طالما عاشت الأمة الإسلامية في رخاء وهناء، ورغم كل العقبات التي سدت منافذ النور، إلا أنها تجاوزتها، وها هي بعد هذا قد أقبلت على نهاية النفق، لتصعد بعد ذلك القمم، وتبلغ ذروة الحضارة التي عرفتها البشرية حينها... بعد قرون العز هذه أتت الفتن لتخربها، وتفرق شعوب الأمة الواحدة.
كانت هذه الشعوب تعيش خلف سور حصين، لا يقربه عدو مهما كان، لكن ما إن بدأ ينشق، ويتصدع، حتى قدمه الأعداء متبختري المشية، وضربوه بفأس الكراهية، فتهاوى كله، وتبعثرت اللبنات المحطمة وسقط بين كل مجموعة من أبناء الأمة عمود مهدم، هو إذن الحدود... نعم... الحدود، التي تشبهت بشجرة سقطت على نهر، فجعلته طرفين أحدهما جف، والثاني فاض، فمنعت أن يساعد أحدهما الآخر.
لم يكتف الأعداء اللعينون بها، فوضعوا على رأس كل مجموعة من مجموعات الأمة الممزقة خونة، الذين هم أشبه شيء بالورم، الذي ما إن يصيب الأجساد حتى تنتقل العدوى من أعلى الرأس، إلى أنامل القدمين...
بعد كل هذا أكمل العدو مسيره، نحو ما يوجد خلف السور... إنها المقدسات، فما إن وصلها، حتى طفق يتلاعب بها. رنت الأمة حولها، وقد فاضت دموعها، فلا سبيل لها لتجمع شتاتها، فقد ألمت بأبنائها العلل، وفرقتهم عن بعضهم...
لكن... ما إن أطلقت صرخة حتى دوت في الأرجاء وهزت القلوب، وأيقظتها من سباتها ثم وحدتها، ليلتف أبناؤها كسور واحد ولينطلقوا هاجمين على العدو، وقد أبرحوه ضربا، ثم رموا به بعيدا عنهم، وعادوا يبنون سورهم بلبنات مصنوعة من خليط الأخلاق الإسلامية، أسسها إتباع تعاليم القرآن والسنة.