سأروي لكم قصة عجيبة ما لاكتها الألسن ، ولا عرفتها البشرية ، فلتنصت عقولكم ولتصفو أذهانكم لما سأرويه لكم ......
في يوم من الأيام كنت أسير في الشارع وفكرت في تناول قليل من الطعام في أي مكان وخطر على بالي الذهاب إلى المطعم الماليزي الجميل طعامه القليل ثمنه ...وفعلت .
وكان الطعام جميلا جدا حتى أنني أكلت فوق استطاعتي وقبيل مغادرتي منه راعني شئ غريب ، ومن هنا تبدأ قصتي ....
ذو شارب جميل المميز لأبناء جلدتي ، وثوب بلدي فضفاض ، شاب في ريعان شبابه وسيم إلى حد ما ، حافي القدمين ( لأنه يمسك نعليه ) عاري الرأس ( لأنه وضع عمامته على ذراعيه ) ونظرة ذل في عينيه قريبه إلى البكاء ،وخلف لوحته القاتمة تلك زوجته منكفئة الرأس في خضوع عجيب وكأنها منقادة إلى جنه أو إلى نار تحمل على ذراعيها طفل رضيع .
- ممكن تشتري أي شئ من هذه الأشياء ؟
- لا ، لا نريد شيئا . دار بينهما هذا الحوار على عجل ، وانصرف الشاب وزوجته ، وهو يداري دمعة أحسب أنني رأيتها من بعد ، وقررت تتبعه لمعرفة الأمر .....
سار سريعا تتبعه زوجته في استسلام .. عجبا لأمر هذه المرأة ! ما أطيبها ! أخرجت محفظتي وأخذت منها القليل من النقود عازما إعطاؤه شيئا شأنه شأن المتسولين ومددت السير حتى لحقت به
- لو سمحت .
أعقبتها بوضعي النقود في يده ، فوجدته ينظر لي في عدوانيه ويقول لي : ماذا تفعل ؟ لست متسولاً.
وذرفت عيناه بعض الدموع حسبتها خرجت رغما عنه ، ربتُّ على كتفه وقلت له : هَوِّن عليك ، لا شئ الآن سأتكلم معك فقط ..ممكن .
- إذا أردت فاشتري هذا الحذاء أو هذه العمامة أو خذ ثوبي ، وسأذكر جميلك طول العمر .
- لا حاجة لي بأشيائك وخذ هذه النقود .
- يا أخي أنا لا أتسول قلت لك ، فقط اشتري هذه الأشياء أو اتركني .
- طيب لا بأس لماذا تريد أن تبيع هذه الأشياء ؟
- لأنني أريد أن أرجع إلي قريتي أنا وزوجتي وليس معي ثمن التذكرة .
- وكيف جئت وماذا حدث ؟
- جئت لأخي في الحي العاشر ، وما عرفت عنوانه وقابلني شرطي سألني عن بطاقتي وبعد أن أعطيته البطاقة بحثت عن نقودي وما وجدتها ولا أعرف أين ذهبت؟ هل ضاعت ؟ هل سُرقت ؟ والله لا أعرف .
- ولكن أين عنوان أخيك ؟
- لا أعرف .. لا أعرف .
ربما تبدو قصته غير منطقية لبعض الناس ، غير أنني لا أحسب أن لهجته كانت كذلك ، وما الذي يجعله يفعل ذلك ؟ لا أحسبه يُهين زوجته لقاء فُتات الناس ، وأيضاً ما المُقنِع في حياتِنا حتى نَركُنَ إليه ونأخُذَ به ؟ ، وقد أضحى الفقير عبداً والغني سيداً ، والقوي حاكماً والضعيف محكوماً ، و الجحود معروفاً والمعروف منكراً ، والظلم عادةً والعدل مُتعجَّبٌ منه ، والقسوة طبعاً والرحمة تكلفاً ، والأمل منسياً والرجل ملهياً والصغير ضائعاً بين وقار الكبار وشقاوة الصغار ، وصارت الصحاري خضراء والجنان قفراء ، والعيون زاوية في محاجرها ، الحدقات تنظر إلى ما ليس لها ، والأيدي تأخذ وليس حقها ، والعبث ضارب والمرض فاشٍ ، تقدُّم في العلم ، تخلف في العقل ، تطور في الآلات انحلال في العقول ، ولا شئ سوى مسرحية هزليه قد تناس ضحكَها الناسُ ، وأخري قاتمة قد ألف حُزنَها الآخرون ، واجتمع الجميع ليأخذوا دورهم في طابور الحياة ........