لتوضيح الفكرة واستخلاص العبرة، سأروي لكم قصة:
كنت أشارك في مؤتمر للقيادة في أبو ظبي، وبحكم العادة التي يصعب كسرها، نزلت إلى مطعم الفندق مبكرًا. وبحكم العادة أيضًا، ملأت طبقي بالفواكه. ومن بين ما جمعته من السلال؛ فاكهة تسمى "رامبوتان." وبحكم القواعد والأصول، ناديت النادل وسألته عن طريقة أكلها. اجتهد الرجل واستعرض مهاراته في تقشير حبة الرامبوتان، ثم أكلها.
تناولت حبة أخرى وقشرتها، ومثله تماما؛ أكلت الغشاء المخاطي الأبيض .. الحلو، ثم سألته: وماذا عن البذرة؟ ابتسم الهندي وقال: لا تأكل البذرة. قلت: لماذا؟ فأجاب بأن ما من أحد يأكل بذور الرامبوتان؟ كررت السؤال: لماذا؟ فأجاب: لأنها لا تؤكل؟ فقلت بصوت أعلى: أعرف، ولكن لماذا؟ فجاءت الإجابة مرة أخرى: فقط .. لأنها لا تؤكل!.
أحضرت طبقا من الرامبوتان وبدأت أقشر الحبة تلو الأخرى: فآكل اللحاء الأبيض، ثم البذرة. ثم غيرت القاعدة: أكلت ثلاث "رامبوتانات"؛ القشرة واللحاء الأبيض معًا، لأن بذور الرامبوتان أطيب من لحائها الذي يأكله الهنود. طعمها يشبه طعم بذور المشمش البلدي الذي كنا نأكله صغارًا ونحبه أكثر من المشمش نفسه. ولا أدري لماذا لم نعد نفعل ذلك عندما كبرنا! ما من سبب يمكن ذكره سوى أن الكبار يلتزمون بالقواعد، فيتحرجون من كسر بذور المشمش البلدي ليأكلوا لبها.
في اليابان؛ يمنعك اليابانيون من شرب الشاي الأخضر بالسكر. وعندما تسألهم لماذا يحرمونك من أن تشرب شايك حلوًا، لا يأبهون كثيرا بخياراتك، لأن التقاليد أهم منك ومن طعم الشاي. فلا أحد يستطيع أن يقنع الياباني بإضافة السكر إلى الشاي، ولا أحد يجرؤ على مناقشة الإنجليز لماذا يقودون سياراتهم من اليمين، ومن الصعب إقناع بعض السعوديين بأنه يمكن السماح للمرأة بقيادة السيارة لأن كل السيدات في العالم يقدن السيارات بعد الحصول على رخصة. فإما أن نمنع النساء العالميات، وإما أن نسمح للنساء السعوديات.
في مسرحية مدرسة المشاغبين، رفض عادل إمام الوقوف احترامًا للمدرسة لأنه لم يتعود ذلك، وقال: "بعد 14 سنة خدمة في ثانوي بتقول لي أقف." وهذا ما حدث معي شخصيًا. بعد 50 سنة من أكل الموز، اكتشفت أنني أقشره خطأ. وبعد 50 سنة من انتعال الأحذية، اكتشفت أنني أربط حذائي خطأ. وبعد 20 سنة من التعليم الرسمي، اكتشفت أن حواس الإنسان أكثر من خمس ومن ست. وبعد 12 سنة من استخدام الموبايل، وهو هاتف وساعة وتلفزيون وكمبيوتر، اشتريت يوم أمس ساعة جديدة. لماذا؟ لأن كل الكبار يلبسون ساعات.
فما رأيكم بكسر القواعد التالية:
- نأكل "اليوسفي" الطري بقشره! جربوا؛ طعمه أحلى!
- نأكل وجبتين في اليوم، لا ثلاث! جربوا؛ سنوفر ونعمر!
- نتوقف عن شراء الساعات وربطات العنق! جربوا؛ سنريح معاصمنا ورقابنا!
- نتوقف عن مشاهدة التلفاز! جربوا! ستخسر شركات الإعلان!
- نضع قواعد لتغيير القواعد! فكروا! هذه صعبة؛ أليس كذلك؟ القواعد الأخيرة يصعب كسرها.