إنّ هذا الأمر ليس من حق أحد أيا كان وإنما هو من حق الشارع فحسب ...).
خلاصة الأمر:
فإذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصه هذه الليلة بعبادة، وكان عامة ما ورد فيها إما موضوع أو ضعيف، ولم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم شيء في هذا،فلا وجه إذن لاتخاذ ليلة النصف من شعبان شعيرة للعبادة تضاهي أيام الجمعة والأعياد وصلاة التراويح، فما صح غاية ما فيه الحث على الإقلاع عن كبيرتين من كبائر الذنوب هما: الشرك، والشحناء. فمن كان حريصا على بلوغ أجر هذه الليلة فعليه العمل بموجب ما ثبت من الأثر، وما جاء الحث عليه، أما اختراع عبادة وطاعة لم تثبت، ولم يدل عليها حديث صحيح، فليس إلا بُعداً عن السنة والعمل الصالح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) [البخاري].
وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها، والحذر مما خالفها، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.