يقول الحق في محكم التنزيل آمرا عباده بالتحلي بخلق رفيع ووصف جميل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فالأمة مأمورة بالعدل ومنهية عن البغي. ولقد كان هذا نهجا لرسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ولصحابته الكرام رضوان الله عليهم في جميع أمورهم وسائر أحوالهم، وليس المقام هنا مقام الحديث عن عدل الصحابة الكرام وعن إنصافهم فيما بينهم، فلقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة وأحسنها، إنما المقام هنا للحديث عن عدلهم وإنصافهم مع غير المسلمين ممن عاصروا من كفار زمانهم.
لا يخفى على أي متابع لسيرة خير القرون تباينُ مواقفِ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من كفار زمانهم تبعا لتباين مواقف الكفار أنفسِهم تجاه دعوة الإسلام وحملة رسالته. فالموقف الذي سطره كتاب الله تجاه من تعبدنا بلعنته إلى يوم الدين عند نزول قوله تعالى "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" لم يكن موقفا تجاه جميع من مات على الكفر، فليست الأمة مأمورة بلعن كل من مات على الكفر إلى يوم القيامة!!. وليس أحد سوى أبي جهل -مثلا- نال لقب "فرعون هذه الأمة".
كما أن الموقف ممن دافع عن دعوة الإسلام واحتضن أبناءها كعم النبي صلى الله عليه وسلم، والمطعم بن عدي الذي أجاره عليه الصلاة والسلام وغيرهم من الكفار لم يكن يوما موقفا عدائيا تجاه شخوصهم وذواتهم.
إذن فموقفنا من الكفر كعقيدة، ومن الشرك كدين وملة، لا يحتم توحد مواقفنا تجاه الأفراد ممن اعتقدوا الكفر ودانوا به، إنما هنالك اعتبارات ومتغيرات أخرى تدخل في معادلة "المعاملة" لهؤلاء الأفراد من أبناء الملة الواحدة والدين الواحد. ولا أدلَّ على هذا التفريق من قوله تعالى "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". فنحن لسنا منهيين إذن عن البر والقسط مع من لم يحاربنا ويرفع في وجهنا السلاح مع أنه كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر!! لا , بل إن الله امتدحنا على هذا البر معهم قائلا "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
لقد مات قبل أيام المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله، ولقد أثار فضولي كثيرا ما سمعته عن الرجل وعن أفكراه التي توصف بالمعتدلة وعن منهجه في التقريب بين السنة والشيعة. وأثناء بحثي عن تصريحاته وعن آراء المراجع الشيعية الأخرى فيه، شاهدته في إحدى مقابلاته يترضى عن سيدنا أبي بكر الصديق، وفي أحد مصنفاته يصف السيدة عائشة "بأم المؤمنين". وفي محاضرة له يشكك في صحة رواية "كسر الضلع" والتي تتكلم عن كسر ضلع سيدتنا عائشة، وهي إحدى الروايات الثابتة عند الشيعة الإمامية والتي يستشهدون بها للطعن في الصحابة الأبرار... إلى آخر ذلك من المواقف التي تحسب لرجل تربى على المذهب الإمامي، وترعرع عليه حتى صارت له مكانة بين أتباعه والمنتسبين إليه.
كما استوقفني أيضا، أحد المواقع الإلكترونية التي أطلقها بعض نشطاء الشيعة، والتي تخصصت في الرد عليه والتبرئ منه ومن أفكاره تحت عنوان "ضلال نت"، وقد جمع الموقع فتاوى أكبر المراجع الشيعية في قم والنجف وغيرها، وهي بمجملها تنص على التبرئ منه ومن مخالفاته الكثيرة لأصول معتقد "الطائفة الحقة"!!
أقول وباختصار؛ إذا كنا نبرأ إلى الله مما عند الشيعة من انحرافات وضلالات ولعن وطعن في الصحابة الكرام وفي أمهات المؤمنين، فما واجبنا تجاه من يتبرأ من هذه الانحرافات أو من بعضها أو من الكثير منها من أبناء الطائفة نفسها؟! وإذا كنا نتمنى الهداية لهم، بعلمائهم وعوامهم، أليس واجب علينا وعلى علمائنا على وجه الخصوص دعمَ مثل هذه المحاولات للإصلاح من الداخل؟؟ كما أن أعداء الأمة يدعمون تدميرها وإفسادها من الداخل أيضا!!
ثم إذا كنا نبغض ونحارب كل من يحرض على أهل السنة، ويثير الفتن والقلاقل هنا وهناك، فلماذا لا نشجع وندعم الفتاوى والتيارات التي تحقن الدماء وتحفظ الأرواح وتقدس الحرمات؟؟ أليس من مقتضيات العدل والإنصاف ألا تؤخذ الحسنة بعروى السيئة؟؟ أليس من الإنصاف والعدل أن نفرق في موقفنا بين هذا وذاك؟؟ أوليس من العدل والإنصاف أيضا أن يقال للمحسن إذا أحسن: أحسنت، وللمسيء إذا أخطأ وضل: أخطأت وضللت؟؟؟
قول وباختصار؛ إذا كنا نبرأ إلى الله مما عند الشيعة من انحرافات وضلالات ولعن وطعن في الصحابة الكرام وفي أمهات المؤمنين، فما واجبنا تجاه من يتبرأ من هذه الانحرافات أو من بعضها أو من الكثير منها من أبناء الطائفة نفسها؟! وإذا كنا نتمنى الهداية لهم، بعلمائهم وعوامهم، أليس واجب علينا وعلى علمائنا على وجه الخصوص دعمَ مثل هذه المحاولات للإصلاح من الداخل؟؟ كما أن أعداء الأمة يدعمون تدميرها وإفسادها من الداخل أيضا!!
كلامكم مضبوط أخى الكريم : أبو فيصل ،، وأنا دائماً لا أحب أن انظر إلى كل الأشياء بنظرية المؤامرة حتى المخالفين لى فى العقيدة كالنصارى واليهود وغيرهم من الفرق الضالة
مرة ً أخرى بارك الله فيك ونسأل الله أن يجعلنا سبباً من أسباب عزة الإسلام ونصرته