فالنفس جبل عظيم، شاق في طريق السير إلى الله عز وجل، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، فلا بد أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاق عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنه ليسير لمن يسره الله عليه، وفي ذلك الجبل أودية وشعاب وعقبات ووهود، وشوك وعوسج وعليق وشرق، ولصوص يقطعون الطريق على السائرين لا سيما أهل الليل المدلجين، فإذا لم يكن معهم عُدَد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع، وتشبثت بهم تلك القواطع، وحالت بينهم وبين السير، فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته.
والشيطان على قُلَّة ذلك الجبل، يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه، فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قتله، وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع والمعصوم من عصمة الله.
وكلما رقِيَ السائرُ في ذلك، اشتد صياح القاطع وتحذيره وتخويفه، فإذا قطعه وبلغ قلته، انقلبت تلك المخاوف كلهن أماناً، وحينئذ يسهل السير وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها، ويرى طريقاً واسعاً آمناً يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام وفيه الإقامات قد أعدت لركب الرحمن، فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة وعزيمة وصبر ساعة وشجاعة نفس وثبات قلب، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" [مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين (2/7) لابن القيم].
ويصف ابن تيمية خطر هواها على صاحبه، وأنه لا يثبت على حال واحدة، بل إن ما يزعم أنه حق يدعو إليه، ينقلب عنده باطلاً يعارضه ويحاربه، وما يزعم أنه باطل يدعو إلى تركه ويظهر قبحه، ينقلب عنده حقاً يدعو إليه ويحارب من يكره.
قال رحمه الله: "والناس هنا ثلاثة أقسام: قوم لا يقومون إلا في أهواء أنفسهم، فلا يرضون إلا بما يُعْطَونه، ولا يغصبون إلا لما يحرمونه، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات الحلال والحرام، زال غضبه وحصل رضاه، وصار الأمر الذي كان عنده منكراً – ينهى عنه ويعاقِب عليه ويَذُم صاحبَه ويغضب عليه – مرضيا،ً وصار فاعلاً له وشريكاً فيه، ومعاوناً عليه ومعادياً لمن نهى عنه وينكر عليه، وهذا غالب في بني آدم يرى الإنسان ويسمع ما لا يحصيه. وسببه أن الإنسان ظلوم جهول فلذلك لا يَعدِل، بل ربما كان ظالماً في الحالين، يرى قوماً ينكرون على المتولي ظلمه لرعيته واعتدائه عليهم، فيرضي أولئك المنكرين ببعض الشيء، فينقلبون أعواناً له، وأحسن أحوالهم أن يسكتوا عن الإنكار عليه، وكذلك تراهم ينكرون على من يشرب الخمر ويزني ويسمع الملاهي، حتى يدخلوا أحدهم معهم في ذلك، أو يرضوه ببعض ذلك، فتراه قد صار عوناً لهم، وهؤلاء قد يعودون بإنكارهم إلى أقبح من الحال التي كانوا عليها، وقد يعودون إلى ما هو دون ذلك أو نظيره" [الفتاوى (28/147)].