شن كفار قريش حربا نفسية رهيبة على المسلمين قبل الهجرة إلى المدينة المنورة حتى لايشعروهم براحة؛ وقد تمثلت هذه الحرب في شكل ضغوط نفسية من قبل الأهل والأقارب على أبنائهم حتى يتركوا الإسلام، فاجتمع أهل الكفر وأعلنوا في مكة أنه على كل أب وعلى كل أم، وعلى كل شيخ قبيلة، أن يتصدَّى لأبنائه وذويه ممن دخلوا الإسلام وآمنوا به..
وكان ممن حورب بذلك السلاح النفسي الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ فقد حاولت أُمُّه أن تُصرفه وترده عن الإيمان والإسلام بشتى الطرق؛ ولكن محاولاتها باءت بالفشل.
ولكنها لم تيأس فلجأت إلى وسيلة جديدة معتقدةً أنه لن يُجدي مع ذاك الابن الذي فارق دين الآباء غيرها، فأعلنت الإضراب عن الطعام والشراب حتى يرجع سعد رضي الله عنه عن دينه!
لقد مارست حربًا وضغطًا نفسيًّا كبيرًا على ذلك الشاب الذي لم يتعدَّ العشرين من عمره، وعلى الرغم من ذلك، فقد ثبت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ورفض أن يترك الإسلام.
ومع أن الله عز وجل أمر سعدًا -ومَنْ كان في موقفه- بعدم الطاعة للوالدين إذا أمرا بالشرك؛ فإنه سبحانه أراد من المسلمين أن يضربوا مثالاً أخلاقيًّا فريدًا في معاملة الآباء والأمهات، فأمرهم بحُسن الصحبة، وقول المعروف للوالدين، حتى في مثل هذه الظروف.
وأمام هذا الإصرار النابع من إرادة داخلية جادَّة لدى سعد بن أبي وقاص، وليس فقط مجرَّد إعلان التحدي مع أمه، لم تجد أمه أمامها إلا التراجع والاستسلام أمام صمود ابنها فأكلت الأم وشربت، وبقي سعدٌ مسلمًا وفي نفس الوقت لم يقع في جريمه العقوق بأمه رضي الله عنه وعن صحابة النبي الكريم أجمعين.