كتبت امرأة سوداء مسكينة كتاباً إلى عمر بن عبد العزيز – رحمه الله ورضي الله عنه – وهذه المرأة تسمى "فرتونة السوداء" من الجيزة بمصر وكان فيه – أي في الكتاب – أن لها حائطاً متهدماً لدارها ، يتسوره اللصوص ويسرقون دجاجها ، وليس معها مال تنفقه في هذا السبيل.
فكتب عمر بن عبد العزيز إلى والي مصر "أيوب بن شرحبيل" : "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أيوب بن شرحبيل ، سلام الله عليك. أما بعد ، فإن فرتونة السوداء ، كتبت إلىَّ تشكو إلىَّ قِصر حائطها وأن دجاجها يُسرق منها ، وتسأل تحصينه لها ، فإذا جاءك كتابي هذا ، فاركب إليها بنفسك وحصّنه لها".
وكتب إلى فرتونة: "من عبد الله عمر بن العزيز أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء: سلام الله عليك ، أما بعد ، فقد بلغني كتابك ، وما ذكرت فيه من قِصر حائطك ، حيث يُقتحم عليك ويُسرق دجاجك ... وقد كتبت إلى أيوب بن شرحبيل ، آمره أن يبنى لك الحائط حتى يحصنه مما تخافين إن شاء الله".
يقول ابن عبد الحكم – راوي القصة – : "فلما جاء الكتاب إلى أيوب بن شرحبيل ركب بنفسه حتى أتى الجيزة وظل يسأل عن فرتونة حتى وجدها ، فإذا هي سوداء مسكينة ، فأعلى لها حائطها" ([1]).أ.هـ
فانظر – رحمك الله – إلى هذا الإمام العادل الذي اجتهد في مدة ولايته – مع قصرها – حتى ردَّ المظالم ، وصرف إلى كل ذي حقٍ حقه ، وكان ينادى في كل يوم: أين الغارمون؟ أين الراغبون في الزواج؟ أين اليتامى؟ أين المساكين؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء ، ولذلك قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يحب عمر بن العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن من وراء ذلك خيراً إن شاء الله.
--------------------------------------------------
([1]) انظر سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجو زى تحقيق نعيم رزوز ص/75 دار الكتب العلمية.